هل اقتربت المصالحة التركية مع النظام السوري؟
- updated: 30 سبتمبر 2022
- |
تتسارع الأحداث وتتغير بين ساعة وأخرى، ولا ندري هل يتم التطبيع بين النظام وتركيا قبل نشر افتتاحيتنا أم لا، لكننا نحاول أن ندرك أبعاد ما يحدث قدر الإمكان.
فالتصريحات التي بدأها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، تبعتها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوحت بأن المصالحة بين البلدين باتت وشيكة، وأن التواصل بين البلدين على المستوى السياسي لم يكن وليد اللحظة، أو نتيجة الظروف الطارئة التي تعصف بالمنطقة والعالم من الحرب الأوكرانية أو الضغوطات الروسية الحالية على القيادة التركية أو ابتعاد اللاعب الأمريكي عن الساحة حالياً، بل بدأت مع انطلاق مسار الأستانة وصولاً لسوتشي بشكل رسمي.
عودنا السياسيون أن تكون تصريحاتهم قبل الانتخابات مختلفة عن ما بعد الانتخابات، وهذا ما يحدث في السياسة التركية حالياً. لكن هذا لا يعني أن الاستدارة التركية لم تبدأ، من خلال الخطوات الرسمية لإعادة العلاقات مع النظام السوري، وسيما أن خطوط القنوات الاستخبارية والعسكرية بين أنقرة ودمشق بشكل رسمي وعلني موجودة منذ زمن، وقد أكد الرئيس التركي نفسه وجود هذه القنوات سابقاً.
بالرغم من عودة بعض الدول لإعادة علاقاتها مع النظام السوري، إلا أن هذه الخطوات ليست ذات أهمية بتعويمه، فيما نعتبر تطبيع تركيا معه هي بداية الطريق الفعلي أمام هذا التعويم. هذا بعد فشل المساعي الروسية والإيرانية في محاولة إعادة تأهيل النظام السوري وعودة الاعتراف الدولي به من بوابة بعض الأنظمة العربية، بتبادل الزيارات وإعادة فتح سفارات لها في دمشق، وتمهيد الطريق لدعوته لحضور اجتماعات القمة العربية، الذي لاقى معارضة قادتها قطر، وبضغط أمريكي، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية مع ملف المعتقلات/ين والمغيبات/ين. لكن في حال اعترفت تركيا بشرعية النظام السوري فهذا من شأنه أن يساهم بفك جزء من العزلة عن النظام، ما سيشجع العديد من الأنظمة لإعادة فتح القنوات الدبلوماسية والاقتصادية معه مستقبلاً.
ندرك تماماً أن سياسات الدول تحكمها المصالح، إضافة إلى أجنداتها الداخلية، فالقضية الرئيسية أمام تركيا الآن هو الاستحقاق الانتخابي المنتظر، والذي يتطلب من الحكومة التركية موقفاً شعبياً أمام مواطنيها لحصد المزيد من الأصوات، وتعتبر قضية اللاجئات/ين السوريات/ين هي الضاغط الأول أمام حكومة العدالة والتنمية، فهي ورقة أردوغان الرابحة دائماً، التي على ما يبدو أنها لا تزال كرتاً مباحاً للعب عليه داخلياً – في ظل موجات العنصرية المتصاعدة تجاه السوريات/ين- وخارجياً تجاه إمساكه بالبوابة التركية في وجه سيل اللاجئات/ين إلى أوروبا والعالم.
بالمقابل فإن التقارب التركي لن يكون دون مقابل، أو شروط تحفظ لتركيا ماء الوجه أمام المجتمع الدولي والسوريات/ين والشارع التركي وحزبه أيضاً بما يخص العملية السياسية والتفاوضية، إضافة إلى وجود نقاط تلاقي في المصالح بين النظامين في قضية عودة اللاجئات/ين، فعودتهن/م تعني للنظام إعطاء المجتمع الدولي الإثبات بأن الحرب انتهت وبدأ الاستقرار، ما يعني أن الوقت قد حان لإعادة الإعمار، لضمان تدفق الأموال على النظام، وانتعاش اقتصاده، كما ستكون تركيا وروسيا أساسيان في عقود إعادة الإعمار وهي نقطة مصلحية إضافية لتركيا، مع إعطاء النظام ضمانات لتركيا بالعودة الآمنة للاجئات/ين إلى الشمال السوري. أما بالنسبة لتركيا فهذه القضية من الممكن أن تكون ورقة الجوكر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في وجه معارضي أردوغان والشارع التركي بحل قضية السوريات/ين في بلادهم، خاصة مع رفض تواجدهن/م من قبل المعارضة التركية، وهذا بالمقابل سيكون ثمنه تخلي تركيا عن دعم المطالب الشعبية بإسقاط رأس النظام السوري والاكتفاء بتغيير سياساته.
لكن هذه القضية تعتبر من أهم القضايا التي لابد من التدقيق في كيفية تنظيمها، فالعودة الآمنة للاجئات/ين تحتاج للكثير من الضمانات، وفرض منطقة آمنة حقيقية، مع التنويه إلى أننا في الحركة السياسية النسوية السورية نخشى أن تكون هذه العودة تشبه ما حصل سابقاً عند التهجير من بعض المناطق، مما يثير المخاوف من ممارسات قد ترقى لتغيير ديموغرافي، وأن تفتقد لما يضمن أمن العائدات/ين وحقوقهن/م، ومعرفة ما الثمن أو ما هي التسوية التي ستحصل عليها تركيا بالمقابل.
وما نستهجنه حقيقية هو عدم اتخاذ المعارضة السورية الرسمية أي موقف تجاه ما يحدث من ترحيل بعض السوريات/ين بشكل قسري وتحت ذريعة العودة الطوعية، أو بما يخص ضمانات العودة الآمنة وشروطها مستقبلاً.
وبالنسبة لنا فإن عودة اللاجئات/ين يجب أن ترتبط بالحل السياسي، وتحقيق معايير البيئة الآمنة والمحايدة فهي الضمان الوحيد للعودة الطوعية والآمنة.
القضية الأخرى بالنسبة لتركيا والتي تقبع على رأس أولويات سياسة أردوغان، هي منع قيام كيان سياسي مرتبط بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب التركية على حدوده الكبيرة مع سوريا بأي وسيلة ممكنة، ومن هذا المنطلق فالسياسة التركية تبرر لنفسها أي إجراء في سبيل تحقيق هذا الهدف، حتى لو كان دعم خطوات للنظام يتخذها باتجاه قوات سوريا الديمقراطية فيما يخدم رؤيتها، خاصة بعدما فشلت تركيا بانتزاع موافقة أمريكية لشن عملية عسكرية ضد قوات الحزب في مواقعه على الأرض السورية. الأمر الذي جعل تركيا تفكر باستراتيجية بديلة لتحقيق هذا الهدف بشتى الطرق من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
وما سرع بالالتفافة التركية بتجاه مهادنة النظام السوري، كان الحرب الروسية الأوكرانية، التي قلبت الموازين نوعاً ما، وأثرت بشكل مباشر على الوضع السوري نظراً لأن اللاعبين الدوليين هم أنفسهم في كلا الملفين، ما جعل الحرب الروسية الأوكرانية هي الأولى على خارطة السياسة العالمية وغياب الملف السوري عن دائرة الاهتمام، بالتزامن مع زيادة الضغوطات الروسية التي أثرت على الموقف التركي، خاصة أن تركيا رفضت التوقيع على العقوبات الدولية بحق روسيا حفاظاً على علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، وتداخل المصالح التركية الروسية في سوريا بشكل مباشر على الأرض.
نحن في الحركة السياسية النسوية السورية إذ نتفهم مواقف الدول المرتبطة بمصالحها، ونرى أن أي تسوية سياسية تتعلق بالتوازنات الدولية سيما التفاهم الروسي والأمريكي، نعيد تأكيدنا على ضرورة استئناف العملية السياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، وفق مسار جنيف، والالتزام بتنفيذ مضامين القرارات الدولية 2254 و2118 وبيان جنيف، واعتبار المسار الدستوري بُعد من أبعاد الحكم الانتقالي وبالتالي تجب الضرورة البدء بها، مع تأكيدنا بأن أي تسوية سياسية ستكون مشوهة ما لم يتم تضمينها بالمساءلة والمحاسبة لرموز مجرمي الحرب من جميع الأطراف، وعليه لابد من تشميل عملية السلام للقوى السورية الفاعلة وذات التأثير، ومن السوريات والسوريين من القطب الديمقراطي للوصول للدولة الحديثة الممكنة، القائمة على المواطنة المتساوية والتامة.