لا للوطن الناقص

*زينة أرمنازي

إن كان عام ٢٠١١ هو العام الذي أرخ لتغير المنطقة العربية تغييراً جذرياً لا عودة فيه لما كانت عليه الأمور قبل هذا العام، فإنه وبدون أي شك قد أرخ لبداية نضال جديد للمرأة في المنطقة، حيث يكاد يكون بداية تحول المرأة من مطالبتها بحقوقها وتعطف الرجل المشرقي عليها بين حين وآخر بحق من الحقوق، على سبيل التسويق لتحضره وعلى اعتبار هذا الحق منحة منه وليس حقاً طبيعياً لها، إلى فرض نفسها في كافة الساحات والميادين لتحصل على حقها من خلال ممارسته وليس المطالبة به فقط، ولمعت وما تزال تلمع أسماء نسائية بات لها صدى عالمياً ووصلت إلى كل المنابر وتحصلت على أهم الجوائز لنضالات في حقول كانت المرأة حتى عام ٢٠١١ هي نفسها تتحاشى الخوض والعمل فيها في كثير من الأحيان، فحصلت على جائزة نوبل كما كان الحال مع اليمنية توكل كرمان، أو على جوائز عالمية في مجال صناعة الفيلم والتوثيق كما هو الحال مع السورية وعد الخطيب، وتصدر اسمها النشرات العالمية دفاعاً عن موقفها كما هو حال المعتقلة السعودية لجين الهذلول.

منذ عام ٢٠١١ وحتى اليوم نكاد لا نستطيع أن نستثني بلداً في منطقتنا لم ينادِ بإسقاط النظام، وإسقاط النظام هذا لا يعني بأي حال من الأحوال معناه السياسي أو بشكل أضيق شخوص السلطة في تلك البلاد، وإنما نظام العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي رسختها عصور الاستبداد وجاء تموضع المرأة فيها رغماً عنها في حلقتها الأكثر ضعفاً، ولأنها لاقت الحيف الأكبر تصدرت المرأة المظاهرات التي ملأت الشوارع ابتداءً من شوارع تونس وليس انتهاءً بشوارع بيروت. 

تمثل المرأة في سوريا نصف المجتمع، وتمثله ليس بناء على أن تلك الكليشيه تروق للبعض مثلالمرأة نصف المجتمع، المرأة هي الأخت والأم والزوجة…“ بل تمثله باعتبارها قيمة فردية بذاتها بمعزل عن الرجل، فلا يمكن توصيفها بنمط علاقتها معه، ولأنها بنسبة واضحة عددية تمثل ما يقارب ال٥٠٪ من عدد سكان سوريا، وهي ليست أقل تعلماً واستنارة من الرجل، فحسب إحصائيات نشرتها الحكومة السورية في عام ٢٠١٠ مثلت الطالبات نسبة ٤٨٪ من عدد طلاب مدارس سوريا، و٥١% من مجموع طلاب الجامعات، كما مثلت ما يقارب ٢٠٪ من اليد العاملة المسجلة، فما بالك بغير المسجلة من النساء اللواتي يعملن في الأراضي الزراعية والمعامل والمحال التجارية، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال حصول المرأة على حقوقها أو حتى على جزء منه سواء على مستوى الدولة أو المجتمع، فمشاركتها في التعلم والعمل يختلط فيها حقها في ذلك مع واجبها تجاه مجتمعها بأن تكون فرداً منتجاً أو مؤهلاً للإنتاج، إن الحصول على حق المرأة يكون بالدرجة الأولى في مدى قدرتها على المساهمة في صناعة القرار من ناحية تواجدها في مراكز اتخاذ القرار.

دأبت الحكومات السورية في عهد البعث وخاصة بعد سيطرة حافظ الأسد على السلطة على تفعيل مفهومالكونسبتفي شكلها العام، فلا تكاد تخلو حكومة من وجود امرأة عادة ما تكون وزيرة للثقافة أو التربية في أحسن الأحوال، كما كان هناك كوتا محددة لنسبة النساء في مجلس الشعب، لكن هذا لم يكون سوى عملية تدجين مضاعفة للمرأة في ظل نظام يسعى لتدجين أبناء مجتمعه، وإن كان المنطق يدعونا لعدم النظر إلى مدى قدرة المرأة في التواجد في مواقع اتخاذ القرار في ظل نظام لا يوجد فيه أي احتمال للمشاركة في اتخاذ القرار سواء من قبل الرجال أو النساء على حد سواء، إلا أنه من الضروري النظر إلى التشكيلات التي انطلقت من رحم الثورة ابتداءً من المجلس الوطني وانتهاءً بالحكومات المؤقتة المتتالية والفارغة المعنى للأسف، نرى أن مفهوم الكونسبت ينطبق عليها أيضاً، وليس مصادفة أن تشغل المرأة في حكومات المعارضة وفي مكاتبها التنفيذية في حال التشكيلات السياسية وزارة الثقافة أو أمور متعلقة بالمرأة. هذا لا يعني عدم أهمية تلك الوزارات أو المكاتب بقدر ما يعني احتكار العمل السياسي لليوم من قبل الرجال، على الرغم من أن معظم المنظمات والمؤسسات التي أدارتها نساء سجلت نجاحاً أكبر من تلك التي أدارها رجال، لذا حان الوقت للمرأة أن تناضل ليس انطلاقاً من جنسها، وإنما انطلاقاً من موقفها الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي، أي أن لا تناضل من أجل حق المرأة في المشاركة في اتخاذ القرار، وإنما ممارسة هذا الحق من خلال الدعوة إلى تشكيلات سياسية واجتماعية وثقافية من تأسيس النساء ومشاركة الرجال.

آن الأوان لأن تكون المرأة نصف المجتمع ليس فقط بالعبارات المنمقة والمناصب التشريفية، بل المراكز والمناصب السيادية، لقد حان الوقت لتتسلم المرأة في منطقتنا وزارات الخارجية والدفاع والداخلية إلى جانب تلك الوزارات التي يعتبرها الرجالبيتوتيةمثل الثقافة والتربية وغيرها، آن الأوان للمنطقة العربية أن تجرب وجود امرأة في سدة الحكم، وأن تؤسس النساء الأحزاب وتصنع السياسيات، آن الأوان لتكون قضية المرأة في سوريا قضية كل نسائها، لها دور في النضال في الثورة وتحديد مواقف من مآلاتها، ولها دور في الانتخابات مستقبلاً باعتبار النساء يشكلن نصف الكتلة الناخبة. آن الأوان للرجل أن يعي تماما أهمية تواجد المرأة في هذه الأروقة لإن إقصاءها يعني بكل ما تحمله الكلمة من معنى إقصاء نصف مواطني البلاد، نصف طاقاته ونصف متعلميه ونصف سياسيه ونصف مثقفيه ونصف عامليه، عليهم أن يعوا أن إقصاء النساء يعني العيش في وطن ناقصٍ، ناقصٍ تماماً، فإن لم يعوا ذلك، فعلينا أن نعلمهم، فكما علمناهم صغاراً ما يجب أن يفعلوا، سنعلمهم كباراً ما يجب عليهم أن يستمرواً في فعله.

*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة.