المنتدى الثقافي للحركة “ميدياتك” وفيلم “ما زلت هنا”: الإخفاء القسري ودور النساء في حفظ الذاكرة
- updated: 2 يوليو 2025
عقد المنتدى الثقافي للحركة السياسية النسوية السورية “ميدياتك” جلسة يوم الثلاثاء 1 تموز 2025 عبر تطبيق Zoom، لمناقشة الفيلم السينمائي “ما زلت هنا”، الذي يتناول مأساة الإخفاء القسري وتداعياته على الأفراد والمجتمع، حضر الجلسة عضوات وأعضاء من الهيئة العامة للحركة، وأدارت الجلسة عضوة الحركة نهى سلوم.
يقدم فيلم “ما زلت هنا” معالجة سينمائية مؤثرة لمأساة العائلات التي فقدت أبناءها خلال الحقبة العسكرية الديكتاتورية في الأرجنتين، ويعكس آلام الأمهات والزوجات اللواتي لم يتوقفن عن المطالبة بكشف مصير أحبائهن رغم مرور سنوات من الصمت والتجاهل. يعتمد الفيلم على الإيقاع البطيء واللقطات الطويلة، ما جعل المشاهد/ة يعيش هذا الفراغ بكل تفاصيله. ويُبرز الفيلم الجسد البشري كرمز لذاكرة حية تحمل آثار الغياب والمعاناة، ليصبح الفن أداة للمقاومة والتوثيق في مواجهة محاولات محو الذاكرة الجماعية.
قالت نهى سلوم في افتتاح الجلسة إن الفيلم ليس مجرد سرد لقصة غياب شخص في ظل نظام قمعي، بل هو فعل مقاومة ضد النسيان ورسالة عن قوة النساء في حفظ التاريخ الشخصي والجمعي. وأضافت نهى أن مخرجة الفيلم اعتمدت أسلوبًا بصريًا يتيح للمشاهدين/ات التماهي مع الألم وتجربة الغياب، ليصبح الفيلم مساحة للتأمل في العدالة الغائبة.
خلال الجلسة، ركزت المشاركات على الدور المحوري للنساء في الفيلم، سواء كأمهات أو زوجات أو معتقلات، وكيف حملن الذاكرة في مواجهة القمع، وحافظن على استمرارية الحياة رغم الغياب. وأشرنّ إلى أن هذه الشخصيات جسدت صمود النساء وقدرتهن على حمل أعباء الفقد والحفاظ على ذاكرة المخفيين/ات كجزء من ذاكرة المجتمع.
تطرق النقاش إلى أوجه الشبه بين تجربة الأمهات في الأرجنتين وقصص النساء السوريات اللواتي يواصلن البحث عن المعتقلين/ات والمخفيين/ات قسرًا منذ سنوات، حيث تعيش آلاف العائلات السورية معاناة مشابهة في ظل غياب الحقيقة، مؤكدين أن قضية الإخفاء القسري ليست فقط جرحًا شخصيًا، بل جرح مفتوح للمجتمع كله. تحدثت إحدى المشاركات عن معاناة الأمهات السوريات، قائلة: “حين أرى الأم في الفيلم وهي تبحث عن ابنها، أتذكر آلاف الأمهات السوريات اللواتي يطرقن كل الأبواب رغم سنوات الانتظار والصمت”. بينما أضافت أخرى أن الجسد في الفيلم بدا كأنه شاهد حي على العنف، مشيرة إلى أن التصوير يعكس كيف تتحول الأجساد إلى حاملة للذاكرة والمعاناة في المجتمعات التي تعاني من القمع والاضطهاد.
كما شهدت الجلسة نقاشًا حول دور الفنون والسينما في إبقاء قضية المخفيين/ات حية في الوعي العام، وعلى أن الذاكرة تبقى أداة مقاومة ضد المحو، وأن الثقافة والفن يشكلان ركيزة أساسية في حفظ التجارب الجمعية وتخليدها.
جرى التأكيد خلال الجلسة على أن إنصاف المعتقلين/ات والمخفيين/ات قسرًا ليس خيارًا سياسيًا بل واجب أخلاقي، وأن النساء اللواتي يحملن أعباء هذه القضية هن حارسات الذاكرة وأمل المستقبل. وتمت الإشارة خلال الجلسة إلى أن الاستبداد واحد في كل مكان، لكن حجم العنف في سوريا يفوق ما عرضه الفيلم، وهو ما يجعل الحاجة ملحّة لتوثيق التجربة السورية بأدوات السوريين/ات أنفسهم.
اختُتمت الجلسة بالتأكيد على أن الفيلم مثّل تجربة إنسانية مؤثرة أعادت طرح أسئلة العدالة والإنصاف والاعتراف بالضحايا، وأبرزت قيمة التضامن مع قضايا الشعوب الأخرى، كما شددت المشاركات على أن حفظ الذاكرة السورية يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة ومنع تكرار الجرائم، وعلى أهمية إنتاج أعمال فنية سورية مشابهة تروي مأساة المعتقلين/ات والمخفيين/ات قسرًا، وتوثق نضال النساء ضد النسيان، باعتبار أن الذاكرة الجماعية هي الركيزة الأساسية لأي عملية عدالة انتقالية وبناء سوريا المستقبلية.