ما الفوائد التي يسعى إليها النظام من الانتخابات الرئاسية؟


*سحر حويجة 



الانتخابات هي تعبير عن حق المواطنين والمواطنات الديمقراطي في اختيار ممثليهم/ن، بهدف تنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع، لإضفاء الشرعية على السلطة عبر صناديق الاقتراع.
في غياب الديمقراطية، لا أهمية تذكر للانتخابات، لأن من سيفوز معروف سلفًا، خاصة إذا كانت الانتخابات تتعلق برأس النظام، الذي يتحكم بمقاليد الحكم، وتتركز بيده السلطات، بحماية من الطغمة العسكرية الأمنية، التي عملت على تفريغ المجتمع من السياسية ووضعت القيود والعراقيل القانونية والقمعية في وجه تفعيل العمل السياسي المعارض للسلطة، حتى أن استخدام صناديق الاقتراع تعتبر وسيلة لمعرفة من يتجرأ ويرفض، تحت سطوة القمع، لدرجة يخال للمواطن أن لا شيء يخفى على هذه الأجهزة، مع أن الواقع السوري وصل إلى الدرك السفلي على كل المستويات، وهو في أسوأ حالاته. حيث الانقسام المجتمعي العميق بين أقلية من المتنفذين الأمنيين والسياسيين والعسكريين وتجار الحرب وتجار الطوائف، وبين أغلبية يهددها الفقر والجوع والفاقة، ليثور سؤال هل سوف تنتخب الضحية الجلاد؟ وبصيغة أخرى إذا كان الحصار الخانق على سوريا، والأوضاع المزرية التي يعيشها المواطن/ة السوري/ة، مرتبط بضرورة التغيير السياسي وفق القرارات الدولية، وأهمها القرار 2254 الذي عمل ويعمل النظام جاهدًا على إفشال أي مساع للحل، لماذا سيتم انتخاب رئيس يعتبر أحد أسباب الأزمة؟ أم أن نجاح النظام وحلفائه، في تحدي قرارات المجتمع الدولي، الذي تبدو مواقفه متهاونة وسلبية، سوف يضيف قوة أخرى للنظام، على الأقل أمام المواطن/ة السوري/ة المغلوب على أمره/ا؟ 


استطاع النظام بدعم من حلفائه من عرقلة عملية الانتقال السياسي، وفقًا للقرارات الدولية وأهمها القرار 2254 واللعب على عامل الوقت والزمن، على أمل التغيير في المعادلات الدولية والإقليمية لصالحه، واستغلال الثغرات في آلية تطبيق القرارات الدولية المنزوعة المخالب، على سبيل المثال صدر قرار دولي بعد أن وافقت جميع الأطراف ومنها النظام السوري، على تشكيل اللجنة الدستورية، يطالب بوقف العمل بالدستور ريثما يتم الانتهاء من عمل لجنة صياغة الدستور، لو تم ذلك كانت أي انتخابات يقدم عليها النظام ستكون غير شرعية. بل جاءت الانتخابات بأحد وجوهها، معارضة لأي عملية سياسية، كمحاولة من النظام لفرض شروطه. 
 إن الإعلان عن عدم شرعية الانتخابات لأسباب كثيرة منها مخالفتها للشرعية الدولية والوضع السوري المقسم بين احتلالات متعددة، تحت سيطرتها ملايين السوريين والسوريات، ليست داخلة في عداد الانتخابات، ما يشي وإن النظام لديه الاستعداد للدفاع عن سلطته مهما كان الثمن، ومستعدًا للقبول بأي خيار حتى لو كان التقسيم.
إضافة إلى أن أكثر من نصف الشعب السوري يعيش بين لاجئ/ة أو نازح/ة، ومساعي النظام لاستقطابهم/ن لدعمه والمشاركة في الانتخابات، هدفه تحقيق نصر سياسي، على أن اللاجئون/ات لم يهربوا من بطش النظام بل من القوى الإرهابية.


على الرغم من إشارات الانهيار الاقتصادي والسياسي على لسان حامي النظام روسيا، بعد توجيه انتقادات لاذعة ومحرجة للنظام أشارت فيها إلى ضعفه وعدم قدرته على قيادة المرحلة الانتقالية، وتراجع شعبيته، وفق استبيانات نشرتها مواقع مقربة من سلطة الكرملين في العام المنصرم. تشكلت حينها ردود أفعال وتصريحات لاذعة ضد موسكو، إضافة إلى الأزمة التي عصفت بالعائلة المالكة والحاكمة بين مخلوف والنظام، واستطاعت زوجة الرئيس بدعم المقربين منها من كسب الموقف؟ كل هذه الوقائع تعطي لهذه الانتخابات أهمية استثنائية بالنسبة للنظام، ترمي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف نذكر منها:  
 تشكل هذه الانتخابات بالنسبة للنظام وسيلة استقطاب جماهيري  تدعمه، بدلاً من مسيرات التأييد التي لن يجد مبرراً لها، من خلال الاحتفالات وخيم الاستقبال التي انتشرت في الأحياء وهي على حساب أصحاب الأموال والمتنفذين سواء بالضغط أو بشكل طوعي، وفقا لارتباط مصالحهم مع النظام، وبدعم القوى الأمنية و الحواجز العسكرية وقوى الدفاع الوطني المنتشرة في الأحياء،  وقدرتها في إحراج الأهالي المربوطين بسلسلة من القيود مع الحواجز العسكرية لنيل رضاهم  والمشاركة مع الترغيب في عقد الأعراس وتوزيع الشربات والحلوى والوعود المخادعة، إضافة إلى دور النقابات وحزب البعث وكل المستفيدين من النظام للمشاركة بفعالية تثير الاهتمام. حيث تنتشر الصور المقدمة باسم عائلات معروفة وأشخاص ووجهاء أحياء بمعنى أن المواليين يقومون وعلى حسابهم الخاص بدعم الحملة الانتخابية. 
إن السلطة من خلال هذه الانتخابات، تسعى لتجديد شرعيتها والحفاظ على سلطتها، رسالة إلى الخارج أن السلطة قوية ومدعومة شعبيًا، رغم الحصار الاقتصادي الخانق على النظام.
تميزت حملة بشار الأسد بشعار بسيط أثار التعليقات والسخرية، في واقع تعطيل أعمال الناس ومصالحهم وأعلى مستوى من البطالة مرت على سوريا، شعار “الأمل بالعمل”. وقد دعم الأسد شعاره بإصدار قانون للاستثمار رقم 18 في 5/19 لعام 2021 يهدف القانون وفق ما ورد في المادة الثانية منه، لإيجاد بيئة استثمارية تنافسية جاذبة لرؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات، وزيادة فرص العمل، ورفع معدلات النمو الاقتصادي بما ينعكس على زيادة الدخل القومي وصولاً إلى تنمية شاملة، مع تسهيلات وإعفاءات ضريبية ترغيبية مشجعة للمستثمرين الأجانب والسوريين، وإن كان هدف إصدار هذا القانون، ضمان دعم رجال الأعمال، والفئات العليا المستفيدة وأصحاب الأموال التي جمعت من النهب والسرقة، ليكونوا عماد حملته الانتخابية. وهي إشارة إلى سعي النظام، لإعادة الإعمار، وتشجيع المستثمرين على المشاركة، على الرغم من المعارضة الدولية ومن الحصار الذي يقف عائق أمام الاستيراد ودخول الأموال للاستثمار.


السباق الرئاسي مع المعارضة
 إن الدستور السوري لعام 2012 سمح بالترشح للرئاسة لمن تتوفر لديه الشروط، من خلال تقديم طلب إلى المحكمة الدستورية العليا، بعد الحصول على موافقة 35 عضواً من أعضاء مجلس الشعب. تم تعديل الدستور حينها، بعد ضمان أن يكون أعضاء مجلس الشعب أغلبهم موالين لضمان ترشيح الرئيس الحالي، وسد الطريق على غيره، ولم يكن للأعداد المبالغ بها للترشيح في هذه الدورة، سوى إشارة إلى اهتمام الشعب السوري الكبير بالانتخابات، والحرية والديمقراطية المزعومتين، وهي رسالة للمجتمع الدولي، ردًا على من يقول أن النظام ديكتاتوري. وتأكيدًا على سعي النظام لإضفاء المسحة الديمقراطية، وقع الاختيار على  أحد المعارضين للنظام، للدخول في السباق الانتخابي، إلى جانب الرئيس الحالي، وعضو ثالث ممثل أحد قوى جبهة النظام الوطنية.

ما يعنينا هو المنافس المعارض، الذي نال 35 توقيعًا من أعضاء مجلس الشعب، دون أن يتوقع شخصيًا ذلك،  لأنه معارض، ومن تيار غير مرخص له، إذًا تبدو عملية مقصودة، هذا لا يقلل من معارضته أو حقه بحدود وشكل معارضته، لكن تفصح وتوضح أي معارضة وأي سقف يجب أن تقف عنده المعارضة المقبولة من النظام، وهل الدخول بالمنافسة الشكلية على منصب الرئاسة، تخدم فعلاً هذه المعارضة أما أنها خدمة مجانية للنظام؟

المحامي محمود مرعي يقدم نفسه ممثلاً للتيار الديمقراطي السوري المعارض، اعتقل لمدة 5 سنوات ونصف في مرحلة حكم حافظ الأسد باسم التيار الشعبي الناصري، واعتقل مرة ثانية على خلفية إعلان دمشق لمدة شهرين في عام 2006، ونفى توقيعه على الإعلان، وهو من مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وشغل منصب رئيسًا لهاـ كما شغل منصب رئاسة فرع دمشق لحزب الاتحاد الاشتراكي، اعترف أنه شارك في المظاهرات في بداية انطلاقها، بل كان منظمًا لهذه المظاهرات وفي قيادتها، وحدد أن الغاية كان منها الإصلاح وليس تغيير النظام، وكان يطالب بإلغاء الأحكام العرفية وإلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تعطي قيادة الدولة والمجتمع لحزب البعث، وهذا فعلاً ما تم تحقيقه بعد تعديل الدستور في عام 2012، وهو من مؤسسي هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، لكنه انسحب من هيئة التنسيق بعد أن قبلت أن تكون جزءًا من الائتلاف وأن تتعامل مع دول مثل السعودية وتركيا، وشكل هيئة العمل الوطني الجبهة الديمقراطية السورية، برنامجه سوري من أجل الخروج من الأزمة وبنود هذا البرنامج دولة مواطنة يتساوى بها المواطنين/ات السوريين/ات، دستور عصري الدستور الحالي بحاجة لتعديل، فصل السلطات، مجتمع مدني مدعوم من الدولة السورية، وليس من الدول الذين يهيئوا جواسيس لهم، الوصول إلى حكومة وطنية تشاركية.

إذًا من أين لمحمود مرعي ضمان موافقة 35 عضوًا من مجلس الشعب وهو مجلس تم تركيبه في الانتخابات الأخيرة ليكون مواليًا بشكل شبه كامل للنظام، لذا ما كان ليتم تزكيته، غير أن النظام هو من أوصى بقبول ترشيحه، لأسباب سوف نوضحها: 

 أولاً: يسعى النظام للظهور أنه يطبق الديمقراطية، وأنه ليس نظامًا دكتاتوريًا استبداديًا، ردًا على من يصفه بذلك من الدول ومن القوى المعارضة السورية. إن النظام الذي رفض الاعتراف بالمعارضة في اجتماعات جنيف، ليقول لدينا معارضة موجودة في تيارات وأحزاب في الداخل، وهي معارضة شرعية ومعترف بها. ربما يقول إننا تغيرنا، ردًا على أمريكا وغيرها من الدول، التي طالبت النظام بتغيير سياساته. 
ثانيًا: موقف مرعي من الاحتلال، فهو يرفض الاحتلال الأمريكي والتركي، لكنه لم يأت على ذكر الاحتلال الروسي والإيراني واعتبر على الأقل الوجود الروسي داعمًا لمصالح الدولة السورية. وهنا يلتقي مع النظام في وجه المعارضة الخارجية والخلافات التي نشبت أثناء جلسات اللجنة الدستورية حول الوجود العسكري الخارجي.
 ثالثًا: موقف مرعي من العنف الذي رافق الثورة، والذي حمله للسلفيين في تصريح له أنه شارك وقاد المظاهرات السلمية وعندما بدأ العنف توقف وتغير موقفه من الحراك في الشارع، بعد ستة أشهر تم اغتيال الناشط السلمي عدنان وهبي في عيادته من قبل السلفيين، واغتيل محمد فريطاني، وبسام البصلي أيضًا من قبل السلفيين، وقد اتهم جازمًا أن من اغتالهم هم السلفيون، بقي عليه أن يذكر بالاسم من قام بالجريمة. وهذا الموقف يدعم النظام ويبرئه من الكثير من الجرائم، وتحميل البدء بالعنف للسلفيين.

كما أنه في تصريحاته يدعو إلى تعديل الدستور وليس إلى تغييره وهو يتفق بذلك مع النظام. 


 إذًا مرعي يدخل الانتخابات، وهو متأكد أنه لا ينافس بشار الأسد، والأسد هو من سوف يفوز، لكن لا يمنع بل يسعى أن يكون شريكًا في حكومة مع النظام، تُمثل فيها المعارضة، بشكل حقيقي كما قال. وأن حل المسألة السورية تكون بالحوار السوري السوري، وأن تكون المفاوضات في دمشق وتحت حماية النظام. هكذا مرعي يخدم سياسات النظام أبعد من قضية الرئاسة المحسومة نتيجتها، بل همه وتياره المشاركة في السلطة، وإصلاح النظام إذا أمكن وليس تغييره. 
 



*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة