النشرة البريدية للحركة السياسية النسوية السورية – أيلول 2020

النشرة البريدية للحركة السياسية النسوية السورية

أيلول 2020



العزيزات والأعزاء،
 
تعتبر سياسة التغيير الديموغرافي والنزوح القسري للمدنيات والمدنيين متأصلة في النظام السوري منذ حكم الأسد الأب، حيث بدأها بمشروع الحزام العربي الذي عمل على تنفيذه منذ توليه الحكم عام 1974، وذلك بنقل العرب الذين غمرت مياه سد الفرات قراهم ومناطقهم، إلى المناطق الكوردية على الشريط الحدودي الشمالي بطول 300/كم وعرض15/كم. 
وبلغ عدد الأسر العربية التي تم نقلها من محافظة الرقة إلى منطقة الحزام العربي حتى نهايته، أكثر من 4000 عائلة عربية، انتشرت في قرى عدة أنشئت لهم، بمجموع بشري وصل إلى أربعين ألفاً، حينذاك، فشكلوا نسبة بلغت أكثر من 6% من مجموع سكان محافظة الحسكة.
 
بعد انطلاقة الثورة السورية في عام 2011، كرس النظام سياسة التغيير الديموغرافي الممنهج والتهجير القسري في كل المناطق السورية، وإضافة لرغبة النظام في إحداثها، فإن الأطراف المتنازعة في سوريا ساهمت بدور كبير في تعزيز تلك الاستراتيجية الإجرامية للتهرب من استحقاقات حقوقية على الأرض والتي تخالف شرعة حقوق الإنسان الدولية، بحجة خفض التصعيد في مناطق النزاع المسلح الذي تبنته كل من إيران، تركيا وروسيا في أستانة، وقامت هذه الدول بإحلال عمليات التغيير الديموغرافي بما يخدم وجودها وللهروب من محادثات جنيف.
 
إيران، مثلاً، عملت على تنفيذ مخططها الخطير في دمشق مستغلة وجود الأماكن المقدسة وبحجة حمايتها قامت بتوطين الشيعة من العراق ولبنان وإيران في المناطق التي تم تهجير سكانها المحليين بسبب الحرب أو بشراء ممتلكاتهم، بالإجبار تارة أو بمصادرة النظام لتلك الممتلكات بحجة غياب مالكيها تارة أخرى، لتصبح تلك المناطق ولأجل غير مسمى شيعية تخدم مصالح إيران في المنطقة. كما حدث في داريا في ريف دمشق، حيث مرقد الست سكينة، عندما تم اجبار 700 مسلح ومن تبقى من عائلاتهم للانتقال إلى إدلب بعد حصار طويل. ليتم إسكان أكثر من 300 عائلة عراقية شيعية مكانهم، وكذلك في حي الست زينب في دمشق التي أصبحت مقراً للميليشيات الإيرانية منذ عام 2012 وتدير تلك المناطق كأنها ملك لإيران في غياب دور الدولة السورية ومؤسساتها الحكومية. 
في حلول عام 2016 بعد أن استولت القوات الكوردية التابعة للحزب الديمقراطي الكوردي على مناطق شمال شرق سوريا، والتي اتبعت سياسة النظام في إجبار السكان المحليين من العرب والآشور والسريان وحتى الكورد الذين لم يكونوا موالين لهم بترك بيوتهم ومناطقهم بالقوة واستبدالهم بموالين لهم من تركيا والعراق وسوريا. 
في الرابع عشر من نيسان 2017، بدأت عمليّة التهجير القسريّة لأهالي بلدتيّ مضايا والزبداني في ريف دمشق الغربي إلى محافظة إدلب في شمالي سوريا، في واحدة تُعدّ من أكبر عمليات التغيير الديموغرافي، تأتي بعد حصار النظام و(حزب الله) اللبناني وتجويعهما لمدينة الزبداني وبلدة مضايا عدّة سنوات؛ وذلك تنفيذًا للاتفاق الجديد الذي جرى التوصّل إليه وتوقيعه، وسط تكتّم شديد، من جانب ممثلين عن “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام”، وعن “الحرس الثوري” الإيراني وميليشيا “حزب الله” اللبناني، وبرعاية قطرية. ليكون التغيير الديمغرافي الذي ينفذه النظام بدعم من حلفائه قد دخل مرحلته الأخطر، من سياسة التهجير القسري على أساس مذهبي. 
 
كما أن الفصائل الإسلامية المتشددة مثل داعش وجبهة النصرة أحدثت تغييراً واضحاً في البنية الاجتماعية والثقافية في مدن الرقة ودير الزور وتل أبيض. كذلك تلك  الفصائل المدعومة من تركيا التي سيطرت بموجب العمليات العسكرية  لم توفر فرصة إلا واستغلتها في إحداث التغيير في البنية الاجتماعية  للمناطق التي استولت عليها وعملت على  التهجير القسري لكل من يختلف عنها دينياً وعقائدياً وممارسة كافة الانتهاكات بحق الديانات الأخرى، وليس آخرها ما يجري في عفرين ومناطق شرقي الفرات ذات الغالبية الكوردية والمزيج الإثني من أشور وسريان وعرب بعد العمليات العسكرية في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، حيث الانتهاكات وعمليات النزوح القسري للسكان المحليين على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، والذي ساهم في تمزيق النسيج الكوردي المتأصل منذ مئات السنين. حيث نزح ما يقارب نحو 500 ألف من السكان الكورد واستبدالهم بنازحات/ين سوريات/ين من مناطق أخرى حسب الإعلان الأخير للحكومة التركية عن عزمها توطين مليون نازحة/نازح سوري في الشمال الشرقي من البلاد قبيل عملية نبع السلام العسكرية بذريعة حماية حدودها وأمنها القومي. 
 
ولا تزال تلك الاستراتيجية نهجاً لنظام الأسد برعاية دولة الانتداب روسيا التي تدير الحكومة السورية كإقليم تابع لها، ليصدر النظام السوري قانون الإجرام رقم /10/ عام 2018 بمصادرة أملاك السوريات/ين المهجرات/ين خاصة المعارضات/ين للنظام والذين لم يتمكنَّ/وا من العودة لإثبات ملكيتهن/م لممتلكاتهن/م وعقاراتهن/م. فيقوم النظام وحلفاؤه الروس بإسكان تلك المناطق لموالين لهم. 
 
إن كل أشكال التغيير الديموغرافي والنزوح القسري الممنهج هو سلوك لا إنساني وإجرامي مرفوض دولياً طبقاً لأحكام الفقرة (د) من (المادة 7) من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية. ويجب الكشف باستمرار عن هذا السلوك ومحاربته لما فيه من تغيير الهوية الوطنية السورية لمختلف الانتماءات وصهر مكونات من المجتمع السوري على حساب مكون آخر لضمان ديمومة نظام استبدادي يحقق مصالح قوى خارجية على حساب وجود شعب عانى ولا يزال يعاني الظلم والقهر والتشرد لأنه أراد الحرية والعيش بكرامة. كما يتوجب على الدول والقوى المتداخلة في الأزمة السورية فض نزاعاتها بعيداً عن كاهل الشعب السوري الذي يستحق العودة الآمنة لبلاده والعيش بسلام وحق تقرير مصيره بعد عشرة أعوام من التشرد والضياع.


نضال جوجك