اللجنة الدستورية ما بين التعطيل وصراعات القوى الإقليمية والدولية

 

مع تصاعد الأحداث في سوريا وجمود العملية السياسية، وبعد خمس سنوات من انطلاق مفاوضات جنيف بين الأطراف السورية، التي لم تحقق أي نتائج تذكر، بدأت مجموعات دولية وإقليمية بتحركات متعددة الاتجاهات لدفع العملية السياسية.

في 23 أيلول 2019، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تشكيل اللجنة الدستورية بعد قرابة سنتين من التحركات باتجاه النظام لكسر الجمود وإقناعه بالحضور لطاولة المفاوضات دون جدوى، مستنداً في ذلك للدعم الروسي الإيراني وربما عبر هذا بشكل غير مباشر عن فشل جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في دفع الإطار التفاوضي الذي اتبعته منذ عام 2014 في جنيف، والذي لم يعد قادراً على تطبيق القرارات الأممية، بما في ذلك قرار جنيف 1 والقرار 2254، بما في ذلك هيئة الحكم الانتقالية بوصفها المنجز الأهم المفترض للعملية السياسية في سوريا. وضمن ظروف صعبة وفشل في ملف المعتقلين/ات والمفقودين/ات والمغيبين/ات قسرًا، والتي قدرت أوساط حقوقية عددهم/ن بالآلاف، واستمرار التهجير القسري واستمرار النظام بانتهاج سياسات قمعية في المناطق التي أعاد سيطرته عليها، إلا أن المتغير الأهم هو تراجع دور المعارضة والنظام في المفاوضات لحساب أجندات الدول المؤثرة، وتحديداً ضامني آستانا، الذين لعبوا دوراً رئيسياً في الدفع بخيار اللجنة الدستورية، التي افتقدت لكل مقومات النجاح، بدءاً من عدم خضوعها لجدول زمني، والقواعد الإجرائية غير المحددة، والآلية المتخذة لكتابة الدستور، ودور رأس النظام فيه، وأيضاً التفاهمات المغلقة التي حصلت في آستانا وعدم جدية احترام النظام لها حيث قام بعملية انتخابات برلمانية ورئاسية بالتزامن مع انعقادها بدعم مطلق من روسيا وإيران. وكذلك انسحاب عدد من أعضائها وعضواتها قبل البدء بها لقناعتهم/ن مع معظم السوريين/ات بأن صياغة دستور جديد لم تكن يوماً هي المدخل الرئيسي للحل في سوريا، وأن العملية برمتها جاءت لإرضاء رغبة المبعوث الأممي السيد ديمستورا الذي قاربت مهمته أن تنتهي دون تحقيق شيء، وأراد أن يقوم بإنجاز يحسب له، حتى لو أصبح هذا الإنجاز هو الشغل الشاغل للمجتمع الدولي والدول الإقليمية التي تتلاعب وتدير العملية حسب مصالحها وتحقيق مكتسباتها.

ومن المؤسف حقاً أن يوصل المجتمع الدولي والإقليمي ما يقال عنه حل سياسي إلى هاويةٍ قُزِّم فيها القرار جنيف 1، من هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، إلى اختلاف على مكان عقد الجلسات للبحث في الدستور الذي هو بالأصل شأن سيادي ولا يحق لغير السوريين/ات التدخل فيه إلا عبر انتخابات برلمانية حرة نزيهة. الآن وبعد الجولة الثامنة في حزيران 2022 في جنيف، لم يتم تحقيق أي نتائج ملحوظة أيضاً. أعلن المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي لم ينجح على مدى 19 شهراً من العودة إلى المفاوضات ولم يستطع إقناع النظام المتعنت عند زيارته إلى دمشق التي أعلنت بأنها لن تعود لطاولة المفاوضات ما لم يحضر الطرف الروسي، الذي ادعى بدوره بأن وفده قد واجه صعوبات لوجستية للدخول إلى جنيف، التي كانت قد اتخذت موقفاً من الحرب الروسية الأوكرانية.

ونتيجة لتراجع الملف السوري وجموده في أروقة المجتمع الدولي وتراجع دور الأطراف السورية لحساب الدول المؤثرة، دفع ذلك دولاً عربية لفتح قنوات اتصال مع النظام لمحاولة استعادة العلاقات معه، عبر دعوته للقمة الإسلامية الطارئة المشتركة لجامعة الدول العربية في الرياض في 11  تشرين الثاني 2023، ومع استمرار الفشل المعلن لاجتماع اللجنة، شهدت الأشهر الماضية أيضاً استئناف تحركات عدة من دول عربية ولقاءات ثنائية مركزة لمحاولة بناء علاقات مع النظام لتكون بديلاً عن الدور الكبير الذي تأخذه إيران في المنطقة في مسعى لتقليل نفوذها، ولا سيما في سوريا ووقف الصراعات لإعادة الهدوء للمنطقة ككل (ولا يخفى بأن المملكة العربية السعودية تبقى صاحبة المصلحة الكبرى في هذا السيناريو). وكمبادرة عربية لاقتراح أماكن بديلة ومنها مسقط التي اقترحها وزير الخارجية المصري في اجتماعه مع نظيره السوري، والتي اعتذرت عن استضافة الاجتماعات على أراضيها، بعدها اقترحت إيران أن تعقد في بغداد بموافقة وتسهيل أمريكي، لكن المقترح قوبل بالرفض. وجاء اقتراح نيروبي في كينيا كونها تستضيف مكتباً للأمم المتحدة، لكن النظام بدوره رفض ذلك أيضاً، وبقيت عملية التفاوض تراوح مكانها مرة أخرى، ووفقاً لمصادر مطلعة فإن فرص انعقادها تبقى ضئيلة رغم تأييد كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لها، وفق بيان صدر في ذكرى انطلاق الثورة السورية في 15 آذار 2024. أعلن النظام السوري رفضه حضور الاجتماع بسبب عقده في جنيف التي تعارضها موسكو، ووفق ذلك فإننا في الحركة السياسية النسوية السورية نرفض أن تعقد المفاوضات خارج جنيف ومقرات الأمم المتحدة، ونؤكد على عدم انتقال ملف سوريا برمته من الرعاية الأممية إلى دول لا تتوافق مع مصالح الشعب السوري وتفرغ العملية السياسية من مضمونها.

ونؤكد في الحركة السياسية النسوية السورية على وجود النساء بنسبة 30 بالمئة وصولاً للمناصفة في أي عملية تخص الشأن السوري ومستقبل سوريا، ونثمن دور السيد غير بيدرسون ومن قبله السيد ديمستورا على تأكيدهما وحرصهما على دور النساء ووجودهن في اللجنة الدستورية ومشاركتهن، على الرغم من وجود شريحة كبيرة مهمشة من النساء لم تُمثل بالشكل المطلوب نتيجة النزوح واللجوء وعدم القدرة على الوصول إلى أماكن صنع القرار. وهذا لا يتناسب مع ما قدمته النساء في الثورة من تضحيات.

مع كل هذه المعطيات والتحديات التي تشير إلى صعوبة وربما استحالة انعقاد اللجنة أو المضي قدمًا في العملية السياسية، ظهرت هناك سيناريوهات وبدائل غير معلنة  تشير إلى التخلي عن مسار المفاوضات وعدم فاعليته وعدم إمكانية الأمم المتحدة بأخذ دورها والضغط  باتجاه تنفيذ القرار الأممي لأسباب عدة، منها: حالة الاستقطاب بين روسيا راعية النظام وأمريكا الداعم الرئيسي للمعارضة، بالإضافة إلى صعوبة وجود البيئة الآمنة للانتقال الدستوري، وربما إعلان المبعوث الأممي غير بيدرسون أن التوقف عن أعمال اللجنة إلى أجل غير مسمى هو تقويض للعملية الدستورية، وهذا ما دفع الأطراف المعنية إلى التفكير وإطلاق مسارات جديدة، السيناريو الأكثر ترجيحًا ربما يكون عقد مصالحات داخلية مع شخصيات بديلة بين نظام الأسد ومن المعارضة تخضع لتأثير دول النفوذ، والبدء بالعلاقات والتفاهمات وطرح رؤى اقتصادية تساندها روسيا، ولا ترفضها إيران.

وفي ضوء ذلك، تؤكد الحركة السياسية النسوية السورية أن الاستمرار في تعطيل العملية السياسية وتدخل الدول صاحبة النفوذ العسكري على الأراضي السورية هو إضعاف للدور الأممي، وتعميق للمعاناة الإنسانية والمعيشية، وترك القضية السورية رهينة لتوازنات القوى الدولية والصراعات الإقليمية.

 

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية