أفغانستان ونساؤها في مهب التطرف والإرهاب: ماذا عن المحتفلين لدينا؟

بعد عشرين عاماً من وجودها العسكري في أفغانستان تنسحب القوات الأمريكية مخلفةً الكثير من المكاسب لطالبان؛ ليس أولها الأسلحة والمعدات العسكرية والمعلومات البيومترية التي تعرض ملايين الأفغانيات والأفغانيين للخطر، وليس آخرها اليأس والإحباط العام الذي يشكل تربة خصبة للإرهاب والتطرف، وإن كان البعض قد افترض بأن الأمريكان قد عقدوا اتفاقات مشروطة لتسليم أفغانستان لطالبان فقد تبيّن أنهم في المقلب الآخر وهم يحاورون جهة متطرفة تحت فرضية إعادة تأهيلها وأنسنتها، تغافلوا عن حقيقة أن التنظيمات الإرهابية العالمية الأخرى مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية تنتظر فرصة وجود بؤرة ضعيفة لتنتقل إليها وتصبح مركزاً لشن حربها الكونية المقدسة.  

هذه الافتراضات وهذا المشهد أعاد للسوريات وللسوريين مشهد احتلال الرقة عام 2013 من قبل تنظيم داعش وإعلانها عاصمة لهم مستفيدين من الحرب الضروس التي شنها النظام السوري على شعبه ومن ضعف الجيش الحر وانقساماته إلى فصائل وقبل كل ذلك من المظلوميات التي خلفها الاستبداد، كما أن الأخبار القادمة من أفغانستان ولدت مخاوف لدى الكثيرات/ين من أن يكون هناك ميّل دولي لتلميع الإسلام السياسي وإعادة تأهيل التجمعات المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام.

الانسحاب الأمريكي ونتائجه يطرح الكثير من الأسئلة حول مصير هذه المنطقة ذات الأكثرية المسلمة التي تعتبر سوريا جزء منها، وحول مصيرنا المشابه فيما لو كان خيارنا للخلاص من الاستبداد هو الوقوع تحت رحمة التطرف، فالرعب امتد لنا كسوريات وسوريين عند وصول أخبار الاحتفالات بنصر طالبان في إدلب ومع صور توزيع الحلوى وابتهاج المآذن هناك، ثم البيانات التي أصدرتها هيئة تحرير الشام والجبهة الإسلامية واللذان وجدا فيما يحصل في أفغانستان نصراً للإسلام وهزيمة لأمريكا، بل وافترضا أن هذا النصر قد يقود لهزيمة الإيرانيين في سوريا. 

دخول طالبان السريع إلى كابل لا يعدّ هزيمة للجيش الأمريكي بل للمبادئ التي تؤمن بها أمريكا وحلفائها، وإن كانت أمريكا لم تدخل أفغانستان من أجل تعليم الفتيات أو من أجل إقامة مشاريع إنمائية للمجتمع ودعم دولة ديمقراطية وإنما كان هدفها هو الانتقام لبرجي التجارة العالميين في نيويورك وتأديب طالبان التي لم ترضى بتسليم أسامة بن لادن الذي أمر بالعملية الإرهابية الشهيرة، لكن مع ذلك شكل الوجود الأمريكي الذي دام عشرين عاماً فرصة لتقليم أظافر طالبان، وشكل أملاً للأفغانيات والأفغانيين في الخلاص من التطرف والإرهاب ودعم دولة تحترم الإنسان وتخفف القيود على حرية المرأة، فقد وصلت نسبة النساء العاملات في أفغانستان إلى 22%، وهي على الرغم من أنها نسبة ضئيلة إلا أنها تعتبر نسبة جيدة ومبشّرة قياساً بوضع النساء في زمن حكم طالبان قبل عام 2001، أما اليوم فالنساء الأفغانيات يتحضرن للسجن مجدداً خلف براقعهن التي اخترعتها طالبان وأصبحت تلخص سياساتها وممارساتها العدائية تجاه النساء.         

 إذاً، أول الخاسرين ستكون المرأة الأفغانية، والهزيمة بهذا المعنى هي هزيمة أخلاقية للأمريكان وحلفائهم الذين تركوا البلاد لمصيرها القاتم، وهنا يبدو أن لا خيار أمام الأفغانيات الصابرات والصامدات إلا الصمود مجدداً والمقاومة، وهذا يمكن أن يحدث في حال تشكل جناح مقاوم للإرهاب ولطالبان داخل أفغانستان لكنه يحتاج إلى دعم وتضامن دولي مع قضيتهم التي هي قضية كل الطامحات والطامحين للحرية والعدالة والسلام في العالم، وإن حدث هذا فهو انتصار لقضيتنا، ففي سوريا التي يتقاسمها الاستبداد السياسي والفصائلية والتطرف يبدو الأمر مشابهاً إن تم النظر إليه من جهة الخيارات المتاحة، فالسوريات والسوريون يفقدون الأمل مع مرور الوقت وتأتي أخبار أفغانستان لتطرق الخزان وتحذر من مصير مشابه، خاصة وأن الكثيرون جربوا إرهاب تنظيم الدولة واستبداد الجهات المتطرفة وقبل ذلك إرهاب النظام الذي قتلهم وشردهم ودمر مصادر عيشهم، إذاً هل سنكون أيضاً أسرى واحدٍ من اثنين؛ الاستبداد أو التطرف؟ هناك خيار ثالث وحيد لا زال بالإمكان العمل عليه وهو حسم السوريات والسوريون لخيارهن/م برفض الخيارين السابقين رفضاً قاطعاً والعمل على بناء قطب ديمقراطي وطني تعددي يعمل من أجل إنهاء الاستبدادين، وإقامة دولة المواطنة المتساوية والتعددية على أنقاضهما، دولة تحترم حقوق الإنسان وحريته وتحتفي بإنجازات نسائها وتحترم حقوقهن كاملة بلا نقصان. 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية