نساء في الخطوط الأمامية-مبادرات لنساء سوريات في تركيا لمواجهة آثار الزلزال

 

تفاعلت النساء السوريات في تركيا مع الآثار الكارثية التي خلفها زلزال سوريا وتركيا على السوريات والسوريين في كلا البلدين، من خلال قيامهن بعدد من المبادرات الفردية والجماعية، التي هدفت إلى تلبية الاحتياجات الضرورية وتقديم الدعم النفسي للمتضررات والمتضررين من الزلزال. 

رصدت الحركة السياسية النسوية السورية بعضاً من تلك المبادرات، من خلال الحديث مع أولئك النساء والتعرف على طبيعة تلك المبادرات وآليات تنفذيها ودافعها ومدى فعاليتها وأثرها. 

 

دعم الأطفال الناجين من الزلزال في المخيمات

بعد أيام من الزلزال قامت عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية منى العبود، وهي صحفية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، مع عدد من صديقاتها وأصدقائها وبالتعاون مع منظمات مجتمع مدني في عينتاب، بمبادرات استهدفت الأطفال الناجين من الزلزال، تقول منى: “عندما زرنا عدداً من المخيمات ودور الإيواء التي يتواجد فيها متضررات/ين من الزلزال، أمسك طفل يدي وقال لي، أمسكي يدي بشدة ولا تتركيني، هنا شعرت بأهمية أن نقدم شيئا للأطفال المتضررين من الزلزال، لنخفف من خوفهم وصدمتهم”.

عن المبادرة تقول منى: “زرت مع أخصائيات/ين نفسيات/ين ومع متطوعات/ين ومنظمات مخيمات عشوائية ودور إيواء ودور أيتام في عينتاب وغيرها، لنرصد مدى تأثر الأطفال بالزلزال، وطبيعة المخاوف التي ولدها لديهم. مبادرتنا كانت بسيطة، حيث قمنا باللعب مع الأطفال ومشاركتهم الغناء والرقص والرسم، بالإضافة إلى توزيع هدايا عليهم، وذلك كان بهدف تفريغ الشحنات السلبية والمخاوف التي تركها الزلزال عليهم”. 

تشير منى إلى أن المبادرة لم تكن مخصصة للأطفال السوريين فقط: “عندما كنا نزور المخيمات أو دور الإيواء كانت غايتنا أن نوصل الفرح لأي طفل سواء كان تركياً أم سورياً”. 

“احتضان الأطفال واللعب معهم والإمساك بأيديهم، جعلني أشعر بأهمية ما كنا نقدمه ونفعله، إحدى الطفلات قالت لي، لم يأت أحد قبلكم ليسأل عن حالنا، أنا سعيدة أنكم هنا، عودوا مرة ثانية” تتابع منى: “تأثرت جداً بكلام الطفلة وجعلني أشعر بالسعادة، أتمنى لو نتمكن من الانتقال من مرحلة اللعب مع الأطفال إلى مرحلة تقديم دعم نفسي حقيقي وخاص بالأطفال المتضررين من الزلزال”. 

 

#قلب_واحد_سوريا

#قلب_واحد_سوريا، هي عنوان لمبادرة فردية قامت بها عضوتا الحركة السياسية النسوية أمل السلامات ووضحى العثمان، هدفت إلى جمع تبرعات عينية ومادية والتواصل مع أفراد ومجموعات ومنظمات، قادرة على مساعدة اللاجئات/ين السوريات/ين المتضررات/ين من زلزال سوريا وتركيا. 

أحد المتبرعين السوريين من ألمانيا للمبادرة قال: “لا نتمكن من النوم، وينتابنا شعور مستمر بالألم والوجع على أهلنا في سوريا وتركيا، من واجبنا أن نقف معهم ونساعدهم، حتى لو تبرعنا بيورو واحد فقط، فهم ذاقوا مرارة النزوح والتشرد أكثر من مرة، وعانوا الفقد في سوريا وفي تركيا”. 

وكانت أول خطوة في مبادرة #قلب_واحد_سوريا، توزيع مبالغ مالية على عدد من العائلات المتضررة من الزلزال في أنقرة. إحدى النساء المستفيدات من المبادرة، وهي أرملة سورية نزحت من هاتاي إلى أنقرة قالت: “نحن بحاجة لحرامات، ملابس، أغراض خاصة بالنساء، وأغذية، فقد خرجنا بملابس نومنا لحظة وقوع الزلزال. تهدمت منازلنا، لم يعد لدينا مأوى نذهب إليه، والحكومة التركية قالت إنها غير متكفلة بإيجاد مأوى للسوريات/ين المتضررات/ين من الزلزال، نحن بحاجة للمال لنتمكن من مشاركة أقاربنا ومعارفنا الذين نزحنا لبيوتهم لنشاركهم في إيجارات البيوت مبدئياً”. 

تقول عضوة الحركة السياسية النسوية أمل السلامات: “اسمينا مبادراتنا على اسم المبادرة التي أطلقها الأتراك “tek_yürek#” أي “#قلب_واحد” التي تمكنوا من خلالها من جمع مبلغ /6.1 مليار دولار/ في سبع ساعات، لمساعدة المتضررات والمتضررين من الزلزال في تركيا، نأمل أن نقوم نحن السوريات والسوريين بهكذا حملات ومبادرات، خاصة أن الشعب السوري في تركيا وفي سوريا تتضاعف معاناته في ظل الانقسامات وعدم وجود سلطة واحدة وجهة واحدة ودولة ذات سيادة وشرعية لمساعدة المنكوبات والمنكوبين من الزلزال، ويعاني الشعب السوري أساساً قبل الزلزال من نقص في حاجاته الأساسية كالغذاء والدواء ووجود المأوى، الذي يحفظ الكرامة الإنسانية”. 

تقول وضحى العثمان: “آمل أن تنشأ مبادرات سورية غايتها مساعدة كل السوريات والسوريين في كل من سوريا وتركيا، واعتقد أن السوريات والسوريين في دول الشتات قادرين على المساعدة بصورة أكبر إذا ما وحدوا جهودهم وناصروا أهلهم في سوريا وتركيا”. 

 

التواصل مع جمعيات سورية وتركية

إنصاف نصر، أخصائية نفسية، منسقة الفريق المحلي لعائلات من أجل الحرية، وعضوة مؤسسة في مؤسسة نداء لحماية الأطفال من الاعتداء الجنسي، استفادت من عملها كمنسقة ومن شبكة علاقتها وقدرتها على التواصل مع جهات رسمية تركية، وعن ذلك تقول: “بحسب استطاعتي وبحسب المتاح لي، عملت على التنسيق بين عضوات وأعضاء فريق نداء الموجودات/ين في تركيا وخارجها، من أجل توفير عمل إغاثي للمنكوبات وللمنكوبين في غازي عينتاب، حيث تم تأمين بعض من احتياجاتهن/م الطارئة كالغذاء والأغطية. عندما نزحت من عينتاب لأنقرة، قمت بالتواصل مع ناشطات وناشطين سوريات وسوريين، من أجل الوصول إلى أرقام “السوسيال” في تركيا، إضافة إلى التواصل مع مؤسسات وجمعيات وجهات تركية رسمية، للتواصل معها من أجل تقديم الدعم، حيث تم وضع هذه الأرقام على مجموعات واتس أب تم تشكيلها للنازحات والنازحين من المناطق المتضررة من الزلزال”. 

تضيف نصر: “لمسنا بعض التفاعل والتجاوب من بعض الجمعيات والجهات التركية، لكننا لم نتمكن من تغطية كل الاحتياجات بحجة الأعداد الكبيرة للمتضررات والمتضررين”. 

 

الدعم الشخصي

الأخصائية النفسية وعضوة الحركة السياسية النسوية السورية غيثاء أسعد، شعرت بعد الزلزال بما أطلقت عليه (عقدة الناجي/ة)، الأمر الذي جعلها تبتعد عن تقديم الدعم النفسي الذي يعد مجال اختصاصها وعملها، فلجأت إلى ما سمته دعم شخصي، عن ذلك تقول غيثاء: “بعد صدمة الزلزال التي عشتها في غازي عينتاب، شعرت بما نسميه بعقدة الناحي (الشعور بالذنب) ـ، حيث نبدأ بسؤال أنفسنا، لماذا غادرت؟ كان من الممكن أن أقدم شيء ما للمتضررات والمتضررين من الزلزال على الصعيد النفسي، لكنني سألت نفسي هل أنا قادرة على تقديم الدعم النفسي الآن، فأنا شخصياً كنت بحاجة لدعم نفسي من صدمة الزلزال، لذلك ابتعدت عن هذا الأمر، لأنني أريد أن اتعافى أولاً لأصبح قادرة على تقديم الدعم النفسي. بقيت أفكر كيف يمكن أن أقدم الدعم للآخرين إذاً، فوجدت أن تقديم دعم مادي بشكل شخصي لمتضررات ومتضررين أعرفهم قد يكون استجابة طارئة لحاجاتهم الأساسية الملحة على أثر الزلزال، وقد يساعدني من ناحية ثانية لأتجاوز شعوري بعقدة الذنب (عقدة الناجي)”. 

عما فعلته غيثاء تقول: “علمت بأن هناك نساء في عينتاب، أقمن مطبخاً لتقديم الطعام للناس في الخيم، فساهمت بمبلغ مادي من حسابي الخاص، لسد جزء من احتياجات مطبخهن. تواصل معي لاحقاً أشخاصاً يقطنون في دول أوروبا وغيرها، كانوا يبحثون عن أفراد في تركيا لتحويل مبالغ مالية لتوزيعها على المتضررات/ين من الزلزال، فاستطعت من خلال معارفي وشبكة اتصالاتي، الوصول لنساء أعرفهن في عينتاب لإيصال تلك المبالغ لهن. لم أتوقف عند أولئك النساء، فعندما كنت في مدينة إسطنبول، زرت عدد من العائلات النازحة من مناطق الزلزال، وقدمت لها مساعدات عينية، مثل شراء بيجامات وملابس وغيرها”. 

لاحقاً تبدأ غيثاء باستعادة توازنها النفسي وتعود إلى مجالها، الدعم النفسي: “بدأت أشعر بالتعافي والإيجابية بأنني قادرة على مساعدة النساء نفسيا في التخلص من صدمة الزلزال بعد فترة أسبوعين أو أكثر من الزلزال، وتواصلت مع نساء من مناطق الزلزال لتقديم الدعم النفسي لهن، وحقيقة تمكنت أنا وهن من التعامل مع صدمة الزلزال بقوة ورضى أكثر”. 

 

تبرعات من العائلة

الدكتورة (م) رفضت التصريح عن اسمها، قامت بمبادرة فردية، حيث عملت على التواصل مع معارفها وأقاربها لتأمين مبالغ مالية، ولجمع تبرعات عينية مثل الملابس والحرامات وفوط الأطفال، وعن ذلك تقول: “تمكنت من تأمين مبلغ مادي جيد، وقمت بإرساله إلى منطقة جندريس، لتوزيعه على المتضررات والمتضررين من سكان المنطقة، إضافة إلى إدخال كمية من الحرامات والأغطية إلى المنطقة. في أنقرة تمكنت من جمع ملابس وإيصالها إلى النازحات والنازحين في أنقرة، ثم عملت على تأمين كميات من فوط الأطفال لأطفال الأسر النازحة من مناطق الزلزال”. 

 

الصعوبات والتحديات

حتى اللحظة لم تتوقف النساء السوريات عن القيام بمبادرات لدعم السوريات والسوريين المتضررات والمتضررين من الزلزال، ولكن يواجهن عدداً من الصعوبات والتحديات منها على حسب قولهن، الصعوبة الشديدة في تأمين المأوى للنازحات والنازحين، تقول أمل: “سكن أغلب السوريات والسوريين بعد الزلزال لدى أقاربهم أو معارفهم في الولايات التركية غير المتضررة من الزلزال، حيث أن الحكومة التركية لم تعمل على تأمين مساكن مؤقتة أو خيم للمتضررات/ين السوريات/ين أسوة بالأتراك. هذا الأمر زاد من معاناة اللاجئات واللاجئين السوريات والسوريين الذين بدأوا بالبحث عن المأوى والسكن، وهم يعانون حالياً من عدم قدرتهم على الحصول على بيوت مستأجرة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات”. 

من الصعوبات والتحديات الأخرى تقول الدكتورة (م): “لدى تواصلي مع عدد من العائلات السورية التي نزحت إلى أنقرة من مناطق الزلزال للتعرف على احتياجاتهم الضرورية، وجدت أفراد أسرة نزحت فقط بثياب النوم، وهذه الأسر تحتاج إلى ملابس وأحذية، أي كسوة جديدة كاملة، والحقيقة واجهت صعوبة كبيرة في تأمين هذا الاحتياج، يضاف إلى ذلك أن هذه الأسر لم تعد تملك أي شيء، خاصة تلك الأسر النازحة من مناطق هاتاي التي تدمرت منازلها بالكامل، فهي أيضاً بحاجة إلى الأغطية والأدوية. هناك أمر آخر وهو الأسر المستضيفة للعائلات النازحة، فالأسر السورية في أنقرة مثلاً هي أسر فقيرة أساساً، ازداد عبئها المادي وتضاعف بسبب المتضررات/ين من الزلزال، لذلك أرى أنه يجب أيضاً تقديم دعم مادي للمجتمع المضيف”. 

وضحى تحدثت عن الصعوبات في جمع التبرعات: “حجم الكارثة كبير والاحتياجات كبيرة أيضاً، فالأشخاص الذين كنا نتواصل معهم لتأمين مبالغ مادية، كانوا تحت ضغط شديد، إذا أن المتضررات والمتضررين السوريات والسوريين يقدر عددهم بمئات الآلاف ما بين تركيا وسوريا، وبالتالي من يقدمون المساعدات كانوا يحاولون تخصيص المبالغ للأكثر ضرراً، وعلى الرغم من ذلك لم نتمكن من جمع تبرعات مالية كبيرة”. 

“الشعور بالخوف والقلق، والاضطرابات النفسية الشديدة، أكثر ما لاحظته عند الناجيات والناجين من الزلزال، لم أقدر على التعامل مع كل حالات الاضطراب النفسي، لعدة أسباب منها عدم وجود المكان الآمن والمريح، نقص في الكوادر المختصة، العدد الكبير من الناجيات والناجين، وضع تأمين الطعام والشراب كأولوية قبل الوضع النفسي… وغيرها، لذلك يجب أن يكون هناك مبادرات وبرامج ومشاريع خاصة بمساعدة الناجيات والناجين من الزلازل على الصعيد النفسي، ليس ترفاً بل هو مهم وضروري للتعامل مع الكارثة، ليمكنهم من الاستمرار والمضي والتعافي النفسي من صدمة الزلزال” تقول إنصاف. 

لطالما سُجِلَ للنساء السوريات دورٌ هامٌ في العمل المدني والإغاثي خلال الأحداث في سوريا، وبعد أن اكتسبن الخبرة خلال سنوات الحرب في سوريا، ها هن يقمن اليوم بدورهن الذي تبلور وأصبح أكثر فعالية، لمواجهة الآثار الكارثية لزلزال سوريا وتركيا.