وظلم ذوي القربى…عندما يتحول الحليف لعدو

 

*لينا وفائي

 

تواجه النسويات السوريات حملة عشواء، فتتلى المحاضرات المطولة عن خطر النسوية، وتعقد الدورات لتعلم مواجهة الفكر النسوي. كل ذلك جاء بعد خطبة الشيخ أسامة الرفاعي الشهيرة والتي تهجم بها على النسويات والمنظمات النسوية. بل قد وصل الأمر بالبعض إلى إعلان شن الحرب، وهو ما حصل في نهاية ندوة تتحدث عن خطر النسوية على المجتمع والأسرة، محاضرة تم ذكر بعض المنظمات فيها، بل وبعض الأسماء أيضاً، مما قد يعرض هذه الشخصيات وعضوات هذه المنظمات للخطر. 

في ظل هذه الحملة تبحث النسويات السوريات عن الدعم والمساندة، فيتجهن بشكل عفوي إلى الديمقراطيين، فالمفترض أنهم الحلفاء المتوقعين، فلا ديمقراطية بدون حقوق النساء، وتستند الديمقراطية على حقوق متساوية للجميع، بغض النظر عن اللون والجنس والقومية والعقيدة والدين، فهل كان ديمقراطيو سوريا حلفاء فعلاً. 

قبل أن نخوض بمواقف الديمقراطيين السوريين، قد يكون من المفيد البحث في تطور الديمقراطية ونظرتها للنساء تاريخياً. 

في العصر اليوناني كانت الديمقراطية هي ديمقراطية النخبة، ولم يكن يسمح للعوام والعبيد والنساء بممارستها، ولم يكن لرأيهم/ن اعتبار.  وكان ينظر للنساء بصفتهن أداة للإنجاب فقط، فحسب سقراط “النساء يولدن الأجساد، أما الفلاسفة فيولدن الأرواح”. استثنت المرأة أحياناً من هذه النظرة الدونية، وذلك عندما تتحول إلى محاربة، وهي بذلك حسب أفلاطون تتخلى عن طبيعتها وتحاول أن تكون رجلاً.

في بداية العصر الحديث ومع الثورة الفرنسية، كانت بداية التحول الديمقراطي في العالم، وقد اعتبر كثيرون جان جاك روسو أباً روحياً لها، ولكن روسو لم تكن نظرته للمرأة أفضل حالاً، فإن مؤلف كتاب العقد الاجتماعي، والذي اعتبر أن الإنسان يولد حراً، لم يكن بالنسبة له هذا الإنسان سوى الرجل، “بعد أن حاولنا تشكيل الإنسان الطبيعي، دعونا نرى، حتى لا نترك عملنا غير مكتمل، كيف يتم تشكيل المرأة التي تناسب هذا الرجل”. “وهكذا ينبغي أن يكون تعليم المرأة بمجمله نسبة إلى الرجل، إرضاءً لهم ليكون مفيداً لهم”. إذاً فإن روسو يرى المرأة تابعةً للرجل وليست إنساناً كامل الحقوق.

مع ظهور الموجات النسوية، ونضال النساء للحصول على حقوقهن كاملة، بدأت الديمقراطية أيضاً تتطور، فبعد حصول النساء على حق الترشح والانتخاب، وعلى حق التعلم والعمل، على حق تقريرهن لمصيرهن، لم يعد من المنطقي الآن أن نجد ديمقراطية لا تعترف بحقوق النساء كاملة، ولم يعد النضال الديمقراطي مقتصراً على حقوق الرجال فقط، إذ لم يعد مقبولاً تغييب حقوق النساء ومصالحهن، لم يعد مقبولاً إسكاتهن. 

ولكن هل الديمقراطيون السوريون يرون ذلك أيضاً، يجب التنويه أن المقال إذ يتحدث عن بعض الحالات، ينأى بنفسه عن التعميم، فقطعاً هناك البعض الذي يتبنى نضال النساء من أجل حقوقهن، ويعتبره جزءاً من النضال العام، هناك الكثير من الداعمين للنساء، بل هناك النسويون أيضاً.

يرى البعض أن النضال من أجل حقوق الجميع له أولوية، وبالتالي على النساء الانتظار حتى يفرغ الرجال من نضالهم وينالوا حقوقهم، وعندها سيتفرغون لدعمهن، وسينظرون بعين العطف لمطالبهن. يتناسى هؤلاء أن المرأة تتعرض دوماً لظلم مضاعف، فهي تتعرض كالرجل للاضطهاد السياسي، ولكن يضاف له الاضطهاد الاجتماعي القائم على النوع الاجتماعي، والذي يختصها بالظلم، إضافة للاضطهاد القانوني الذي لا يراها متساوية مع الرجل -حتى إن كان منقوص الحقوق-. يذكرنا أصحاب هذا القول بجان جاك روسو، فهم على الرغم من أنهم يطالبون بالعدالة والديمقراطية، يطالبون بالتساوي وبالحرية، لكنهم يرون أن النساء غير مكتملات الإنسانية، ويقعن في مرتبة ثانية على سلمها، وعلى حقوقهن أن تنتظر فليس لها أولوية.

يرى البعض الآخر نفسه نسوياً، وليس مدافعاً فقط عن حقوق النساء، ولكنه لا يتورع عن التطاول على النساء، متذرعاً بأنها هي الملامة، وهي التي عرضت نفسها لهذا التطاول، سواءً بسلوكها أو حتى بصورها المنشورة، وعند محاولة الاعتراض، يشنون حملة عشواء، مفادها نحن النسويون ولستن أنتن، متناسين أن النسوية لا تعني فقط حق الانتخاب والترشح، إنها تعني حق المرأة كاملاً في كل ما يخصها، حياتها وقرارتها وجسدها، وأن هذه الحرية لا تعني أنها مستباحة. يشكل هؤلاء خطراً على نضالنا النسوي، فهم بهذا السلوك يقفون إلى جانب أعداء النسوية، ويبررون تعديهم علينا، يقفون في وجه حريتنا المطلقة بأجسادنا وخياراتنا. 

في حين ترى الأغلبية أنها الأعلم والأعرف، وأنها ستتنازل لتعطينا دروساً في النسوية، وفي نضالنا النسوي، ويجب أن نكون تلميذات مطيعات ونجيبات، نتلقى الدروس ونشكرهم على التنازل للاعتراف بحقوقنا، وأن لا نوجه أي نقد لهم، فهم الأعلم والأعرف، كما ذكرت، وإذا تجرأنا على النقد، فنحن إما “نسويات راديكاليات” أو ربما ننتمي للـ “النسوية الجهادية”. لا يتوانى أصحاب المعرفة عن الهجوم علينا علناً إذا تجرأنا على الخروج عن الطاعة، ليكونوا -بقصد أو غير قصد- جزءاً من حملة تشن ضدنا. 

في عام ٢٠١١ انطلقت الثورة السورية بشعارها البسيط “الحرية والكرامة”، شاركت النساء فيها، فهن أيضاً يردن أن يحصلن على حريتهن وكرامتهن، سرعان ما تحولت هذه الثورة إلى حرب، وتراجع دور النساء، فعندما يرتفع صوت السلاح، يسكت صوت المستضعفين، والنساء بينهم. لكن هذا لم يمنعهن من مواصلة النضال، فشكلنَّ منظماتهن، وطورن معرفتهن، بحثن عن مكانهن في مراكز صنع القرار وطالبن به. لم يعد وضع النساء بعد هذا الزمن مشابهاً لوضعهن قبل الثورة، فبعد أن كان النضال النسوي يقتصر على النخبة، استطعن الآن النزول به للشارع، وضم العديدات له، عاملات وربات منازل، غيرت الثورة والحرب من ظرفهن، بعد أن دفعن أفدح الأثمان، من تهجير ونزوح، من مسؤولية الأسرة في ظل غياب الرجل في الحرب.  

ولأن النضال النسوي لم يعد في الصالونات السياسية والأدبية فقط، وإنما أصبح في كل شارع وحي ومخيم، دق الذكوريون ناقوس الخطر، فالحرب شارفت على نهايتها، ويجب أن تعود المرأة الآن إلى بيت الطاعة. أصبحت الآن مواجهة النضال النسوي أولوية، فهو أهم من النضال من أجل الحرية، وأهم من مواجهة النظام، فكانت خطب الجمعة، والمحاضرات والندوات والدورات التعليمية.

في ظل كل ذلك يغيب الدعم، فبدلاً من أن يترفع الديمقراطيون عن الصغائر، وأن يركزوا الجهود لمواجهة هذه الثورة المضادة، يبعثرونها في حروب جانبية معنا، ويبعدوننا عن الصفوف الأمامية ومراكز صنع القرار بحجة أو أخرى.

سنتابع نحن النسويات نضالنا، ونعرف أن طريقنا طويل، وإن كنا نتمنى أن نتلقى الدعم الحقيقي من حلفائنا المفترضين، وأن لا يتحول هؤلاء الحلفاء إلى أعداء، فإن ظلم ذوي القربى أشد مرارة. 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية