كسر الحواجز: فهم العنف ضد النساء في السياسة
- updated: 4 ديسمبر 2023
- |
*رويدة كنعان
تعرف “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” العنف ضد النساء في الحياة السياسية في تقريرها “منع العنف ضد المرأة في السياسة” (2021) على أنه: «أي عمل من أعمال العنف القائم على النوع الاجتماعي أو التهديد به، مما يؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي، أو جنسي، أو نفسي، أو معاناة للمرأة، ويمنعها من ممارسة حقوقها السياسية وإعمالها، سواء الأماكن العامة أو الخاصة، بما في ذلك الحق في التصويت وتولي المناصب العامة، وتنظيم الحملات الانتخابية بحرية، وتكوين الجمعيات والتجمع، والتمتع بحرية الرأي والتعبير”، ويصطلح على ترميزه بـ VAWP .
يوضح التقرير كذلك أن العنف ضد النساء في الحياة السياسية يمكن أن يتخذ أشكالًا عديدة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التهديدات والترهيب والتحرش والاعتداء الجسدي، والاعتداء الجنسي، والتشهير، والتمييز. غالبًا ما تهدف هذه الأعمال إلى تقويض المشاركة السياسية للمرأة وقيادتها، وغالبًا ما تستخدم كوسيلة للحفاظ على هياكل السلطة الأبوية.
وفي نفس السياق يعرّف المعهد الديمقراطي الوطني (NDI) العنف ضد النساء في السياسة في تقريره “ليس الثمن”(2021) بأنه: “ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي يلحق بالمرأة لأنها امرأة، ولأنها منخرطة في السياسة”. ويشمل ذلك أعمال الترهيب والتهديدات والمضايقات وغيرها من أشكال العنف التي تهدف إلى ردع النساء عن المشاركة في الحياة السياسية.
يركز هذا التعريف على استهداف النساء بسبب نوعها الاجتماعي ومشاركتها السياسية، إذ أنه وفي السياسية يتعرض كل من الرجال والنساء للعنف، غير أن الرجال يتعرضون للعنف بسبب سياساتهم، في حين أن النساء يمكن أن يتعرضن للعنف فقط لأنهن نساء.
العنف ضد النساء في السياسة في الاتفاقيات الدولية:
حرصت كافة الاتفاقيات الدولية الخاصة بالنساء منذ الثمانينـات على تذليل العقبات أمام مشاركة النساء الفاعلة في المجتمع والدولة، فركزت اتفاقية القضـاء عـلى كافـة أشكال التمييـز ضـد النساء “السيداو” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 على تذليـل العقبـات أمـام مشـاركة النسـاء في السياسـة وصنـع القـرار. فقد جاء في المادة (7) من الاتفاقية: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد النساء في الحياة السياسية والعامة للبلد. ومن هذه التدابير وجوب أن يكون للحكومات دور فاعل في القضاء على العنف ضد النساء في السياسة. ولأن الاتفاقية لم تتحدث صراحة عن العنف فقد أضيفت عام 1992 توصية عامة حملت الرقم 19 خاصة بالعنف ضد النساء من قبل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد النساء.
في عام 1993 قدم الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء تعريفا للعنف الممارس ضد النساء على أنه: «أي فعـل مـن أفعال العنـف القائم عـلى النـوع الاجتماعـي ينتـج عنـه، أو يُرجـح أن يؤدي، إلى إيذاء النسـاء أو معاناتهـن، بمـا في ذلـك التهديـد بمثـل هـذه الأفعـال أو الإكـراه أو الحرمـان التعسـفي مـن الحريـة، سـواء حـدث ذلـك في الحيـاة العامـة أو الخاصـة. فالنشاط السياسي الواقعي والافتراضي هو جزء لا يتجزأ عن الحياة العامة.
تطور مصطلح “العنف ضد النساء في السياسة”:
على الرغم من تعرض السياسيات للعنف منذ سنوات طويلة إلا أن مصطلح “العنف ضد النساء في السياسة” يعتبر حديثاً نسبياً، حيث طرح لأول مرة في أمريكا اللاتينية وتحديداً في بوليفيا، عندما عملت جمعيـة عضـوات المجلـس المحـلي ابتداءً من عام 2000 على معالجة العنف في السياسة والمضايقات ضد النساء، وفي عام 2012 أصبحت بوليفيا أول دولة تجرم هذا النوع من العنف. ومنذ ذلك الحين عملت دول أخرى على تقديم مبادرات تشريعية لوضع قوانين تجرم العنف في السياسة.
إلى جانب تلك المناقشات في أمريكا اللاتينية، حدد النشطاء العاملون على الأرض في جنوب أسيا الممارسات التي وصفوها بأنها “العنف ضد النساء في السياسة” في تقرير بعنوان “صرخات النساء في السياسة” صادر عن منظمة شراكة جنوب آسيا الدولية (2006) والتي يعرفها بأنها: “أفعال تم ارتكابها لإعاقة أو معاقبة أو حرمان النساء من حقهن في المشاركة في السياسة، هذه الأفعال تكون إما جسدية كالضرب والدفع والتحرش والاعتداء الجنسي والاغتصاب والاختطاف والقتل أو عنف نفسي مثل التهديدات والمضايقات والإساءة اللفظية والإكراه واغتيال الشخصية والتهديدات ضد أفراد الأسرة.”
من ناحية أخرى جرى نقاش بأن هذا النوع من العنف ليس “مستقلاً بذاته”، بل إنه يمكن تضمينه ضمن العنف السياسي الانتخابي الذي يعرفه فيشر (2002) على أنه: “أي عمل عشوائي، أو منظم، أو تهديد، أو إيذاء جسدي، أو ابتزاز، أو إساءة استخدام أصحاب المصلحة السياسيين في السعي لتحديد أو تأخير أو التأثير على عملية انتخابية.
يلاحظ في هذا التعريف تشميل كلّ من الرجال والنساء في تعرضهم للعنف السياسي، غير أن المؤسسة الدولية للانتخابات وجدت أن النساء تتعرض لأنماط متمايزة عما يتعرض له الرجال، كالترهيب والإيذاء النفسي والخطاب المتحيز جنسياً والتشكيك في كفاءة المرشحات لأنهن نساء، وهذا العنف يشمل أيضاً التخويف الأسري أو الاجتماعي. أيضاً يحدث في السياقات الثلاث للعنف ضد النساء “الأسرة والمجتمع والدولة” وليس فقط في السياق الانتخابي. وهنا تقترح غابرييل باردال تسمية هذا النوع من العنف “بالعنف ضد النساء في الانتخابات”.
غير أن العنف ضد النساء في السياسة ليس مرتبطاً فقط بالانتخابات وخلال فترة الانتخابات، وعليه يمكن تصنيف العنف ضد النساء في السياسة على أنه شكل مختلف عن العنف ضد النساء في الانتخابات. ذلك أن الأخير يشمل أعمال العنف ضد المرشحات والناخبات لأنهن نساء، لكن العنف ضد النساء في السياسة يستمر عندما يتولين مناصب سياسية وعند مشاركتهن السياسية وحتى عندما يعبرن عن آرائهن السياسية أو خلال مسيرتهن السياسية، بدءاً من حضورهن تدريب لزيادة معرفتهن أو كتابة منشور أو تعليق على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى ينتقد بيسكوبو (2016) النظريات والاستراتيجيات الناشئة لتنظير هذه المشكلة ومكافحتها، ويرى أن العنف ضد النساء في السياسة هو ببساطة فئة فرعية من العنف ضد النساء بشكل عام، وهو ناتج عن ضعف قدرة الدولة وأنظمة العدالة الجنائية نتيجة الديمقراطية غير المكتملة. بمعنى أنها تشكل ظاهرة في الدول غير الديمقراطية.
رداً على ذلك تجادل كروك (2016) أن الدراسات الأكاديمية تؤكد أن العنف ضد النساء في السياسة يختلف عن العنف ضد النساء بشكل عام، ويهدف إلى منع مشاركة المرأة لأنها امرأة. يضاف إلى ذلك؛ أن هذه المشكلة موجودة في جميع مناطق العالم بما فيها سوريا. وعلى الرغم من أن السياق قد يؤثر على محتوى وانتشار فئات مختلفة من أعمال العنف، غير أن هذا العنف هو أكثر من مجرد قضية جنائية. فهو يشكل تحديًا خطيرًا للديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، ويؤثر بشكل مباشر على المشاركة السياسية وعلى الحياة العامة التي بدأت تتجاوز المجال السياسي الرسمي، باعتبار أن أي تصور للفضاء العام يجب أن يتضمن المساحات العامة الجديدة والمتوسعة في الفضاء الرقمي.