ورقة سياساتية – خطة نسوية شاملة لإعادة الإعمار في سوريا… بشرط الانتقال السياسي
- تاريخ النشر: 8 يوليو 2020
- |
ملخص تنفيذي
طُرح موضوع إعادة الإعمار في سوريا منذ عدة أشهر على المستويات الدولية، ولا يزال يخضع للتجاذب بين الدول حسب مصالحها وتوجهاتها السياسية ومصالحها الاستراتيجية، بين دول حليفة للنظام تشجّع مسار البدء بإعادة الإعمار مثل روسيا وإيران، وأخرى تربط إعادة الإعمار بالحل السياسي وفقاً لمباحثات جنيف مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ولأن إعادة الإعمار في سوريا لا تقتصر على كونها عملية اقتصادية، بل تتجاوزها لتكون عملية سياسية بامتياز، ما انفك النظام عن استخدام هذه العملية كورقة ضغط لتحقيق بعض المكتسبات الاقتصادية والمادية من ناحية، وكأداة بديلة لاستمرار الحرب والإقصاء والتهميش على كل من عارضه من ناحية أخرى.
إن عزل النظام لأي اعتبارات إنسانية أو اجتماعية لدى تداوله ملف إعادة الإعمار، يترافق مع مستوى آخر من الإشكالية، يتمثل بغياب الكلفة الجندرية لاقتصاد الحرب، وحصر التبعات الاقتصادية للحرب (وتالياً جهود إعادة الإعمار) بالبنى التحتية وتأثر قطاعات العقارات أو الاستثمارات أو القطاعات الاقتصادية المركبة. وفي هذا الصدد، تشير تقارير البنك الدولي إلى أن التبعات والخسائر الاقتصادية التراكمية للناتج المحلي بسبب العنف والحرب في سوريا منذ بدء الثورة في العام ٢٠١١ تقدر بنحو ٢٢٦ مليار دولار[1]. وبحسب تقارير البنك الدولي، فإن القطاعات المتضررة جرّاء الحرب في سوريا وكلفة إعادة إعمارها تتمثل بالشكل التالي:
– العقارات (١١١ مليار دولار خسائر)
– القطاع الصناعي (٧٥ مليار دولار خسائر)
– قطاع الخدمات (٤٥ مليار د دولار خسائر)
– الخدمات العامة (٢٤ مليار دولار خسائر)
– النقل والاتصالات (١٨ مليار دولار خسائر)
– الزراعة (١٥ مليار دولار خسائر)
– الخدمات المالية (١٢ مليار دولار خسائر)
انطلاقاً من هذين المستويين من الإشكالية ومن كون معالجة ملف إعادة الإعمار (في معظم التقارير السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية) غالباً ما يتم من زاوية سياسية ضيّقة، سعت الحركة السياسية النسوية السورية، بالتعاون مع رابطة النساء الدولية للسلام والحرية إلى التعرف على خطاب النساء في سوريا على المستويات الميدانية والمحلية حول هذا الملف. وعليه، تم عقد ثمان جلسات استشارية ميدانية مع ١٢١ امرأة في شهر آذار ٢٠١٩، وتبع هذه الجلسات الاستشارية التي اتخذت شكل “مجموعات نقاش مركزّة”، جلسات نقاش عامة تباحثت فيها النساء عن أبرز القضايا والملفات وأعربن فيها عن وعي سياسي واقتصادي فطري، وقمن بإجراء تحليل نسوي لاقتصاد الحرب والعنف، وحللن ملف إعادة الإعمار كما يطرحه النظام من عدة زوايا اقتصادية وديموغرافية وثقافية واجتماعية، راصدات أبرز تداعياتها على رأس المال الاقتصادي والبشري والاجتماعي والثقافي، وواضعات شروطاً شاملة لأي خطة إعادة إعمار ستتم في المستقبل، وخلصن بملامح خطة اقتصادية بديلة لإعادة الإعمار ذات طابع تشاركي، شمولي ونسوي.
في تحليلهن لملف إعادة الإعمار والآثار الاجتماعية والديموغرافية للاقتصاد السياسي الذي ينتهجه، اعتبرت النساء أن النظام يستخدم إعادة الإعمار ليشن حرباً من نوع آخر على كل الفئات التي عارضته، لا سيما اللاجئات/ين والنازحات/ين في المناطق الخارجة عن سيطرته. كما أن توقيت ومسار طرح ملف إعادة الإعمار من قبل النظام، لا يخلو عن كونه كذبة أو “لعبة” سياسية “لإعادة شرعيته للمنطقة”، ولدعم حلفائه للحصول على التمويل لزيادة الثراء الشخصي له ولبعض الشخصيات التابعة له، لتتقاطع آراء ومواقف النساء مع الأدبيات والتحليلات السياسية الخاصة بملف إعادة الإعمار، والتي تشير في مفادها إلى أن مقاربة النظام لملف إعادة الإعمار قائمة على مصالح ومطامح بالثراء الشخصي، وعلى مبدأ مكافأة الحلفاء و”معاقبة” الأعداء، لا سيما عبر تلزيم المشاريع للشركات والمنظمات والمؤسسات التابعة أو المتحالفة مع النظام[2].
وحول الوجه الجديد للحرب الاقتصادية التي بات النظام يستخدمها، أشارت النساء إلى الممارسات الإقصائية والعقابية على المناطق الخارجة عن سيطرته والتي تتم بغطاء قانوني، لتخلق تداعيات خطيرة على المستويات الاجتماعية والديموغرافية والثقافية ما سيتسبب باستمرار النزاع نتيجة تفاقم الشعور بالغبن والظلم والذي قد يسبب بدوره توسيعاً للشروخ الاجتماعية والديموغرافية بين الناس. وفي مقابل سياسة الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الممنهجة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ثمة عقاب اقتصادي من نوع آخر يطال المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حيث أشارت النساء من تلك المناطق إلى أن النظام يحمّل كلفة الحرب وإعادة إعمار ما تدمر من بنى تحتية وخدماتية على كاهل المواطنات/ين وذلك على شكل ضرائب، الأمر الذي سيؤثر بشكل أساسي على الناس والأسر، وعلى وضعهن المعيشي وأمنهن الغذائي، ما من شأنه، أن يؤدي لاحقاً إلى انبثاق لنزاعات وحروب مناطقية.
لعل سياسة الإفقار الممنهجة التي يتبعها النظام تترجم، بحسب النساء، بضرب رؤوس الأموال المادية والبشرية والثقافية، والتي تطال كافة المناطق بشكل عام، ولا سيما تلك الخارجة عن سيطرته. وفي هذا الصدد، أشارت النساء إلى سوء الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار في كافة المناطق، وإلى ارتفاع نسب البطالة (في المناطق الخارجة عن سيطرته) وهجرة الكفاءات بسبب الأوضاع الأمنية وسياسة التجنيد الإجباري (في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام) ما يؤثر على اختلال رأس المال البشري، هذا بالإضافة إلى آثاره التي طاولت الأطفال والطفلات من حيث تجنيد الأطفال والتسرب المدرسي والتزويج القسري للطفلات.
وبناءً على الصورة الشاملة التي رسمتها النساء لاقتصاد الحرب والعنف من منظور نسوي شمولي وعلى تحليلهن النسوي للبعد الإقصائي والعقابي لملف إعادة الإعمار بأبعاده السياسية والأمنية والديموغرافية والاقتصادية، اعتبرت النساء أن أي جهود لإعادة الإعمار يجب أن تنطلق بعد تحقيق شرطين أساسيين، الانتقال السياسي السلمي وسيادة الأمن والأمان ووقف إطلاق النار، وتطبيق آليات العدالة الانتقالية الحساسة للنوع الاجتماعي.
وفي حال ضمان تحقيق هذه الشروط، يمكن البدء بالتفكير بإعادة الإعمار، على أن يتم ذلك بناءً على أولويات وركائز تشمل مبادئ التشاركية والشمولية في رصد احتياجات الناس والنساء، وتتضمن أركان أساسية لنجاحها كالمساءلة والمحاسبة وذلك لضمان استدامة أية خطط مستقبلية لإعادة الإعمار. وتضمنت أبرز أولويات وركائز خطة إعادة الإعمار بنظر النساء، المقومات التالية:
– إيلاء الأهمية للخدمات العامة والبنى التحتية ولا سيما في قطاعات الخدمات (الصحة والتعليم) والخدمات العامة (المياه والكهرباء والغاز) وأن تأخذ هذه القطاعات أولوية الدعم قبل قطاع العقارات كونها إذا تمت بشكل متوازن بين جميع المناطق أن تعزز اللحمة المجتمعية وتقضي على أي شعور بالظلم أو الغبن بين المناطق؛
– رصد الاحتياجات والقدرات المتوفرة، حيث أن وضع ملامح خطة إعادة الإعمار يجب أن ترتكز بصورة أساسية على رصد احتياجات النساء والرجال والشابات والشبان ورصد قدراتهن/هم وكفاءاتهن/هم، وتوظيفها في سياق إعادة الإعمار لضمان الاستفادة من الطاقات والأيادي العاملة المحلية؛
– تعزيز وتفعيل مشاركة النساء السياسية والمجتمعية في مرحلة إعادة الإعمار والبناء على الجهود والأدوار التي لعبتها النساء خلال مرحلة النزاع، والاستفادة من التغيير التدريجي والإيجابي الذي حصل في سياق الأعراف والتقاليد والنظرة للنساء وعملهن خارج المنزل؛
– تقييم الأضرار المباشرة وغير المباشرة، حيث أن صياغة أي خطة لإعادة الإعمار لن تكون حقيقية ومستدامة وواقعية ما لم يتم تقييم الضرر المباشر وغير المباشر للحرب والعنف والقصف والنزاع في سوريا، حيث أن الضرر المعنوي والنفسي وغير المباشر الذي أصاب الأسر نتيجة القصف والموت والعنف والنزاع المستمر غالباً ما يتم التغاضي عنه أو تجاهله؛
– إصلاح وتعديل قوانين الملكية، عبر إلغاء جملة القوانين والمراسيم المجحفة التي أصدرها النظام منذ بداية النزاع، مع ضمان وجود حماية قانونية دولية للنساء بحيث يمكنهن إثبات ملكيتهن في حال غياب أو وفاة الزوج؛
– تعزيز الرقابة والمساءلة وتعزيز آليات الاستجابة للشكاوى، وذلك لضمان الفعالية ومنعاً للهدر والفساد، ولحظ مبدأ الكفاءة والتنوّع واختيار الأشخاص بناءً على الكفاءة وليس على مبدأ التلزيم والواسطة.
للاطلاع على الملخص كاملاً انقر/ي هنا
للاطلاع على الورقة كاملة انقر/ي هنا
[1] The Toll of War, The Economic and Social Consequences of the Conflict in Syria https://www.worldbank.org/en/country/syria/publication/the-toll-of-war-the-economic-and-social-consequences-of-the-conflict-in-syria (Last accessed on May 2019).
[2] مركز بروكينغز لتحليل السياسات العامة، قواعد عملية إعادة الإعمار في سوريا، https://brook.gs/2wwIRai (آخر دخول للموقع في أيار ٢٠١٩)