مريم جلبي، وجودي كله ثورة
- updated: 3 يوليو 2020
- |
مريم جلبي من مواليد دمشق، والدها كاتب وناشط سياسي واجتماعي، اعتُقل وتعرض للتعذيب من قبل النظام عدة مرات، ما اضطره لمغادرة سوريا هو ووالدتها في السبعينيات والانتقال للعيش في ألمانيا، السعودية ومن ثم كندا. قبل أن تلتحق بوالديها عاشت مريم حتى عمر الـ14 سنة مع خالتها وخالها، في إحدى القرى الشركسية التابعة لمدينة القنيطرة حيث نشأت والدتها، وتسمى قرية بيرعجم.
تقول مريم إنه مع بداية الثورة قدم الكثير من أهالي المناطق المجاورة إلى القرية باعتبارها منطقة منزوعة السلاح، ظناً منهم أنها ستكون ملاذاً آمناً لهم، إلا إن قوات النظام اقتحمتها بالدبابات عام 2012 لتدمر المنازل وتقتل المدنيين، ومن بينهم خال مريم الذي قتل قنصاً، فيما هرب باقي أقرباؤها إلى الحدود اللبنانية ومن هناك إلى تركيا. في ذلك الوقت كانت مريم من الأوائل الذين تفرغوا للعمل السياسي في نيويورك، حيث تركت عملها في مجال التسويق، بعد أن كانت قد أسست شركة تقدم استشارات تسويقية لشركات ألبسة، لتتفرغ للدراسات العليا في مجال العلاقات الدولية، بالتركيز على المنظور الجندري في السياسة في جامعة نيويورك. كانت من الأوائل الذين سارعوا للمساعدة والتواصل مع التنسيقيات في الداخل، كما ذهبت إلى أول لقاء للمعارضة في أنطاليا في تركيا، وكانت من ضمن المجموعات التي طالبت بإدخال النساء في كافة اللجان التي كانت قد بدأت تتشكل في تلك الفترة، إضافة إلى مساعدتها في إعداد ثم إدارة مكتب الائتلاف في نيويورك، لتصبح ممثلة له لدى الأمم المتحدة فيما بعد. شاركت في كافة لقاءات المعارضة في مصر ولبنان وتركيا، وكانت من مؤسسي المجلس الوطني.
“بالنسبة لي، عندما بدأت الثورة كانت مثل ماء هطل على أرض عطشى، أنا وجودي كله ثورة، واجبي أن أعمل من أجل الناس المضطهدين والمظلومين”
تعمل مريم حالياً مع منظمات ومشاريع مختلفة، إلا أن تركيزها منصب على عملها في تمثيل الائتلاف لدى الأمم المتحدة، إضافة إلى عملها في الحركة السياسية النسوية السورية، التي تعد من مؤسسيها، وعضوة من عضوات الأمانة العامة للحركة، إذ تشارك في كافة المشاريع التي تنظمها الحركة مع جهات ومنظمات خارجية، بالإضافة إلى عملها ضمن مشاريع أخرى تتعلق بسوريا مثل مشروع مع معهد السلام الأمريكي USIP ، الذي يركز على لقاء أكبر عدد من المواطنات والمواطنين الموجودات/الموجودين في مناطق مختلفة داخل سوريا لمعرفة أنواع التحديات التي يواجهنها/يواجهونها في محاولاتهن/م تنفيذ مشاريعهن/م، وخاصة النساء، حيث تقول مريم إنها تركز في بحثها على معرفة ما إذا كان الدين يشكل عائقاً أم عاملاً مساعداً لأولئك النساء في تنفيذ مشاريعهن على أرض الواقع.
ظلت مريم تزور سوريا، بعد أن غادرتها في أواخر الثمانينيات، بحكم طبيعة عملها في التسويق، حيث كانت لديها علاقات مع شركات في تركيا، لذا كانت تحرص على زيارة خالتها كلما أمكن، تقول: “كنت أذهب إلى هناك لمدة أسبوع ثم أهرب قبل أن تأتي المخابرات لتسأل عني”. زارت سوريا آخر مرة في عام 2011 قبل بداية الثورة، وهي مستقرة حالياً في نيويورك ومتزوجة ولديها طفلان.
عن دوافعها للمشاركة في الثورة تقول مريم إنها ذاقت ظلم النظام الذي هجّر كل عائلتها منذ السبيعينات، ولم يبق فرد من أفراد عائلتها إلا وتعرض للاعتقال والتعذيب، فكيف لها ألا تشارك وتكون جزءاَ من هذه الثورة، بعد هذا التاريخ العائلي المليء بالظلم والاستبداد وديكتاتورية النظام. تقول: “بالنسبة لي، عندما بدأت الثورة كانت مثل ماء هطل على أرض عطشى، أنا وجودي كله ثورة، واجبي أن أعمل من أجل الناس المضطهدين والمظلومين”.
“الحركة السياسية النسوية السورية أنجزت وستنجز الكثيرعلى المستوى السياسي، أنا مؤمنة بأن قوة تأثير النساء ستكون أكبر عندما يعملن في كتلة واحدة بدل عملهن منفصلات.”
وفيما يتعلق بتحديات العمل السياسي في سوريا، ترى مريم أنه لا يمكن لمجتمع يخضع لنظام استبدادي ديكتاتوري قمعي قائم على استخدام العنف بكافة أشكاله ضد شعبه، أن ينتج بيئة صالحة للعمل السياسي. أما عن التحديات التي تواجه النساء بشكل خاص في العمل السياسي، فتقول إنه لا وجود للمرأة في المجال السياسي، وهذا التحدي ليس على مستوى الساحة السورية فحسب، بل على المستوى العالمي أيضاً، حيث تعتبر نسبة تمثيل النساء سياسياً ضيئلة جداً، وتوضح مريم أن المرأة السورية باعتبارها جزءاً من منظومة ذكورية عالمية، هي أمام مهمة صعبة وطريق طويل، لابد لها من أن تصارع وتناضل لتثبت وجودها في الساحة السياسية، وتصبح في مكان صنع القرار جنباً إلى جنب مع الرجل. تضيف أن من الخطوات الجبارة التي حققتها النساء السوريات مثلاً، ارتفاع نسبة عضوية النساء في الائتلاف إلى 15% ويجب أن نستمر لتصل إلى 50%.
تقول مريم إنها كانت تفكر دائماً بضرورة وجود تشكيل سياسي نسائي يمثل النساء السوريات في الساحة السياسية، فبدأت فكرة تأسيس الحركة السياسية النسوية السورية من خلال مجموعة ضمت مريم وميا الرحبي، وبسمة قضماني، وأليس مفرج، ووجدان ناصيف، وهند قبوات، وجمانة سيف، حيث شكلن ما أطلقن عليه اسم اللجنة التحضيرية والتي بدأت بالتواصل مع الجهات الممولة، ومنظمات مختلفة لدعم الحركة، ومن بين هذه الجهات كانت منظمة “كفينا تل كفينا” و”ويلف” و”الدبلوماسي المستقل”. وبعدها رشحت مريم نفسها لتصبح من عضوات الأمانة العامة للحركة التي وصل عدد عضواتها/ أعضائها الآن إلى مايزيد عن الـ100.
تعتبر مريم أن الحركة السياسية النسوية السورية أنجزت وستنجز الكثيرعلى المستوى السياسي لأنها مؤمنة بأن قوة تأثير النساء ستكون كبر عندما يعملن في كتلة واحدة بدل عملهن منفصلات. وتعد الحركة أول حراك سياسي نسوي فرض وجوده على الساحة السياسية، حيث بدأت تتلقى الدعوات من جهات مختلفة للمشاركة بعدة فعاليات، مثل الفعالية التي أقامتها الحركة في الأمم المتحدة عن التهجير القسري. وتقول مريم إن تأثير الحركة أصبح ملحوظاً، خاصة زيادة عدد النساء المتواجدات في المؤتمرات والفعاليات واللقاءات التي يتم تنظيمها، وإنها أحدثت “نقلة نوعية” في دعم وتعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي لأنها تدفع عضواتها للتواجد في أي مكان سياسي، والمطالبة بوجودهن على مقاعد صنع القرار. كما تدعو مريم كافة النساء السوريات اللواتي يرغبن في أن يكن جزءاً من الفضاء العام للتغيير ألا يترددن بالدخول في هذا الفضاء، والاستعانة بنساء سوريات أخريات متواجدات على الساحة السياسية.
“القضية الحقة لايمكن أن تنتهي مهما طال الزمن، وأن الظالم والمستبد سوف يخسر ولو بعد حين، ولكن لكي نستمر في الدفاع عن قضيتنا من المهم والضروري جداً أن نستمر في عملنا ونتسلح بالصبر وندرك أن جهدنا لن يذهب سدى.”
تؤمن مريم بأن “القضية الحقة لايمكن أن تنتهي مهما طال الزمن، وأن الظالم والمستبد سوف يخسر ولو بعد حين”. ولكن لكي نستمر في الدفاع عن قضيتنا من المهم والضروري جداً أن نستمر في عملنا ونتسلح بالصبر وندرك أن جهدنا لن يذهب سدى. تضيف مريم: “أنا شخصياً أعتبر أن أحد أكبر الأخطاء التي وقعنا فيها، هو مجابهة النظام بالسلاح، اللغة التي يفهمها جيداً، وبالتالي لم نتمكن من مقاومته، ولكن أصبح من الضروري الآن أن نستخدم سياسة سلمية لا عنفية مناهضة لهذا النظام الديكتاتوري”. تؤكد مريم أنها منذ عام 2011 كرست كل حياتها المهنية من أجل سوريا بشكل عام، و النساء بشكل خاص، وتؤمن بأنه إذا تمكنت النساء السوريات من خلال الحركة السياسية النسوية السورية من تقديم نموذج سوري للعالم عن كيفية العمل السياسي من خلال منظور جندري، يمكن لذلك أن يحقق نتائج مميزة على الساحة السورية.
تستذكر مريم أجمل اللحظات والمواقف التي عاشتها خلال السنوات الثماني الفائتة وتقول إنها كانت تتأثر جداً كلما شاهدت مظاهرة تجمعت فيها أعداد هائلة من الناس، نساءً ورجالاً، صغاراً وكباراً، وتراهم متحدين متضامنين بغض النظرعن خلفياتهم الدينية، والثقافية، والاجتماعية، تجمعوا فقط ليهتفوا مطالبين بالحرية، والعدالة، والكرامة. أما عن أسوأ اللحظات والمواقف التي أثرت كثيراً في مريم فتقول إن أولها كان سقوط داريا التي كانت تعتبرها أحد أعمدة الثورة الأساسية، وإن أحدث اللحظات المؤثرة التي عاشتها كانت وفاة الناشط رائد الفارس.
وعن سوريا التي تحلم بها مريم قالت: “أحلم أن يعيش الشعب السوري بحرية وكرامة وينال كافة حقوقه المدنية والقانونية، وألا يتعرض أحد للسجن أو لتعذيب أو أن يضطر للهرب من بلده ضريبة رأي سياسي أو أن يلجأ للرشوة لتحقيق غاية معينة”.