هبا سعد الدين، أحلم بسوريا مرممة الجراح


هبا سعد الدين من مواليد مدينة الرستن في حمص، درست في كلية التربية قسم معلم صف وعملت مدرسة للحلقة الأولى. خرجت من ريف حمص الشمالي مع قوافل التهجير القسري سنة 2018، تنقلت بين عدة مناطق في ريفي إدلب وحلب الشمالي، وتستقر حالياً في منطقة جندريس في ريف حلب. تعمل قائدة فريق عمال الدعم النفسي الاجتماعي، ومسؤولة عن تفعيل جلسات حول الوعي السياسي للمرأة مع منظمات مجتمع مدني عاملة في منطقة سكنها.

 تستعيد هبا معنا ذكريات مشاركتها في أيام الثورة الأولى، فتقول: منذ انطلاق الثورة كان موقفي منها واضحاً وصريحاً، وشاركت بالمظاهرات السلمية في الرستن حينها والتي كانت تطالب بداية بالإصلاحات ونصرة لأطفال درعا ثم تحولت لإسقاط النظام بعد أن بدأ النظام بالتصعيد واستخدام القوة لقمع الاحتجاجات. تضيف هبا، كان الدافع الأساسي لمشاركتي هو رفع الظلم عن سوريا والتخلص من الحكم الدكتاتوري، خاصة أنني عشت هذا الظلم بشكل شخصي، بداية حين استشهاد ابن عمتي قنصاً في “جمعة الغضب”، ثم أخي الذي توفي في المعتقل، حيث تم اعتقاله مع بداية الثورة حين كان طالب سنة أولى في الكلية الحربية، وأجبر على الإقامة القسرية ضمن الكلية الحربية في حمص، ولاحقاً تم سوقه إلى عدة أفرع أمنية، قبل أن يفارق الحياة في سجن صيدنايا عام 2013 جراء المضاعفات المرضية والتعذيب، هذا دفعني بإصرار أكبر للمتابعة في طريق الحرية. أخذت الأحداث بالتصاعد إلى أن خرجت الرستن عن سيطرة النظام لفترة، قبل أن نحاصر مجدداً وتنعدم سبل الحياة ونهجر قسرياً إلى الشمال السوري عام 2018. تؤكد هبا أن الحصار والقصف لم يكونا السبب الوحيد لقبولها بالتهجير، فرفضها البقاء في منطقة تحت سيطرة قوات النظام لم يترك لها خياراً آخراً سوى التهجير. أما أسباب تنقلاتها لاحقاً بين عدة مناطق في ريفي إدلب وحلب الشمالي، تقول: تتلخص الأسباب بانعدام الأمن، ومحاولة تأمين لقمة العيش، والصدمة من تحول الحراك الثوري إلى اقتتال بين الفصائل، بالإضافة إلى السيطرة التركية على عدة مناطق، فدائماً أجدني أترك منطقة وأتوجه لأخرى أملاً بواقع أقل سوءاً.

لم تكن تجربة التهجير القسري سهلة ولم ترَ فيها هبا خلاصاً حيث تواجه تحديات جديدة منها انعدام الأمان، وانتشار السلاح العشوائي، وكثرة التفجيرات في المنطقة، وكذلك الخوف على عائلتها من عمليات الخطف، إلا أنها تقول: رغم المشاعر المتضاربة من كره وحقد على النظام المجرم الذي تسبب بكل تلك الخسارات، وقلق من الوضع الحالي، تفتحت أمامي في الشمال السوري مجالات جديدة للمشاركة بشكل أكثر فعالية، والعمل على تطوير إمكانياتي لتقديم المساهمة في العمل المدني عن طريق التدريبات وجلسات الحوار والتوعية للنساء من جميع شرائح المجتمع، حيث شاركت مع العديد من منظمات المجتمع المدني بجلسات حوارية حول مواضيع سياسية نسوية، وكونت شبكة علاقات اجتماعية منفتحة على الواقع السياسي مما زاد رغبتي في الانخراط بالشأن العام والعمل النسوي، وهذا ما أهلني للقيام بالعمل الذي أتولاه حالياً.

“أول التحديات أمام المرأة اليوم الجهل وانعدام الأمان، وبرأيي لا يمكننا فصل طبيعة الواقع الذي تعيشه معظم السوريات عن أدائهن، فنسبة السوريات الفاقدات للأمان كبيرة، بين نازحات ومهجرات ورازحات تحت سلطات المجتمع والأمر الواقع، هذا سينعكس بالضرورة على دورهن في الحياة العملية والسياسية لأن أولوياتهن مختلفة.” 

عن بدايات اهتمامها بالعمل السياسي تقول هبا: بدأت أهتم بالسياسة تزامناً مع انطلاق الثورة، وذلك لرغبتي بفهم الأحداث بسياقها الصحيح، والبحث بالأسباب المباشرة وغير المباشرة التي دفعت السوريات والسوريين للانتفاض بوجه النظام رغم علمهن\م ببطشه. كل من شارك في الثورة يعرف أن نظام الأسد ديكتاتورياً وقامعاً للحريات، ومن خرج إلى الشارع بشكل عفوي خرج رافضاً للظلم المزمن، لكن كان لابد من التعمق بتاريخ هذا النظام والاحتمالات التي قد تواجه الحراك ضده. لهذا وفي مرحلة لاحقة وبعد التهجير القسري، التحقت بعدة تدريبات سياسية، ووجدت مساحة للمشاركة والتعبير عن الرأي بشكل أوسع.

تعتبر هبا العمل أن أبرز معيقات العمل السياسي قبل 2011 أنه كان من المحرمات على عموم الشعب السوري بجميع أطيافه، وفئة محدودة جداً من السياسيين الرجال كانت متحكمة بمفاصل الدولة، وذلك أدى إلى فقدان الرغبة لدى عدد كبير من السوريات والسوريين بالخوض في غمار السياسة، ولا يخفى على أحد هالة الرعب التي كانت تحيط بالسياسة في سوريا. هذا كله أعاق تشكل وسط سياسي متنوع أو منفتح على المشاركة واختصر مفهوم السياسة بمشاهدة نشرة أخبار ومطالعة الصحف الرسمية، وهذا ليس كافياً لخلق معرفة بالوضع وسياقاته. أما الفئة القليلة التي اختارت المغامرة والتطرق للسياسة فكانت دائماً عرضة للملاحقة والسجن والترهيب. تضيف: أما اليوم فنواجه نوعاً آخر من المعيقات تتمثل بالفوضى وانتشار الفصائل المسلحة بشكل عشوائي وبأجندات مختلفة، وهذا يقف عائقاً أمام تحقيق دولة حرة مستقلة، بالإضافة إلى تقلص الدور السوري على حساب التدخلات الخارجية وأجنداتها المتضاربة مع إرادة الشعب السوري الذي خرج في ثورة 2011.

أما عن التحديات التي تواجه المرأة السورية بشكل خاص في العمل السياسي تقول هبا: أول التحديات أمام المرأة اليوم الجهل وانعدام الأمان، وبرأيي لا يمكننا فصل طبيعة الواقع الذي تعيشه معظم السوريات عن أدائهن، فنسبة السوريات الفاقدات للأمان كبيرة، بين نازحات ومهجرات ورازحات تحت سلطات المجتمع والأمر الواقع، هذا سينعكس بالضرورة على دورهن في الحياة العملية والسياسية لأن أولوياتهن مختلفة. وعلى الرغم من أننا بتنا نسمع إشادات حول تحمل النساء للمسؤولية في وقتنا الراهن، إلا أن الموضوع مقتصر هنا على تحصيلها لقمة العيش لعائلتها، وليس على جهدها في تطوير ذاتها والانخراط في الحياة العامة.

“الثورة فكرة، والإيمان بالفكرة هو الطريق لتحقيقها. أنا على يقين بأن العمل الجماعي والانخراط بأجسام سياسية يساعد في التنظيم وتأسيس قاعدة شعبية صلبة، ويساهم برفع الوعي بأهمية العمل السياسي، لنصل إلى مرحلة تشكيل أحزاب وتجمعات منوعة ومختلفة التوجهات إلا أنها متفقة على بناء سوريا دولة مواطنة.”

أحد أسباب انضمام هبا للحركة السياسية النسوية السورية هو إيمانها بضرورة حضور الفكر النسوي في العمل السياسي، تقول:  لدي إيمان مطلق بأهمية النسوية وقدرتها على إحداث تغيير في المجال السياسي خاصة، ومختلف المجالات عامة. المرأة قادرة على الانخراط بالعمل السياسي وصناعة القرار جنباً إلى جنب مع الرجل، والاستمرار بتهميشها وإقصائها عن الفضاء السياسي لن يجلب لسوريا سوى المزيد من القمع، ولن يكون مستقبل البلاد أفضل حالاً من الماضي والحاضر، لذا أعتبر أن الحركة السياسية النسوية السورية هي الجسم السياسي الذي يتوافق مع رؤيتي ولديه هدف تفعيل دور المرأة وتمثيلها في الحراك السياسي وأماكن صنع القرار. تضيف هبا، أتمنى أن تساعد الظروف في المستقبل القريب وتفتتح الحركة مكتباً لها في الشمال السوري هذا سيتيح الفرصة لنساء كثر ورجال أيضاً للاطلاع على الفكر السياسي النسوي وأهميته لمستقبل سوريا.


سألنا هبا أين نحن من مبادئ الثورة اليوم؟ أجابت: لقد قطع الشعب السوري شوطاً كبيراً في سبيل تحقيق مطالبه، كل ما نحتاجه اليوم هو تنظيم الحراكين السياسي والثوري وتوحيدهما وإعادة توجيه البوصلة نحو رؤية وأهداف الثورة، ونبذ بعض الرؤوس الفاسدة. لا ضير من التوقف ومراجعة الذات والاعتراف بالهفوات والأخطاء ومحاولة تصويبها قبل فوات الأوان.

عن إيمان هبا بمواصلة العمل السياسي والثوري تقول: الثورة فكرة، والإيمان بالفكرة هو الطريق لتحقيقها. أنا على يقين بأن العمل الجماعي والانخراط بأجسام سياسية يساعد في التنظيم وتأسيس قاعدة شعبية صلبة، ويساهم برفع الوعي بأهمية العمل السياسي، لنصل إلى مرحلة تشكيل أحزاب وتجمعات منوعة ومختلفة التوجهات إلا أنها متفقة على بناء سوريا دولة مواطنة. 

عن سوريا التي تحلم بها تقول هبا: أحلم بسوريا مرممة الجراح قبل كل شيء، أراها دولة ذات سيادة، دولة مواطنة ومساواة، دولة قانون تحفظ حقوق وكرامات المواطنات والمواطنين.