قطار الحل السياسي في سوريا؛ لماذا تعطّل في محطته الأخيرة؟

 

*جليلة الترك

 

بعد انطلاق الثورة في سوريا وفشل مبادرات الجامعة العربية في تغيير مواقف النظام لناحية الابتعاد عن جنون الحل الأمني وخطورته في التعامل مع المتظاهرات/ين، رُفع ملف سوريا إلى مجلس الأمن، وكان الفيتو الروسي والصيني جاهزاً سلفاً ضد أي مشروع يدعو إلى تحقيق مطالب الشعب السوري. إصرار النظام على سياسته وإطلاق النار على المظاهرات، أدّى إلى حصول انشقاقات في الجيش والأجهزة الأمنية من الرافضين لسياسة النظام الأمنية، وبالتالي كان الانتقال إلى العمل المسلّح ضد النظام حتمياً، لتبدأ مرحلة جديدة، استهلّها نظام الأسد بتشريع أبواب سوريا أمام جميع التدخلات والاحتلالات، وانتقلت الثورة السورية من شعب يطالب بالحرية والكرامة والعدالة، إلى شعب يواجه صراع الوحوش والضباع الدولية على أرضه. 

وبالمقابل؛ لم يكن من تصدّر المشهد من المعارضة على قدر المسؤولية المناطة بهم، بل انخرط قسم وازن منهم أيضا في العمل لمصلحة هذه الدولة أو تلك على حساب مصلحة الشعب، وبذلك يكون قد خرج القرار كلياً من أيدي السوريات والسوريين، ليصبح بيد الدول التي تحتل سوريا، والتي كانت وما تزال تعمل على مبدأ فرق تسد، والتي أدخلت الشعب السوري في دوامة لا تنتهي، تارة من العسكرة وطوراً من السياسة، فمن جولات الحرب في ساحات وخنادق القتال، إلى دهاليز السياسة في قاعات الفنادق والغرف المظلمة. 

 

حكاية الحل السياسي 

من وثيقة جنيف ١ إلى قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وصولاً إلى مؤتمر سوتشي، وضعت الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا بالتنسيق مع حلفائهم الإقليميين، المسارات التي سيسير عليها قطار الحل السياسي في سوريا، والذي توقّف أخيرًا ضمن مسار سوتشي في محطة اللجنة الدستورية. ويتساءل المراقبون اليوم، فيما إذا كان هناك نية وقدرة لاستئناف القطار لرحلته ضمن هذا المسار ووصوله إلى الهدف المنشود، آخذين بعين الاعتبار مستجدات الأحداث على الساحة الدولية. فبعد فشل ثلاثة من المبعوثين الأمميين المكلفين بمتابعة الحل السياسي في سوريا وهم: كوفي عنان، الأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا وتنحيهم عن منصبهم، لا يبدو أن المبعوث الحالي غير بيدرسون سيشذ عن القاعدة، وهو الذي صرّح وفي أكثر من مناسبة بفشل مشروع اللجنة الدستورية، وحتى القرار الدولي ٢٢٥٤ الذي اعتبر منذ أيام قليلة إنه لم يعد صالحاً للعمل.

 

فشل اللجنة الدستورية، مجهود مشترك بين النظام والائتلاف

على الرغم من أن جميع المبعوثين السابقين تحدثوا عن عدم جدية النظام ورغبته في الحل السياسي، إلا أن أسباب فشل العملية السياسية في سوريا وإفراغها من مضمونها، ساهم فيها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أيضاً، وذلك عبر تقديم تنازلات مجانية للنظام والروس تحت عنوان الواقعية السياسية. فذهب الائتلاف إلى التفاوض مع النظام قبل وقف إطلاق النار، وقبل إطلاق سراح المعتقلات/ين، كما كان وارداً في خطة المبعوث الأممي الأول كوفي عنان. 

ثم قفز الائتلاف إلى مشروع سوتشي الروسي ومخرجاته، التي عمل على تنفيذها المبعوث ما قبل الأخير ديمستورا، وكان قبلها قد انصاع في مؤتمر الرياض٢ لرغبة الروس، بأن يقبل ضمن صفوفه شخصيات محسوبة على روسيا والنظام، وما تبعه من تغيير في الخطاب المعارض وعدم اشتراط رحيل بشار من بداية المرحلة الانتقالية كمطلب أساسي للثورة السورية.

ومن ثم تنازل الائتلاف بعد ذلك أيضا عن الانتقال السياسي للسلطة عبر هيئة الحكم الانتقالية، ليصبح مفهوم الانتقال السياسي على أنه الانتقال من الدستور الحالي إلى دستور آخر والانتقال من الحكومة الحالية إلى حكومة أخرى، وهذه كانت بالضبط رغبة النظام.

ومما شجع النظام على المضي في تعنته، تنازل الائتلاف عن مبدأ التفاوض مع النظام لصالح مبدأ التشارك معه، وهو ما أعطى النظام القدرة على التحكم بكل مسار اللجنة الدستورية تمريراً أو تعطيلاً ونسف بيان جنيف ١ والقرار ٢٢٥٤.

وبالتالي فقدت اللجنة الدستورية، بالنسبة للثورة السورية، الشرعية والمشروعية، فهي من جهة فقدت المشروعية لأنها تخلّت عن مبادئ وقيم الثورة، ومن جهة أخرى فهي ليست منتخبة ولا تحمل شرعية الانتخابات، بل تم تعيين عضواتها وأعضائها من قبل الدول المتدخلة في الوضع السوري.

 

سوريا من ملف سياسي إلى ملف أمني 

مع تصاعد الصراع المسلح وتدخل الدول الكبرى والإقليمية فيه بشكل مباشر تحول الملف السوري من ملف سياسي إلى ملف أمني بالدرجة الأولى، لتدخل المخابرات الدولية وتمسك بعنان إدارة هذا الصراع وتختار مواليها وتمدّهم بالسلاح والمال لصالح تنفيذ الأجندات الدولية على الأرض السورية، بشكل يضمن مصالح تلك الدول عند نضوج ترتيبات الحل النهائي، الذي لم تتضح معالمه بشكل جلي حتى الآن، هل نذهب إلى تقسيم، أم إلى مصالحة أم إلى انتصار الثورة بعد هزيمة حلفاء النظام الأساسيين، روسيا وإيران، وانشغالهم بملفات داخلية وإقليمية أخرى وربما تكون أهم وأخطر لديهم؟

يجادل البعض في حقيقة أن المعسكر الغربي (بما فيه بعض الدول العربية الحليفة) لا يريد سقوط نظام الأسد لمصلحة الثورة السورية لعدة أسباب منها: مصلحة استراتيجية لإسرائيل، التي عاشت في وئام وسلام مع نظام الأسد لمدة نصف قرن وبالتالي هي تخشى من التغيير في سوريا، ومنها مصالح بعض الأنظمة العربية التي تريد وأد الربيع العربي في سوريا والقضاء على إمكانية حدوث التغيير في المنطقة بشكل كامل، وذلك عبر استنزاف طاقات الشعب السوري وإنهاكها من خلال إطالة أمد المعاناة، وبالتالي يكون الرضوخ للمخططات الدولية حتميًا ويتم القبول بأي حل ممكن.

 

ما العمل؟

لكن على الرغم من كل ما تقدم لا تزال هناك مجموعة كبيرة من السوريات/ين حتى اليوم تتمسك وبصدق بحق الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة، وتناضل في سبيل ذلك فوق كل المنابر وفي كل المحافل، وتعلي من صوت الضمير وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة والفئوية، ويكون دور هذه المجموعة هو صناعة الرأي العام بهذا الاتجاه والتأثير به.

ولا ينقصها هنا إلا إيجاد المشروع الوطني الحقيقي لكسب ثقة الشعب السوري (الشارع)، واستعادة القرار السوري المستقل، ومن ثم العمل على إنهاء عدمية مسار اللجنة الدستورية الفاشل أصلاً بحسب تصريحات المبعوث الأممي نفسه، والعودة إلى المواثيق والقرارات الدولية، لا سيما وثيقة جنيف ١ والقرارات ٢٢٥٤-٢١١٨ في نصوصها الأصلية الواضحة، لا كما تم تأويلها زوراً وبهتاناً من قبل الروس.

أما دور الشارع فيتلخّص هنا في العمل على الضغط الشعبي من أجل جمع النخب المتمثلة في المجموعة المذكورة سابقاً، والتي تمتلك المواصفات المطلوبة، وانخراطها ضمن مشروع وطني حقيقي بعيداً عن المشاريع والمخططات الدولية والإقليمية، التي عانى منها الشعب السوري طوال ١٠ سنوات، وما زال وسيبقى يعاني منها لحين تحقيق هذا المشروع.

 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية