التصعيد العسكري التركي في شمال شرق سوريا
- تاريخ النشر: 26 ديسمبر 2022
- |
يعيش الشمال السوري منذ أسابيع على وقع التصعيد العسكري، فمنذ أشهر أعلنت تركيا انطلاق عملية المخلب-السيف في شمال شرق سوريا. تندرج العملية العسكرية ضمن السعي التركي لتشكيل منطقة عازلة على طول الحدود السورية، وبعمق ثلاثين كيلومتراً.
رغم أنّ الجيش التركي المتواجد في مناطق المعارضة السورية في شمال غرب سوريا أعلن أن أهدافه عسكرية، وهي تمركزات تابعة لقوات سورية الديمقراطية في عدة مناطق، كقرية صيدا في محيط عين عيسى شمالي الرقة، وتل اللبن في منطقة تل تمر شمال الحسكة، وكذلك محيط تل رفعت في ريف حلب، إلّا أنّها ستوقع ضحايا من المدنيات/ين.
ما تزال المشاورات المتواصلة بين الأتراك وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية تدور حول تنفيذ تركيا عملية الاجتياح البرّي للأراضي السورية، وهو، حسب محللين، تتويج للعملية العسكرية، وسيفرض معطيات جديدة على الأرض. فإضافة إلى قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وقوات قسد والجيش الروسي، والوجود الرمزي للنظام السوري، سيكون الجيش التركي طرفاً جديداً وقوياً على الأرض.
ومع أن مظلوم عبدي، القائد العسكري في قوات سوريا الديمقراطية، أكّد أن الولايات المتحدة أبلغته رفضها القاطع لاجتياح تركيا للشمال السوري، إلا أن الأتراك أكدوا من جهتهم تفهم الروس والأمريكان لهواجس تركيا الأمنية، وحقها في الحفاظ على أمنها القومي وأمن مواطناتها ومواطنيها.
الأتراك بدورهم يتركون الاحتمالات كلها مفتوحة، فمازالوا ابتداءً بالرئيس أردوغان مروراً بوزيري الخارجية والدفاع وصولاً إلى وسائل الإعلام، يؤكّدون أنهم ليسوا بحاجة لإذن من أحد فيما يتعلق بأمن بلادهم. كذلك يأخذون على الولايات المتحدة، حليفتهم والعضو في الناتو، دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تركيا ذراعاً إرهابية لحزب العمال الكردستاني.
من جهة أخرى أعلن الرئيس أردوغان عن استعداده لإنشاء آلية ثلاثية الأبعاد للحوار، يلتقي من خلالها ببشار الأسد. يشير هذا إلى نوايا تركية بتحريك وتنشيط الملف السوري، معتمدة على ذات المرجعية في العملية العسكرية وتحريك الملف السياسي، وهي مفاوضات أستانة ومسار سوتشي، باعتبارها من الدول الضامنة لإنفاذ مُخرجات هذا المسار.
لكن يجب ألّا يغيب عن الانتباه آثار هذه العملية البرّية في حال حصولها؛ فلكلّ من الولايات المتحدة وروسيا أسبابها في التوجّس من الاجتياح البري التركي. تخشى القيادة الأمريكية تعرّض القوات الأمريكية المتواجدة في مناطق سيطرة قسد في شمال سوريا لخطر يضعها في موقف تضطر معه للدفاع عن نفسها أو على الأقل التواجد في قلب العمليات الحربية، رغم تأكيد تركيا أن أهدافها محددة بدقة لتحييد قوة تعتبرها إرهابية، وإبعادها عن حدودها. كذلك تخشى أمريكا المخاطرة بجهودها لمكافحة تنظيم الدولة.
أما الروس، الحليف الداعم للنظام في دمشق، فهم يبدون كمن يريد انتهاز الحدث لإحياء دور ما للنظام السوري في شمال سوريا، عبر طرح بعض الاقتراحات التي تُرغم الأتراك على إعادة التواصل مع النظام السوري باعتباره شريكاً في مكافحة الإرهاب.
لكن لا يمكن اعتبار قسد طرفاً ضعيفاً بالمطلق، فهي تملك أوراقًا تمكنها من الدفاع عن دورها كلاعب أساسي. فهي حتى الآن الحليف المقرّب من الولايات المتحدة، إضافة إلى علاقاتها المركبة مع النظام في دمشق من جهة، وبعض قوى المعارضة السورية من جهة ثانية.
مما سبق، هل يكون السؤال عن حل ينبثق من مخرجات تفاهمات الضرورة بين روسيا وتركيا، في الكثير من الملفات ومنها المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، مشروعاً؟ وهل يكون السؤال عن حل يُفرض على قسد والأمريكان مشروعاً؟
على ذلك، تبدو دبابات الجيش التركي، جاهزة لفتح الطريق لحل سياسي تحاول روسيا وتركيا تمريره. وإذا أخذنا بالحسبان الوضع الاقتصادي البالغ الصعوبة الذي تمر به مناطق سوريا الخاضعة لسيطرة النظام، ومثلها التهتك الاجتماعي والإداري والاقتصادي في المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد، فلنا أن نتخيل مقدار الندّيّة والفارق في الوزن النوعي لأطراف الصراع حين يجلسون على طاولة الحل النهائي.
نحن، في الحركة السياسية النسوية السورية، نقف ضد أي تصعيد في العمليات العسكرية في سوريا اليوم. أي تصعيد سيوقع ضحايا من المدنيات/ين، وقد يقود لكارثة إنسانية ونزوح جماعي جديد للمدنيات/ين في المنطقة.
كذلك، نرى أن التصعيد العسكري سيعيق الحل السياسي ويسبب مزيداً من التعثر في العملية السياسية، وسوف يساهم بتعميق وتثبيت التقسيم السوري التابع والمرتهن للقوى الإقليمية والدولية، ونخشى أن يلعب دوراً في تكريس مخططات التغيير الديمغرافي وفرضها كجزء من الحل، وهو ما اتبعه النظام وحلفاؤه، وفي السنوات الأخيرة تركيا.
نحن، لا نرى مخرجاً إلا في حل سياسي وفق القرار 2254، بما يكفل العودة الطوعية والآمنة للنازحات/ين واللاجئات/ين، وحقوق الشعب السوري بالحياة الكريمة الحرة، ويقرّبنا من دولة مواطنة لكل السوريات والسوريين.
اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية