ناقش النادي الثقافي للحركة السياسية النسوية السورية “ميدياتك” في جلسته التي أقيمت يوم الجمعة 28 تموز 2023، عبر تطبيق زووم، فيلم “نسويات: ماذا كُنَّ يفكرن”، بحضور عدد من عضوات وأعضاء الحركة السياسية النسوية السورية، يسرت الجلسة عضوة الأمانة العامة كبرياء الساعور.

الفيلم أمريكي وثائقي أنتج عام 2018، من إخراج جوانا ديمتيراكاس، وبطولة لوري أندرسون، فليس تشسلر، وجودي شيكاغو. الفيلم مستوحى من كتاب صدر في عام 1977، قامت به المصورة سينثيا، ضم الكتاب صور لسيدات نسويات من أعمار وخلفيات متنوعة، من موجة النسوية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت في ستينات القرن الماضي واستمرت حتى التسعينات، والتي ركزت على المساواة في العمل والرواتب، والحقوق الإنجابية للمرأة، والحرية الجنسية، ومكافحة العنف الممارس ضد النساء. هذه الحقبة تأثرت بحركات عديدة كحركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينغ، وحركة مقاومة حرب فيتنام.

عادت المخرجة جوانا لهذا الكتاب بعد أربعين عاماً من صدوره، لتسمع من هؤلاء النساء قصصهن وكيف تغيرت حياتهن بانضمامهم للحركة النسوية. بدأ الفيلم بمقابلات مع نساء معروفات في السياسة والفن والإعلام، كجين هوندا وليلي توملين وغلوريا ستايم. يحاول الفيلم التركيز على إنجازات الحركة النسوية في ذلك الوقت. 

يستكشف الفيلم التجارب الحقيقية والفعلية لهؤلاء النساء، فيتحدث عن اللحظة التي امتلكن فيها القوة، وانضممن فيها للحركة النسوية. فإحدى الممثلات تقول: “إن بداية الحركة النسوية هي بداية التاريخ بالنسبة لنا كنساء”.

يطرح الفيلم تساؤلاً حول تحقيق المساواة بين الجنسين في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي اليوم التالي لتنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2017؛ خرجت النساء في مسيرات في أكثر من مكان احتجاجاً على التمييز الجنسي، واحتجاجاً على ترامب، تقول إحدى بطلات الفيلم: هل من المعقول أن لا نستطيع حتى الآن انتخاب امرأة كرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية! 

كما أن الفيلم يتحدث عن العديد من القضايا كالإنجاب، والأمومة، والتحديات التي تواجهها النساء في الأسرة والزواج، وفي أماكن العمل، وكيف يتم إقصاء النساء في الجامعات وغيرها من الأماكن. كما وتطرق إلى التقاطعية، ففي الموجة الثانية كان هناك مطالبة بحقوق الإجهاض، وكانت الكثير من النساء الملونات يتعرضن لعمليات تعقيم في المشافي، فكان ذلك إشارة في الفيلم عن التقاطعية، ولو لم يتطرق لها بشكل مباشر. 

الفيلم يحمل رسالة لاستكشاف الدوافع والمعتقدات التي دفعت النساء ليتعرفن على أنفسهن بأنهن نسويات في فترة السبعينيات، وهي فترة حرجة بالنسبة للنسويات في مجتمعنا أيضاً. كانت هذه الدوافع والتطلعات موجودة لدينا لكنها لم تظهر كما حصل في أمريكا. كما يؤكد الفيلم أهمية إدراك وفهم تعقيد الحركة النسوية، ويظهر مدى حاجتنا للنضال من أجل الوصول إلى مساواة الحقوق بين الجنسين. كما يشجع الفيلم على التفكير في التقدم الذي حصل في السبعينات، وكيف يمكن أن تُتابع هذه الإنجازات، وإلى أي مدى يمكن أن تحصل هذه الإنجازات على الاعتراف، والعمل دائماً والنضال الحثيث لتحقيق المساواة الكاملة. وعن هذه النقطة تقول إحدى شخصيات الفيلم؛ إننا في معركة يومية، لنحافظ على المكتسبات التي حصلنا عليها كنساء وكمجتمع، ولننشر الوعي ونتغلب على وجهة النظر التي قد تعيدنا للوراء. 

تقول إحدى العضوات المشاركات في الجلسة؛ بعض العبارات في الفيلم استوقفتني وأظنها تتقاطع مع ما نشعر به كنساء سوريات، مثل: (كان علي أن أقاتل لأكون على حقيقتي). (الأمور الشخصية سياسية أيضاً)، (أن تعبر النساء عن أنفسهن بدون خوف أو شعور بالعار)، (تحيا الإناث وفق وجهة نظر الذكور)، (تجسيد القرار الداخلي من خلال السلوك الخارجي كنوع من تمثل القيمة)، (يستخدم الرجال كلمة نسوي أكثر من النساء لأنهم يبدون من خلال ذلك أنهم أكثر جاذبية، بينما تعاقب النساء على نسويتهن)، (في مرحلة ما علينا أن نصدق ما اختبرناه بأنفسنا من علاقتنا بالأهل، وأن نصدق ما يصفهم بها المجتمع، وهي في الحقيقة لحظة فارقة في الوعي)، (لماذا علينا أن نخاف أن نظهر غضبنا، ولماذا يعتبر الغضب لا يخص النساء)، (النساء مخصيات من قبل المجتمع الذي يتحكم بكل حياتهن الجنسية الخاصة)، (أي بلد في حال صحي تماماً كما أي فرد في حالة صحية يجب أن يكون في ثورة دائمة وتغيير دائم)، (تُعلم الطفلات والنساء أن الذكور هم من يجب أن يفوزوا دائماً)، (المرأة الصالحة لا تفوز سوى برضا الذكور عن حياتها). 

وأجمعت العضوات على أن طريقنا طويل وعلينا الاستمرار بالنضال وعلينا أن نوثق تجاربنا الشخصية، وتساءلنَّ إلى أي مدى لدينا الجرأة في تعرية القصص والتجارب التي مررنا بها، وإلى أي مدى نحن قادرات على تبني الفكر النسوي، فالفيلم قائم على شرح دوافع تبني الفكر النسوية، ويوثق تاريخ الحركة النسوية في هذه الحقبة، وما هي الثمرة التي وصلت إليها بعد عشرات السنوات. فمن المؤكد كان هناك الكثير من التضحيات، فالبعض قتلن أو غيبن لأنهن تبنين هذا الفكر، أو لأنهن قررن الخروج من السيطرة الذكورية، وهي تضحيات تشبه ما يحصل معنا، إضافة إلى الكثير من المظلوميات كالحروب والنظام الاستبدادي، التي تغيب النساء اللواتي يحاولن تبني الفكر النسوي.

تقول إحدى العضوات المشاركات: “أكثر ما يخطر لي عند الحديث عن النسوية هو موضوع ملكية النفس والجسد للمرأة، فالمرأة منذ ولادتها تكون ملكاً للعائلة والمجتمع أو للزوج، وهناك من يتحكم بأفكارها دائماً، ويُمارس العنف عليها إذا حاولت كسر الحواجز أو حاولت التعبير عن نفسها. وإضافة للتفكير بالأمان الجسدي للمرأة؛ علينا أيضاً أن نفكر بأمانها النفسي”.

وتضيف عضوة أخرى: “مصطلح النسوية مصطلح جدلي في كل المجتمعات، لذلك قامت العديد من النسويات بتبسيط الفكرة كما فعلت بيل هوكس، قالت دائماً عندما يقال نسوية يفهم منها أننا كارهات للرجال، وغاضبات من المجتمع، ولذلك بشكل بسيط النسوية تعني أننا نريد إلغاء كل أشكال التمييز. عملياً هذا واقع، فالنسوية معركة يومية، في الشارع وفي الحديث مع الناس وفي الحياة اليومية”.