منظمات المجتمع المدني دورها وفاعليتها في تغيير واقع المرأة السورية

*وردة الياسين

 

كان قرار مجلس الأمن رقم (2254) الصادر في 18 كانون الأول 2015، والذي شجع على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل سوريا، حافز هام للعديد من منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية والعاملة في الشأن السوري، لتبني عليه خطط واستراتيجيات تهدف إلى تمكين المرأة وتأهيلها ورفع قدراتها للمشاركة في مواقع القرار في سوريا المستقبل. كما وبدأت تشهد المؤتمرات والاجتماعات والمحافل الدولية المتعلقة بالشأن السوري، تأكيدات على أهمية أن تكون المرأة السورية ضمن أي عمليات تغيير أو تحويل أو انتقال في سوريا، يضاف إلى ذلك ظهور مبادرات فردية وجماعية من قبل نشطاء أو حقوقيين أو معنيين بالمسألة السورية، راحت تسلط الضوء على قوانين وقرارات واتفاقيات دولية وإنسانية، لتعتمد عليها في عمليات التمكين والتأهيل والمناصرة للمرأة وقضاياها، منها قرار (1325)، السيداو، اتفاقية اسطنبول… الخ. ومن جانب آخر فرض النزاع السوري ضرورة أن تحمل منظمات المجتمع المدني على عاتقها إشراك المرأة في كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والدفاع عنها وإشراكها في عمليات التغيير والتنمية في سوريا المستقبل أو سوريا الجديدة. وجاءت هذه الضرورة نتيجة للظروف الصعبة والقاسية التي تعانيها المرأة بسبب الحرب، ونتيجة لإقصاء المرأة السورية عن الحراك الثوري المطالب بالتغيير، سواء من قبل النظام وسياساته القمعية أو من قبل التيارات والجماعات المتطرفة، أو نتيجة لازدياد العنف الممارس ضدها والذي اتخذ أشكال مختلفة.

 يمكن القول إنه ومنذ عام 2016 توجهت العديد من منظمات المجتمع المدني بصورة فعلية، نحو وضع برامج ومشاريع وأنشطة تهتم بالمرأة، وتسعى لإبراز دورها الفعال في مختلف جوانب المجتمع. بل وأبعد من ذلك كثفت المنظمات من الأنشطة والمشاريع التي تستهدف المرأة، في محاولة لخلق بيئة مجتمعية جديدة، لا تعمل على تأطير عمل ودور ووظيفة المرأة وفقا للعادات والتقاليد أو القوانين أو الدساتير التي سادت قبل 2011. ولاحقاً ومنذ منتصف وأواخر عام 2017 ظهرت مبادرات وتجمعات ومنظمات، محلية أو دولية، تخصصت فقط في دعم قضايا المرأة ومناصرتها، ووجهت جهودها نحو تمكين وتأهيل النساء السوريات ورفع قدراتهن ليتموضعن في مراكز صنع القرار.

وهنا يتأتى عدد من التساؤلات عن دور وفاعلية تلك المنظمات في تغيير واقع المرأة السورية، وعن مدى نجاحها في مناصرة قضاياها ونقلها من حال إلى حال، وعن المأمول أو المرجو منها في ظل التوجه نحو الحل السياسي في سوريا والحديث المستمر عن مرحلة انتقالية.

 

عن دور المنظمات وفاعليتها

 منظمة رفقاً (تعمل في تركيا وفي الداخل السوري)، وهي منظمة آمنت منذ تأسيسها في عام  2014 في تركيا بأن بناء المجتمع يبدأ ببناء المرأة، وتُقدم المنظمة تدريبات هدفها رفع السوية المعرفية والفكرية لدى المرأة، وحقيبة أخرى من التدريبات هدفها التمكين الاقتصادي، وعن ذلك تقول السيدة وضحة العثمان، رئيسة مجلس الإدارة في المنظمة: “كي يكون للمرأة دور فاعل في المجتمع يجب أن تستشعر استقلالها المادي، وانطلاقاً من ذلك صممت تدريباتنا الموجهة للمرأة لتعمل على الجانب الفكري والاقتصادي،” وتتابع السيدة وضحة عن مدى نجاح التدريبات أو الورشات التي قدمتها المنظمة: “حققنا نجاحات ملموسة، كان منها على سبيل المثال تدريب مجموعة من الفتيات على مبادئ الكتابة الصحفية والقصة الخبرية والمهارات الإعلامية بالشراكة مع منظمات أخرى، وكان هدفنا من تدريبات كهذه، هو اقحام المرأة في سوق العمل، من خلال رفع قدراتها ومهاراتها في وظائف كانت غالباً مرفوضة أو محرم على المرأة ممارستها. وبالتوازي مع تلك التدريبات كنا نعمل على تزويد الفتيات بالمهارات الحياتية التي تمكنها من خوض غمار الحياة، بالاعتماد على ذاتها والتخلص من السلطة والتبعية الذكورية”.

“في الحقيقة بالرغم من أن المنظمات أو المؤسسات التي تعمل على قضايا المرأة لم تصل بعد إلى تحقيق الأهداف المرجوة، إلا أن هذه المنظمات تمكنت من إمساك رأس الخيط.” تقول رانيا الشيخ مصطفى مديرة مكتب المرأة في منظمة بادر الإنسانية (مقرها تركيا- الريحانية)، وتوضح: “بمعنى أخر تسعى المنظمات حالياً وبشكل حثيث لتطوير برامج ومشاريع من شأنها تغيير ما كان عليه واقع المرأة قبل عام 2011، سواء القانوني أو الاجتماعي أو السياسي. لا يمكن الحكم الآن على مدى نجاح المنظمات فيما يخص قضايا المرأة، فنحن جميعاً نعلم أننا كسوريات وسوريين رزحنا تحت حكم شمولي طويل، غيب فيه كل ما يمكن أن يطلق عليه عمل مدني، إضافة إلى أنه تم إقصاء المرأة ولفترة طويلة من خلال القوانين المجحفة بحقها أو من خلال الدستور الذي كان معتمد، وغذى هذا كله تجذر العادات والتقاليد وعدم محاولة تغييرها كونها كانت تخدم الحكم الشمولي في سوريا بطريقة أو بأخرى. وفوق هذا كله فإن سوريا لم تكن موقعة على العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بالمرأة وقضاياها كالسيداو، وبالتالي فإن نضالنا كمؤسسات نسائية ونسوية لتغيير واقع المرأة سيكون نضالاً طويلاً”.

 

الواقع والمأمول

تصطدم المنظمات ولاسيما النسائية والنسوية منها، بواقع عمل مليء بالصعوبات التي تقلل من فاعليتها واستمراريتها في ما يتعلق بقضايا النساء. تقول المديرة التنفيذية لجمعية زنوبيا (مقرها تركيا- عينتاب) أحلام ميلاجي عن الصعوبات والمعوقات التي واجهت منظمتها، ووقفت عائقاً أمام العديد من الأنشطة التي تقدمها المنظمة: “قلة الخبرة والتجربة في كيفية إدارة المنظمات كانت المعوقات الأساسية في بداية العمل المؤسساتي والمنظماتي، ومن المعوقات الهامة الأخرى، المعوقات المالية وعدم وجود تمويل للمشاريع والأنشطة، يضاف لذلك معوقات قانونية، معوقات تتعلق باختلاف عادات وتقاليد البلد المضيف، ومعوقات أوجدها في بعض الأحيان الداعمين من خلال اختيارهم دعم أنشطة ومشاريع قد تختلف عن السياق السوري وعن حاجة المجتمع،” وتضيف أحلام بأن هناك معوقات جاءت من جانب المستفيدات/ين أنفسهن/م: “تنتظر الفئة المستفيدة من أي مشروع الإغاثة المادية أو العينية، نحن نؤمن في منظمتنا بأن الجانب الإغاثي جانب احتياج أساسي، ويجب وضعه في الحسبان دائماً، فنحن لا يمكن أن نقدم الدعم الفكري والنفسي والسياسي لبطون خاوية”. لكن السيدة ميلاجي التي أسست مع مجموعة من السيدات جمعية زنوبيا، كمبادرة للتفكير بقضايا المرأة ودعمها وخاصة اللاجئات في تركيا، ولاحقاً السيدات في الداخل السوري، تفضل العمل على رفع السوية المعرفية لدى النساء أكثر من تأمين سلة إغاثية لهن، من منطلق أن امتلاك المعرفة والمهارات يقود إلى رفع السوية المعيشية للمرأة دون الاعتماد على الآخرين. وتعمل جمعية زنوبيا على إطلاق حملات توعوية عن واقع المرأة الحالي، وعن هذا تقول السيدة ميلاجي: “أطلقنا عدد من  حملات التوعية عن الجانب القانوني والحماية القانونية في تركيا، بالإضافة إلى أننا تناولنا العنف الممارس على المرأة بنشاطات متعددة، وطالت أنشطتنا اليافعين واليافعات، وأدركنا أن نضالنا في سبيل المرأة لن ينجح إلا بإشراك الرجال، الأمر الذي دفعنا إلى إشراك الرجال في حملات مناصرتنا لقضايا المرأة”. تأمل السيدة أحلام بأن تكون أنشطة جمعية زنوبيا الموجهة للمرأة قد حققت نجاحات حتى لو كانت على نطاق صغير أو ضيق، لأن التغيير الأكبر والأشمل والوصول إلى شرائح أكبر من النساء، سيحتاج إلى جهود حكومية وتدخلات دولية وحلول سياسية وقانونية جذرية.

“لايزال مجتمعنا السوري ينظر إلى مسألة تمكين المرأة بعين الريبة، وعليه فإننا ما نزال نلحظ ارتفاع نسبة زواج القاصرات وازدياد العنف المجتمعي ضد المرأة.” تقول السيدة وضحة. ولذلك فنشاط منظمتها اتجه نحو الفئات التي ماتزال تعاني من تجذر في فكرها للعادات والمفاهيم الموروثة، إضافة إلى التوجه نحو شريحة الشابات والشباب أملاً بأنهن/م سيحملن/ون على عاتقهن/م التغيير المرجو.

وترى رانيا شيخ مصطفى، أن المرحلة القادمة وهي مرحلة سياسية بامتياز، تتطلب من المنظمات النسائية والنسوية أن تكون على أهبة الاستعداد من خلال إعداد نساء قادرات على القيادة المجتمعية. ولكن الأمر لا يبدو بهذه السهولة فتقول: “أصعب ما واجهناه في عملنا على أرض الواقع، هو مسألة المفاهيم والمصطلحات مثل تمكين، تحرير، تأهيل… فكثيراً ما اصطدمنا برفض حاد وشديد لتلك المصطلحات من قبل بعض السوريات والسوريين، معتبرين أنها مصطلحات تؤدي إلى تجاوزات دينية أو عرفية أو تؤدي إلى شروخات ثقافية ومجتمعية. لذلك يتوجب على منظمات المجتمع المدني السورية أن تبدأ انطلاقا من واقعنا وثقافتنا المجتمعية بوضع تعريفات للمفاهيم والمصطلحات، بحيث تتقارب أو تتوافق مع شرعة حقوق الإنسان ومع القرارات والقوانين الناظمة لحقوق الإنسان، وتحقق وجوداً للمرأة في كل مفاصل سوريا الجديدة، لتأخذ دورها الفاعل والحقيقي في الشأن الخاص والعام”.

إن الحكم على مدى فاعلية منظمات المجتمع المدني، والتي استهدفت المرأة بنشاطها ومشاريعها أمر يصعب تحديده، فالغالبية العظمى من تلك المنظمات عملت تحت ظروف وشروط صعبة وغير مستقرة، منها مثلاً التدخلات والإجراءات القانونية والمالية والتشغيلية في البلدان المستضيفة، ولاسيما تركيا. وفي الداخل السوري واجهت تلك المنظمات عقبات من قبيل تعرض المناطق التي تعمل داخلها لظروف أمنية صعبة كالقصف والتهجير، مما أدى لأن تكون جودة الخدمات التي تقدمها أقل من المرجو أو المطلوب. كما قوبلت الكثير من أنشطة المنظمات النسائية، وخاصة تلك الأنشطة التي تهدف إلى تمكين المرأة سياسياً أو حقوقياً، برفض شديد من قبل الجماعات أو الفصائل الدينية المتطرفة أو الراديكالية، والتي أعاقت عملها بصورة صارخة وصلت في بعض الأحيان إلى إغلاق مراكز المنظمات أو اعتقال القائمات/ين على أنشطتها. لكن وبالرغم من ذلك يزداد ظهور وانتشار المنظمات النسائية والنسوية، حتى بدأت تظهر الشبكات والتجمعات النسائية والنسوية بهدف توحيد الرؤى والجهود وتكثيفها باتجاه تغيير واقع المرأة السورية، ونقلها إلى مراكز تتمكن من خلالها تغيير ثقافة مجتمعية أجحفت بحقها سنوات طويلة.