الحركة السياسية النسوية السورية في ثلاثة أعوام

*لينا وفائي

عقدت الحركة السياسية النسوية السورية مؤخراً مؤتمرها الثالث الكترونياً، وذلك بسبب ظروف التباعد الاجتماعي المفروضة دولياً للحماية من فيروس كورونا. كان المؤتمر تحت شعار “لا نساء… لا شرعية” وذلك تأكيداً على ما جاء في مخرجات المؤتمر التأسيسي للحركة والذي جاء فيه “بناء دولة ديمقراطية تعددية قائمة على أسس المواطنة المتساوية، دون تمييز بين مواطنيها على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المنطقة أو أي أساس كان، دولة القانون التي تساوي بين نسائها ورجالها دون تمييز، بضمانة دستور متوافق مع منظور الجندر يكون أساساً لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة على جميع الأصعدة السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاستناد إلى جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة اتفاقية السيداو”. 

اختارت الحركة السياسية النسوية السورية شعار مؤتمرها هذا العام “لا نساء… لا شرعية” رداً على محاولات التهميش التي تعاني منها المرأة السورية وخصوصاً في الحقل السياسي، وللتأكيد على أن دولة المواطنة المنشودة لا يمكن بناؤها بدون حقوق كاملة للمرأة.

يكتسب حديث الشرعية أهمية خاصة الآن رداً على الانتخابات اللا شرعية التي قام بها النظام مؤخراً والتي أقصت جزءاً كبيراً من الشعب السوري، اللاجئ منه والنازح، وكل من هو في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لكنه أيضاً وكعادته زور وفرض الانتخاب على من يقع تحت سيطرته بالتهديد. وقد أكد البيان الختامي للمؤتمر العام الثالث للحركة السياسية النسوية السورية على عدم شرعية الانتخابات الأخيرة، مؤكداً بذات الوقت أن أي انتخابات اليوم وفي المستقبل لن تكون شرعية بدون النساء، حيث ورد فيه “إن أي انتخابات تكتسب شرعيتها من خلال تأمين إمكانية مشاركة كافة السوريات والسوريين أينما تواجدوا وأن أول عملية انتخابية قادمة يجب أن تكون جزءاً من الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية ذات الصلة وبمراقبة دولية واستناداً إلى الدستور الجديد الذي سيكتبه ويقرّه الشعب السوري، وتوجب اتخاذ الإجراءات لضمان مشاركة حقيقية للنساء في الانتخابات والترشح لكافة المناصب، وتثبيتها ضمن الدستور والقانون السوري”.

في فعالياته الداخلية قام المؤتمر العام الثالث للحركة السياسية النسوية السورية بنقاش الوضع الداخلي للحركة تنظيمياً، وعمل لجانها المختلفة، إذ تتميز الحركة بالجمع بين العمل المدني والسياسي معاً، وهي بذلك تتمتع ببنية تنظيمية مرنة تساعدها على أداء الدورين معاً، كما تم نقاش تقريرها السياسي السنوي، وتمت كتابة البيان الختامي الذي أعلن في الجلسة الختامية من خلال تحليل التقرير السياسي. 

كما قام المؤتمر العام الثالث للحركة السياسية النسوية السورية بفعاليات خارجية أيضاً، منها إحاطة في مجلس الأمن في جلسة خاصة بالوضع السوري، قامت الحركة في هذه الإحاطة بالتأكيد على أن المساعدات الإنسانية رغم أهميتها الملحة للشعب السوري غير كافية، وأنه يجب الدفع بالعملية السياسية باتجاه حل سياسي شامل وفق بيان جنيف ١ وقرار الأمم المتحدة ٢٢٥٤ والقرارات الدولية ذات الصلة، حل ينهي معاناة الشعب السوري في كل أماكن تواجده، وتحت سيطرة قوى الأمر الواقع المختلفة، ويضمن عودة كل مهجر/ة ونازح/ة إلى مكان سكناه الأصلي، ويوقف الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب السوري من جميع الأطراف. 

ومن الفعاليات الخارجية أيضاً كانت الجلسة الختامية للمؤتمر التي استضافت السيدة خولة مطر مساعدة المبعوث الدولي لسوريا السيد غير بيدرسون، كما استضافت العديد من المبعوثين للدول في سوريا وبعض ممثلي الخارجيات، إضافة لممثلي منظمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن السوري. في الجلسة الختامية ألقي البيان الختامي للحركة، كما قدمت مداخلات لبعض عضوات وأعضاء الحركة، ركزت على وقوف الحركة السياسية النسوية السورية على مسافة واحدة من كل الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب السوري أيا كان مصدرها، والدور الذي ترغب الحركة بلعبه في رأب الصدع المجتمعي الذي أنتجته سنين الدكتاتورية الطويلة وعمقته الحرب الأخيرة التي تحولت لها ثورتنا نتيجة العنف، هذا الدور الذي تجد الحركة نفسها قادرة على لعبه لأنها وببنيتها تجمع السوريات والسوريين معاً، إذا تتوزع عضواتها وأعضاءها على كامل التراب السوري وفي كل دول اللجوء والشتات، وأينما تواجد السوريات والسوريين. 

أكدت المداخلات أيضاً على حق العودة الطوعية والآمنة للاجئات واللاجئين، عودة تحفظ كرامتهن/م، وأكدت أن سوريا ما زالت بلداً غير آمن وستبقى طالما بقت الدكتاتورية، وإنها لن تصبح آمنة إلا بالحل السياسي الشامل. طالبت المداخلات بتحقيق دولي حول مصير المعتقلات والمعتقلين والمخفيات قسراً والمخفيين. كما طالبت بعدم غلق المعابر في وجه المساعدات الإنسانية، وعدم إعطاء النظام السوري إمكانية التحكم بإيصالها وتوزيعها، كي لا تستخدم وسيلة ضغط من قبله على معارضيه أو مكافأة لمواليه.

تأسست الحركة السياسية النسوية السورية في تشرين الثاني ٢٠١٧، من اجتماع لعدة نساء سياسيات وناشطات نسويات في باريس، وذلك رداً على التهميش السياسي الذي طالما تعرضت له المرأة السورية، نمت الحركة خلال هذه السنوات تنظيمياً وتوسعت، إذ أصبحت تضم نسويات ونسويين موزعات/ين على كامل التراب السوري وفي بلاد الشتات واللجوء، يجمعهن/م العمل لسوريا الغد. وهن/م من كل الأعمار ويمتلكن/ون خبرات متنوعة، ففي الحركة تجد الخبرات تعمل جنباً إلى جنب مع الدماء الشابة، فإن النسوية تعني رفع الغبن عن كل الفئات المهمشة، لذا تجد الحركة أهمية إعطاء الدور للشابات والشباب، فهي بذلك تضخ دماءً وآراءً جديدة للنضال السياسي والنسوي، وتتيح لهن/م امتلاك الخبرات اللازمة. وحرصاً على تقديم هذه الخبرات للشابات والشباب، أطلقت الحركة السياسية النسوية السورية مؤخراً برنامج الإرشاد السياسي وهو برنامج تدريبي سياسي داخلي، يتم الجمع فيه ثنائياً بين خبرة سياسية وشاب/ة، يتم بذلك تبادل الخبرات، فتتجدد معلومات ذوات/ذوي الخبرات السياسية ويتم التخلص من الجمود، ويتم بالمقابل نقل الخبرات للجيل الشاب. 

على مدى ثلاث سنوات حرصت الحركة السياسية النسوية السورية على عدم الانغلاق، وعلى التواصل مع الأخريات/ين لتبادل الآراء، فعبر برنامج التشاورات الوطنية والذي بدأ منذ ثلاث أعوام وما زال مستمراً، حرصت الحركة على الوقوف على رأي السوريات في الداخل في أماكن تواجدهن المختلفة، وتحت سيطرة قوى الأمر الواقع المختلفة أيضاً، وحرصت على نقل رأيهن في عدة مواضيع ملحة في الوضع السوري إلى مراكز صنع القرار المحلية والدولية، وذلك عبر أوراقها السياساتية

إيماناً منها على أهمية العمل المشترك، عملت الحركة السياسية النسوية السورية أيضاً على عقد التحالفات وعلى الالتقاء بالقوى السياسية والنسائية السورية المختلفة، بحثاً دوماً عن مشترك يمكن من خلاله النضال معاً من أجل ديمقراطية سوريا الغد. 

بالمعنى الشخصي قدمت لي الحركة الكثير، منذ اجتماعها التأسيسي وحتى الآن، فهي قد حققت لي الحلم الذي راودني دوماً، في الجمع ما بين نضالي السياسي الذي يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، ونضالي النسوي الذي بدأ مع الثورة السورية، كما أنها وعبر برنامج التشاورات الوطنية – والذي أفخر أن أكون ضمن فريقه- ساعدتني على التواصل مع نساء بلدي، وعلى فهم وضعهن، جعلتني أكثر التصاقاً بالأرض، منهن استقي معلوماتي، ومعهن نشكل سوياً الرأي، ونبحث في آلية تغيير الواقع الظالم لهن.

قد يكون التساؤل هنا هل حققت الحركة السياسية النسوية السورية أهدافها بعد ثلاث سنوات؟ تدرك الحركة أن طريق الديمقراطية السوري طويل، وأن طريق السوريات للوصول إلى حقوقهن أطول، لذلك هي تعمل بكد وبنفس طويل، لا تترك اليأس يغزوها رغم الصعاب، فهي لم تتشكل لتكون راهنة، وإنما تتطلع لتكون في مستقبل سوريا، وتؤمن أن السوريات سيصلن يوماً إلى ما يردن وإن طال الطريق. 

*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة