للنساء كلمتهن: لا نساء.. لا شرعية
- updated: 1 يوليو 2021
- |
* هوازن خداج
(إذا كان يحق للنساء أن يذهبن لمقصلة الإعدام، عندها يحق لهن كذلك الذهاب لمجلس النواب). ” أوليمب ديغوغ”
عقدت الحركة السياسية النسوية السورية، التي تأسست في “باريس” تشرين الأول من عام 2017، مؤتمرها السنوي الثالث كجزء أساسي من فعاليات الحركة وعملها، للوصول نحو بناء سوريا دولة ديموقراطية تعددية قائمة على أسس المواطنة المتساوية للجميع بضمانات الدستور والقوانين والمعاهدات المختلفة الداعمة لمشاركة النساء في كافة مراكز صنع القرار. فهذا المؤتمر الذي امتدّ على ست جلسات اتخذت الحركة شعاراً له، “لا نساء.. لاشرعية” لتقدم جملة رسائل وخلاصات في آليات العمل السياسي، ورفعه لمستوى قيمة فعاليتهن في السياسة ودورهن المستقبلي في تغيير الموازين لصالح بناء ائتلافاً مستقراً بعيداً عن استخدام نوع الجنس وعطالة مواطنة النساء.
مجتمعات أبوية وصراع الكفاءة
منذ تأسيس الدول الحداثية كدول للمواطنات/ين، تغير مفهوم السياسة وضبطه لعصور طويلة كحقّ للرجال، وترك المرأة للعادات والتقاليد البالية، بإعادة بناء وعي مجتمعي يرفض التمييز بين الجنسين، وأُسقطت الحجج الملازمة له بأن النساء ينتمين لحياة خاصة منزلية، فالصالح العام للمجتمع ليس بعيداً عن نشاطات ومصالح الحياة الخاصة. إلا أنه مع الفارق الحقوقي والمواطني بين دول أنجزت بُناها على أسس ديموقراطية وتحيط بمصالح واهتمامات كافة المواطنات/ين، ودول لمجتمعات أبوية حددت كفاءة النساء داخل جدران المنزل، يكون الحديث عن دور النساء بالسياسة مقارعة مع أساطير اجتماعية و”معرفية” جرى تبنيها على مرّ التاريخ بأن السياسة من اختصاص الرجال. وغالباً ما تكون مشاركة النساء فيها بعيدة عن القيمة كقوة سياسية، فاللوائح المختلفة التي تقول بحرية المرأة ومساواتها في بنية الدولة أو البنيات السياسية “الأحزاب، التجمعات، الهياكل المدنية، المؤسسات الفاعلة وغيرها” لا يرافقها دعم القيادة السياسية للنساء، أو وجودها في الفعل السياسي كشأن طبيعي ومحوري.
وفي حدود الدولة السورية كأول دولة عربية منحت حق التصويت للنساء، فإن حضور النساء السياسي كان ولا يزال خاضعاً لخطاب تلميع الصورة وإبعاد شبهة الرجعية أو هيمنة الفكر الذكوري، إن في مجلس الشعب وتنفيذه لأجندات النظام البعيدة عن حقوق المواطنات والمواطنين، أو الأحزاب السياسية والأيديولوجية الممتدة من حزب البعث إلى كافة مكونات الحقول السياسية، وإن تضمنت في أجنداتها وبرامجها السياسية قضية المرأة وحريتها، الأمر الذي يؤثر سلباً على قدرتهن وفعاليتهن في التأثير السياسي وتثبيت وجودهن. وذلك رغم التفاوت “النسبي” في مدى تقبّل وجود النساء كفاعلات سياسيات، والثقة بما يمتلكنه من معرفة سياسية، أو قدرة على التفاعل السياسي وتشكيل المناقشات والحوارات السياسية وتقديم الرؤى السياسية.
“لا نساء .. لا شرعية”
انطلاقاً من اعتبار السياسة عِلماً قائماً على المعرفة السياسية وليس على صراع الأدوار بين الجنسين، فإن تثبيت هذه الفكرة من قبل النساء، يُمكّنهن من إسقاط ما جرى تبنيه تاريخياً في حصرية السياسة لعالم الرجال، وإلصاق صفة الذكورة للسياسة، وإزاحة الستار عما يجري اتباعه في وجود النساء “غير المرئيات” وكأعداد فقط في حيّز الأحزاب والتجمعات؛ الذي جعل المرأة موضوعاً للتجاذب والتوظيف السياسي والأيديولوجي في ذكوريته المحضة، أو في تحولاته النوعية المتمثلة في انخراط نساء من النخب في “لعبة التوظيف” دون أن يوازي ذلك تقديم فعل يُخرجها من دائرة العزل التاريخية، التي تعود لمسألة الفصل الجندري وما أنتج من نقاشات محدودة بين الجنسين، والأفكار النمطية ومساهمتها في تأطير دور المرأة في السياسة وإبعادها عن هذا المجال أو غيره في إقرار حقوقها.
ومن هنا، يأتي التأكيد على المعرفة السياسية للمرأة، وعدم إعطاء شرعية للسياسة بدون النساء، فقدرة النساء على تطوير أفكار مختلفة حول أدوارهن السياسية، واستخدام تقنيات مختلفة لتثبيت شرعيتهن السياسية، سيلغي ما فرضه الواقع والتحولات باعتبار قضية المرأة تجارة سياسية وحقوقية مربحة لجميع المستثمرين باستثناء المرأة.
من الشعار إلى المؤتمر
بعيداً عن الدخول في مجال تفاصيل المأسسة في الحركة السياسية النسوية السورية، فإن عملية التنظيم كان لها أثر واضح على نوعية وخصائص الأهداف السياسية للحركة، حيث اعتمدت في جلسات مؤتمرها، تقديم تغطية شاملة لنشاطات وفعاليات لجانها المختلفة خلال عام، عبر الإطلاع على تقارير العمل ومساره وتقييمه. وجرت مراجعة للوضع السوري ومتغيراته وموقف الحركة منه، واستراتيجية الحركة ونظامها الداخلي وتعديل بعض البنود فيه عقب النقاش والتصويت، لتدعيم إطار للعمل السياسي تتبلور تفاصيله وفق نصوص صريحة وواضحة لا تحتمل الالتباس، وتخضع للمعايير الديموقراطية في اقرارها.
وكذلك أطلقت الحركة السياسية النسوية السورية ما يسمى “مدونة السلوك” والتصويت على بنودها، لتنظيم التعامل داخل الحركة بوسائل سياسية والتدرّب على الأخذ بالحقّ والقانون، وهي كلها تمثل خروجاً عن المألوف في “الأحزاب والتجمعات والتكتلات” السياسية التي تكتفي بالتزام الأفراد بما تقرر من قبل المؤسسين أو المتبنين لهذا الخط السياسي أو ذاك، فهذه الحركة التي جمعت طيفاً نسوياً مختلفاً في التوجهات، استطاعت خط طريق مختلف عن الصورة النمطية للتكتلات، فلا حلول للمشاكل العالقة إلاّ بالسياسة البنّاءة وليس بالتسييس.
ورغم وجود بعض الأمور المُعطلة، إلا أن الحركة ما تزال تسعى لتكوين مساراً مختلفاً لتغيرات اجتماعية كبيرة في حقوق المرأة المدنية ومساواتها السياسية من خلال مناصرة قضايا المواطنات والمواطنين، والعمل على تلازم المسار السياسي مع المسار المدني وعلى آلية تواجد المرأة بشكل مجدي في مراكز صنع القرار وفي كل الهيئات والمؤسسات.
إضافة لربط مسارات العمل على الصعيدين المحلي والدولي، وتوصيل معاناة الشعب السوري على كافة الأصعدة “الاقتصادية والسياسية والاجتماعية” وفي كافة المناطق للمجتمع الدولي والتأكيد على حقوقه، من خلال تقديم الحركة ممثلة بالدكتورة “عبير حسين” إحاطة لمجلس الأمن بتاريخ 25 حزيران 2021 تتضمن العديد من التوصيات لضبط المخاطر المختلفة مثل: الجوع والتجويع، سلطات الأمر الواقع واستبدادها، التغيير الديموغرافي وآثاره المستقبلية، فالواقع غير مبشّر بإشراك النساء بالقرار السياسي رغم انتخاب عدد قليل في المجالس المحلية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وكذلك التأكيد على بناء بيئة آمنة ومحايدة وفقاً للقرار (2254) وقرار مجلس الأمن (1325) فقدرة النساء السوريات على الصمود خلال حرب شرسة ومختلطة تعطيهن أحقية التأكيد على دور النساء الحاسم والفاعل في عملية السلام كقوة ضاغطة في عملية التحول الديموقراطي من أجل الأمن والسلام المستدام.
عقب تاريخ طويل من عمليات التدوير لعدم شرعية النساء في السياسة بناء على تراتبيات اجتماعية سياسية تعتمد على أحداث عارضة دعمتها أساطير، فإن المتغيرات الحالية في أدوار ونضالات النساء لأجل حريتهن وحقوقهن، تُسقط كافة المعايير التي لا تستند إلى أساس منطقي، بحيث ما عاد ممكناً فكرياً ومبدئياً تصوُّر مشروع للتغيير الاجتماعي والسياسي والتخلص من لوثة وهيمنة الأوليغارشية الأبوية وتغيير طبيعة بنية السلطة في سوريا بدون النساء.
*المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة