انتخابات مجلس الشعب السوري ومعضلة تواجد النساء
- updated: 23 أكتوبر 2025
- |
بعد سقوط نظام الأسد نهاية العام 2024، حُل مجلس الشعب، وأُجريت أول انتخابات انتقالية غير مباشرة في 5 تشرين الأول 2025، وتمَّ الإعلان عن النتائج في نهاية يوم 6 تشرين الأول 2025، لتضم 119 ممثلاً وممثلة عن 49 دائرة انتخابية، مع استبعاد كل من محافظات السويداء والحسكة والرقة التي تم تأجيلها لحين توفر “الظروف الميدانية” المناسبة (والتي سيمثلها 21 عضوًا وعضوةً). وأعلن عن فوز 6 نساء فقط رغم ترشح 14% من النساء (من أصل 1578 مرشحًا). ويُعدّ هذا المجلس أول مؤسسة تشريعية تُشكَّل بموجب الإعلان الدستوري الانتقالي، وتستمر ولايته 30 شهرًا قابلة للتجديد.
لم يكن من المفاجئ نسب التمثيل المتدنية جداً للنساء 4%، وذوي الاحتياجات الخاصة ومصابي الحرب والتي لم تتجاوز 4%، حيث تم تبريرها بأن هذا يعكس الواقع الاجتماعي السائد في سوريا، وأن الاعتماد الآن (كما يروج البعض) سيكون على الثلث الأخير الذي يعينه الرئيس أحمد الشرع لترميم القصور في نسب التمثيل سواءً للنساء أو الأقليات الدينية أو الفئات الأخرى التي لم يتم أخذها بعين الاعتبار، ولقد غاب عن بال الكثيرين أن النسبة التي أعلن عنها الرئيس لتواجد النساء (20%) لا يقصد بها أعضاء المجلس المختارين/ات، وإنما فقط نسبة تمثيل النساء في اللجان الناخبة!
وفي قراءة أولية للنتائج، تبدو نسبة تمثيل النساء في المجلس الجديد أقل حتى من النسبة التي كانت قائمة في البرلمانات السابقة خلال عهد النظام السابق، والتي تراوحت بين 10% و13%. فالمرأة السورية التي حصلت على حق التصويت عام 1949، وحق الترشح عام 1953 عندما ترشحت “ثريا الحافظ” وأخريات، وتجاوزت العوائق السياسية والاجتماعية لتواجدها من خلال حصة نسائية تم فرضها عام 1958 في مجلس الأمة المشترك، فتواجدت النساء لأول مرة ممثلات بـ “جيهان الموصلي” من دمشق و”وداد الأزهري” من اللاذقية في مجلس الأمة التابع للجمهورية العربية المتحدة.
وتراوحت نسب المشاركة تالياً لتبلغ 12% في مجلس عام 2012، ثم تراجعت إلى 9.6% عام 2024 قبل سقوط نظام الأسد.
إن هذا الغياب الحالي للمرأة السورية عن التواجد السياسي والتشريعي، على الرغم من الدور البارز الذي لعبته خلال سنوات الثورة والحرب، ومازالت، وعلى الرغم من الوعي السياسي والتمكين المعرفي والعلمي والدور المجتمعي الذي كرسته وما زالت، وسيستمر لسنوات طويلة قادمة، إنما يعكس حالة عدم اليقين التي تصيب المجتمعات في مراحل ما بعد الحرب، خاصة وأن الوضع السوري المعقد جيوسياسياُ واجتماعياً واقتصادياً، لا يعكس حالة استقرار قريبة تسمح للقوى الفاعلة السياسية والمجتمعية بالتواجد للبدء بمرحلة إعادة الإعمار والبناء والاستقرار والتي تتطلب وجوداً وزخماً من كافة شرائح المجتمع وخاصة النساء. وهو ما يفترض أن ينعكس على التواجد في مواقع صنع القرار لتهيئة الأرضية اللازمة للبدء بهذه المرحلة، ولنا في تجارب الدول التي حققت نهضتها بعد الحروب أسوة في تفعيل دور النساء والاستفادة من طاقتهن المتجددة للحياة والبلدان.
وهو ما نجده متمثلا في غياب الدعم السياسي والاجتماعي لمشاركة النساء، وتراجع النشاط الحزبي والمدني المقموع أساساّ في ظل النظام الديكتاتوري السابق، والذي تم تكريسه عن طريق حل تشكيلات المعارضة التي تأسست خلال سنوات الثورة والحرب، والطلب من أفرادها التواجد كأفراد وليس ككيانات. وهو ما انعكس في نسب التمثيل المتدنية للنساء أو مصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة أو الأقليات في غالبية المناطق. فهذه النسب على اختلافها لا تمثل الدور الحقيقي للمرأة السورية في الحياة السياسية وفي المجتمع سواءً قبل بدء الثورة السورية، أو خلال سنوات الحرب الطويلة.
كما أن النظام الانتخابي غير المباشر والإدارة المركزية ساهمت في تكريس هذا النقص الحاد لتواجد النساء، حيث تمَّ اعتماد آلية انتخابية تعتمد على الهيئات الناخبة المحلية، والتي تختار من قوائم مصادق عليها، مع غياب حصة محددة لتواجد النساء ليس فقط في الهيئات الناخبة وإنما في المقاعد، وهو ما قلل من فرص النساء في المنافسة في بيئة ما تزال تحكمها الهويات العشائرية والمناطقية والطبقة المرتبطة بالفصائلية ومهنة القتال التي ظهرت وتكرست خلال سنوات الحرب الطويلة، والتي تفضل المرشحين الذكور، وتعتبر بيئات نابذة للنساء ومبعدة لهن عن مواقع صنع القرار.
كما وميز العملية الانتخابية هيمنة ذكورية واضحة على الهيئات الناخبة، مما يعني استمراراً وإعادة إحياء للتحديات التاريخية في دمج المرأة في الحياة السياسية السورية. كما قلة تمثيل للأقليات الدينية أو الإثنية أو ذوي الاحتياجات الخاصة ومصابي الحرب، مما يعكس مزاجاً عاماً إقصائياً سيكون له آثاره السلبية على مستقبل سورية وقدرتها على تجاوز آثار الحرب بأقل وقت وتكلفة، وبمشاركة جميع أبنائها وبناتها من خلال تجذير الشعور بالانتماء والمواطنة لديهم/ن.
إننا في الحركة السياسية النسوية السورية، ومن خلال تجربتنا في العمل المباشر مع النساء السوريات في كافة المناطق ومن كافة الخلفيات السياسية والإثنية والدينية، نرى أن المشكلة لا تكمن في قلة التمكين المعرفي والسياسي للمرأة، كما يحاول أن يبرر البعض، فالمرأة السورية أثبتت قدرتها ومرونتها على تجاوز كافة الصعوبات والتحديات، والارتقاء بنفسها وعائلتها ومحيطها الاجتماعي في أصعب الأوقات والظروف، كما وساهمت بفعالية في زيادة التماسك المجتمعي، والثبات على المواقف السياسية والأخلاقية رغم كل التحديات التي مرت بها. وكان لها رأيها وموقفها الواضح تجاه كافة القضايا المصيرية السورية سواءً ما تعلق منها بالهوية الوطنية السورية ومستقبل سوريا الاقتصادي والاجتماعي وكيفية تحقيق السلم الأهلي والعدالة الانتقالية من منظور النساء السوريات، كما إعادة الإعمار الذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح البشر والحجر والبيئة والاستقرار والسلام المستدام.
ونرى أنه لسد هذه الفجوة التي شهدناها في نسب تواجد النساء أو باقي المكونات المتدنية التمثيل:
- تبرز الحاجة إلى آليات قانونية واضحة لضمان تمثيل عادل لجميع الفئات، بما يتوافق مع مبدأ المساواة وعدم التمييز.
- ضرورة وجود قانون انتخابي يتمثل ببناء نظام تمثيلي شامل، يكفل التواجد العادل في كافة مراحل العملية الانتخابية، من خلال وضع استراتيجيات تعكس الهوية الفكرية والمجتمعية والهوياتية للمرحلة القادمة، وتكتسب قوتها من الدستور والسلطة التشريعية والتنفيذية لسوريا الجديدة.
- ضرورة تحديد حصة تمثيل للنساء لا تقل عن 30% وصولاً إلى 50%، في مواقع صنع القرار ومن ضمنها مجلس الشعب السوري.
- ضرورة التزام الحكومة الانتقالية الحالية بوضع خطة وطنية لتطبيق القرار 1325، الخاص بالمرأة والسلام والأمن، بما يضمن مشاركة النساء السوريات في جميع مفاصل المرحلة الانتقالية لتحقيق السلام وضمان استدامته.
وعليه، فما نزال في الحركة السياسية النسوية السورية، نأمل بأن المستقبل الذي يضمن الحرية والعدالة والمساواة لكافة السوريين والسوريات، لا بدَّ أن تكون المرأة السورية في المركز منه من ناحية التخطيط، والتشريع والعمل والبناء… فسوريا للجميع لا تتحقق سوى بمشاركة الجميع من أبنائها وبناتها المخلصين/ات.
اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية