معرض الكتاب العربي الأول في جنوب تركيا -المرأة حضور ومشاركة

*كبرياء الساعور

الحديث عن معارض الكتب يحيلنا إلى عوالم الكتب والقراءة، وتعتبر منظمة اليونسكو القراءة حق من حقوق الإنسان ووسيلة لتحقيق المساواة بين الجنسين والتنمية الاجتماعية والبشرية. ولا يخفى على أحد الأهمية الحيوية للقراءة، فهي نافذة إلى عالم المعرفة، وسبيل إلى مختلف أوجه الفكر والعلم والثقافة الإنسانية ويعد مؤشر القراءة أحد مؤشرات التنمية، حيث يدلل على مدى انفتاح المجتمعات الفكري وقدرتها على التحرر من الاستبداد.

تحت شعار “الكتاب وطن” افتتح معرض غازي عنتاب للكتاب العربي الأول في الجنوب التركي بتاريخ 21-26 كانون الأول لعام 2021، بتنظيم من الجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي وبمشاركة أكثر من 100 دار نشر، كما ورافق أيام المعرض فعاليات ثقافية شملت ندوات ومحاضرات وحفلات توقيع كتب لمؤلفات ومؤلفين، بالإضافة إلى أنشطة للأطفال.

مستوى مشاركة المرأة كمؤلفة وناشرة وزائرة 

الكتب والقراءة أدوات مهمة للوصول للوعي والثقافة، لذا يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على عناوين الكتب والإصدارات المعروضة في أجنحة المعرض ودور النشر، وهل احتوت موضوعات تلقي الضوء على واقع النساء تساهم في التثقيف بقضاياهن؟ هل شملت الفعاليات الثقافية موضوعات عن قضايا المرأة بأبعادها السياسية والاجتماعية ومستوى مشاركة المرأة فيها؟ وذلك من خلال لقاءات مع المنظمات/ين وصاحبات/أصحاب دور النشر وزائرات/زوار المعرض.

يعد معرض الكتاب بحد ذاته حدث مهم يغني الحياة الثقافية، وفرصة للحوار وتبادل الأفكار.

في لقاء مع المنسق العام للمعرض عمار عبد الخالق عضو اللجنة المنظمة وعضو الجمعية العربية للناشرين التي مقرها اسطنبول قال: “هناك طلب من العرب في الجنوب التركي أن يكون معرض للكتاب العربي وهو فعالية مصغرة عن معرض اسطنبول للكتاب العربي”، وأضاف “لقد انتقلت الكثير من دور النشر العربية إلى اسطنبول من لبنان وسوريا ومصر والكويت، تركيا بلد مفتوح لا حدود للكتاب بكافة اتجاهاته ومساراته السياسية والاجتماعية، لا توجد عوائق حقيقية” والكلام ل عمار عبد الخالق.

شمل المعرض أكثر من ثلاثين ألف عنوان، ويشكل فرصة لاختبار تفاعل القراء والجمهور بالكتاب، 

وحول سؤال هل يستهدف القائمون على المعرض في دورته الأولى جمهور النساء من خلال الكتب المعروضة والفعاليات الثقافية المقامة؟ أجاب “هناك كتب في مجالات متنوعة، كما تشارك ست سيدات بينهن روائيات ومحاضرات بالإضافة إلى كتب للأطفال وورشة تربوية”.

حضور النساء في مجال صناعة النشر وأهميته

في لقاء مع الناشرة بيسان عدوان كمشاركة بمعرض الكتاب الحالي، وهي ناشرة من فلسطين وصاحبة دار ابن رشد للنشر تقول: “هي دار قديمة جدًا، توقفت أكثر من مرة بسبب الحروب في المنطقة والاستبداد، أعيد فتحها في مصر عام 2013 بعد الثورة المصرية، تهتم بالكتب التنويرية والعلمانية والأدب والرواية”، وتتابع حديثها “تم اعتقالي في عام 2020 في مصر بسبب نوعية الكتب التي تصدرها الدار، ورحلت إلى تركيا لذا تم افتتاح الدار حاليًا في مدينة إسطنبول”، وتضيف “أنا أمتهن هذه الصنعة ولست مجرد مديرة دار نشر، أنا ابنة هذه الصناعة أعرف كل مراحلها، أعرف عجينة الورق، لديَّ مطابع في مصر”، وتتابع حديثها عن عمل المرأة في هذه الصناعة، تقول: “على المستوى العالمي من يعمل في مجال النشر غالباً هن نساء لاسيما في مجال الإدارة، والهيئات الاستشارية والتسويق، لأن المرأة لديها القدرة على المثابرة والصبر والدقة في متابعة التفاصيل، لكن الحال يختلف في العالم العربي حيث عدد الناشرات قليل جدًا، وكان هناك اعتقاد بأن المرأة غير قادرة على ممارسة هذا العمل بكل جوانبه”، وتضيف بيسان “لكن الناشرات العربيات يكن فارقات في مجال الكتب الكبيرة، هن مهتمات بكتب المرأة، بالمنطق والعلوم الحداثية، أغلبهن تنويريات”. وعن توجهات الدار في هذا المجال، تشرح أهمية وجود ناشرات نساء، “أنا كناشرة أهتم بكتابات المرأة، لأن النساء اللواتي يكتبن بالأدب أو مجالات أخرى مثل تجديد الخطاب الديني أو عن أزمة النساء مع العقليات المتشددة هن باحثات مجتهدات، وهناك أديبات يكتبن نصوص تكسر التابوهات المتعارف عليها؛ العادات والتقاليد، الجنس، وبالتالي لهن الأولوية في النشر لدى الدار، أنا كامرأة أدعم هذا الاتجاه وهذه فرصة ليعبرن عن أنفسهن”.  

ولدى سؤالي عن أغلب الاهتمامات الرائجة بين شريحة واسعة من النساء في مجال الكتب، قالت: “يتركز اهتمامهن على كتب تربية الأطفال والشعر، حتى عندما تجنح النساء للكتب الدينية تقبل النساء على الكتب البسيطة وليس كتب الفقه والتفسير، من مثل كيف تربي أطفالك على الدين؟”، وعن الأسباب التي تقف وراء تمحور اهتمام النساء بشكل عام على الكتب الخفيفة والكتب العاطفية أكثر من الكتب الفكرية -هذا رأي أغلب الناشرات/ين الذين التقينا بهم- بينت بيسان: “هناك عيب في تثقيف المرأة، وعيب في التعليم والأسرة”، كما أضافت: “هذا العيب له علاقة بالمهتمين بالمرأة، الجمهور لا يهتم بحقوق المرأة، حتى أن قسم من جمهور النساء لا يهتم، لا توجد قاعدة تثقيفية من مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال المرأة، هناك تقصير كبير في مجال المرأة ليس فقط في مجال حقوق المرأة بل بشكل عام هناك أزمة”.

وفي لقاء مع حامد اسماعيل عن دار نشر بوكسايد التي مقرها في ولاية هاتاي التركية، تحدث “دخلت هذا المجال نظرًا لأن الكتاب العربي نادر”، وبين أن ظروف النشر في تركيا مختلفة عن العالم العربي “هنا في تركيا لا توجد كتب ممنوعة، نستطيع النشر في أي مجال نريد، يختلف الأمر عن البلاد العربية، حاليًا هناك حملة مضايقات لكتاب عرب كبار في دول عربية”.

وحول سؤالي عن مدى اهتمام الدار بالمرأة، قال: “نحن حديثي العهد بالنشر لدينا إصدارين حتى الآن أحدهما لكاتبة” وكشف عن اهتمام النساء بالكتب “هناك إقبال على الكتاب من النساء أكثر من الرجال، ربما يعود السبب لأنهن مهتمات بالقراءة أكثر”، لكنه أضاف أن الكتب التي تستحوذ على اهتمام النساء برأيه “هي الروايات وكتب التنمية البشرية وطبعًا الكتب الدينية، ويمكن أن نعمل مستقبلاً على اصدارات تخص قضايا المرأة لأننا نهتم في تطوير وتحسين أنفسنا كأشخاص رجالاً ونساءً”. 

مسؤول من الدار الشامية للنشر حدثنا عن توجهات الدار “نحن نستهدف جمهور الشباب بشكل عام وطلاب العلوم الشرعية” أما عن رأيه بالكتب التي تفضلها النساء هي “موضوعات تتعلق بالحياة الزوجية، تربية الأطفال، نصائح للمقبلين على الزواج”.

كان هناك احتفاء من الزائرات والزوار بالمعرض، الذي تميز بحضور واضح للنساء خاصة الشابات، 

 ديما شابة سورية خريجة اقتصاد، مهتمة بعالم الكتب قالت: “وجد ت المعرض حدث رائع، دائمًا كنت اسمع بمعرض اسطنبول للكتاب وأتحسر، لذلك أراه  فرصة جيدة للحصول على الكتب”، وعن رأيها حول مدى توفر كتب تخص المرأة، أفادت “لم أجد عناوين تخص المرأة لكن اللافت حضور النساء في المعرض وخاصة من فئة الشابات بين عمر 17 و25، حيث شكلن حسب مشاهداتي 40%، في حين كان حضور الشباب من ذات الفئة العمرية أقل بكثير”، كما قدمت مقترحات للمعرض القادم قالت: “آمل أن تهتم صاحبات وأصحاب دور النشر ومنظمات/ي معارض الكتب أكثر بموضوعات حول النسوية، حماية المرأة، التعريف بحقوق المرأة”، كما عبرت عن وجهة نظرها بالناشرات/ين “بعض دور النشر المشاركة  لديها تصور أن مجتمع عنتاب منغلق ومحافظ”، لذا لم يوفروا بعض الكتب خشية أن لا تجد قبول على سبيل المثال هناك رواية صدرت حديثًا، وشهدت طلب عليها لكن الناشر قال جلبت عشر نسخ فقط (انو بيكفي لعنتاب).

أمل ناشطة مجتمعية مهتمة  بقضية المرأة السورية، كان لنا لقاء في معرض الكتاب، حدثتنا عن انطباعاتها “إن حدث ثقافي مهم مثل معرض الكتاب، لاسيما في ظل الوجود الكثيف للاجئات/ين السوريات/ين في تركيا، ينبغي أن يعبر على الأقل عن واقع كفاح السوريات والسوريين، وبالتالي نضال المرأة، لكنه لم يكن بالمستوى المرجو من وجهة نظري، فبعد أكثر من عشر سنوات على الثورة السورية برزت الكثير من القضايا ومن بينها قضية المرأة، وهناك أفكار كثيرة يتم تداولها في الشارع السوري كمصطلح تمكين المرأة، الجندر، الأدوار النمطية، مناهضة العنف ضد المرأة، كما نشهد بروز حركات نسوية لم يواكب المعرض هذه التحولات. نخوض اليوم جدل وكفاح يومي من أجل العدالة، وتطورت الكثير من القضايا التي نعمل عليها، لكن ذلك لم ينعكس في المعرض، لا توجد عناوين وكتب مترجمة تخص النساء أو كتب نسوية، على سبيل المثال لدى سؤال أحد دور النشر عن كتب نوال السعداوي، كانت الإجابة لم نحضرها إلى هنا لأن أهالي عنتاب لا يقرأون هذه النوعية من الكتب”. تقترح أمل بهذا الخصوص “حبذا لو كان تنظيم هذا المعرض يتم بالتنسيق والتواصل مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية، ليطرحوا أفكارهم في هذا المجال. المسألة ليست مجرد بيع الكتب، لأن أي حدث ثقافي برأيي ينبغي أن يرتبط بالمسار السوري، وقضية المرأة هي قضية الشارع السوري، لذا يجب تسليط الضوء على واقع المرأة”، كما تابعت حديثها “حتى الندوات لم تحفل بهذا المجال ولم تخرج عن الإطار النمطي، هناك مؤلفات لكاتبات نساء لكن غابت موضوعات تعنى بقضايا المرأة”. أما عن تفضيلات النساء في مجال الكتاب تقول أمل: “بالنسبة للكتب التي تقبل النساء على شرائها من المعرض خاصة الشريحة الشابة -بحسب مشاهداتي- تنحصر ضمن خيارات قليلة؛ القصص البوليسية، كتب التنمية البشرية، وغيرها. لذا ينبغي وجود خبيرات/خبراء بالكتب يعملن/ون على التعريف بالكتب والموضوعات المهمة لتشجيع الشباب والشابات على توسيع اهتماماتهن/م المعرفية”.

انطلاقًا من إيماننا بأن القراءة والمعرفة ركن من أركان العمل النسوي في سبيل تغيير واقعنا الاجتماعي والسياسي ندعو الناشرات/ين ومنظمات/ي معارض الكتاب إلى توفير مساحة من الكتب النسوية، التي من شأنها الإسهام في تعزيز الثقافة العربية بقضايا المرأة، وكل ما يسهم في التغيير لصالح مكانة المرأة وواقعها وأدوارها في المجتمع.

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية