آب 2020
العزيزات والأعزاء، تعبر مجموعة الدول المعنية بالصراع في سوريا عن قلقها إزاء معاناة السوريات والسوريين، وعن ضرورة إعادة الإعمار بأسرع وقت ممكن، إلا أنها تختلف فيما بينها حول شروط وكيفية إيصال هذه المساعدات، تقف خلف هذا الخلاف أهداف متناقضة، فروسيا تريد أن يبدأ تمويل إعادة الإعمار الآن من خلال قنوات النظام، لكي تستطيع إعادة تعويمه والادعاء بأن جهودها (أي أعمالها العسكرية الهمجية) من أجل إنهاء النزاع قد تكللت بالنجاح، بينما تتخذ الدول الغربية – وهي الطرف المانح الأكبر في مساعدة السوريات/ين منذ بداية النزاع – موقفاً ثابتاً يتمثل برفضها تمويل إعادة الإعمار ما لم يكن هناك تقدم ملموس في العملية السياسية نحو انتقال سياسي حقيقي. وهكذا تحولت قضية إعادة الإعمار إلى لب الصراع بين الدول حول الحل السياسي لسوريا. فأين الشعب السوري من هذا الخلاف؟ رد النظام على مطالب الشعب في عام ٢٠١١ بمعاقبته عبر سحب مؤسسات الدولة من المناطق المنتفضة وحرمان الأهالي من الخدمات العامة، فراحت الناس تبتدع أشكالاً متنوعة من الحكم الذاتي في تلك المناطق، وبهذا الفعل قام النظام بنفسه بإلغاء دور الدولة في إدارة شؤون المجتمع في مناطق كاملة من البلاد، فكيف يمكن لحلفاء الأسد أن يقنعوا العالم الآن بأن النظام هو الشريك الذي يتوجب العمل معه من أجل إعادة بناء ما دمّره؟ لقد عاش الإنسان السوري منذ خمسين عاماً في رعب دائم وإغلاق الأفق من حوله وإلغاء لمستقبله، فلجأ إلى التركيز على حيّزه الخاص واكتفى بالاهتمام بعائلته، ومع ثورة الشعب في عام ٢٠١١، تحول الخوف من القمع إلى خوف من القتل، ثم أضيف إليه خوف الأمهات والآباء من معاناة أطفالهم من الجوع والبرد. فبعد أن دمّر النظام الحيّز العام بأكمله بهدف معاقبة من ثاروا ضده انتقل إلى تدمير الحيّز الخاص، وهكذا اتضح للسوريات والسوريين أنه لم يعد من الممكن التفرقة بن الحيّز الخاص والحيّزالعام. فكلاهما مدمران. إن المشكلة الأكثر صعوبة في قضية إعادة الإعمار لا تكمن في حجم الأموال التي سيقدمها المجتمع الدولي، بل تتعلق أولاً، بإيجاد الطرف الموثوق الذي سيدير العملية بنزاهة، يرصد الاحتياجات بشكل موضوعي كي يضع خطة لإعادة الإعمار متوازنة وعادلة، تقوم على معايير إنسانية دون تمييز، ثم تتلقى الأموال وتقوم بصرفها بالشفافية المطلوبة. التحدي الأكبر إذاً هو حوكمة إعادة الإعمار. ففي غياب حكومة جديرة بالثقة يتوجب على الجهات المانحة إيجاد شركاء وقنوات بديلة عن النظام ضمن المجتمع السوري، الذي أثبت قدرته على إدارة شؤونه والمال العام بشفافية ونزاهة. إن التجمعات المدنية التي نشأت على الصعيد المحلي في مختلف المناطق، ومنها جمعيات النساء التي تعمل بصمت منذ سنوات أثبتت قدرتها على إدارة شؤون مجتمعهم حتى في أصعب الظروف، وقد أصبحت هناك قناعة لدى النساء السوريات بأنه لم يعد بالإمكان فصل الحيّزين الخاص والعام عن بعضهما، وأن نهوض المجتمع هو حجر الأساس في إعادة بناء سبل الحياة. إن عملية إعادة الإعمار تتطلب في الدرجة الأولى أن يثق المجتمع الدولي بالسوريات والسوريين أنفسهن/م ويتعامل مع تجمعاتهن/م ليمنحها إمكانيات إعادة بناء أنفسها بدءاً بإعادة بناء النفوس وتنمية الوعي لدى الإنسان السوري، وخاصة المرأة السورية بأنها قادرة على تغيير واقعها وواقع أسرتها والأهالي من حولها. تحلم السوريات والسوريون ببناء أسس جديدة لعيشهم المشترك، وليس إعادة إحياء أركان المنظومة الأسدية التي جرّدتهن/م من كل شيء. قد تستغرب الدول والمؤسسات المانحة أن السوريات والسوريين يفضلون أن تمتنع هذه الجهات عن إيصال مليون دولار عبر قنوات النظام، ويُحسب المبلغ كمساعدات للشعب السوري بينما لا تصل إلى المحتاجات/ين، وأن تؤمّن بدلاً من ذلك وصول عشرة آلاف دولار إلى جمعية محلية تتمتع بثقة السكان. نحن السوريات نناشد المجتمع الدولي بمنح التجمعات المدنية المحلية الثقة، وإعتبار هذه التجمعات شركاء أساسيين في عملية تعافي المجتمع إلى أن يحلّ في البلاد نظاماً شرعياً يعبّرعن إرادة الشعب.
بسمة قضماني
|