ثلاثة وجوه للحرب على النساء
- updated: 21 يوليو 2020
- |
*غيداء عساف
أعلن 25 تشرين الثاني كيوم لمناهضة العنف ضد المرأة منذ عام 1981. وجاء الاختيار على إثر الاغتيال الوحشي عام 1960 للأخوات “ميرابال” الثلاثة وهن ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان، وذلك بناء على أوامر من الحاكم الدومينيكي رافاييل ترخيو (1930- 1961)
عانت المرأة السورية على مدى ما يزيد عن ثمان سنوات من تدهور حقوقها الأساسية على جميع المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية. ومن كافة أشكال الانتهاكات من قتل واعتقال تعسفي وإخفاء قسري وتعذيب وإعدام وتشريد وتهجير قسري وعنف جنسي. يستعرض هذا المقال ثلاثة وجوه للحرب على النساء.
النساء السياسيات والاغتيالات المعنوية
حملات شيطنة ممنهجة وإرهاب سياسي جنساني
تعرضت المرأة السورية الناشطة في الثورة لأشكال إضافية من الانتهاكات تمايزت وتوضحت أشكالها على مدى سنوات الثورة السورية. فإلى جانب ما ذكر أعلاه من انتهاكات، تعاني المرأة السياسية السورية من حملات تشهير عنيفة وتشويه سمعة وشيطنة بهدف إقصائهن وكسرهن وزعزعة الثقة بينهن وبين شارعهن الثائر وإلغاء دورهن.
من أجل فهم هذا الإرهاب السياسي الجنساني، من المهم تحليل بعض دلالات حملات التشهير العنيفة التي تعرضت لها نساء سوريات معارضات للنظام ونشيطات بالشأن العام، خصوصاً منذ 2011. ولكن لابد من التذكير في البداية بنقطتين مهمتين
الأولى: تمييز التباين في تناول المشتغلين في الشأن السياسي بين الرجال والنساء. ففي حين يتم التهجم على الرجال من السياسيين من باب شكل العمل السياسي، تتعرض النساء السياسيات لحملات تنطلق من منطق الجنس في تناول نشاطهن السياسي.
الثانية: إنه من المهم التأكيد على أن التشهير أشد وقعاً على سمعة ومسار النساء السياسيات منه على الذكور بسبب البنية الأخلاقية السائدة في سوريا وما تحتله المرأة من مكانة مرتبطة بالأعراف والتقاليد.
لابد عند الحديث عن الإرهاب السياسي الجنساني وحملات الشيطنة والتشويه من تفنيدها في مستويين من حيث مصدرها:
– النظام السوري:
يلجأ النظام السوري إلى تشويه سمعة معارضيه، خصوصاً النساء منهم. ويستخدم الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام سلاحاً في حملات التشهير العنيفة التي يشنّها لتصفية حساباته معهم. تهدف هذه الحملات لضرب المعارضة وتحجيم مصداقيتها وتقديمها للمجتمع على أنها لاأخلاقية وفاسدة عموماً، وتستهدف النساء خاصة بهدف اغتيالهن معنوياً وسياسياً وإقصائهن عن ساحة المعترك السياسي وضرب أحزابهن وحركاتهن من خلالهن وإضعاف كياناتهن السياسية والمدنية، وفي هذا وفاء من النظام لسياساته التي اتبعها مع المجتمع السوري في ابتزاز السوريين بملاحقة نساء بعض المناطق واعتقالهن تعسفياً وملاحقتهن وضرب بيئاتهن عبر إلحاق الأذى بهن بكل أشكاله.
من جهة أخرى يمكن للمتابع للمشهد الإعلامي للنظام أن يرصد ببساطة السعي الحثيث لتصدير صورته كنظام حضارة ومساواة، تلعب فيه النساء دوراً فاعلاً على الأصعدة التنموية والسياسية، ومن هنا قُدمت أسماء الأسد “القوة الناعمة” وحجر زاوية السياسة الإعلامية للنظام على الصعيد النسائي منذ انطلاقة الثورة السورية لتلميع صورة النظام السوري وإعادة تأهيله لاسيما في الخارج.
في هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السوري عمار ديوب: “رفعت الثورات الشعبية، سواء في موجتها الأولى أو الثانية شعارات تفيد بإنصاف الجميع، والوصول إلى حقوق متساوية بين الجنسين، ووفقاً لمنظومة حقوق الإنسان والمواطنة، وبالتالي كافة حملات إقصاء المرأة ومهما استخدمت الحملات أو قوى الأمر الواقع من أدوات عنفية وزجرية وتبخيسية “الدين، الاخلاق، العائلة، عادات المجتمع” ضد حق المرأة لن تتمكن من إيقاف نضالها من أجل حقوق متساوية.
إذا كان طبيعياُ أن يسعى النظام إلى شيطنتهن، وتحقيرهن وتعهيرهن، وهو ما فعله في معتقلاته بكل الأحوال وإعلامه وبيئته المؤيدة، فإن موقف المجموعات التي تنتمي للمعارضة، وفي حال كان نفس موقف النظام، فهذا يوضح أن وعي كثير من السوريين لم يتجاوز قضية التمييز ضد المرأة ولم تتجذر بعد قيم المساواة، ولو أضفنا موقف الجماعات الإسلامية المناهضة للمساواة، فستكون حالة المرأة في سوريا ليس بجيدة؛ عكس ذلك كما قلنا كانت تسعى الثورات، ولأنها ثورات حقوق، فقد قُمعت بشكل مهول”.
– التابوهات المجتمعية والشارع الثائر:
تجد المرأة السياسية السورية، لاسيما النسوية، نفسها أمام فوهة المدفع وفي مواجهة مستمرة ليس فقط مع النظام الوحشي، إنما أيضاً مع الموروثات الاجتماعية. فعلى الرغم من دور المرأة القيادي في الحراك الثوري والعمل المدني، ظل الموروث الاجتماعي طاغ في التعامل مع المرأة، من تقييد لاعتبارات تعزى للعرف والتقاليد وتعهير الثائرات والمعتقلات، مروراً بتخلي أسرهن عنهن ووصمهن بالعار انتهاءً بـما يدعى بـجرائم “الشرف”.
– يضاف إلى أشكال هذه المواجهة نوع جديد فرضته المساحات الافتراضية. قد ينطبق عليها اليوم توصيف “وسائل الرجم الاجتماعي”
حيث شهدت سنوات الثورة السورية عدة حملات تشهير أطلقها النظام السوري أو جهات معارضة في بعض الأحيان بحق سياسيات سوريات، تضمن بعضها تركيب صور مسيئة ونشرها مرفقة بتعليقات معادية للنساء وتحط من الكرامة الإنسانية، وجرى تناقلها وحصدت الآلاف من التغريدات والمنشورات العامة والخاصة، وأثارت الجدل لفترة ليست بالقصيرة لاسيما أن الشارع الثائر شارك في تناقل هذه الأخبار والتعليقات. ويأتي تفاعل المجتمع مع هذه الحملات لعدة أسباب منها الرفض المجتمعي للعب المرأة دوراً سياسياً كما ذكر آنفاً، بالإضافة لفقدان الثقة تجاه الأطراف السياسية جميعها، كما لا نغفل خطابات الكراهية المعممة نتيجة تذرير الهوية السورية الجامعة وتغليب الهويات الجزئية.
الناطقة الرسمية باسم الحركة السياسية النسوية السورية لينا وفائي قالت: “اعتمد النظام السوري هذا الأسلوب في ضرب معارضيه حتى قبل الثورة السورية، فقد عمد للتشهير بكل من يعمل في المجال السياسي. تاريخياً نجد أمثلة كثيرة على ذلك منها حربه على اليسار السياسي حيث لجأ النظام لحملات تشهير واتهامات بالانحلال الأخلاقي لمواجهة النساء السياسيات اليساريات وهذا بالطبع بالاتكاء على حساسية مكانة المرأة لدى المجتمع.
وأضافت أما اليوم فنجد أن “هذه الحملات المنظمة تستهدف النساء السياسيات، فقد لاحظنا شن هذه الحملات على السيدات المشاركات في اللجنة الدستورية وقبل ذلك عضوات هيئة التفاوض أيضاً، تشن هذه الحملات من قبل النظام السوري إضافة إلى بعض قوى المعارضة بهدف إسقاط شخصيات معينة لا تتوافق معها سياسياً.”
من الجدير بالذكر أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أشارت في تقريرها الأخير أنه منذ آذار/ 2011 حتى 25/ تشرين الثاني/ 2019 قُتلت 28076 أنثى في سوريا ،84 % منهن على يد النظام قوات السوري وحلفائه وما لا يقل عن 10363 أنثى لا تزلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا.