عضواتنا وأعضاؤنا

وضحى العثمان 

 

وضحى العثمان، خريجة كلية العلوم قسم الرياضيات من جامعة حلب، عملت سابقاً في الفريق الإداري لثانوية النور الخاصة في مدينة خان شيخون، وتدير حالياً منظمة “رفقاً” النسائية، وتقدم عدداً من التدريبات، لاسيما تدريبات تهدف لتمكين النساء، إضافة لعملها كصحفية وباحثة وإعلامية مستقلة. 

تنحدر وضحى من مدينة “كفر زيتا” التابعة لمحافظة حماة وعنها تقول: “ولدت في مدينة كفرزيتا التابعة لمحافظة حماة، والتي تعتبر نقطة الربط بين محافظتي إدلب وحماه. تشتهر مدينتي بأشجار الزيتون والفستق الحلبي”. وبحسب وضحى هناك حالة من الوفاق والمحبة بين سكان مدينتها: “يعيش سكان مدينتي في حالة اجتماعية يسودها الوفاق والمحبة، وهم يمتازون بحبهم للعلم، والبعد عن كل أنواع التشدد، فمن الطبيعي جداً أن تشاهد جلسات الشاي والقهوة في ساحات تلك المدينة، حيث يجتمع الجيران والأقارب ويتبادلون الأحاديث وتسود جلساتهم المرح والمحبة”، وأكثر ما يجعل مدينة كفر زيتا مختلفة عن باقي مدن حماة، هو مساحة الحرية الممنوحة للنساء فيها كما تقول وضحى: “النساء في مدينتي يتمتعن بحقوق وبمساحة من الحرية لا بأس بها، مقارنة بمن يحيط بنا من المدن والقرى فهن يتمتعن بحقهن في التعليم والعمل على سبيل المثال”.  

ولأن وضحى كانت تحلم بدولة يسودها القانون والديمقراطية التحقت بركب الثورة: “مثلي مثل كل السوريات والسوريين كنا نحلم بتغيير واقعنا، وأن يكون هناك دولة تحترم حقوق مواطناتها/يها، دولة يسودها القانون والديمقراطية، ويشعر كل مواطن فيها بدوره الحقيقي، أليس هذا كافياً لأن أكون جزءاً من هذا الحراك الشعبي والثورة؟”. 

أما عن مشاركة وضحى في الثورة فتقول: “كتابة العبارات واللافتات وتجهيزها أول ما فعلته في المظاهرات السلمية، لاحقاً عندما بدأ النظام باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرات/ين، عملت على تأمين المواد الطبية البسيطة لجرحى المظاهرات”. 

“الخوف على أولادي” هو السبب المباشر الذي دفع وضحى لمغادرة مدينتها إلى تركيا في عام 2012، عن ذلك تحدثنا وضحى: “تعد مدينتي من أوائل المدن التي انضمت للثورة، كانت منازل المدينة تتعرض بشكل شبه يومي لاقتحامات من قبل النظام، لم تدفعني الاقتحامات لاتخاذ قرار مغادرة المدينة، فهو أمر يمكن الصبر عليه، لكن قرار الرحيل جاء بعد يوم دامي شهدته مدينتي” تتابع وضحى: “بدأ النظام بقصف المدينة بالطيران، القصف الذي لم يهدأ وراح يشتد يوماً بعد يوم، إلى أن جاء ذلك اليوم، الذي شهدت فيه المدينة في خريف 2012 يوم أليم ودامي، حين قصفت طائرات النظام المدينة بعنف، ليسقط نتيجة للقصف 20 شخصاً مدنياً وتتحول جثثهم إلى أشلاء، فكان قرار رحيلي مع عائلتي عن المدينة، يدفعني لعدم التراجع عنه؛ الخوف على أبنائي من موت محتوم”.

“ليس من السهل أن تقتلع من جذورك” تقول وضحى عن قرار الرحيل. وتصف وقت الرحيل: “من أقسى وأصعب المواقف على نفسي، عندما أغلقت باب منزلي تاركة كل ذكرياتي وحياتي خلفه. لم تكن القضية قضية أشياء مادية، إنما روحاً وذكريات يصعب نسيانها. في حديقة منزلي الصغيرة التي لي قصة مع كل شجرة فيها، وقفت أتأملها قبل الرحيل، فشعرت أن أشجارها تسألني بعتب، كيف تخليت عنا؟ لحظات الوداع كانت قاسية لن تمحى، لن تمحى من ذاكرتي، والموقف الأصعب كان عندما وصلنا الحدود التركية، لحظتها اشتد بكائي أنا وكبار السن من أقاربي ممن كانوا معي في السيارة، أنا كنت أبكي الفراق والوداع، وهم كانوا يبكون الخوف من أنهم قد لا يتمكنون من الرجوع إلى سوريا ويدفنوا خارجها. وللأسف هذا ما حدث، إذ توفي أحدهم لاحقاً ودفن في تركيا”.  

حتى اللحظة وبالرغم من وجودها في تركيا، تريد وضحى كل شيء يحيط بها أن يكون سورياً: “بالتأكيد ليس من السهل أن نتأقلم مع مكان جديد، جديد بكل تفاصيله، اللغة، العادات، والواقع الاجتماعي. فرض البقاء في تركيا لفترة طويلة ضرورة التأقلم مع الواقع الجديد، إلا أنني مازلت مصرة على أن يكون كل ما حولي سورياً؛ ابتداءً من تفاصيل أثاث منزلي وانتهاءً بعلاقاتي وعملي، كل شيء يجب أن يحمل الطابع السوري”. 

في تركيا تجد وضحى نفسها في العمل الصحفي ككاتبة مقالات وتحقيقات وتقارير، إضافة لعملها في المجال البحثي، وأكثر ما كتبت عنه وضحى هو قضايا النساء، عن عملها هذا في تركيا تخبرنا وضحى: “أول مقال نشر لي كان على موقع كلنا شركاء في عام 2014 تحت عنوان: نساء سوريا والخيارات الصعبة، بعدها وفي عام 2015 عملت في موقع الآن الإخباري، فكتبت مقالات عدة عن  الوضع الأمني والأحداث في حماة، ثم اتجهت لكتابة مقالات عن المرأة وقضاياها”، وتنفتح وضحى أكثر على العمل الصحفي، وتنشر مقالات في مواقع وصحف متعددة: “كتبت أيضا في موقع الغربال، وجريدة زيتون التي كانت جزءاً من الشبكة السورية للصحافة المطبوعة، العربي الجديد، السوري الجديد، وغيرها من المواقع الصحفية والإعلامية المهتمة بالوضع السوري، كما أنني أكتب حالياً مقالات في تلفزيون سوريا، تحكي عن أوضاع السوريات/ين في تركيا وأركز أكثر على كتابة مقالات تخص النساء السوريات”.

“كان العمل البحثي الأول لي مع مركز حرمون تحت عنوان: واقع عمل المرأة السورية في تركيا- اللاجئات السوريات في الريحانية نموذجاً، ثم أجريت مع مركز مينا مجموعة أبحاث منها: واقع المرأة في الربيع العربي- المرأة التونسية نموذجاً، المشاركة السياسية للمرأة المرأة السورية، المرأة والعمل الصحفي، واقع المرأة السورية قبل اندلاع الثورة، وغيرها…” هذا ما تخبرنا به وضحى عن عملها في المجال البحثي. 

 

“عدم رغبة المجتمع في مشاركة المرأة في العمل السياسي، البيئات الاجتماعية التي تحارب وجود دور حقيقي للنساء، التشهير الذي يطال الكثير من النساء العاملات في الشأن العام، والمجتمع الذي يشعر المرأة بأنها لا تمتلك قدرات ومعارف تؤهلها للعمل السياسي، بل أكثر من ذلك يقنعها بأن مكانها هو في الصفوف الخلفية وأن القيادة ليست من حقها، كل ذلك أبعد النساء عن مشاركتهن في السياسة والشأن العام.”

 

كانت وضحى قريبة من العمل السياسي منذ الطفولة: “قصتي مع حب العمل السياسي ليست جديدة، فأنا منذ طفولتي كنت رفيقة والدي، الذي كان لديه اهتماماً كبيراً بالواقع السياسي في البلد”. 

“دخولي ومشاركتي الحقيقة في المجال السياسي كانت مع بداية الأحداث في سوريا”، والسبب كما تراه وضحى: “أؤمن أن النجاح الحقيقي في أي حراك ثوري وسياسي، يجب أن يكون للنساء فيه الحصة الأكبر، وألا تكون مشاركتهن شكلية، لذلك أعمل دائماً على تطوير معارفي ومهاراتي وأدواتي في مجال العمل السياسي، كي تكون مشاركتي ومساهمتي فعلية، فالرغبة في المشاركة وحدها لا تكفي، إذ لابد لنا كنساء من العمل على تطوير أنفسنا وقدراتنا في المجال السياسي”. 

عن التحديات التي كانت تواجه العمل السياسي في سوريا قبل عام 2011، ترى وضحى: “لم يكن هناك حرية سياسية أو حرية لممارسة السياسة في سوريا أساساً، فنحن كنا محكومات/ين من قبل الحزب الواحد والحاكم الواحد والرأي الواحد. جميعنا، رجالاً ونساءً، لم نستطع أو بالأحرى لم يكن مسموحاً لنا بأن نشارك في عمل أو حراك سياسي حقيقي، وبالتالي لم نتمكن كلنا من أن نكون جزءاً من عمل سياسي”. 

“بالتأكيد المرأة تعاني أكثر من الرجل فيما يتعلق بقدرتها على المشاركة في العمل السياسي، فالمعوقات والتحديات أمامها أكثر وأكبر.” هذا ما بدأت به وضحى حديثها عن التحديات التي تواجه النساء في العمل السياسي، وتشير وضحى إلى جملة من المعوقات من أهمها: “عدم رغبة المجتمع في مشاركة المرأة في العمل السياسي، البيئات الاجتماعية التي تحارب وجود دور حقيقي للنساء، التشهير الذي يطال الكثير من النساء العاملات في الشأن العام، والمجتمع الذي يشعر المرأة بأنها لا تمتلك قدرات ومعارف تؤهلها للعمل السياسي، بل أكثر من ذلك يقنعها بأن مكانها هو في الصفوف الخلفية وأن القيادة ليست من حقها، كل ذلك أبعد النساء عن مشاركتهن في السياسة والشأن العام”.  

انضمت وضحى إلى الحركة السياسية النسوية السورية لأنه حسب قولها: “هناك مجال في الحركة السياسية النسوية السورية لامتلاك أدوات معرفية من خلال الورشات والمحاضرات. بالنسبة لي إن وجودي في تجمع سياسي تتواجد فيه شخصيات نسوية أثق بهنَّ وبقدراتهنَّ المميزة، سيمكنني من امتلاك المزيد من الخبرات العالية، وبالتالي سيكون هناك فرصة كبيرة كي أحقق حلمي، بأن يكون لي دور حقيقي وفاعل في العمل السياسي”. 

“هناك بعض التحديات التي ستأخر من الوصول إلى أهدافنا في الحركة السياسية النسوية السورية، منها محاربة المجتمع الذكوري المتسلط على حقوق النساء، ولكن لدي إيمان بأننا سننال حقوقنا ولا يموت حق وراءه مطالب” تقول وضحى عن التحديات التي قد تواجه النساء في الحركة السياسية النسوية السورية.  

 

“قصص الناجيات من الاعتقال وآلامهن النفسية والجسدية، التي كنت أسمعها خلال التدريبات التي أقدمها لهن، كانت من أكثر ما أثر في نفسيتي، وجعلتني أشعر بضرورة النضال النسوي للوصول إلى عدالة انتقالية في سوريا، يكون للمرأة دوراً أساسياً في تحقيقها.”

 

ما تزال الثورة تعيش في وجدان وضحى، لكن ما تراه على أرض الواقع حالياً ليس ما كانت تتوقعه من الثورة: “الثورة التي انضممت إليها وأحببتها منذ البدايات، تعيش حالياً فقط في وجداني، أما الواقع السوري الذي أراه اليوم هو صراع مصالح وليس ثورة، فقد امتطى الثورة أشخاص حولوها إلى حرب، حرب حرقت أحلامنا، لكنني على الرغم من ذلك، لدي أمل بأن نعيد سيرة الثورة الأولى، ونحقق من خلالها حلمنا في سوريا التي ننشدها”. 

“سوريا التي أحلم بها هي دولة المواطنة، التي يعيش فيها الجميع بحقوق وفرص متساوية، دولة تكون فيها النساء مشاركات حقيقيات في صناعة القرار على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي” عن سوريا التي تحلم بها وضحى. 

توجه وضحى رسالة إلى المرأة: “قرري أن تكوني قوية، هذا قرار ذاتي، لا أحد غيرك سيدافع عن حقوقك ودورك إن لم تفعلي أنت ذلك، عيشي شعور القوة في قراراتك، ليس هناك أسوأ من أن نبقى ضحايا، جاء الوقت لأن تكوني أنت من ينقذ المظلوم من الظالم، وجود امرأة قوية يعني أسرة قوية ومجتمع قوي”.

تشاركنا وضحى تجارب عاشتها من خلال عملها في تقديم تدريبات تهدف لتمكين النساء: “في مسيرتي خلال السنوات الأخيرة هناك تجربة في ذاكرتي لا تنسى، وهي مشاركتي مع الشبكة السورية للصحافة المطبوعة لتدريب مجموعة من الشابات السوريات على الكتابة الصحفية، حيث أنتجت مع الشابات كتاب تحت عنوان “زهور فوق الركام”.  كانت هذه التجربة جميلة جداً، حيث غيرت الكثير في نظرة هؤلاء الشابات في التعاطي مع واقعهن ومع حياتهن وأدوارهن في المجتمع”. 

“قصص الناجيات من الاعتقال وآلامهن النفسية والجسدية، التي كنت أسمعها خلال التدريبات التي أقدمها لهن، كانت من أكثر ما أثر في نفسيتي، وجعلتني أشعر بضرورة النضال النسوي للوصول إلى عدالة انتقالية في سوريا، يكون للمرأة دوراً أساسياً في تحقيقها” تختتم وضحى حديثها عن تجربة أخرى عاشتها.