أصوات نسوية، مقابلة مع رولا أسد
- updated: 19 سبتمبر 2022
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الصحفية والباحثة النسوية رولا أسد
إعداد: رجا سليم
رولا أسد صحفية وباحثة نسوية ومدرّبة في مجال الإعلام النسوي. مؤسسة شريكة لشبكة الصحفيات السوريات ومديرتها التنفيذية. حاصلة على ماجستير في الدراسات الجندرية (النوع الاجتماعي) في الإعلام الثقافة والفنون من جامعة أوتريخت بهولندا وبكالوريوس في الصحافة من جامعة دمشق. غادرت سوريا في أيلول 2011، بعد حصولها على منحة تدريبية في ألمانيا، ولم تتمكن بعدها من العودة إلى سوريا بسبب الوضع الأمني وانخراطها بالنشاط السياسي المدني، انتقلت بعدها إلى هولندا حيث تقيم حالياً.
أهلاً بكِ رولا،
- إلى جانب العمل الصحفي، كنتِ من الشخصيات الفاعلة والمبادرة بالعمل المدني -رغم محدوديته ومخاطره في سوريا- قبل انطلاق الثورة عام 2011. حدثينا عن ظروف انخراطك في هذا العمل في ذلك الوقت، وهل كان لدراستك للصحافة دوراً في تعزيز فهمك لأهمية دور المجتمع المدني؟ كيف؟
كوني فاعلة في مجال حقوق الإنسان، بدأت بعملي بالدفاع عن حقوق الإنسان، بالدفاع عن حقوق النازحات/ين بسبب الجفاف، تستطيعين القول إن بداياتي كناشطة بيئية، أسست مع زميل لي مبادرة لدعم النازحات/ين بسبب الجفاف وعملنا عليها لسنوات من عام 2009 وحتى 2011، والعمل الصحفي كان له دوراً مباشراً أو غير مباشر في هذا المجال رغم أني كنت صحفية ثقافية، لكننا استطعنا كصحفيات وصحفيين أن نقوم ببعض التغطيات التي لها علاقة بالجفاف في سوريا. أيضاً أقمنا معرض تصوير فوتوغرافي استطعنا حينها الاستفادة من الأدوات التي اكتسبناها كخريجات وخريجين من الإعلام وتطويعها بتسليط الضوء على قضية الجفاف وأيضاً على حقوق الناس التي ضاعت بسبب كارثة بيئية في سوريا.
- شبكة الصحفيات السوريات من المؤسسات القليلة التي تعنى بإنتاج إعلام نسوي قائم على النقد والبحث والتحليل، وأنتجت عدة تقارير تحليلية ونقدية عن تناول الإعلام السوري الناشئ لقضايا النساء والتحديات الاجتماعية والسياسية التي يواجهنها. كصحفية مختصة بقضايا النساء، هل تلحظين تغييراً في وعي الإعلام الناشئ بواقع النساء السوريات وكيفية مقاربته؟
شبكة الصحفيات هي تقريباً المؤسسة النسوية الإعلامية الوحيدة في سوريا، بل من المؤسسات القليلة في المنطقة التي تُعنى بالإعلام النسوي، نقوم بإنتاج تقارير داخلية تحليلية، فيها تتبع ورصد للمحتوى، وللحوار بين المؤسسات الإعلامية التي تُنتج محتوى، لكي نرى كيف من الممكن أن يكون المحتوى حسّاس أكثر لقضايا العدالة الاجتماعية، وعدم حصرها فقط في المساواة بين الجنسين، لأن المساواة بين الجنسين هي جزء صغير من قضية أكبر هي التمييز الذي يحدث ضد النساء والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
بالنسبة لشق السؤال المتعلق بإذا ما كنّا نلاحظ تغييراً بالوعي الإعلامي الناشئ بواقع النساء السوريات وما هي مقاربتنا له، من المؤكد أن هناك تغييراً. الإعلام السوري سأقول عنه اليوم البديل أو الناشئ، البديل بمعنى أنه بديل عن الإعلام الذي كنّا نعرفه قبل الثورة وناشئ من حيث الزمن، ما زال يعتبر إعلام شاب، هناك فرق كبير من حيث الكم والنوع، من حيث الكم فعدد التغطيات التي تُعنى بأصوات وتجارب النساء، خاصة اللاجئات والمعتقلات، هناك كثير من التغطيات مرتبطة بهذين الموضوعين تحديداً، حتى المشاركة السياسية بطريقتها التقليدية وغير التقليدية، أيضًا موجودة. أمّا النوعية تختلف بحسب سياسات كل مؤسسة وبحسب فريق المؤسسة، مثلاً من حيث الجنس إن كانوا نساءً فسيكون لديهن منظوراً مختلفاً عن الرجال كصحفيين حين يقمن بتغطية قضايا النساء، لا أقصد بالضرورة أن النساء ستغطي قضايا النساء بطريقة حسّاسة أكثر ولكن التجربة المادية والمعيشية للنساء قد تتشابه، حين نتحدث عن مواضيع في الفضاء العام، بغض النظر حينها إن كنت صحافية أو مهندسة أو إعلامية أو ربّة منزل أو عاملة، هناك مساحات مشتركة ممكن أن نفهم فيها بعضنا أكثر من الرجال، وبالتالي أنا كصحفية ربما يكون لدي منظور كيف أقدّم هذا الموضوع لأن لدي تجربة مادية موجودة كخلفية. والتغيير على مدار عشر سنوات قد حدث، كان الخطاب السائد هو خطاب الضحية وتقديم النساء كضحايا، هذا جزء من الواقع، لكن كان هناك مبالغة ونمطية بتقديم النساء فقط كضحايا للسبب السياسي العام الذي تتواجد فيه سوريا في السنوات العشر الأخيرة وكم العنف الذي نتعرض له كشعب خاصة المعارضات/ين للنظام، ليس المعارِض/ة السياسي/ة فقط بل المعارِض/ة اجتماعياً، إذاً هناك عنف كبير جداً، ولا نستطيع أن ننكر أن الذي بدأ هذا العمل هن مواطنات ومواطنين وبالتالي لديهن/م ارتباط كبير بالقضية التي يقمن بتغطيتها والأدوات الصحفية تم تطويرها، لكن في البداية كان هناك رغبة فقط بالتعبير عن الغضب وفضح جرائم النظام وفضح العنف التي تتعرض لها المناطق المعارضة للنظام.
ومن إحدى الوسائل كان استخدام النساء لإثارة الشفقة وكان خطاب الضحية هو الأعم، بعد ذلك أصبح هناك نوعاً آخراً من القصص هي قصص النجاح لكن أيضاً كان فيها نوع من المبالغة (المرأة الخارقة)، وأصبح هناك عبء على النساء ليكنَّ قصص نجاح، ودائماً كانت تقدم قصص النجاح كنموذج يجب أن يحتذى به وهذا أمر تلقيني للنساء كيف يجب أن يكنَّ. فكان هذا الخطاب بين خطاب الضحية وخطاب النجاح الخارق، كان هناك مساحة صغيرة لإدراج قضايا وأصوات النساء بطريقة واقعية. هناك مؤسسات نجحت في ذلك وأخرى ما زالت في ذلك المكان. ومرة أخرى لا نستطيع أن ننظر إلى أداء المؤسسات الإعلامية في الظروف الموجودة فيها، السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن الذين يقومون بإنتاج هذا المحتوى سواءً كانوا صحفيين أو صحفيات، ومقارنتهم بمؤسسات أخرى أو مطالبتهم بأداء مؤسسات عمرها عشرات السنين، لا يمكننا أن نكون بهذه القسوة على هذه المؤسسات، لكن في نفس الوقت مطلوب من هذه المؤسسات تصوير عادل وواقعي لأنهم صوت الناس وهم من الناس ولا يوجد حالة فصل وموضوعية وحيادية، هذه أمور سقطت.
- في عدة مقالات ومقابلات عبرت عن ضرورة التمييز بين التمثيل الحقيقي والمدروس للنساء، والتمثيل الشكلي، برأيك، على صعيد الإعلام هل تمتلك الإعلاميات السوريات المساحة الكافية للتعبير عن قضايا النساء السوريات كافة بشكل فعلي في الفضاء الإعلامي، كيف\كيف لا؟
أعتقد أني أجبت على هذا السؤال بطريقة ما، هل المساحة كافية للتعبير عن قضايا النساء السوريات بشكل فعلي في الفضاء الإعلامي، هذه أشياء مرتبطة ببعضها البعض، ما يعني أن وجود نساء بالتأكيد يساعد بوجود قصص نساء أكثر، وجود سياسات تحريرية حساسة للنوع الاجتماعي يساعد بغض النظر عن منتجي المحتوى أو منتجات المحتوى، لكن أيضاً المجموعات النسائية، المنظمات النسوية، الحركات، لديهن/م مكاتب إعلامية، اليوم نتحدث عن إعلام لا يختصر نفسه فقط بمؤسسات إعلامية، التكنولوجيا مثلاً قدمت مساحات كثيرة، فأعتقد أن هناك فضاء إعلامي للنساء بغض النظر إن كان عن طريق المؤسسات الإعلامية مباشرة أو عن طريق القنوات الإعلامية الخاصة بالمجموعات النسائية والنسوية أو على الصعيد الفردي، كالنساء المؤثرات سواءً كانوا ناشطات أو سياسيات.
- تركز الشبكة منذ تأسيسها على صياغة خطاب إعلامي مهني وحساس جندرياً، كما تقدم تدريبات للمؤسسات الإعلامية الناشئة وللصحفيات والصحفيين الشباب، وأصدرت بحثاً بعنوان “سقطن سهواً: تحليل نقدي نسوي لخطاب عينة من إنتاج وسائل الإعلام السورية الناشئة”، جاء فيه أن وسائل الإعلام هذه تعيد إنتاج وتكريس الصور النمطية عن النساء، برأيكِ، كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تطور أدواتها لتساهم بكسر الصور النمطية عن النساء بدلاً من تكريسها؟
صحيح أننا في شبكة صحفيات نستخدم منهجية هي محاولة تفكيك الخطاب ثم تحليله من منظور نسوي، يعني تحليلي نقدي للخطاب ومن منظور نسوي في الوقت نفسه، وهذا يصنع إنتاج معرفي من وجهة نظرنا، وإنتاج معرفي نسوي، إحدى النتائج الأساسية كانت أن وسائل الإعلام تكرّس الصورة النمطية للنساء، وهذا يرتبط بحديثي في البداية ومحاولتي لشرح رغبتنا – كسوريات/ين- بإسماع العالم صوتنا مما جعل خطاب الضحية هو الأعلى، خطاب الضحية لم يكن متعلقاً بالنساء فقط إنما بكل الفئات، لكن بعد ذلك ومع تضخم حالة اللجوء ووجود عدد كبير من اللاجئات واللاجئين خلق موضوع جديد في الإعلام وبالتالي ارتبط خطاب الضحية بصورة اللاجئة السورية، وكان هناك تغطيات كثيرة في هذا الاتجاه، حتى أن صانعات السلام يتم التعامل مع مساهماتهن في بناء السلم الأهلي كقصص نجاح لا كفعل سياسي أو كدور من أدوارهن كمواطنات، فكان هناك أيضاً حالة سوريالية بتغطية قضايا النساء وفصلها عن النظام القائم والهيكلية والأبعاد الاجتماعية والسياسية، وأين تحقق النساء أو لا تحقق إنجازات حسب معايير الإنجاز الذي وضعها النظام الرأسمالي الاقتصادي، والإعلام يقيس على أساسه. أي أن الإنجاز يقاس بالإنتاج وليس بالمساهمة الفكرية.
- في مقال رأي لمجلة “كحل” عبرت عن صعوبة في فهم سياقات الحراك النسوي في سوريا، وتساءلتِ “من نحن كنسويات”، وعن المدارس والتوجهات النسوية التي تتبناها النسويات السوريات. يعيدني طرحك هذا إلى التباين في التجربة بين أجيال النسويات. هل تعتقدين أنه يمكن تطويع مفهوم النسوية ليتماشى مع البيئات والظروف المختلفة؟ وكيف يمكن للنسويات حينها التقارب إذا ما تضاربت رؤاهن جوهرياً؟
برأيي أن النسوية وتطويع مفهوم النسوية ليتماشى مع البيئات والظروف المختلفة، وكيف يمكن للنسويات حينها التقارب إذا ما تضاربت رؤاهن جوهرياً، هذا هو السؤال، أرى أن وجود الممارسات النسوية أقدم من وجود المصطلح، نحن أمام تحدي بدل تطويع مفهوم النسوية علينا البحث عن الممارسات السياقية والمحلية للنسوية والاعتماد عليها بدلاً من القول أن هذا هو شكل النسوية فقط، فيظهر وكأن هناك استيراد للنسوية. بينما إذا نظرنا إلى الحياة اليومية للنساء في عدة مناطق في سوريا قديماً وحالياً سنرى أن هناك كثير من الممارسات النسوية لم تكن تسمى نسوية إنما كانت تسمى كما يقال بالعامية (امرأة قد حالها)، أو امرأة قادرة على إدارة حياتها أو تعرف ما تريد. ما أقصده أن النسوية ليست الإنجاز فقط، إنما أيضاً المساحة للتعافي ولفهم الذات والتفاعل مع المحيط، هناك كثير من الممارسات الموجودة في المجتمعات المحلية ليس في سوريا فقط، بل في كل العالم، وخاصة العالم الجنوبي، قبل أن يكون هناك نحت لمفهوم النسوية بالطريقة الأكاديمية وبطريقة العالم الغربي.
وبرأيي أن النسوية توجهات ومدارس لذا حين سيكون هناك تقارب سيحدث هذا التقارب وإذا لم يكن موجوداً فلن يحدث هذا التقارب، لأن النسوية أيديولوجية سياسية كيف ننظر إلى كل شيء مثل أي أيديولوجية سياسية أخرى، وللدقة أكثر هي منظور أكثر مما هي أيديولوجية، منظور سياسي وليس أيديولوجية سياسية وهذا تصحيح. وبالتالي لا يتفق الجميع، كذلك السياسيات والسياسيين، فليس مطلوباً من النسويات أن يتفقوا وتتقارب رؤاهن طالما الهدف الأبعد هو العدالة الاجتماعية، وهناك نسويات لا يردن عدالة اجتماعية، هناك مدراس قد تكون يمين متطرف لست مضطرة بهذه الحالة للتقارب معها إذا لم أكن من هذا التيار، هي قرارات تعود إلى الأفراد والمجموعات أن تتقارب أو لا تتقارب والتعامل مع الأجندات بطريقة براغماتية أو لا.
- “ليس من السهل أن تكن نسوياً“، عنوان مقال رأي لك مع منصة “حكاية ما انحكت”. لفتني وصفك للنسوية بـ “الطوباوية” واقتباسك لمقولة النسوية “وسيلة رائعة للطيران”، عن مديرة دراسات القرون الوسطى في جامعة تكساس في أوستن، جيرالدين هنغ. للفظتي الطوباوية والطيران دلالات لغوية حالمة أو بعيدة عن الواقع. بين الواقع والمّشتهى، برأيك، أين تقع النسوية السورية اليوم؟ وكيف أثر انطلاق الثورة ومن بعدها سنوات الحرب ليس فقط على العمل النسوي، وإنما على طرح وانتشار مفهوم النسوية؟
ليس من السهل أن تكون نسوياً، نتحدث عن النسوية السورية اليوم، ربما أجبتك قليلاً في السؤال السابق بأن مفهوم العمل النسوي هو ممارسات موجودة من قبل، صحيح هناك ردة على النسوية لارتباطها بحركات في أوروبا وأميركا، وهذا لا نواجهه فقط في سوريا إنما في أكثر من مكان في العالم خاصة العالم الجنوبي. النسوية تقدم حلولاً بديلة أكثر عدالة من عدالة النظام القائم، قد لا تكون عدالة قابلة للتحقيق دائماً ولكن مجرد التفكير بأن ذلك ممكن يجعل من النسوية وسيلة رائعة للطيران في تخيل واقع عادل والتحفيز للعمل الدؤوب للتغيير وللوصول للواقع المتخيل.
- في مقابلات أجريناها مع عدد من الإعلاميات السوريات؛ عبرت أغلبهن عن خلل في السياسيات المؤسساتية الناظمة لعملهن في مؤسسات الإعلام السوري الناشئ. كمؤسسة صحفية ونسوية، ما هي سياسات العمل التي تتبناها شبكة الصحفيات السوريات ووفق أي معايير تمت بلورتها؟
نحن مؤسسة تطوير إعلام من منظور نسوي، نحاول العمل في قطاع الإعلام لتحسين بيئة العمل للنساء الصحفيات كمرحلة أولى، فليس كافياً أن ترتاح النساء، فكل من يعرفن أنفسهن كنساء من الفئات المهمشة أو من هويات جندرية مختلفة لا معيارية، موجودات في مكان منسي، لذا بطريقة أكثر عملية نحاول اليوم بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية، لأننا لا نستطيع العمل وحدنا مهما امتلكنا من أدوات إذا لم يكن هناك انفتاح ورغبة من المؤسسات الإعلامية لن يكون هناك لعملنا أي داعٍ، نحاول تطوير آليات وسياسات حماية سواءً داخل المؤسسة أو خارجها. وأن يكون هناك قنوات للعاملات في شبكة صحفيات، في حال حدث أي انتهاك أو تمييز ليتمكنوا من تقديم شكوى، ويكون هناك شفافية في طريقة المحاسبة، أيضاً خارجياً أن يكون هناك قناة مع المجتمع الأكبر الذي نتفاعل معه سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. هذه السياسة تحتوي على قنوات كثيرة للتعامل، سياسات الرعاية، الشكوى، محاولة توضيح ما نقصده بالفساد والمحسوبية لكيلا يحدث انتهاك بسبب سوء استخدام السلطة. وكل هذا من خلال تجارب مادية لكن من منظور نسوي، هذه المعارف نحاول مشاركتها مع مؤسسات ومجموعات إعلامية أخرى لتعتمدها وتنفذها، كما رأينا في السنوات الأخيرة كان هناك كثير من التمييز ضد الصحفيات، تحديداً الصحفيات السوريات في تركيا، كان عليهن كثير من التضييق والتحكم بلباسهن على سبيل المثال، كان هناك كثير من حالات التحرش والاستغلال. وسواءً قررت الصحفية أن تتحدث بالأمر أو لا، كان عليها العبء الأكبر، وتعرضت للخسارة الأكبر في عملها ومهنتها، واللواتي بقين لم يقدمن شكوى ضد التحرش أو التمييز، للأسف هذا يعتبر مساومة مع النظام القائم للحفاظ على العمل، وهذا أمر مفهوم وشرعي، لذا نحاول من خلال برنامج الحماية أن نفتح قنوات أكثر مع المؤسسات الإعلامية ونحاول فهم سبب عدم تقديم الحقوق، خاصة للنساء الصحفيات، هل لأن الظروف الاقتصادية للمؤسسة صعبة أم هناك أمر تمييزي على أساس الجنس موجود في المؤسسة، ونحاول ألا نفترض أن الانتهاك يحدث فقط لأن هناك استحقاقاً تاريخياً للرجال وسيطرة ذكورية على القطاع وإنما نحاول فهم طبيعة هذا القطاع اقتصادياً، خاصة وجوده في ظل هذا الوضع الاقتصادي، من حيث أنه يستمد تمويله من مؤسسات أجنبية أو مؤسسات إقليمية، ومقدار المحاسبة من الداعمين للمؤسسات، مثلاً إن كانوا يمنحون إجازة أمومة، وعقود طويلة أمد، وكل الأشياء التحصيلية المتعلقة بالعمل، لذا فعملنا يحتاج نفساً طويلاً وأيضاً تعاوناً، لأنه بدون تعاون بين كل الأطراف سيبقى هناك افتراضات مبنية بأن النسويات دائماً غاضبات ولا يوجد فهم للواقع، وأن المؤسسات الصحفية ذكورية بالمطلق ولا يمكن إصلاحها والعمل عليها.
- خلال السنوات الماضية بات العمل النسوي والتقارب بين النساء السوريات الفاعلات في العمل المدني والنشاط المجتمعي واضح وآخذ بالتوسع، كيف يمكن استغلال هذا التعاون في خلق قوة مؤثرة على الصعيد السياسي؟
أعتقد أن السنوات العشر الماضية قدمت لنا دليلاً بأن الفكر النسوي السوري باختلاف أطيافه بدأ يتبلور، اليوم نستطيع أن نتحدث ونتحاور بمعنى النسوية، وما هي النسوية بالنسبة لزميلة أخرى أو مجموعة أو مؤسسة أو حراكات. وصار هناك نسوية أو دفاع عن حقوق الإنسان بشكل أوضح وحركة أكبر واليوم نلاحظ داخل سوريا، ردة الفعل التي حدثت حين ظهر شيخ وتحدث عن الذين يعملون بالجندر، طبعاً أثره كان سلبياً على النساء داخل سوريا بسبب وضع قيود عليهن، لكن هذا يعني أن العمل المكثف الذي تقوم به النساء تحديداً وصل إلى إحدى المؤسسات الأكثر صرامة فيما يتعلق بتحرر النساء وهي المؤسسة الدينية. وبالتالي صار هناك انتباه لهذا الحراك الذي يحاول أن يكون اليوم مدني يُعنى بالعدالة وغير تمييزي، فهو لا يسحب الامتيازات من أحد، هو فقط يقول بأن علينا الانتباه بأن هناك مجموعة (الرجال) يمتلكون امتيازات تاريخية ونحن في ظروف لم يعد بإمكاننا التصرف على أساس أن النظام القائم أمر طبيعي وعادي. وإنما النساء صار لديهن بسبب الظروف أدواراً جديدة للاستمرار في الحياة، ليس لهن فقط بل لعوائلهن أيضاً، ليس بسبب غياب الرجل فقط وإنما بسبب الظرف القائم، الأمني والسياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، لذا أرى بأن الظروف رغم سوئها وصعوبتها في سوريا لكنها خلقت مساحة جديدة للحراك النسائي والنسوي باستكشاف مساحات جديدة لتلعب النساء دوراً لفائدة المجتمع ليس فقط لفائدة نفسها، وهذا في رأيي كان سببًا لوجود نساء فاعلات، هنا أؤكد على الشق الأول.
لكن التعاون يحدث على الصعيد السياسي غير التقليدي وأقصد به ليس فقط التواجد بأجسام سياسية تقليدية تذهب إلى المفاوضات أو تشكيل حزب معين، ولكن العمل السياسي غير التقليدي اليومي، أن على النساء الخروج من بيوتهن ليتواجدن في الفضاء العام والعمل في مكان ما، وأن تتواجد النساء على الخط الأول في التعامل مع الرجل في الكثير من الأماكن التي لم يكن من المعتاد أن يتواجدن بها بهذا الكم والكثافة. الفعل السياسي اليومي هو التعبير عن أفكارهن وآرائهن، لذا برأيي أن التعاون وإن لم يكن منسقاً فهو موجود في مكان ما خاصة في الأجسام المؤسساتية، لكن هذا التعاون كسر هذا التابو القائل بأن على النساء التواجد فقط في الفضاء الخاص، أعتقد أن هذا يخلق قوة على الصعيد السياسي غير التقليدي بوجود النساء في الفضاء العام.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية
related