النادي الثقافي للحركة “ميدياتيك” فيلم “The Glorias”

 

ناقش النادي الثقافي للحركة السياسية النسوية السورية “ميدياتيك” في جلسته التي أقيمت بتاريخ 16 كانون الأول 2022، عبر تطبيق زووم، فيلم “The Glorias”، بحضور عدد من عضوات وأعضاء الحركة السياسية النسوية السورية، يسرت الجلسة عضوة الحركة ثريا حجازي.

غلوريا صحفية وناشطة نسوية أمريكية، ولدت سنة 1934، لديها نشاط ريادي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كان لديها عمود ثابت في مجلة نيويورك تايمز، وهي مؤسسة مجلة “.Ms”. تعتبر غلوريا من النسويات التقاطعيات، كانت علاقتها بالسكان الأصليين (الهنود الأمريكيين) والسود واضحة جداً. تم تجسيد حياة غلوريا من قبل أربع ممثلات في أكثر من عمل سينمائي يركز على دورها في الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بالمساواة. وكما يقال المناضلات/ون يتركون بصمتهم في من حولهم وفي التاريخ وفي كل من يشاهد أو يقرأ مخرجاتهم، فالنضالات لها أثر ممتد.

الفيلم مهم جداً للإضاءة على النضال النسوي في أمريكا، وهو يتناول السيرة الذاتية للنسوية الأمريكية “غلوريا ستاينم”، ويعرض الفيلم محطات مختلفة من حياتها، والصعوبات والتحديات التي مرت بها، وجزء من حياتها ككاتبة وناشطة. تم عرض الفيلم سنة 2020، من تأليف وإخراج “جوليا تيمور”، وهي كعادتها في أفلامها تستخدم الحيل البصرية لتعكس الحالية الداخلية للشخصيات. الشخصيات في الفيلم تحب وتكره، تنهزم وتيأس أحياناً، فالفيلم قدم هذه البيوغرافيا بشكل واقعي. الحوار الذي يدور حول شخصية غلوريا بأعمارها المختلفة فكرة خلاقة، كذلك فكرة الباص الذي يمثل حياة غلوريا ومسيرتها النضالية. لكل صورة في الفيلم دلالة وانعكاس والبداية من مرحلة الطفولة، وتأثير شخصية الأب والأم، فأخذت غلوريا من والدها حب السفر وروح المغامرة، ومن أمها الواقعية، التي كانت صحفية أيضاً لكنها كانت فاقدة للأمل، على عكس غلوريا التي أصرت أن تكمل الطريق وتكتب وتنشر أفكارها، وأن تتحدى الأفكار الذكورية التي واجهتها من زملائها في العمل والتنمر الذي تعرضت له من المجتمع.

يركز الفيلم على علاقة غلوريا بوالدها، فقد اضطرت أن ترعى والدتها بنفسها بعد أن تركها والدها وهي طفلة، ولديها انتقادات شديدة له، لدرجة أنها فكرت لماذا لم تسأل أمها يوماً، لماذا بقيت معه؟ وبماذا كانت ستجيب، وافترضت أنه كانت ستقول لها: “من أجلكِ أنتِ وأختكِ”، أو قد تقول: “لو تركته ما كنتِ ولدتِ”. لكن غلوريا كانت تعتقد لو أن والدتها لم تبقى معه؛ لكانت فرصة لأمها لتولد من جديد. لم تزور غلوريا والدها في المستشفى قبل موته، بل آثرت المشاركة في المظاهرة والاستمرار بالكتابة. ومع ذلك كان لديها موقف عقلاني تجاهه، فهي لم تتحدث عنه بعداء رغم أنها تعرف أن والدها ذكوري وأناني، لكنه ليس العدو، وهذا شكل من أشكال النسوية العقلانية، كانت غلوريا تدرك تماماً أن العدو الحقيقي هو القوانين.

والدة غلوريا رغم أنها لم تحضر الحرب، ولم تحضر هجوم النازيين والمجازر على اليهود، لكنها عانت من ارتكاس عصبي ونفسي، فالمخيال الجمعي الذي حصل لها، يذكرنا بالمخيال الجمعي للسوريات/ين، فحتى من يعيش خارج حدود سوريا ولم يحضر القصف والتشريد، لكننا فعلياً عشناه جميعنا من خلال الأخبار وتفاعلنا مع الأهل والأصدقاء في الداخل السوري.

يركز الفيلم على أهمية اللقاءات والبوح النسوي، وكيف تتمكن النساء من التعبير عن أنفسهن، وكذلك يوضح التشابه في قضايا النساء، فعند لقاء غلوريا مع النساء في الهند، ومع النساء من السكان الأصليين والسود، رأينا كيف كانت النساء الهنديات في البداية مترددات لا يتحدثن، لكنهن تشجعن بعد ذلك بمجرد أن بدأت إحداهن بالحديث.  

ومما استرعى انتباهنا في الفيلم؛ كلمة صديقتها عندما كانت غلوريا في مواجهة مع إحدى النسويات، فغلوريا اعتبرت أنها ليست بوضع يسمح لها بالاختلاف مع سيدة نسوية، فردت صديقتها: “لا، نحن بشر ونختلف، صحيح أننا نسويات لكننا نختلف”. يمكن أن نسقط هذا الموضوع علينا كنسويات سوريات يحصل بيننا خلافات ببعض الأفكار أحياناً، فمن الطبيعي أن نختلف ونتفق، والأختية لا تعني عدم الاختلاف، إنما تعني أن لا نسيء لبعضنا في الاختلاف.

في دفاع غلوريا عن الإجهاض، وحين عرضت نفسها للإجهاض لأنها رأت أن الأولوية للدراسة، قالت جملة من منطلق تجربتها: “لو كان الرجال يمكنهم الحمل؛ لكانت عمليات الإجهاض عملاً مقدساً” وهذا يدل أن كل القوانين والدساتير ذكورية. فنحن في اللاوعي نعطي الأولوية للذكور، ربما بسبب التربية او الديانة أو العادات والتقاليد، التي رسخت فينا أن الرجل يحق له كل شيء، بينما المرأة توضع في الزاوية، ومن الطبيعي أن يتم التحكم بها.

غلوريا التي تخوض في مواضيع حساسة وعميقة وبجرأة استثنائية، من خلال نقدها للنظام الذكوري، وفهمها لجذر عدم المساواة، رأينا في الفيلم كيف أن القوى الدينية والسياسية التقليدية وغيرهم، يضعون غلوريا بموضع من يهدمون الأسر، وبمن لا يستحقون أن ينجبوا أطفال أو يأسسوا لعائلات. وهذا يذكرنا بما تتعرض له النسويات السوريات اليوم من اتهامات من رجال الدين وقوى الأمر الواقع والمجتمع؛ بأنهن يسعين إلى تدمير الأسرة وهدم القيم المجتمعية ونشر الفساد والانحلال الأخلاقي.

كل نضالات البشر تقود لنقطة معينة تمثلت في نهاية الفيلم، وهي أن غلوريا لم تعد تتحدث عن النساء، إنما صار حديثها عن الديمقراطية، لذلك نقول أن المواطنة والديمقراطية الحقيقية تحقق في النهاية أهداف النسوية.