بدأ الحراك الثوري السلمي في مدينة السويداء، وسميت أهم ساحتها باسم “ساحة الكرامة” عام 2016، هذا الحراك الذي أربك النظام السوري، ثم موجات احتجاجية مختلفة الأشكال، وفي عام 2020 برزت مظاهرات حاشدة في ساحة الكرامة كما في 2021، وفي موجته الراهنة التي بدأت ‏منذ الشهر الثامن 2023 اتجهت الأوضاع في محافظة السويداء جنوب سوريا نحو التصعيد بعد إطلاق النار من فرع الحزب سابقًا وبعدها إطلاق نار من قاعة التسويات صالة ٧ نيسان وسقوط أول متظاهر في الحراك الجديد “جواد توفيق الباروكي” بعمر 54 سنة، واستمر المتظاهرون/ات رغم ذلك يثبتون سلميتهم/ن وثباتهم/ن وتحديهم/ن الكبير للنظام السوري الذي كان يراهن على أن تجاهله لهذا الحراك سيفضي إلى انحساره. 

لكن مع مرور الوقت وسقوط أول متظاهر وبسبب الرصاص المرتد الذي أطلق من صالة ٧ نيسان (صالة التسويات) وصف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في السويداء الشيخ “حكمت الهجري” بأن الباروكي “شهيد الواجب” وأن الأيادي التي قامت بإطلاق النار أيادي غادرة، وأكد الهجري في بيان له على ضرورة الحفاظ على المسار السلمي للحراك، وحث المتظاهرين/ات على ضبط النفس وعدم الانجرار خلف مخططات النظام. ويرى المتابعون/ات أن هناك مخاوف حقيقية من انفجار الوضع الأمني مجددًا بحشد قوات عسكرية في مطار خلخلة العسكري في مدخل مدينة السويداء.

إن مضمون الحشد العسكري الذي يتم الآن على تخوم المدينة هدفه توجيه رسالة تهديد مبطنة لحراك السويداء المقصد منها إمكانية تحويلها لساحة صراع مسلح في ظل وجود فصائل عسكرية داخل المحافظة مع حشد منظم لفكرة انقسام الثورة السورية من جنوبها إلى شمالها وتصنيفها على أنها ثورة منفصلة عن الثورة الأم في عام 2011، رغم أن مدينة السويداء شاركت في الحراك الثوري من بدايته في سوريا، وكان التعتيم الإعلامي على هذا الحراك من قبل النظام السوري محاولة فاشلة لإثبات أن ما يجري هو تخريب من قبل الجماعات المتشددة و”العصابات الإرهابية”.

وكانت بداية الحراك في السويداء مطالب تتضمن الإصلاح وانتهت بإسقاط النظام وتم تمزيق صور بشار الأسد ووالده حافظ الأسد وتغيير اسم ساحة الرئيس إلى “ساحة الكرامة”. 

خلال الأشهر الماضية حاول النظام اختراق السويداء مستخدمًا القوة الناعمة نظرًا لعدم تمكنه من التدخل العسكري لأسباب منها تظاهره بصورة “حامي الأقليات”، وعدم قدرته على تغطية أفعاله بادعائه مقاومة الإرهاب كما فعل سابقًا في الشمال السوري، فاكتفى ببث الخلافات بين مكونات الحراك السياسية من جهة، ودفع أشخاص إلى طرح المشاريع الانفصالية من جهة أخرى، دون أن تثمر تلك المحاولات شيئًا بعدما تصدت لها إدارة الحراك الناجحة بلجنته التنظيمية والتكاتف الإعلامي وإصرار المتظاهرين/ات على الاستمرار ليدوم الحراك تسعة أشهر متواصلة يوميًا مع أيام الجمعة الحاشدة بشكل كبير.

وكان للنساء دور فاعل في حراك السويداء حيث شاركن بأعداد كبيرة مع اللجان التنظيمية والتيارات السياسية والمواقف والبيانات والزيارات المجتمعية، كما شاركن في صنع القرار داخل الساحة وخارجها وإعلاميا ولم يغبن عن الساحة يومًا بفعاليات ولافتات وأصوات جديدة وقوية.

وبعدما أحبطت محاولات النظام السوري لوقف الحراك، قام مؤخراً بإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محافظة السويداء، مثيراً المخاوف من تدخل عسكري لوقف الحراك، وقد بدأت تلك التعزيزات قبل إنهاء أزمة الطالب الجامعي “داني عبيد” الذي اعتقل بتهمة النيل من هيبة الدولة السورية لنشره منشور يساند به حراك أبناء محافظته حيث تم اعتقاله في مدينة اللاذقية وتم الإفراج عنه بعدما أقدمت فصائل محلية في السويداء على احتجاز عدد من الضباط من عناصر الجيش والشرطة التابعين للنظام السوري في محافظة السويداء، إلى أن أفضت الوساطات بإطلاق سراحهم على دفعتين قبل وبعد عودة الطالب “داني عبيد” لتبقى السويداء تطالب بتنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤ الهادف إلى إنهاء الأزمة الدامية التي تشهدها البلاد منذ 13 عامًا.

أما فيما يتعلق بالحشودات العسكرية والتجهيزات داخل المحافظة فهناك العديد من  السيارات التي تحمل رشاشات متوسطة وعدداً من  الدبابات والمئات من العناصر بالرتل الأكبر لمطار خلخلة العسكري، في حين أن الدفعة الأولى دخلت إلى فرع المخابرات العسكرية وزرع عناصر في فرع أمن الدولة العسكري وفي أحراج بلدة قنوات، وفي ذلك المنحى رحب العديد من الإعلامين/ات والنشطاء/الناشطات الموالين للنظام بدخول قواته إلى السويداء واعتبروا هذه الخطوة تمهيدًا لإنهاء المشروع الانفصالي وعودة المحافظة إلى “حضن الوطن” مع أنهم يعلمون أن نظام الأسد وصل إلى مرحلة وهن وضعف كبير والدليل على ذلك أنه تنازل وقبل إطلاق سراح الطالب المعتقل، بسبب القلق من أي ردة فعل من القوة الدولية الفاعلة في المنطقة.

 من الصعب التكهن حول حقيقة الأهداف التي يرمي النظام السوري إلى تحقيقها من إرسال مثل تلك الحشود، لكن لابد أن أحد أسبابها القوية هو إرهاب المحتجين/ات وكسر عزيمتهم/ن وتحويل الحراك السلمي إلى صراع مسلح وجر المحافظة إلى العنف، مما استدعى رداً من أبناء محافظة السويداء ضمن الحراك في بيان صادر عن الحراك الشعبي في محافظة السويداء وجهوا فيه رسالة إلى الشعب السوري يعلنون رفضهم للاقتتال أو المواجهة لأن أفراد الجيش السوري هم سوريون، وأكدوا على المطالبة بالحقوق الوطنية والدستورية والقانونية المشروعة بالطرق السلمية، “وهذا الكلام ليس خوفاً ولا جبناً فتاريخنا يشهد ولكن هذا لحسنا بالمسؤولية الوطنية وحفاظاً على الدماء وما بقي من أشلاء الوطن الذي دمره النظام وأدخل إليه كل الاحتلالات وهذا الجيش لتحرير الأراضي المحتلة وليس لصدور شعبنا العظيم”. كما وجهوا رسالة للجيش السوري “يحق للجميع حياة كريمة وأن ندافع عنها بكل سلمية وشجاعة لبناء مستقبل وطننا”، وطالبوا بعدم تنفيذ الأوامر بتوجيه البنادق إلى إخوتهم في الوطن، “أنتم ضيوف ونستقبلكم بالورد وإن أتيتم غزاة فبئس القرار”.

وعلى ذلك، مازالت الحركة السياسية النسوية السورية داعمة لحراك ونساء السويداء منذ الأيام الأولى وساهمت ببيانات وأوراق للمواقف وتصدير هذه المواقف دولياً، ومازالت تقف إلى جانب هذا الحراك السلمي، وتدين هذا التحشيد العسكري على السويداء. كما أننا في الحركة السياسية النسوية السورية نؤمن بالحلول السلمية ونطالب بتطبيق القرار 2254 وأن السلام والديمقراطية والحل السياسي أولويات، وأن الانتقال السياسي هو الضامن لكل السوريين والسوريات لنعيش مستقبلاً آمنًا، ونتمتع بالحرية والسلام ووطن يتمتع بالمواطنة والحريات، نحو سوريا ديمقراطية تضمن حقوق وواجبات كل السوريين والسوريات على مختلف انتماءاتهم/ن وآرائهم/ن.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية