هل صار الأسد على بوابة الترحيل؟

*هوازن خداج

بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة سلمية واجهها نظام استبدادي بالسلاح والعنف والقمع الوحشي والمنهجي، تتوالى البيانات والتصريحات الرسمية التي تُحمِّل رئيس النظام السوري بشار الأسد وداعميه، مسؤولية المعاناة المريرة التي عاشها الشعب السوري؛ حيث اتخذ وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا (نص البيان هنا)، موقفاً موحَّداً في إدانة الأسد وتجريمه، وكذلك بيان وزير خارجية كندا ووزيرة التنمية الدولية، إضافة للبيان المشترك لوزيري الخارجية الكندية والهولندية، وقد حملت كافة البيانات تأكيدات مختلفة على دعم الشعب السوري وتجريم نظام الأسد.

مؤشرات جيدة لا تلغي السؤال

انطلاقاً من الواقع السوري الذي لم تكفّ وسائل الإعلام عن نقله بكافة أبعاده الكارثية طيلة عقد كامل من جحيم القتل والتعذيب والتجويع والتمزقات السورية والتدخلات الدولية، تأتي هذه البيانات المختلفة لتقدم مؤشراً جيداً حول العديد من القضايا الهامة، وعلى رأسها رفع سقف الإمكانيات حول التوجّه الدولي لمحاسبة الأسد. ففي بيان وزراء الخارجية الخمسة جرى التأكيد على تحميل نظام الأسد مع داعميه مسؤولية الانتهاكات والفظائع  الجماعية الموثّقة والمتواصلة والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. وأتى التأكيد في كافة البيانات على “إن الإفلات من العقاب أمر غير مقبول” و”إن المساءلة في الجرائم الدولية أمرٌ بالغ الأهمية”، وعلى مواصلة الضغط من أجل المساءلة عن الجرائم الأكثر خطورة.

كما أكدت الدول على مواصلة دعمها لوقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات دون وجود أي عوائق، من خلال تجديد قرار مجلس الأمن رقم “2533”، وآلية عبور الحدود من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومواصلة الدعوة لإطلاق سراح المعتقلات/ين تعسفياً، وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة برعاية الأمم المتحدة بمشاركة جميع السوريات/ين، بمن في ذلك سوريو الشتات. وهذه كلها مؤشرات جيدة.

إلا أن تثمين هذه التصريحات لما تمثله من توجهات تتناسب مع طموحات السوريات/ين في السير باتجاه تحقيق العدالة للضحايا ووضع حدّ للانتهاكات المتكررة من قبل النظام وداعميه. لا يلغي إثارة جملة من الأسئلة حول سبل التقدم بالحلول وخططها الزمنية؟!.

معضلة الخروج من النفق

قبل عقد من الزمن كان مفهوماً لماذا خرج الشعب السوري بوجه أكثر الأنظمة استبداداً، وبعد عقد من الزمن ما يزال الشعب السوري يتأمل التخلص منه، ومن الآثار الكارثية التي تسببها النظام وداعميه، دون أن يتحقق أي من آماله حتى الآن، حسب ما يمكن تبينه من القرارات الدولية قديمها وجديدها.

لقد صدر القرار 2245 منذ كانون أول 2015. وجرى الحديث عن العملية السياسية وأن لا حلّ خارج السياسة، منذ انطلاق المسار السياسي في جنيف عام 2012، ورغم عقد 8 جولات، ومرور 8 سنوات على بدايتها وتولي 4 مبعوثين دوليين (كوفي عنان، والأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي مستورا، وغير بيدرسون) المفاوضات بالشأن السوري، اصطدمت جميع محاولات الحلّ بمماطلة النظام المدعوم بالفيتو الروسي. ولم يتمّ التوصل إلى أي تقدم باتجاه الحل السياسي، كذلك أعمال اللجنة الدستورية التي تم تشكيلها من مندوبات/ين للمعارضة والنظام بعد عقد عدد من المباحثات، لم تسفر عن تقدم يُذكر.

وقد يكون خير دليل على استمرار المأساة، الصدام بين دول غربية وروسيا حول سوريا الذي ظهر في جلسة مجلس الأمن وإخفاق أعضاؤه في الذكرى السنوية العاشرة للحرب السورية، في التعبير عن موقف موحّد حيال المقاربة التي ينبغي اعتمادها لتفعيل العملية السياسية التي يقودها وسيط الأمم المتحدة غير بيدرسن. فالنظام وداعميه وكذلك كافة الدول المعنية بحلّ المعضلة السورية يعرفون أن هناك 5 جيوش دولية لا تزال تعمل في كل أنحاء البلاد، وهناك اختلافات حقيقية وموضوعية بين هؤلاء اللاعبين الدوليين حتى ضمن التزامهم المعلن المشترك لدفع القرار 2254 ودعم العملية السياسية في جنيف.

فهل صار الأسد على بوابة الترحيل؟

النظام يعرف جيداً أنه بلغ نهاية الطريق، التي تستدعي البحث في المرحلة الانتقالية، حسب الإجماع بين الأميركيين والأوروبيين، الذي جرى التعبير عنه بمواقف بالغة الدقة. ولكنه لن يتراجع عن الاستعداد للانتخابات أو يُعير أي اهتمام لما مرّت/مرّ به السوريات والسوريون، أو ما يواجهه من ضغوطات من خلال العقوبات، فهو وحاشيته من الفاسدين لن يعرفوا معنى الجوع، ولكن هناك 80% من السوريات/ين تحت خط الفقر، ولا يعنيه أن تهبّ بعض الدول الخليجية والأوروبية للتدخل الإنساني، الذي لن يكفل سدّ جوع السوريات/ين. وسيكمل مسيرته “بحرق البلد”.

والأهم أنه لن يتأثر بما يصدر من بيانات تشير إلى أنه على بوابة الترحيل، إلا بقدر ما يستفيد من المقايضة حول شروط المحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت في العشرية الماضية -وما تزال ترتكب حتى الآن- قبل الرضوخ لما يستدعي البحث في المرحلة الانتقالية، التي قد تأخذ سنوات قبل إقراراها وتنفيذها. ليبقى السؤال هل يستطيع الشعب السوري الذي شهد مآسي النزوح والتشرد واللجوء والتجويع ويعيش الآن أكبر كارثة إنسانية تشهدها البشرية، المقاومة لعقد آخر من الزمن أو لسنوات؟.

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة