الثورة وتشكيل وعي جديد لدى النساء السوريات
- updated: 3 سبتمبر 2021
- |
*كبرياء الساعور
شكل الحراك عام 2011 لحظة تاريخية لتمتلك النساء أصواتهن، ولأن مصلحة النساء بالحرية والتغيير فقد مثلت الثورة السورية فرصة استثنائية للنساء للانعتاق من الاستبداد السياسي والديني وثقافة المجتمع الذكورية، بعد أن عانت المرأة السورية من إكراهات اجتماعية وقانونية وسياسية أدت إلى تغييب صوتها، ومع انتشار الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية تصدرت المرأة السورية المشهد عبر مشاركتها الفاعلة في مختلف النشاطات الثورية، من المشاركة في تشكيل التنسيقيات والمظاهرات إلى تقديم المبادرات المختلفة ودفعت لقاء ذلك أثمانًا باهظة.
لقد ساهمت الثورة في تشكيل وعي جديد للمرأة السورية، من خلال اكتشافها لذاتها ولقدراتها، لكن الطريق لم يكن سهلاً بل تميز مسار تطور هذا الوعي بعمليات صعود واندفاع وتراجع وتقهقر وعودة للحيز الخاص، لاسيما عندما علا صوت السلاح.
هل نجحت المرأة السورية في توظيف هذا الوعي من خلال العمل المنظم؟ وكيف تجلى خيار النساء السوريات في العمل المجتمعي ومبادرات التمكين السياسي؟
هناك علاقة جدلية بين الوعي السياسي والمشاركة السياسية، وتدعو أدبيات التمكين السياسي للمرأة إلى أن المشاركة السياسية ينبغي أن تبدأ من السياسات المحلية، والتي تشمل كل أشكال المشاركة السياسية والاجتماعية لتحسين حياة الناس في المجتمعات المحلية، وتتنوع أشكال هذه المشاركة من المشاركة في المجالس المحلية إلى إنشاء لجان مجتمعية وتنظيمات وروابط دائمة أو مؤقتة هدفها حل مشكلات المجتمع المحلي بالتعاون مع المسؤولات/ين، أو عبر مبادرات مجتمعية ولعل من مؤشرات تطور وعي النساء السوريات بعد الثورة هو سعي النساء السوريات للتغيير وهذا ما يبرهن عليه كفاح النساء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
فعلى الرغم من الظروف الصعبة الحافلة بالتحديات اليومية التي تواجه المرأة في مناطق الشمال السوري والتضييق على حركتها، انخرطت المرأة السورية في ميدان العمل العام، وفيما يلي شهادات لنساء سوريات فاعلات عن تجربتهن في العمل المجتمعي والمشاركة السياسية.
مبادرة نسائية في مدينة الباب
هيام حاج علي، ناشطة سورية مهجرة من مدينة حلب، تعمل لدى وحدة دعم وتمكين المرأة تعيش في مدينة الباب وهي مشرفة المبادرة (مبادرة من حقي وحقك نشارك) والتي تهدف لجذب متطوعات من أجل العمل في لجنة مهجري حلب، حيث لفتت هيام حاج علي إلى غياب تمثيل النساء في لجان المهجرين.
تسعى المبادرة إلى رفع الوعي السياسي والحقوقي لدى النساء، وذلك من خلال تدريبات وتطبيق عملي عبر نشاط انتخابي لتمكين المتدربات من تمثيل دورهن بشكل حقيقي وتحفيزهن على المشاركة في عمل لجنة مهجري حلب، ولقد كشفت هيام الحاج علي عن إقبال النساء على المشاركة، ففي حين كان المطلوب مشاركة ثلاثين سيدة، لكن اللافت في الأمر تقدم أعداد كبيرة من النساء للانضمام للمبادرة تفوق الرقم المطلوب.
تتلخص خطوات المبادرة في تدريب مكثف للمشاركات لمدة شهر على آليات عمل اللجان وروابط المهجرين وتعريف بمفهوم التهجير القسري وحقوق المهجرات والمهجرين، وعن طبيعة عمل لجان المهجرين توضح هيام الحاج علي: (تتنوع مهام هذه اللجان من جمع بيانات تخص المهجرات/ين إلى العمل الإغاثي وغيره) ويشمل الشق الثاني من التدريب شرح عن الانتخابات وسير العملية الانتخابية وتعريف بالحقوق الانتخابية، تختتم المبادرة بالقيام بتطبيق عملي للانتخابات حيث نتج عنها انتخاب متطوعتين للجنة مهجري حلب من أصل أربع مرشحات من المحافظة قدمن برامجهن الانتخابية، وتضمنت العملية الانتخابية وجود مركز انتخابي ولجنة انتخابية بالإضافة إلى لجنة مراقبة الانتخابات، حيث وصل عدد الناخبات إلى 70 ناخبة.
تحدثت هيام الحاج علي عن أثر الثورة على الوعي السياسي للمرأة من وحي تجربتها الشخصية، وكيف كان للمشاركة في الثورة أثر حاسم على تشكل وعيها السياسي، تقول هيام: “لم يكن لدي أي تجربة سياسية قبل الثورة ولم أسمع امرأة تتحدث بالسياسة ضمن دائرتي الاجتماعية، لقد كانت الثورة طاقة الفرج”، وتضيف: “تختلف درجات الوعي بين النساء تبعًا إلى المكان والبيئة الاجتماعية”، ولقد نوهت هيام الحاج علي إلى الأثر الإيجابي والمهم للمهجرات/ين على المجتمعات المحلية المضيفة، الذي أثرى النسيج المجتمعي وكان لحضور ونشاط النسوة المهجرات من محافظة إدلب وريف دمشق دورًا إيجابيًا فيما يتعلق بقضايا النساء، والوعي بحقوقهن من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي بينهن.
كما أشارت هيام الحاج علي إلى أهمية الدور الفاعل والمهم لمنظمات المجتمع المدني في تطور وعي النساء، وارتقاء معرفتهن بحقوقهن الاجتماعية والقانونية والسياسية، تقول: “صحيح لا يوجد الآن لدينا قوانين تحمي النساء وبيئة مستقرة، لكن وعي النساء بحقوقهن جعلهن لا يقبلن بالسكوت على الظلم.” لذا دعت إلى السعي لزيادة حضور ومساهمة منظمات المجتمع المدني في الشمال السوري، وعن رأيها بنسب تمثيل النساء، قالت: “لماذا حتى الآن مازلنا نتحدث عن نظام الكوتا فالمرأة تستحق التمثيل والمشاركة بشكل أكبر.” كما عبرت عن طموحها أن يتجاوز تمثيل المرأة نسب نظام الكوتا، لكنها تعود لتعترف بأثر القيود والعوائق المجتمعية التي تعيق مشاركة النساء، لأن الرجل مازال قادراً على إعاقة مشاركة المرأة “عندما يقول لا ويمنع حضور المرأة بأي فعالية”.
مشروع فضاء
إلهام عاشور، ناشطة سورية من مدينة اعزاز-ريف حلب، بدأت العمل في مناصرة قضايا المرأة عام 2015، تعمل حاليًا لدى منظمة التنمية المحلية والمشاريع الصغيرة، وهي من مؤسسات فريق سوريانا الأمل، توضح إلهام عاشور طبيعة وعمل الفريق قائلةً: هو فريق تطوعي يعمل على مناصرة قضايا النساء، يضم الفريق متطوعات من محافظات حلب وإدلب وحمص وريف دمشق، يعمل الفريق على بناء القدرات ودعم النساء والتمكين السياسي لتعزيز مشاركتهن في العمل المدني والمشاركة السياسية، من خلال عدة برامج: دراية، مشاركة، مناصرة، ومن بين المشاريع التي يضطلع بها فريق سوريانا الأمل مشروع فضاء
الذي يهدف إلى تحقيق فهم أفضل للمفاهيم الخاصة بقضايا النساء، وزيادة قدرة النساء على المشاركة في الحياة العامة والضغط على صناع القرار لتبني سياسات داعمة لمشاركة المرأة، يتضمن مشروع فضاء مجموعة من الأنشطة، من خلال التنسيق مع سيدات فاعلات في المجتمع المحلي لبحث سبل عمل مشترك لتحسين واقع النساء في الداخل السوري، من خلال خلق مساحات تبادل أفكار تخص قضايا النساء وتعزيز مفهوم الحوكمة النسوية في بيئة العمل، كما يشمل المشروع عقد لقاءات مع سيدات من السودان وفلسطين لتبادل التجارب والخبرات، بالإضافة لإنتاج فيديوهات عن الحوكمة مع مراعاة النوع الاجتماعي.
أما عن التحديات والقيود التي تحد من مشاركة المرأة السياسية، روت إلهام عاشور بعض القصص التي صادفتها قائلةً: “أثناء تدريب النساء على المشاركة السياسية تصادف وجود انتخابات المجلس المحلي لإحدى المناطق، وكان من الجيد تشجيع النساء على المشاركة كتطبيق عملي حيث شاركت المتدربات في الانتخابات والترشح وتقديم برامج انتخابية، لكن إحدى المشاركات انسحبت من الترشح على الرغم من حظوظها الكبيرة بالفوز، حيث آثرت التراجع عن المشاركة نظرًا للعواقب التي يمكن أن تواجهها المرأة وخوفًا من ردة فعل المجتمع الذي مازال غير راغب بتواجد النساء في الهيئات والمجالس المحلية، علمًا أن عائلتها كانت داعمة ومؤيدة لترشحها وممارسة حقها في المشاركة السياسية”.
أما عن دور الثورة في تشكيل وعي سياسي لدى النساء ترى إلهام عاشور أن الثورة أدت إلى تغيير نوعي في وعي النساء عبر نشر الوعي وإثارة النقاش حول القضايا الأساسية، والذي تجلى بالعمل في منظمات المجتمع المدني وإنشاء المبادرات، فالنساء اللواتي شاركن في تأسيس تنسيقيات الثورة في البدايات يصنعن اليوم مبادرات ويقدمن كل أشكال التضامن والدعم لمجتمعاتهن، وتضيف إلهام: “لكن مازلنا نحتاج إلى وقت لتبلور وعي سياسي حيث لم يصل كفاح المرأة السورية بعد إلى الاتفاق على هدف عام ومشترك لنضال النساء انطلاقًا من حاجتنا الفعلية”.
لذا من الأهمية بمكان دعم وتطوير هذه المبادرات، وطرح برامج تأهيل طويلة الأمد من أجل بناء قدرات مجموعات واسعة من النساء ليتمكن من تنظيم أنفسهن والدفاع عن مصالحهن ومصالح أسرهن ومجتمعاتهن، وهذا سيوفر قاعدة كبيرة من الكوادر النسوية النشطة التي تنتقل لساحات العمل العام، وأرى أن كل سياسة لا تعترف بحق النساء في المشاركة هي إعادة إنتاج للنظم السلطوية السابقة.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة