ما بين اليوم العالمي للمرأة وذكرى الثورة السورية رحلة نضال مستمرة للنساء السوريات

*هناء الخضر

 

مناسبتان يحملهما شهر آذار تستحقان الوقوف عندهما على رحلة نضال النساء السوريات خلال السنوات الماضية، اليوم العالمي للمرأة وذكرى الثورة السورية، مناسبتان نتذكر فيهما تضحيات النساء والتحديات التي واجهنها في سعيهن من أجل تحقيق العدالة والمساواة بعد نصف قرن من حكم الاستبداد الذي أطاحت به الثورة السورية نهاية عام 2024. 

يذكرنا يوم المرأة العالمي بالإنجازات التي حققتها النساء السوريات في مختلف المجالات من تعزيز المشاركة بالعمل السياسي والمدني والتمكين الاقتصادي ومناصرة قضايا المرأة في مختلف المحافل المحلية والدولية، وكذلك العوائق التي اعترضت وما زالت تعترض طريقهن، كالتهميش والإقصاء في مواقع صنع القرار والعنف المجتمعي والمنزلي، وقد حملت هذه الإنجازات والصعوبات في سوريا طابعاً مختلفاً عن باقي بلدان العالم لا سيما خلال سنين الثورة السورية التي فتحت مجالات وآفاق واسعة للنساء السوريات ليكن جزءاً من عملية التغيير للوصول إلى مستقبل أكثر إنصافاً وعدلاً تعيش فيه النساء بحماية تشريعات وقوانين تحفظ لهن حقوقهن دون تمييز.

لقد شكلت الثورة السورية نقطة انطلاق للنساء باتجاهين لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ويتشابهان في صعوبتهما وطرقهما الوعرة، فمن جهة كان نضالهن ضد نظام حكم أنهك البلاد وقضى على كافة أشكال الحريات، ومن جهة أخرى سعيهن في سبيل كسر الحواجز التقليدية التي قيدت العديد منهن لعقود مضت محاصرات بأدوار نمطية وأحياناً وصمية، ما كان لهن الخروج منها لولا أنهن كن مشاركات أساسيات في الحراك الثوري والمدني، وبنفس الوقت سعين من خلال عملهن ونضالهن على رفع الوعي المجتمعي، إذ أثبتن قدرتهن على الوقوف في مواجهة العنف السياسي والمجتمعي وكسر القيود المجتمعية التي كانت وما زالت تسعى لإعادتهن إلى ما كن عليه قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، ولا شك بأن الثورة السورية كان لها التأثير الكبير في تغير أدوار الكثيرات من النساء نتيجة حملة الإبادة التي شنها نظام الأسد ضد الشعب السوري الذي انتفض مطالباً بالحرية والتغيير، فتحملت النساء جراء ذلك أعباء ومسؤوليات أسرهن وعوائلهن التي غاب عنها المعيل، نتيجة لتبدل الأدوار الجندرية، سواء الاعتقالات وحالات الاختفاء القسري التي لا تعد ولا تحصى إلى جانب العنف الممنهج وعمليات التهجير من المدن السورية والمعارك المستمرة التي أودت بحياة الآلاف من أرباب الأسر. غير أن العديدات منهن كانت لديهن رغبة قوية في الانخراط في المجال العام وإيصال صوتهن وتسليط الضوء على قضاياهن. ، إذ أثبتت النساء قدرتهن على التعامل مع هذه الأحداث رغم قسوتها، فكن فاعلات وقياديات ضمن مجتمعاتهن، ولم تمنعهن الحرب من تطوير قدراتهن ومهاراتهن والانخراط في في العمل المجتمعي والسياسي والمطالبة بحقوقهن والدفاع عنها.

لم تقتصر مشاركة العديدات من النساء السوريات على المظاهرات السلمية فحسب بل كن جزءاً محورياً من الحراك المدني بمختلف مجالاته متحديات لجميع المنظومات التي تكبلهن وتحد من مشاركتهن، منظومات متجذرة من التقييد والقمع تتنوع بين العادات والتقاليد التي تفرض أدوار محددة تحرمهن من فرص العمل والمشاركة، والتشريعات والقوانين المجحفة بحق النساء السوريات خاصة قوانين الأحوال الشخصية مثل فقدان حق حضانة الأطفال تلقائياً في حال الزواج من رجل آخر والسياسيات التي تفرضها سلطات الأمر الواقع في مختلف المناطق السورية، فعلى الرغم من قدرة العديد منهن على خوض معترك الحياة العامة بمختلف مجالاتها الحقوقية والإنسانية والإعلامية والسياسية إلا أنهن لم يكنّ بمنجى من التعرض لمختلف أشكال العنف والتمييز والتهميش، ومع كل خطوة تخطوها النساء نحو المشاركة الفاعلة في الحيز العام كانت التحديات تزداد صعوبة وتعقيداً، ليس فقط على مستوى المشاركة المجتمعية والسياسية، بل أيضاً على مستوى الحياة اليومية التي تراكمت فيها المسؤوليات الأسرية والاجتماعية متضافرة مع الضغوط الاقتصادية إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر وقلة فرص العمل وانعدام الأمن والاستقرار في سوريا. 

إن  مشاركة العديد من النساء في النضال خلال سنوات الثورة السورية واستمرار نضالهن بعد سقوط النظام هو حجر الأساس لإعادة بناء سوريا التي يطمحن أن تتحقق فيها العدالة والمساواة وفق دستور قائم على المواطنة المتساوية، وهذا كان الحافز الأكبر لهن للاستمرار في رحلة النضال عبر المشاركة في جميع الاجتماعات والفعاليات الوطنية التي جرت عقب سقوط النظام، وأيضا في جلسات الحوار الوطني التي جرت في جميع المحافظات السورية وذلك لإيصال أصواتهن ولإثبات وجودهن كجزء من عملية التغيير والمستقبل المنشود لسوريا الجديدة. 

إن مشاركة النساء في جلسات الحوار الوطني في مختلف المحافظات السورية وفي مؤتمر الحوار الوطني الذى جرى عقده في دمشق بتاريخ 25/2/2025 لم تتجاوز نسبة 25%، وهي نسبة تعبر عن نقص تمثيل النساء بعد مرحلة قاسية من النضال ضد نظام الأسد، وهذا يدعم المخاوف التي ما زالت قائمة حول مستقبل النساء في سوريا، لا سيما أن التصريحات من بعض مسؤولي الإدارة السورية الجديدة قد أغفلت نضال وتضحيات النساء خلال الأعوام الماضية وعززت من تهميشهن وإقصائهن ومن الصورة النمطية التي تكرس الأدوار التقليدية  لهن في المنزل ورعاية الأسرة، حيث كان تصريح المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسة التابعة لإدارة العمليات العسكرية في سوريا “عبيدة أرناؤوط” حول كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية اللتان لا تتناسبان مع مناصب مثل وزارة الدفاع يشير إلى إقصاء ورفض تولي النساء للمناصب القيادية وهذا يدل على أن السلطة الأبوية ما زالت حاضرة في ذهن بعض رموز الإدارة الجديدة كما كانت حاضرة في عهد من سبقها، إضافة إلى تصريحات رئيسة مكتب شؤون المرأة “عائشة الدبس” حيث قالت: “إن مسؤوليات المرأة السورية وفطرتها وأولوياتها تتمثل بأسرتها وزوجها”، وهو تصريح يعزز من إقصاء النساء وعدم وجود أي نية فعلية بأن يكون للنساء ذلك الوجود الحقيقي ضمن مفاصل الدولة، على الرغم من أن تولي منصب حاكمة المصرف المركزي في سوريا كان من نصيب النساء لأول مرة في تاريخ سوريا، إلا أن باقي التعيينات التي شغلتها النساء لم تتجاوز الأدوار التقليدية التي شغلتها في ظل حكم نظام الاستبداد. 

وبالعودة إلى مؤتمر الحوار الوطني نجد أن البيان الختامي الصادر عنه لم يلبَّ طموحات النساء السوريات خاصة بأنه تجاهل الإشارة بشكل صريح إلى حقوقهن، كما أن  الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 13/3/2025 قد جاء خالياً من أي نصوص تضمن المساواة الكاملة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات، وهذا يخالف مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية. إن هذا الواقع يكشف أن العقبات التي تواجهها النساء السوريات ما تزال قائمة، ولم تختلف كثيراً عن السابق خاصة بأن الواقع الحالي في سوريا لم يشهد استقراراً فعلياً سواءً على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وهذا يضع النساء في مواجهة مختلف التحديات التي كانت وما زالت تتعامل معها، مثل التهميش والإقصاء وغياب المناخ والبيئة الآمنة التي تمكنهن من ممارسة نشاطهن بحرية، لا سيما على مستوى المشاركة السياسية والحصول على التمثيل العادل في العملية السياسية ومراكز صنع القرار.

إن ضمان مشاركة النساء في بناء سوريا الجديدة يعتمد تأسيس نظام حكم عادل ووفق دستور جديد للبلاد يضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنساء وتمثيل عادل ومشاركة فاعلة من خلال سن تشريعات وقوانين تحميهن من العنف والتمييز والإقصاء والتهميش، والعمل على رفع الوعي المجتمعي لتغيير النظرة التقليدية تجاه النساء السوريات اللاتي أثبتن خلال السنوات الماضية بأنهن قادرات على تحقيق التغيير في أحلك الظروف. واليوم وبعد سقوط نظام الأسد يتجلى التحدي الأكبر الذي تواجهه النساء في إسقاط كل أشكال الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضاً، وتأتي مناسبتا اليوم العالمي للمرأة وذكرى الثورة السورية لنتذكر أن النساء السوريات قد أثبتن عبر السنوات الماضية أنهن قوة لا يستهان بها في مسيرة النضال والتغيير، وأن استمرارهن في رحلة النضال هو الضمان الوحيد والأكيد الذي سيجعلهن جزءًا محوريًا في صياغة مستقبل سوريا الجديدة، ليكن في قلب المشهد حيث يجب أن يكن، فالمستقبل العادل والديمقراطي في سوريا لن يتحقق إلا بمشاركة نسائها الفاعلة في صياغة قراره وبنائه، ليكون وطنًا يحفظ لهن حقوقهن وكرامتهن، ويجسد طموحهن في العدالة والمساواة.

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية