كورونا مؤامرة دولية ضد النظم الشمولية!!!

*صبيحة خليل

يستيقظ العالم الحر من سباته الأخلاقي، ويتوقف على الأقل، لوقت وجيز، عن المضي خلف الأبحاث العسكرية، وينشغل بالبحث عن ماهية فيروس مجهري تعجز كل تكنولوجيا الترسانات العسكرية المكدسة عن لجمه ومكافحته. الشيء ذاته ينطبق على وسائل الترفيه والكماليات، تلك التي حولت تفاصيل الحياة إلى سلعة سريعة. أفقدته حميمية العلاقات وروحها النابضة بالألفة، لنكتشف فجأة وحشة وهشاشة هذا العالم عندما فرضت الكثير من الدول منع التجوال وقيدت الحركة كإجراءات احترازية لمنع الفيروس اللعين من الانتشار. 

بداية الأمر عندما ظهر الفيروس في مقاطعة يوهان الصينية قبل أن يلتهم الدول الواحدة تلو الأخرى ظهر شيء من الكراهية الخفية لكل ما يمت بصلة للعرق الأصفر، وتعاملت الصين ذات نفسها مع أزمة الفيروس بسرية تامة، ووصل الأمر لحد اختفاء الدكتور “لي وين ليانغ” على يد الشرطة السرية الصينية لمجرد أنه أبدى مخاوفه من تحول الأمر إلى وباء قد يهدد البشرية. حسب تأكيدات الكثير من الوكالات العالمية، وتلك عادة النظم الشمولية في عادة كل شيء إلى نظرية المؤامرة في محاولة للهروب من مواجهة الأزمات، حتى لو كانت هذه الأزمات ذات طبيعة تتعلق بالبيئة أو البيولوجيا. تعمل على تضليل الرأي العام وتزيف الحقائق، مما ينتج عنه استفحال المشاكل لدرجة تغدو خارجة عن نطاق السيطرة والتحكم. وهذا ما فعلته أيضاً دول أخرى مثل إيران، والتي تمزج ما بين الراديكالية الطائفية والشمولية العسكرية. زحف الفيروس ليطال المدن والبلدات وانفضح الأمر عندما أصيب أعضاء في البرلمان والحكومة، واقترب من هرم السلطة الحاكمة. هذه لنماذج التي تضع بالأساس مواطنيها تحت حالة من الحصار والحجر السياسي ولا تجيد غير البطش والتعتيم. لا تنفك هذه الذهنية باستخدام نفس الأدوات للتعامل مع وباء تعترف فيه الدول المتقدمة وذات الاقتصادات المرتفعة بأرقام مهولة من المصابين، بينما نجد هذه الدول الشمولية تراوغ وتعيد اجترار نظرية المؤامرة. لذلك لم يكن غريباً تصريح الناطق باسم الخارجية الصينية على أن كورونا وباء صنع في مخابرالولايات المتحدة الأمريكية لضرب اقتصاد بلاده، وشاهدنا طريقة استهزاء النظام الإيراني بالوباء، وكيف كثفوا من زياراتهم للمزارات والمراقد الدينية في مدن مثل قم وشيراز، وسط حالة من الهرج والمرج، ورفض تام لإغلاق دور العبادة.

في ذات السياق نجد وزير صحة النظام السوري “نزار يازجي”، ينفي بشكل قاطع وجود أية إصابات في دولة الصمود والتصدي، ويزيد في الطنبور نغماً بقوله: “أن الجيش العربي السوري طهر التراب السوري من كل الجراثيم ولا وجود لفيروس كورونا في سوريا!!” من ناحية قد لا يبدو هذا التصريح غريباً عندما يأتي من أحد رجالات نظام أوغل في دم السوريات/السوريين منذ قرابة نصف قرن. إذ تكفي العودة لشهادات الناجيات/ين من المعتقلات “المسالخ البشرية” حتى تتبدد دهشتنا من هكذا تصريحات، لكن أن يأتي هذا التصريح من طبيب يفترض أنه على دراية علمية بمخاطر وتهديدات هكذا وباء. هنا تكمن سريالية هذا التصريح المجنون.

بكل الأحوال من كان شاهداً على سلوك أطباء وممرضات زبانية المشفى العسكري “601” وخبر عن كثب طرقهم في علاج، بل تعذيب، المعتقلات/ين باستخدام الأدوات الطبية قد لا يستغرب من تصريح وزير صحة النظام، هذه الطرق التي تفننت بـ استخدام أبر الحقن في وشم أجساد المعتقلات/ين، وبين إجراء العمليات الجراحية بدون تخدير أو تعقيم وباستخدام سكاكين المطبخ.

هذا الأمر يقودنا إلى جملة من المخاوف الجادة تتعلق بسلامة المعتقلات/ين وضرورة تحريك الرأي العام العالمي للعمل على تفعيل قضيتهم، والبحث عن طرق لتخليصهم من بين براثن نظام ارتكب الفظائع في الحالات العادية والطبيعية، ناهيكم عن شهادات الكثير من الضباط المنشقين والتي أكدت على استخدام النظام للمعتقلات/ين كـ فئران تجارب لمعرفة الجدوى من فاعلية أسلحته الكيماوية، خاصة في تسعينات وثمانيات القرن المنصرم. تلك الأسلحة التي استخدمت لاحقاً ضد الشعب السوري وفي أكثر من مكان. من ناحية أخرى تأتي هذه المخاوف في الوقت الذي تعلو فيه أصوات المستفيدين من النظام لاتخاذ إجراءات وقائية لحماية عناصر الجيش. بينما يتم تجاهل مصير معتقلات/معتقلي الرأي، والذين يتركون عرضة للأوبئة والإهمال المقصود بالإضافة لشتى أصناف التعذيب، وقد يجد النظام فرصته في خضم هذا الوباء العابر للقارات ليعلن عن وفاة الكثير من المعتقلات والمعتقلين بأزمات قلبية وتنفسية للهروب من أي عقاب أو محاسبة مستقبلاً. وربما يجد فرصته لتبرير وتمرير جرائمه في قتل الآلاف من السوريات/ين خلال السنوات الأخيرة، عقب الحراك السلمي المناهض له، والذي كلف الشعب السوري الآلاف من الضحايا.

أخيراً يمكن القول إن ما يجري اليوم من هلع وتخبط يذكرنا بكوارث مشابهة حصدت أرواح الملايين عبر التاريخ البشري، كما في حالة الانفلونزا الإسبانية والطاعون والكوليرا. إلا أن المختلف هو التقدم العلمي والتقاني، والذي يميز عصرنا عما سبقه من عصور. رغم ذلك يبدو العالم عاجزاً عن المواجهة السريعة، لكنه يسعى بشكل حثيث لكشف الشيفرات الخاصة بكل الأوبئة والأمراض والسيطرة عليها. بينما يتقاعس عن ملاحقة ومحاسبة مجرمي الحرب، رغم أن الأمر لا يحتاج إلى مخابر وميكروسكوبات. يحتاج فقط لقليل من السياسات الأخلاقية والإنسانية حتى تتخلص البشرية من أعباء ثقيلة لا تقل فتكاً عن كورونا وأخواتها.