تحت سلطة الأسد، الكبتاغون عابر للحدود، والسوريون والسوريات عالقون وعالقات
- updated: 7 فبراير 2024
- |
في إطار حملاته الأمنية لملاحقة تجار المخدرات والحد من تهريبها من الأراضي السورية عبر ريف السويداء، يستهدف الجيش الأردني مراراً إحداثيات محددة في القرى الواقعة قرب الحدود الأردنية السورية ما يسفر عن مقتل مدنيين/ات وأطفال. وهذه المرة الثالثة التي تقوم بها طائرات حربية أردنية بقصف منازل المدنيين/ات في ريف السويداء منذ مطلع العام الجاري، حيث إن الغارات الأخيرة التي استهدفت قرية عرمان في الريف الجنوبي للسويداء بتاريخ 18/01/2024، أدت لمقتل طفلتين وخمس نساء وثلاثة رجال، فيما ليس مؤكداً ما إذا كان الرجلان المستهدفان في منزليهما في العملية الأخيرة من تجار المخدرات أم لا. وأثارت هذه الغارات استنكاراً شعبياً، كونها كانت مفرطة بالعنف، كالتي نفذتها الأردن في سابقة لها بعملية جوية استهدفت تاجر مخدرات ليلقى حتفه مع ست ضحايا، زوجته وخمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين السنتين والعشر سنوات، ويدفع المدنيون/ات ضريبة بقاء الأسد على كرسي الحكم واستمراره بالجرائم والانتهاكات بحق الشعب السوري وسلبه الحماية التي ضمنتها وثيقة حقوق الإنسان.
ظهر ملف الكبتاغون مع بداية النزاع في سوريا، وكان محصوراً بالجماعات المقاتلة لزيادة مقدرتهم على القتال، ثم توسع أكثر عقب سيطرة حزب الله على منطقة القصير، وبدأ العديد من الناشطين/ات، والمواقع الإخبارية بتسليط الضوء على انتشار المخدرات وأشاروا إلى مواقع تصنيع استقرت في قرى بعيدة أو قريبة من السويداء، وعلى التوازي بدأت المبادرات تتناول الموضوع كخطر داهم المجتمع في ظل الحرب.
أما الشكوى الإقليمية بأن السويداء عقدة للتجارة والتصدير فهي حديثة نسبياً، حيث حاربت السويداء الأمر وسط الكثير من التجاذبات، فيما اندلعت انتفاضة شعبية عارمة في آب 2023، على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية وأسباب متعددة ومركبة، كان ملف المخدرات أحد محركاته الأساسية، وارتبط إلى حد كبير بقضية الملف السوري لتصبح الحلول المحلية ناقصة وتفتقر لأدوات وتشريعات ودعم.
راجت عملية التعاطي، وكثيراً ما صدرت تحذيرات من المجتمع المدني، وقادة المجتمع المحلي حول ما آلت إليه الأمور في محافظة السويداء، نتيجة تورط العديد من الفصائل المحلية المرتبطة بإيران بإغراق سوق السويداء بالمواد المخدرة، وفي مقدمتها مادة الحشيش التي تباع بشكل علني ضمن الأكشاك غير الشرعية المنتشرة بكثافة على أرصفة المدينة، وداخل المقاهي والصالات، والعديد من التقارير أشارت في وقت سابق لانتشار تلك المواد المخدرة بين اليافعين واليافعات داخل المدارس، وفئة الشباب والشابات في أروقة الجامعات.
وعلى خلفية الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة صلخد وقراها في عام 2020، نتيجة الاقتتال ما بين الفصائل المحلية المناوئة للنظام والميلشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والمتورطة بالاتجار بالمخدرات، برزت إلى السطح قضية في غاية الخطورة كانت ضحيتها عدد من النساء والفتيات نتيجة عمليات التشهير وتصفية الحسابات بين تلك المجموعات المسلحة، وأشارت حينها تقارير إلى ارتكاب عدد من الجرائم بحق أولئك الضحايا بذريعة ما يسمى “جرائم الشرف”، وعلى خلفية الأحداث تم إنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بشعبة المخابرات العسكرية، تقصدت تسريب مجموعة من الفيديوهات الخاصة التي عثر عليها في جوال أحد المعتقلين من قبل فصيل قوات “مشايخ الكرامة” والتي تناولت تلك التسريبات سيدات وفتيات شابات في سهرات خاصة بأسمائهن الصريحة وتسجيلات صوتية في عمليات ترويج المخدرات واستدراج ضحايا عمليات الخطف والسلب، ليتضح فيما بعد تعرض أولئك النساء للقتل أو المصير المجهول، وتم التستر والتعتيم على كل هذا، حتى ازدهرت تجارة المخدرات تحت رعاية مباشرة أو غير مباشرة من النظام السوري، وعبر أجهزته الأمنية والأمن العسكري تحديداً حين كان تناول ملف المخدرات خطيراً لارتباطه بمتنفذين بالملف السوري.
مرت العلاقة بين البلدين بفترات من التوتر والتقارب بحسب الظروف الإقليمية والدولية، وكان معبر “نصيب” في محافظة درعا جنوب سوريا الرابط الرئيسي بين البلدين وشرياناً مهمَّاً للتجارة والنقل والسياحة، وتم إغلاقه عدة مرات بسبب النزاع في سوريا وتفاقم المخاطر الأمنية على الحدود، مع تنامي عمليات التهريب والتسلل، وصولاً إلى القمة العربية بقرار لدعم الحل السياسي في سوريا والتعاون الاقتصادي، فيما يعتبر المعبر دفعة للاقتصاد الأردني والسوري ولتحسين العلاقات الثنائية، تم فتحه بالكامل أمام الحركة الحدودية، لكن سرعان ما كشفت الأردن أنه طريق عبور لمخدر الكبتاغون المصنع في سوريا من خلال شاحنات الترانزيت المحملة بالمنتجات السورية المعدة للتصدير إلى دول الخليج وشمال إفريقيا، والتي يتم إخفاء حبوب الكبتاغون بداخلها بطرق فنية، واتهم النظام السوري بعدم حمايته للأمن الوطني والإقليمي، وسعى الأردن جاهداً للتعبير عن السيادة والاستقلال والحزم في التعامل مع الانتهاكات الحدودية والتدخلات الخارجية. إلا أنه ما يزال يوجد عشرات المعابر غير الشرعية ضمن محافظة السويداء الحدودية مع الأردن يتم استخدامها من قبل المهربين المحليين لنقل شحنات المخدرات والأسلحة لداخل الأراضي الأردنية، وتسليمها لمتعاملين معهم في الجانب الأردني.
في الوقت الذي أصبح فيه الكبتاغون الشريان المالي للأسد، وهو ليس المسيطر الكامل عليه، بل تقاسمه الميلشيات الإيرانية، وميليشيا حزب الله التي تسهل التصدير في المنطقة المحاذية للبنان.
تحول ملف الكبتاغون لنظام الأسد وحلفائه إلى قوة يساوم العالم عليه، وصار الشرط الأساسي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، والتي عاد إليها مع استمراره بتصدر ملف الكبتاغون ودعمه.
سبق القمة العربية اجتماع موسكو، وكان اجتماعاً رباعياً ناقش تشكيل لجنة لمكافحة الكبتاغون، الذي ينتج في سوريا ويهدد الأمن القومي للدول العربية.
وبعد أن كان الأسد معزولاً من المحيط العربي بسبب النزاع المسلح في سوريا وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظامه، أعادت الدول العربية مقعد سوريا في الجامعة العربية لتتفادى مواجهة التهديد الإيراني في سوريا، وباتت تتقرب من الأسد وتتحدث عن حل سياسي لسوريا.
ارتبط الحل السياسي في سوريا بتنازلات للنظام السوري ما زال يتجاهلها، ويتصدر الانتصارات في خطاباته، ويغير في تنظيم أجهزته الأمنية والهياكل العسكرية، دون السعي لحل سياسي، ليجعل رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية وإعادة الإعمار السوري شرطاً أساسياً لمكافحة الكبتاغون وعودة اللاجئين/ات، بالإضافة لضعف مقدرة الأسد في السيطرة على قواته الرديفة، وميليشيات إيران وحزب الله.
قدمت الأردن مبادرة عربية عام 2023، لإعادة تعويم الأسد ضمن مشروع (خطوة مقابل خطوة) ومنذ أول لقاء بين الجامعة العربية ووزير خارجية نظام الأسد في القاهرة، تبين فقدان الأمل والإحباط العربي بعدم جدية نظام الأسد في التفاعل الحقيقي للإصلاح، رغم إلحاح وزير الخارجية الأردني على نظام الأسد بمبادرة حقيقية لوقف تدفق الكبتاغون نحو الأردن.
عندما بدأت الأردن تضيق ذرعاً بالمشروع الذي يبتغي إغراقها وإغراق الخليج بالمخدرات، أشارت إلى السويداء كمنطقة مستهدفة في حربها للقضاء على المخدرات، وكان من المتوقع اللجوء للتواصل مع شخصيات مؤثرة يتم التعاون فيما بينها لحماية المدنيين/ات، لكن الضربة الأردنية الأولى كانت مفاجئة، بملاحقتها الفرع لا الأصل في هذه التجارة، حيث أن جذر مشكلة الكبتاغون موجود داخل النظام وميليشياته، والحل باستهداف هذه الأطراف التي ترعى تجارة الكبتاغون بالدرجة الأولى.
استهدفت ضربات الأردن المدنيين/ات والأطفال مما أثار الرأي العام في السويداء، فظهرت التساؤلات الملحة ظناً أن الإحداثيات المتعلقة بالضربات أعطيت من النظام السوري انتقاماً من تمرد المحافظة في الاحتجاجات الأخيرة، لذلك طالبت حركة “رجال الكرامة” وهو الفصيل المحلي الأكبر في السويداء الأردن بالتعاون للحل المحلي حسب العرف والقضاء المجتمعي، وأرسلت الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين/ات الموحدين/ات رسائل إلى جهات دولية، تؤكد فيها أهمية التخلص من الكبتاغون في السويداء مع حماية المدنيين/ات.
لتعلن الأردن أن النظام السوري خالف اتفاقيات ثنائية تم عقدها بين الوزارات والجهات المختصة، ويرد النظام السوري عبر حكومته عن أسفه الشديد لشن الأردن ضربات جوية داخل أراضيه السورية، ولم يبرر هذه العمليات العسكرية رغم أنها كانت موجهة لعناصر منخرطة في تهريب المخدرات عبر الحدود، ووعد النظام السوري باحتواء تلك الضربات حرصاً على عدم تأثير العلاقات الأخوية بين البلدين، وتجاهل الضحايا الأبرياء في هذه الحرب.
وهنا علينا التذكير بما قاله الأسد في إحدى لقاءاته بأنه غير مسؤول عن إيجاد حلول: “إن الدول التي ساهمت في إيجاد الفوضى في سوريا عليها أن تجد حلاً لمشكلة المخدرات”.
أما عن دوافع ومبررات الأردن للضربات الأردنية:
سياسياً: تعتبر الضربات الأردنية رسالة واضحة للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين، فالأردن لن يسمح بتحويله مسرحاً للصراعات الإقليمية والدولية، وسيدافع عن سيادته وأمنه القومي بكل الوسائل المتاحة، كما يمكن اعتبارها تأكيداً على دور الأردن كشريك استراتيجي للولايات المتحدة والدول الغربية في مكافحة الإرهاب والتطرف والجماعات المسلحة في المنطقة، علماً أن الأردن جزء من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المدرج على قوائم الإرهاب، ويعتبر أن مشاركته ضد هذه التنظيمات مشروعة، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وأنه يتصرف بناء على طلب الحكومة العراقية، وبالتنسيق مع الحكومة السورية.
أمنياً: تعتبر الضربات الأردنية ضربة استباقية لتدمير معاقل ومستودعات ومخابئ لمهربي مخدرات مدعومين من إيران، والذين يشكلون تهديداً للأمن الداخلي والخارجي للأردن، رغم أن مرور المخدرات عبر الحدود السورية الأردنية ومنها إلى دول أخرى مخالف للقانون السوري والأردني والدولي.
كما يمكن اعتبارها رداً على محاولة مهربين مسلحين اختراق الحدود الأردنية وإدخال شاحنة محملة بالمتفجرات والأسلحة الصاروخية، حيث أفاد مصدر عسكري بأن العمليات والمضبوطات كانت تستهدف الأمن الوطني الأردني.
فضلاً عن تصويت الأردن لصالح قرار مجلس الأمن الدولي 2462، الذي ينص على أن تقوم جميع الدول بمنع وقمع تمويل الأعمال الإرهابية والامتناع عن تقديم الدعم للمتورطين فيها.
إن عمليات التهريب تضر بالأمن القومي للأردن ودول الخليج، بيد أن هذا لا يعطي الأردن الحق بالدخول إلى الأراضي السورية وإلحاق الضرر في حياة المدنيين/ات وأملاكهم/ن ومنازلهم/ن.
الخاتمة والتوصيات:
نحن في الحركة السياسية النسوية السورية نؤكد على أهمية مواجهة ملف الكبتاغون السوري، الذي يشكل تهديداً خطيراً للأمن والصحة والحقوق في سوريا والأردن والمنطقة، ونعي تماماً أن تجارة الكبتاغون في أعلى قمة الهرم، لكننا نسأل عن مشروعية تلك الضربات في الوقت الذي يتحمل فيه النظام السوري المسؤولية الكاملة عن تصنيع الكبتاغون، وإخفاء التجار والمستودعات بين صفوف المدنيين/ات.
ونعبر عن إدانتنا الشديدة للضربات الجوية التي نفذها الجيش الأردني على السويداء والتي أدت إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين/ات، ونؤكد أن هذا العمل ينتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ويزيد من معاناة الشعب السوري الذي يعيش تحت نظام ظالم وحرب دموية.
إن هذا العمل العسكري يثير العديد من القضايا والتحديات الإنسانية، مثل تأثيره على الأمن والاستقرار والوضع الإنساني وحقوق الإنسان للمدنيين/ات في كلا البلدين، وينبغي على الأردن والمجتمع الدولي العمل معاً بالضغط على النظام السوري لإيجاد حلول جذرية لوقف النزاع، ومنع المزيد من التصعيد والعنف.
إننا في الحركة السياسية النسوية السورية نؤمن بأن الحل الجذري والدائم لملف الكبتاغون السوري، يكمن في إنهاء النزاع السوري من خلال الحل السياسي لإحلال السلام والديمقراطية والعدالة في سوريا، وإعادة الإعمار والتنمية والاستقرار، وإننا نتطلع إلى مستقبل حر وآمن للشعبين السوري والأردني.
اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة