أصوات نسوية، مقابلة مع ندى الخش

أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري

إعداد: كبرياء الساعور

 

أهلاً بكِ ندى

   

1. ندى الخش مهندسة وناشطة سياسية سورية من مدينة مصياف، دخلت مجال العمل السياسي باكرًا أرجو أن تحدثينا عن رحلتك، وكيف تداخل الشخصي بالسياسي وكيف تأثرت حياتك الشخصية بمسارك السياسي؟

عشت في بيئة سياسية عمومًا، وكانت الحوارات حول الشأن العام تدور في البيت كما يتم تناول أمور البيت وتدبير احتياجاته. ورغم صغري فهزيمة الخامس من حزيران كانت أولى لحظات تفتح وعيي السياسي واهتمامي بما يحصل في فلسطين والمنطقة العربية عمومًا وكانت أغنية فيروز “جسر العودة” حاضرة معي أرددها بغضب كبير لا يتناسب مع عمري. وبعد سنوات من الهزيمة أفيق صباحًا وأجلس مع أمي قائلة لها: ما بعرف يا أمي لماذا أشعر بالخوف والهلع. احتضنتني أمي وقالت لي: سلامتك ما تزالين صغيرة على الخوف، وصمتنا قليلاً وكعادتنا فتحنا المذياع الذي كان وسيلة الناس لسماع الأخبار في ذلك الوقت، فسمعنا تلاوة للقرآن واستغربنا الأمر، غيرنا القناة أيضًا تلاوة للقرآن، وبعد قليل تم إذاعة خبر وفاة جمال عبد الناصر.

بكيت طويلاً وأذكر استيقاظ والدي على صوت بكائي ورغم موقفه السلبي منه فقد حضنني وعزاني وبدأ بالتخفيف عني محترما حزني.

بدأت باكرًا جدًا القراءة والتحليل والاهتمام، واذكر بعد استلام حافظ الأسد للحكم أنني قلت في المركز الثقافي في مصياف عجبا كيف يستلم حكم سوريا من كان وزيرًا للدفاع في حرب ١٩٦٧وخسرنا الجولان حينها. كان تعليقا لم يتوقعه أحد تم التعامل معه بحذر دون التوقف عنده بسبب مكانة أبي ومواقفه الوطنية المعروفة وتقديرًا لعمري، ولم تكن القبضة الأمنية قد اشتد عودها أيضا.

ومنذ هزيمة حزيران وحتى هذه اللحظة وعلاقتي بالسياسة كعلاقتي بالحياة إنها الأكسجين الذي أتنفسه، وأحببت وتزوجت بمن يشاركني الحلم وأسست أسرة تتنفس السياسة كما تتنفس الهواء للدرجة التي أشعر أن الحياة والسياسية لا ينفصلان عن بعض، حتى حين أقرر الاعتزال غضبًا أو حزنًا واحباطًا أعود إليها بطريقة مختلفة.

 

2. كناشطة سياسية انخرطت بالعمل السياسي متى بدأ اهتمامك بالقضايا النسوية، وكيف ترين علاقة النسوية بالسياسة وهل تتقاطع النسوية مع الثورة؟

انخرطت بالسياسة مبكرًا في مدينة مصياف حيث كان عدد الفتيات المشاركات كبيرًا وانتقلت تجربتنا معنا إلى الجامعات حيث كنا في حلب ودمشق، ولم تكن تجربة سياسية تقليدية، بل كانت تعتمد التثقيف الفكري، حيث درسنا الماركسية وكتب المفكر العربي “نديم البيطار” والمفكر العربي “عصمت سيف الدولة” وكتب “ياسين الحافظ” وغيرهم.

واهتممت بالتثوير الاجتماعي، إذ غيرت تجربتنا جو مصياف من المحافظ – ليس متشددًا كغيره من الأجواء المحافظة – إلى مجتمع منفتح يتقبل نسبيًا الاجتماعات المختلطة في الوقت الذي كان أي لقاء مختلط قبل ذلك مستهجنًا، وبناء على ذلك أستطيع القول إنني بدأت السياسة مع شريكات نساء، وبدأت الظاهرة بالتراجع مع بداية القبضة الأمنية في ثمانينيات القرن الماضي، وبعد اعتقال السلطة لعدد كبير من السياسيات في الأحزاب الأخرى، ولم يكن للفكر النسوي حضور بيننا، لكن وفي بدايات ربيع دمشق وانتشار ظاهرة المنتديات الفكرية وبدء الاعتصامات من أجل فلسطين والعراق كان يلفت نظري إلى ضرورة تواجد النساء بعد تراجع كبير لدورهن ولكن ليس كفكر نسوي، وسأكون صادقة مع نفسي بأن أولَ اهتماماتي الفعلية بالنسوية معرفيًا كان عبر وجودي في نادي نرجس للقراءة، الذي أسسته رحاب منى شاكر وأصبحت إحدى العضوات النشيطات فيه وبدأت أتعرف على النسوية معرفيًا وبذلك بدأت تنضج رؤيتي السياسية، كنت اقتنع بأهمية دور النساء لكن دون التعمق بالأدوات الفعالة لذلك، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعتبر نفسي سياسية ونسوية في الوقت ذاته لأنني اعتبر النسوية إحدى حركات التحرر الإنسانية عالميًا وثورة عالمية على صعيد القيم الأخلاقية والعدالة الإنسانية.

 

3. انتقل الحراك النسوي في سوريا مع بدايات الثورة من نضالات فردية أو مجموعات صغيرة إلى فكرة التغيير الاجتماعي والسياسي، كيف تقيمين دور وفاعلية المشهد النسوي في سوريا بعد مرور أكثر من عقد؟

كانت مشاركة النساء في بداية الثورة السورية أحد أهم أسباب استمراريتها، رغم كل الضربات الموجعة فقد ساهمت المرأة بتنظيم المظاهرات والدعوة لها، وانتقلت إلى صعيد الدفاع عنها والقيام بالتمريض ونقل الأدوية والمستلزمات والمعلومات ودفعت بأبنائها وشجعت إخوتها، وهذا ما يميز دور المرأة عن الرجل في أن المرأة لا تشارك وحدها وإنما تستنهض همم من حولها بدءًا بأبنائها إلى كل المحيط حولها، لكن ورغم تواجد عدد كبير من النساء إلا أن ظاهرة الشللية كانت الأبرز حين انتقل الأمر لتحويل المشاركة إلى مؤسسات، فبرز عددٌ لابأس به من  المنظمات والشبكات والجمعيات النسائية كان من الممكن أن تكون ظاهرة صحية لو كان الوضع السوري صحيًا، فالانقسام المجتمعي السياسي الديني الطائفي القومي انتقل أيضا إلى انقسامات التجمعات النسوية، بدلاً من توحيدها أو على الأقل تشكيل جبهة نسوية سورية تتفق على نقاط عمل مشتركة حول القضية السورية وهذا الانقسام يبدو واضحًا اليوم بعد إعلان تحرير سوريا من الأسد إلى مرحلة تبدو مفتوحة على احتمالات خطيرة.

 

4. ما هي التحديات التي ستواجه العمل النسوي في المرحلة الحالية بعد سقوط النظام من أجل تحقيق المساواة والعدالة؟

بعد سقوط الأسد، فإن الانقسام المجتمعي الأفقي والعمودي مخيف مجتمعيًا، والنسوية كغيرها تعاني هذا الانقسام لأنها لم تعمل لتحضير نفسها لهذا الاستحقاق الذي كان يجب العمل عليه رغم انسداد الأفق في لحظات كثيرة. 

يجب العمل اليوم على التوافق على برنامج محدد بنقاط أساسية انطلاقًا من الممكن إلى ما يجب أن يكون، آخذين بعين الاعتبار المناخ السياسي السائد، والذي يعتبر أن للنساء أدوارًا نمطية محددة، فالنضال المطلوب سيتم حاليًا على صعيد المجتمع وهو ليس واحدًا وعلى صعيد القانون وعلى صعيد السياسة، وهذا يتطلب جبهة عمل نسوية تضع خلافاتها جانبًا. 

التحديات كبيرة والظروف صعبة ومعقدة، لكن ليس أمامنا خيارات كثيرة وليس أمامنا ترف الانتظار والترقب.

 

5. كيف أثرت بيئة مدينة مصياف التي تحتضن تيارات سياسية متنوعة على دخولك معترك السياسة وما هي مساحة العمل بالشأن العام والعمل السياسي في حينها؟

كنت أقول إنني من المحظوظات حيث عشت برعاية أب ديمقراطي حر، كان يشتري لي كتبًا عن عبد الناصر، رغم تقييمه السلبي له، وكنت في عمر المراهقة ويستطيع منعي عنها، إضافة لكتب أخرى أو إقامة علاقات لم يكن مقتنعا بها، وكذلك تربيت مع أخ يشبه أبي، وزوج حر وديمقراطي إلى أبعد حد.

لم أكن أدرك أن لمصياف دورًا في ذلك حتى عشت تجربة التهجير القسري لسنوات طويلة بعيدة عنها.

وفي تجربة التهجير، أدركت أن لمصياف دورها الكبير في بناء شخصيتي وصقلها فالتنوع الذي نعيشه ميزة لم ألحظ مثله في أي منطقة أخرى، ففي الأسرة ذاتها تجد الإسماعيلي والسني واللاديني ويتعايشون مع بعض كأخوة تجمعهم قواسم لا حصر لها

تجد الناصري والماركسي والقومي السوري والبعثي، في الوقت ذاته يتجادلون ويختلفون وربما يتعاركون، ولكنهم يسهرون معًا ويحضرون مسلسل ارابيسك مع شرب المتة والضحكات الحلوة.

قد يكون لجمال جبالها الخضراء دورًا ولتاريخها الإسماعيلي القديم دورًا أو لهوائها الخاص بها دورًا، وربما كلها مع بعضها مجتمعة.

ما أعرفه أنني كنت أعاني أوجاعا جسدية كثيرة، غابت كلها حين عدت إليها بعد غياب ١٢عامًا، رغم حزني لأنني عدت وتركت قبر زوجي في الأردن وأولادي في غربتهم كل في مكان.

 لمصياف مكانتها في عقلي وروحي…

 

6. عانت الأحزاب والقوى السياسية السورية التقليدية من أزمات متعددة على صعيد التنظيم والفكر وغيرها، من خلال تجربتك بالعمل الحزبي مع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي ولاحقا مع إعلان دمشق حيث انتخبت عضوة أمانة عامة فيه، كيف تقيمين نقاط ضعف وقصور القوى السياسية السورية؟

الثورة السورية لم تكشف إجرام نظام الأسد فقط، وإنما هشاشة وهزالة الأحزاب السياسية في سوريا، وحين استعيد ذاكرتي حول بنية الأحزاب سواء التي عايشتها أو أعرفها من خلال الآخرين في أحزاب أخرى وصولاً إلى إعلان دمشق، أجد أن أهم ما عملنا عليه هو الحديث عن المنظومة الأمنية الأسدية، وكيف يمكننا تخفيف الأذى منها، وتبادل المعلومات عن الاعتقال وتوسيع دائرته، وانتشار عقلية التشكيك والتخوين بيننا بسبب طبيعة القبضة الأمنية.

باستثناء تجربتنا الأولى تحت يافطة تجربة الإعداد المعرفي لبناء كوادر كمرحلة أولى مهمة قبل ولادة التنظيم القومي الذي كنا نؤمن به، لم تتطور معرفتي السياسية عبر النشاط الحزبي، بل كانت تتراجع حينًا وتتشوه حينًا آخر.

ربما تراجع السياسة مجتمعيًا وتوسع القبضة الأمنية المتوحشة تحيل السياسة إلى المستحيل، نحتاج بداية إلى تفعيل المجتمع ومن ثم السعي لولادة أحزاب ببرامج سياسية واضحة والتفكير الجدي في عودة السياسة للمجتمع والمجتمع للسياسة عبر تنظيم اللقاءات وتراكم وتكامل الأدوار والخبرات.

 

7. من واقع تجربتك وتاريخك الطويل بالعمل السياسي ما هي الأسباب والعوامل وراء ضعف الأحزاب السياسية والقوى الديمقراطية السورية مقارنة بالأحزاب والتيارات الإسلامية؟

الحديث عن ضعف التيار الوطني المدني الديمقراطي السوري طويل ومتداخل وله أسبابه الكثيرة، وأهمها أنه أصلاً له مرجعيات متنوعة، هناك الأحزاب القومية العربية، البعث والناصرية والقوميين العرب والوحدويون العرب والتنظيم الشعبي العربي والاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، إضافة للقومي السوري الاجتماعي، وصولاً للتيارات الماركسية العربية وتنوعها الكبير في مساحة ليست صالحة للعمل الحزبي، بسبب الوضع الأمني وسحق المجتمع وساحة العمل السياسي الضيقة.

لم تستطع الأحزاب بتنوعها اختراق المجتمع، وبقيت حبيسة الغرف المغلقة رغم محاولاتها حينا، لكن كان يتم مواجهتها باعتقالات جديدة أو باستدعاء لا يتوقف، وظل الخوف مانعًا لتوسيع شريحة الأحزاب.

ولم تتعلم الأحزاب مراجعة وتقييم برامجها والأداء الحزبي، فهي تنتقد النظام الأسدي بالدكتاتورية واحتكار السلطة ومع ذلك يظل الأمين العام لأحزاب المعارضة أمينا عاما حتى الممات حتى حين يتم تعيين آخر يظل القرار للأمين العام الأبدي، فأصبح هناك ما يعرف بـ “حزب رياض الترك” و”حزب جمال الأتاسي” و”حزب أكرم الحوراني” وهكذا.

اندلاع الثورة كشف هشاشة الأحزاب عمومًا، رغم أنها قدمت مناضلين ودفعت الثمن غاليًا بفقدان أشخاص في المعتقلات واختفاء أخبارهم حتى هذه اللحظة.

في حين أن الأحزاب الإسلامية وبسبب تواجد المساجد والصلوات الخمسة يوميًا فقد كانت المساحة للحركة أكثر وتم التغلغل بين الناس عن طريق العمل بالجمعيات الخيرية.

واعتمدت غالبيتها طريقة في العمل على فكرة أن التدين وسيلة للتعبئة السياسية وأن جمهورها يشمل جميع المؤمنين وصار التدين تهمة، وقد أدى ذلك إلى تصفية حيوات إنسانية في تدمر وصيدنايا بسبب التدين فقط، وهذا ما عملت عليه الأحزاب الدينية واستثمرته جيدًا وخصوصًا بعد اندلاع الثورة وتفاقم موجة العنف وتم استخدام البعد الطائفي فيها، مما أوقعنا اليوم في فخ سياسي صعب ويحتاج إلى حنكة وحكمة لتفكيكه دون الاحتكام للسلاح وخوض مقتلة أخرى، في حين ما تزال تداعيات المقتلة الأسدية حاضرة بتأثيراتها، وقد يكون هناك أسباب أخرى لا تقوى ذاكرتي لاستحضارها والحديث بها.

 

8. بالرغم من أهمية أن يتحاور السوريون والسوريات بعد حقبة الاستبداد، برزت العديد من الانتقادات حول التسرع في عقد جلسات الحوار وخاصة حول مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد مؤخرًا. كيف تقيمين آليات ومخرجات هذا المؤتمر؟

منذ فجر ٨-١٢-٢٠٢٤ والحديث عن مؤتمر وطني عام سوري يدور بين السوريين والسوريات من خلال الحوارات والمقالات الصحفية العديدة، وفجأة يبرز خبر تشكيل لجنة للحوار الوطني وتبدأ اجتماعاتها في المحافظات وتتصاعد تساؤلات حول كيفية إجراء هذا الحوار والمجتمع ما يزال مشلولاً بسبب سياسات السحق الأسدية لقواه الفعلية.

ويأتي الدور لمحافظة حماة كنت من الشخصيات التي تم ترشيحها لحضور جلسة الحوار في محافظة حماة، وأولى ملاحظاتي: أن الفريق الذي تم اختياره من مصياف لم يجتمع مع بعضه ويتفق على نقاط يعبر فيها عن بلدته ومنطقته، والملاحظة الأخرى حول مجريات الجلسة هي تأخر اللجنة التحضيرية ما يقارب نصف ساعة لأنها كانت قبلها في إدلب وحين وصلت تم تقديم الشخصيات ومحاور الحديث ومن ثم بدأت جلسة الحوار، ولأنه حوار مفتوح من دون التحضير له من قبل قوى مجتمعية لها رؤيتها الواضحة ومطالبها، فقد كانت الجلسة أقرب إلى التعارف منها لجلسة حوارية تمهيدية لمؤتمر. فوجئنا فيما بعد بسرعة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني حتى قبل أن يتم دراسة مخرجات كل جلسة، وقبل أن تتمكن الشخصيات التي تمت دعوتها لجلسات المحافظات من الاجتماع والتداول مع بعضهم ومع أبناء مناطقهم ومن يمثلونهم عقب تلك الجلسات، مما يؤكد على فوضى هذا الحراك الوطني، وعدم جديته في وقت عصيب وخطير جدًا.

 

9. تمر سوريا بمرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط نظام الأسد، ما هي الضمانات الدستورية والقانونية بحيث يكون للنساء دوراً فاعلاً في المرحلة الانتقالية وصياغة الدستور؟

ما لفت نظري بعد أحداث الساحل هو تضامن أمهات الأبناء الذين ماتوا في معارك الدفاع عن سوريا ضد عنف الأسد مع أمهات الريف العلوي، حين فقدن بعضًا من أبنائهن في عنف أراه وصمة عار. هذا ما يؤكد وجهة نظري في أهمية تواجد النساء في دوائر صنع القرار السياسي وفي صدارة الوزارات السيادية، وليس عبر مكتب للمرأة، بل التأكيد على تضمين حقوقها عبر مادة في الإعلان الدستوري.

مهم جدًا تواجدها فعليًا وليس عبر مواد قانونية محددة يتم تنفيذها بعقلية ذكورية، هذا لا يتناسب مع التضحيات التي دفعتها النساء طوال عمر الثورة وما تزال مستمرة، لذلك أكرر أن أولى خطوات التعافي لسوريا يكون بضرورة تواجد النساء في صدارة القرار السياسي من خلال عقد اجتماعي جديد يؤسس للسلم الأهلي وبدء إرساء دولة المواطنة والقانون.

والحقيقة أنني أرى موادًا جامدة في إعلان المبادئ الدستورية لا تعترف بالمشاركة الفاعلة للمرأة، وإعادة لوضع المرأة كمزهرية، هذا يزيدني خوفًا وقلقًا على حاضر سوريا ومستقبلها.

ليس هناك مستقبل آمن في سوريا بعد المرحلة الأسدية بعيدًا عن حضور ومشاركة النساء. وهذا يحتاج إلى بدء التفكير بإيجاد جبهة عمل نسوية سورية بنقاط محددة أهمها كيف ننجح في إيجاد مخارج لمصالحات مجتمعية في أماكن الاحتكاك الطائفية والقومية، والعمل على إيجاد نشاطات مشتركة بل إيجاد مشاريع عمل إنتاجية مشتركة. مصانع صغيرة مثلا. (مطعم إنتاجي، فندق سياحي، مصنع تفصيل ثياب)

نحتاج لمشاريع نسوية تكون فيها النساء في مناطق الاحتكاك قيادية ومنتجة ولا يقتصر على ورشات توعية وإنما مشاريع إنتاجية حقيقية تتشابك بها المصالح والرؤى.

مشوارنا طويل وطويل جدًا، لكن خلاصنا من كابوس الأسدية كان إعلانًا بعودة ملايين السوريين والسوريات وضخ تجارب جديدة إلى الداخل السوري، وبدء انتقال أحلامنا إلى واقع عبر خطوات تدريجية.

 

10. بعد أن ظن السوريون والسوريات أنهم نجحوا في بداية عملية التحرير وبأنهم على طريق بناء سوريا المأمولة، غير أن انفجار الأحداث في الساحل السوري وسقوط مئات القتلى من المدنيين والمدنيات وعناصر الأمن العام تضعنا أمام سؤال: كيف يمكن تطبيق العدالة الانتقالية لضمان السلم الأهلي ومنع قيام حرب أهلية؟ 

أولى المخاطر التي كنا نتوقعها ونخاف حصولها بعد تعثر مؤتمر الحوار الوطني هي ما حدث بحق العلويين في الساحل السوري حين اشتبه بحراك أقرب للانقلاب، وتم مواجهته بعنف وصل إلى حد المجازر في بعض المناطق مما يبعث في رسالة تخويفية أنا اعتبرها وصمة عار للثورة وتطلعاتها، ولا أجدها مبررة أبدًا فقد كان فتح الحوار السياسي ضرورة وطنية بعد صراع دموي عاشته سوريا خلال ١٤ عامًا، وفي مملكة الرعب الأسدية طوال ٥٤ عامًا متتالية.

لم يكن التعامل سياسيًا بعد هروب الأسد على مستوى التحديات والمخاطر، بل كان تعاملاً فوقيًا ولم يلامس عمق المجتمع واحتياجاته، وبالتالي انفجار الأحداث في الساحل.

لكن ليس هناك مؤشر فعلي في الإسراع بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، تقوم بتحديد قائمة المطلوبين للمحاكمة، بحيث تأخذ الحياة مسارها الطبيعي، وتجنبنا الوقوع في فخ الثأر والانتقام.

العدالة الانتقالية أولى خطوات التعافي، وتلك العدالة تحتاج لمشاركة وحضور النساء لوضع مخارج لحالة التوتر والاحتقان وإطفاء مشاعر الغضب والثأر التي نراها تأججت بعد مقتل عناصر الأمن العام، وهم في الغالب أبناء المناطق المنكوبة والمخيمات مما أدى إلى الاستعانة بفصائل متشددة قامت بجرائم معيبة بحق الثورة وكأننا لا نتعلم وهذا يطرح أسئلة؛ لماذا تتواجد الفصائل المتشددة في تركيبة الجيش الوطني السوري؟ هل هو قدر أن ننتقل من عنف لعنف مضاد؟

برأيي الشخصي، يجب أن نبدع في فكرة إنشاء ميثاق وطني أو إيجاد قسم سوري يكون فيه الاحتكام للسلاح من المحرمات بيننا كسوريين وسوريات مهما كان الاختلاف كبيرًا، وأن ونتحاور ونبدع في صيغ الحوار، والنساء مبدعات في هذا المضمار وعليهن اقتحام كل المجالات والمساحات وصولاً إلى السياسة من أبوابها العريضة حتى الوصول إلى صدارة الفعل والقرار السياسي.

 

*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية