أي عقد اجتماعي تريده السوريات؟


أي عقد اجتماعي تريده السوريات؟

 


*لينا وفائي، عضوة في الحركة السياسية النسوية السورية، وعضوة ضمن فريق المشاورات السياسية

 

 

بتاريخ ٢٨ آب ٢٠٢٠، أطلقت الحركة السياسية
النسوية السورية ورقتها السياساتية بعنوان “تطلعات السوريات نحو عقد اجتماعي
عادل وهوية وطنية جامعة وسلام مستدام”، وذلك ضمن 
جلسة بعنوان “السياسة السورية من منظور نسوي”، و
بحضور دولة المكسيك ممثلة بالسيد دييغو رويز غاليو، السكرتير الأول
لحقوق الإنسان ممثل البعثة الدائمة لدولة المكسيك في مكتب الأمم المتحدة في جنيڤ،
وعبر منصة زووم، هذه الورقة التي نتجت
من مشاورات مع ١٤٠ امرأة في ١٤ منطقة مختلفة في الداخل السوري، متوزعة على كامل
التراب السوري من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه.

الورقة التي أطلقت في ٢٨ آب كانت الورقة الرابعة
التي تطلقها الحركة السياسية النسوية السورية، إذ كانت قد أطلقت سابقاً ثلاث
ورقات، حول العملية الدستورية، وعودة اللاجئات واللاجئين، وإعادة الإعمار من وجهة
نظر النساء السوريات، إذ أخذت الحركة السياسية النسوية السورية على نفسها مهمة
إيصال أصوات النساء إلى صانعي القرار، وحمل رأيهن وطلباتهن إلى مراكز صنع القرار
ليتم أخذها بعين الاعتبار، وبناء عليه بدأت بمشروع الجلسات التشاورية الذي تقيمه
منذ ما يقارب العامين.

ترى الحركة السياسية النسوية السورية أنه من
المهم إيصال رأي النساء السوريات لكل العالم وللمجتمع الدولي، وعليه كانت حريصة
على إطلاق أوراقها في أوروبا وأمريكا الشمالية، وفي منظمات الأمم المتحدة، وإيصالها
إلى السوريات والسوريين المعنيات/ين بالعملية السياسية والتفاوضية، وأخيراً أيضاً
في أمريكا اللاتينية، فمن المهم أن يصل صوتنا إلى كل أطراف العالم، لشرح قضيتنا، وإيصال
مطالبنا كسوريات وما نريده لسوريا المستقبل.

 الورقة الأخيرة تتناول أولاً نظرة النساء إلى
شكل العقد الاجتماعي القائم في سوريا تاريخياً وحالياً،
إذ تحدثن عن العقد
الاجتماعي القسري الذي شكلته الدكتاتورية في سوريا، والذي كانت الهوية فيه تعتمد
على الولاء المطلق، حيث أن حتى الاسم قد تغير ليربط باسم الدكتاتور فأصبحت بلدنا
تدعى سوريا الأسد، وكيف جاءت الثورة السورية لتحاول بناء انتماء سوري جديد، وهوية
وطنية جامعة، فصاحت المتظاهرات/ين: “واحد واحد واحد؛ الشعب السوري واحد”،
وكيف نمّى الاشتراك في هذا الحراك الانتماء السوري عند هاته النسوة، إذ انطلقن
للفضاء العام ليشاركن في صناعة مستقبل سوريا.

ولكن تحول الثورة السورية إلى صراع مسلح، نتيجة
للعنف الممنهج الذي واجهها فيه النظام السوري، أدى إلى تشظي في الهوية السورية،
فعاد الشعب السوري إلى هويات جزئية ما قبل وطنية، وقد كان لسلوك الأطراف المسلحة
دوراً كبيراً في هذا التشظي حسب ما روته النساء، فعلى الحواجز الأمنية والعسكرية
(أياً يكن من تتبعه) يختلف التعامل حسب المنطقة التي ينتمي لها المواطن، إضافة إلى
التهجير الذي رافق الحرب السورية، والذي زاد من التشظي السوري القومي والطائفي.

 أعربت السوريات المشاركات أن ما يجمعنا كسوريات
وسوريين، هو أولاً رغبة العيش المشترك والجغرافية الواحدة، فعلى الرغم من أن عمر
هذه الجغرافية يعود لمئة سنة فقط، ولكن إصرار السوريات والسوريين على التمسك بها
وبوحدة سوريا أرضاً وشعباً هي دليل على رغبة العيش المشتركة، كما أن للسوريات والسوريين
مصلحة مشتركة، فكل منطقة من سوريا تحتاج للأخرى كي تنجو، فليس لمنطقة سورية
إمكانية العيش المستقل وهي تحتاج المنطقة الأخرى، فسوريا بجغرافيتها الحالية
متكاملة اقتصادياً وحياتياً.

الآلام هي ما تجمعنا، هذا ما صرحت به إحدى المشاركات،
وقالت أخرى “الأزمة بحد ذاتها، تلك التي عشناها، هي الرابط المشترك. لأنها لم
تستثن أحداً، لا الغني ولا الفقير، لا امرأة ولا رجلاً. وهذا الرابط الذي يجمعنا
كسوريات وسوريين”.

ولكن مصيرنا المشترك يفترض بناء عقد اجتماعي جديد يجمعنا
ويبني هوية وطنية جامعة، هذا العقد لا يمكن بناءه إلا في ظل حل سياسي شامل يرسخ
سلام مستدام، يبدأ بوقف القتال وينتهي ببناء سوريا الواحدة، وذلك يتطلب حق عودة
كريمة وآمنة وطوعية للنازحات/ين والمهجرات/ين واللاجئات/ين، تضمن عوتهن/م لمناطق
سكناهن/م الأصلية، وتنهي ملف التهجير القسري الذي خلقه الصراع المسلح. كما ويتطلب
هذا العقد الاجتماعي إعادة إعمار عادلة، تنصف المتضررات والمتضررين، وتراعي إعادة إعمار
المناطق التي هدمتها الحرب أولاً، وأن لا يتم استغلالها سياسياً.

إن كل ما ذكر يجب أن يرتبط بعدالة جندرية، فتراعى حقوق
النساء في العودة وفي إعادة الإعمار، وتراعي حقوق كل المهمشات والمهمشين. كما يجب
وضع دستور عادل وحساس للجندر، يأخذ بعين الاعتبار مصالح الفئات المهمشة، وعلى
رأسها النساء.

لا يمكن بناء سلم مستدام ولا عقد اجتماعي صحيح بدون
الإفراج عن المعتقلات والمعتقلين، وبيان مصير المغيبات والمغيبين قسرياً، والمخطوفات
والمخطوفين، ومن ثم إنهاء ملف الاعتقال السياسي تماماً، وضمان حرية الرأي
والمعتقد.

إن وحدة الأراضي السورية تفترض حسب رأي النساء إنهاء
الاحتلالات المتعددة لسوريا، فطالما هناك مناطق نفوذ، ستكون هذه المناطق سبباً في
تشظي السوريات والسوريين، ولا يمكن رأب الصدع الحاصل إلا بعودة وحدة سوريا
الجغرافية.

بعد تحقق كل ما ذكر، يمكن بناء عقد اجتماعي صحيح يستند
على مفاهيم المواطنة، ويبني سوريا دولة ديمقراطية، دولة مواطنة كاملة لكل
مواطناتها ومواطنيها، بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والاثنية. وهو ما أكدت عليه
النساء المتواجدات على كامل التراب السوري.