أصوات نسوية، مقابلة مع علا حمزة
- تاريخ النشر: 23 سبتمبر 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الناشطة المدنية والنسوية علا حمزة
إعداد: رجا سليم
علا حمزة من السويداء، درست في كلية الاقتصاد، جامعة درعا ولكنها لم تحصل على شهادتها الجامعية حيث تم إخفاء أوراقها الجامعية واتهامها بتزوير بعضها، ثم تمت إحالتها إلى مجلس انضباط لم يعقد بعد للبت بقرار فصلها أو إلغاء تخرجها، ناشطة في العمل المدني منذ 2011.
أهلاً بكِ علا،
1- علا حمزة من الأسماء الناشطة في العمل المدني في السويداء، متى بدأ اهتمامك بهذا المجال؟ وماهي الظروف التي يسرّت أو تطلبت وجود هذا النوع من الأنشطة في مدينتك؟
بدأت نشاطي المدني مع مجموعة لتأمين مستلزمات أساسية للهاربات والهاربين من القصف في المناطق التي يسودها العنف والقتل، ثم خصصت الجزء الأكبر من نشاطي لمساعدة النساء اللاتي تعرضن للعنف أو الاغتصاب أو الاعتقال أو الخطف، ومستمرة بنشاطي لدعم النساء المعنفات إلى الآن، تطوعت مع منظمة “جذور سوريا” للعمل المدني في عام 2014، وأنا الآن عضو هيئة إدارية ضمنها ومدربة مواطنة، إضافة إلى ذلك، بدأت منذ عام 2019 بالعمل في مجال الحماية الإلكترونية للناشطات\ين. جميعنا يعلم واقع الوافدات\ين داخل سوريا وصعوبة وصولهن\م للخدمات الأساسية، والملاحقات الأمنية التي تطال بعضهن\م وهذا كان الدافع الأساسي لدي لمساعدتهن\م ومعرفة قضاياهن\م ومشاكلهن\م. ساعدني بالعمل وجود حاضنة من الفئة الناشطة والمؤمنة بحقوق الإنسان التي سعت خلال السنوات السابقة لتخفيف أعباء الحرب والضغوط الأمنية والمعيشية عن الفئات المتضررة.
2- بالإضافة للعمل في المجال المدني، تولين اهتماماً كبيراً للقضايا النسوية والنسائية عموماً والمتعلقة بنساء السويداء على وجه التحديد، صفي لنا الواقع النسائي والنسوي في السويداء اليوم.
من الصعب تحديد معطيات للواقع النسوي بشكل دقيق وذلك لعدة أسباب:
- لا يوجد مقومات حقيقية للمدافعة عن حقوق الإنسان عموماً وعن حقوق النساء خاصة، نحن مازلنا في مرحلة نشر الوعي وإقناع المجتمع بأن للنساء حقوق مثل الرجال، وأن المدافعة عنها واجب وحق وليست رفاهية أو منافسة مع الرجال، لذا لا يمكننا وضع نظريات أو وصف للواقع الذي مازال يرفض الاعتراف بالإنسانية أولاً وبالمواطنة ثانياً.
- لا يوجد في السويداء حوامل حقيقية للأجندة النسوية سواءً منظمات أو ناشطات ونشطاء، أنا هنا لا أنكر دور النسويات والنسويين ضمن المنطقة، ولكن أرغب بالإضاءة على الاستغلال الذي يسود المجتمع المدني للفجوة الجندرية في المجتمع، فمثلاً نسمع بالعديد من النشطاء والمنظمات النسوية ولكننا لا نرى أفعالاً ملموسة، إلا بعض الجلسات الحقوقية أو المنشورات الفيسبوكية، لا نرى حملات حقيقية تستهدف الوعي المدني أو الرأي الجمعي، كما أطرح تساؤل أين هو دعم النسويات اللاتي ينادين بإيقاف جرائم القتل أو الاعتراف بالحريات الشخصية للنساء؟
- الضغوط الأمنية والدينية والمجتمعية على النشاط النسوي الخجول في المحافظة، والتي تشكل عائقاً كبيراً جداً أمام إحراز أي تقدم، وأمام محاولات توثيق الواقع والتأثير عليه، السلطة الأبوية المتجذرة بالدين والممارسات الأمنية القمعية ضد الناشطات\ين مازالت هي الصوت الأعلى والسلطة الأعلى.
أما إذا بحثنا عن أشخاص (نساء ورجال) ينادون بالمساواة أو بالحقوق فهم\ن بالتأكيد موجودات/ون.
3- تعيش السويداء حالة من الاقتتالات الداخلية بين فصائل ومسلحين يهددون حياة المدنيات والمدنيين بشكل يومي، صفي لنا ما تعيشه السويداء اليوم، وما أثر هذه الاقتتالات على المحافظة؟
برأيي الشخصي ما يحدث اليوم هو نتيجة متوقعة لمحاولات التغيير وإعادة هيكلة المجتمع في ظل التضييق المعيشي والسياسي وخارطة العلاقات الجديدة، حيث أن شكل المجتمع الدرزي في السويداء له خصوصية تتعلق بالقيادة الروحية والعسكرية والاجتماعية، وظهر مؤخراً الشق السياسي.
تطور أحداث الواقع الذي فرض مصالح دولية حرك المياه الراكدة في مجتمع السويداء، وبدأ كل طرف ديني أو عسكري أو سياسي،يحاول إبراز نفسه، و طبعاً لا سبيل لذلك إلا بالعسكرة وحشد السلاح بسبب العلاقة التاريخية بين أهالي الجبل والحاجة للسلاح للحماية الشخصية، وهنا نستطيع الاستفاضة بالحديث و الشرح عن تداعيات السلاح ووجوده في أيدي سلطات غير شرعية متصارعة على الحكم، طبعاً هذه التداعيات حجة ممتازة لوضع ملفات النسوية تحت الطاولة، ولتهميش دور الناشطات\ين المدنيات\ين، ووضعهن\م بخانة التعامل مع جهات خارجية أو مجموعات مسلحة إذا ما اشتغلوا لمناصرة قضاياهن\م وحماية أنفسهن\م من الملاحقات الأمنية والضغوط الاجتماعية والدينية.
- في أحد منشوراتك على فيسبوك وصفتِ الوضع في السويداء اليوم بـ “صراع البقاء” و”الاستسلام للأقوى” وحمّلتِ المسؤولية لمن أسميتهم “المليشيات”، كيف وصل الحال بالسويداء إلى هنا؟ ومن المسؤول برأيكِ؟
من وجهة نظر مواطنية الشكل الأول للعقد الاجتماعي هو التنازل للأقوى، وفي دولتنا المغيبة للقانون هذا ما حدث، لا نجد توجه سياسي أو فصيل عسكري تابع للأمن أو لسلطة دينية إلا وفرض وجوده بقوة السلاح، بل وأصبحنا نسمع جملة “لسنا بحاجة للجنة الدستورية ولن تقدم لنا شيء”.
برأيي هذا يلغي شرعية الجهات المتصارعة لأنها لا تحترم القانون وليس لديها بعد سياسي أو رؤية واضحة لتغيير سياسي ودستوري، وإنما تتمحور أهدافهم عموماً حول المحاصصة والسيطرة والعلاقات، فمنهم من بنى علاقات اجتماعية داخلية، ومنهم من بنى علاقات دولية خارجية، وما يحدث بينهم هو صراع وليس اتفاقيات أو تنازلات.
- في السياق ذاته، من يتابع أخبار السويداء يلاحظ تكرار محاولات الاحتكام لرجال الدين و”الوجهاء” للبت في أي اقتتال أو خلاف، ما مدى تأثير هؤلاء على الأهالي؟
لا يمكن التخلص من السلطة الدينية بشكل نهائي في السويداء دون قانون مدني يفصل بين السلطات، فتكوين المجتمع هنا يقوم على أساس التبعية لشخصية (دينية / اجتماعية) ونادراً ما يكون التماسك الاجتماعي قائم على أساس سياسي أو فكري، حيث تبنى العلاقات والتجمعات دائماً على أساس سلطوي ديني، ونرى هذا التشكل حتى بالعلاقات بين الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين، لذا من الصعب الاقتناع بأن أي طرح سياسي بنفس السياق هو مبادرة حل جذري. الفجوة بين رؤية المجتمع المدني للتغيير وبين سلوك المجتمع الأهلي إشكالية غير مطروحة للتداول، ودائماً ما يتم التعتيم على تفاصيلها.
6– على صعيد النشاط النسائي والنسوي، مجتمع السويداء معروف بتمسكه بالعادات والتقاليد التي يحد بعضها من حرية ودور النساء، هلّا حدثتنا عن خصوصية العمل النسوي والنسائي في محافظتكِ، وعن طبيعة التحديات التي يواجهها؟
سأبدأ بحادثة حصلت معي منذ فترة قصيرة: في طريق عودتي للمنزل في سيارة أجرة، التقيت بأحد المعلمين من المرحلة الثانوية فدفعت عنه إيجار الطريق، نظر إلى وقال “سأقبل مبادرتك لأنك بنت متحررة ولن تفهمي الموقف بشكل مغلوط، لو كانت أي بنت أخرى مكانك لما كنت قبلت”.
بالنسبة لي هذا كان معطى إيجابي لتقبل المجتمع للنشاط النسوي، أنا لست متفائلة لدرجة كبيرة بالنتاج القريب لهذا النشاط وإنما المواقف اليومية التي نحتك بها مع المجتمع تعطي مؤشرات عن مدى تقبله لنا، فمثلاً لو جلستِ مع أحد المشايخ وحدثته عن حقوق المرأة سوف يقول لك “نحن مش ضد المرأة وما حدا عم يقرب عليها”، إذاً المشكلة هي بالفهم العام. طبعاً العادات تلعب دوراً كبيراً بترسيخ الفهم الخاطئ، ولكن السؤال هو إلى متى سيبقى القانون غائباً عن دوره في ضمان الحقوق، وإلى متى سيسمح للعادات بالتحكم بالمجتمع بدلاً منه؟ غالباً ما تتعرض الناشطات لمضايقات خاصة إذا كانت العائلة متزمتة للعلاقات الاجتماعية، فالوسم الاجتماعي يلاحق الناشطات وعائلاتهن، وبما أن المرأة هي الحلقة الأضعف (من وجهة نظر المجتمع)، تقع الناشطات بمشاكل عائلية ومضايقات من محيطهن لـ “الالتزام أكثر”.
7- كنت من المنظمات والمشاركات بحملة “دمك برقبتنا” التي تجرم “جرائم الشرف” وتطالب بتطبيق القانون لحماية النساء، كيف يتعامل المجتمع في السويداء اليوم مع جرائم الشرف؟
المجتمع بدأ يأخذ جرائم الشرف غطاء لكل جريمة يرتكبها سواءً كانت تتعلق بمفهومهم للشرف أم لا، الفترة الماضية حدثت العديد من الجرائم التي بررها القانون وصنفها “جرائم شرف”، وكانت قصصاً أخرى خلفها تتعلق بالانتقام أو الخلافات العائلية. كانت الوقفة بحملة “دمك برقبتنا” لتجريم ما يسمى بـ”جرائم الشرف” وللمطالبة بالمحاسبة حتى ولو بالمواد القانونية القليلة التي تعاقب على الجريمة. نحن نرغب بسيادة القانون ونسعى لتغيير المواد التي تنتهك حق الحياة في الدستور السوري وقوانينه، لأننا نرى أن القانون هو الرادع الأفضل ولا نعول على الوعي في المجتمع لأن مرتكب الجريمة لن يفكر بحقوق الضحية قبل قتلها، لذا لا بد من عقاب قانوني عادل للجريمة.
8- هل برأيكِ أن الجيل الجديد في السويداء قادر على التأثير بالأجيال الأكبر سناً وحثها على إعادة النظر في الموروثات المنافية للقانون ولحقوق الإنسان؟
برأيي الجيل الجديد لديه الوعي والرغبة بالتأثير، ولكنه لا يمتلك الأدوات سواءً كانت أدوات مادية أو معنوية، فمثلاً طبيعة مجتمع السويداء قائم على التشاور مع وجهاء العائلة أو المنطقة، وهنا لا دور مباشر لفئة الشباب، ومن ناحية ثانية يمكن اعتبار فئة الشباب هي من حفزت الأكبر سناً للمشاركة في الأنشطة الجماعية وعرفتهم أكثر على المنظمات المدنية، بحسبة سريعة للمنظمات نرى أن أكثرها فئة شباب يتعاونون مع محيطهم على تنفيذ الأنشطة، إذاً يوجد تأثير لهذه الفئة ولكن ينقصها الأدوات التي تسمح لها بترسيخ أفكارها وأفعالها أكثر.
9– هناك فئة من النساء المؤمنات بالنسوية لكن يتجنبن التعريف بأنفسهن على أنهن نسويات، ما هو التصور العام عن النسوية في محيطك؟ ولماذا برأيكِ توسم النسويات في بعض المجتمعات بصفات سلبية؟
برأيي من تتجنب التعريف عن نفسها كنسوية هي غير مؤمنة فعلياً بالحريات الشخصية، أكثر ما يطلق على النسويات في مجتمعنا أنهن: “تلبسن ما يحلو لهن، ترقصن ويشربن الخمر، تقمن علاقات غير شرعية، معارضات للنظام” وإلخ من الصفات التي يرفضها المجتمع وتفضل العامة عدم الخوض فيها، هذه العقلية وإطلاق النعوت ستختفي تلقائياً عندما نحصل على دستور مواطني مراعي لحقوق الإنسان. فهل على النسوية الخوف من هذه الصفات فعلياً؟ وأنا هنا لست بصدد تقييم الأفعال سواء مقبولة مجتمعياً أم لا، ولكني أعترض على عدم تقبل النسويات للحريات الشخصية، وعدم تقبلهن للاختلاف بين تيارات النسوية المختلفة، ولا أرى أن النسوية أساءت لأي طرف أو أي حق، حتى لو كان البعض يستغلها لتمرير ملفات سياسية واجتماعية، لكن هذا لا يجعلها صفة سيئة.
10– بالعودة لنشاطك المدني، أنتِ من القائمات على تجمع “جذور” الثقافي، حدثينا عن هذا التجمع وروّاده، وما الذي يحاول تقديمه في ظل ما تعيشه السويداء من أوضاع ضاغطة على مختلف الأصعدة؟
“جذور سوريا” منظمة مجتمع مدني تأسست عام 2014 هي منظمة تطوعية، غير حكومية، غير ربحية، تهدف لتقديم مساحة حرة لمشاركة الأفراد الفاعلين، وتسعى لرفع الوعي المدني ليصبح المجتمع قادراً على تنظيم نفسه بنفسه. داخلياً تتكون من عدة مكاتب: مكتب البرامج الذي يتضمن المنتدى الثقافي والفكري المسؤول عن الفعاليات الثقافية، وكورال جذور سوريا، والندوات الحوارية والفكرية، ويتضمن المركز السوري لقضايا المرأة، وقسم المبادرات المجتمعية، وقسم تمكين الشباب، مكتب العلاقات العامة، ومكتب الإعلام، ومكتب الحماية، ومكتب المتابعة والتقييم، ومكتب الموارد البشرية. تحاول جذور ترسيخ مبادئ المواطنة وتنفيذ فعاليات قائمة على الحوار ومشاركة المجتمع في التخطيط لمستقبله.
11– نشاطك على وسائل التواصل الاجتماعي ينم عن حرصك على تكوين شبكة علاقات من ناشطات وناشطين سوريات وسوريين من كافة الأطياف، برأيكِ هل يمكن استغلال هذا التقارب بينهن/م والاستفادة منه للانخراط والتأثير بالمشهد السياسي؟ كيف؟
أنا مؤمنة بأن المعلومة هي أساس التغيير، ليس فقط المعلومة وإنما امتلاك أدوات التحليل، فمثلاً لو كانت شبكة العلاقات قائمة على معلومات قابلة للقياس والتقييم فإنها بالطبع ستكون مناسبة للتأثير سياسياً واجتماعياً، أما في الوضع الراهن مازلت أرى اختلافاً بين ما يتم نشره وبين الواقع، لسنا بمرحلة الصراحة ورسم الأهداف بعد. أتمنى أن ت/يتحمل كل ناشطة وناشط مسؤولية مكانها/ه و أن يتم العمل فعلاً على بناء علاقات مهنية بعيدة عن الشخصنة والأهداف الشخصية، وأعتقد أن هذا ممكن إن تبنت إحدى الجهات الفاعلة مشروعاً قائماً على رسم خارطة تغيير مبنية على علاقات الناشطات\ين. على الصعيد الشخصي أتعامل مع الفضاء الأزرق كآلية لمعرفة التطورات على كل الأصعدة كمحاولة خجولة لتحليل الأحداث.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة