النادي الثقافي للحركة “ميدياتك” وفيلم “خيمة 56”

 

ناقش النادي الثقافي للحركة السياسية النسوية السورية “ميدياتك” في جلسته التي عقدت يوم الجمعة بتاريخ 15 كانون أول 2023، عبر تطبيق زووم، الفيلم السوري “خيمة 56″، بحضور عدد من عضوات وأعضاء الحركة، أدارت الجلسة عضوة الحركة السياسية السورية النسوية وعضوة فريق النادي الثقافي ناديا زيدان.

“خيمة 56” فيلم قصير سوري من تأليف سندس برهوم وإخراج سيف الشيخ نجيب، يقوم بدور البطولة  نوارة يوسف، علاء الزعبي، صفاء سلطان، شادي الصفدي وغيرهن/م. حصل الفيلم عام 2018 على جائزة أفضل فيلم روائي قصير في الدورة الـ 34 لمهرجان “الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط”، من ناحية أخرى، واجه الفيلم تجاهلاً من قبل الإعلام الرسمي السوري، الذي لم يغطي المهرجان ولا خبر فوز الفيلم. 

تدور أحداث الفيلم في أحد مخيمات اللاجئات/ين، ويسلط الضوء على معاناة الأزواج في تأمين حد أدنى من الخصوصية أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، ويطرح الموضوع في سياق إنساني بحت، مع نفحة من الكوميديا تجعل الفيلم سلساً وسهل التقبل. وفي تسعة عشرة دقيقة فقط، استطاع العمل أن ينقلنا في رحلة قصيرة بين الخيم المثقوبة المتهالكة الهشة التي يقطنها أشخاص من لحم ودم، مختلفات/ين ومتشابهات/ين في المعاناة، حيث تصبح حياتهن/م أصعب كل يوم، ويصبح وجودهن/م ثقيلاً على نفوسهن/م، واحتياجاتهن/م بعيدة المنال، ولا تلقى الحد الأدنى من الاحترام. 

يركز الفيلم بشكل خاص على معاناة النساء في الأزمات والحروب وفي ظل مجتمع أبوي يجعل حديثهن عن حقوقهن الجسدية عاراً ليس إلا، ويحملهنَّ كامل مسؤولية إنجاح العلاقة الزوجية في ظل تطفل عيون المراقبات/ين لهم.  

خلال الجلسة قالت إحدى المشاركات إن طرح الفيلم لهذه المسألة موفقاً للغاية، وتحدثت عن تجربة شخصية، إذ زارت مخيمات عدة بحكم عملها، فقالت: “إن النساء بالفعل يواجهنَّ مشكلات تتعلق بخصوصية علاقاتهن الزوجية في إطار حياتهن في المخيمات ومراكز اللجوء، ومن المهم جداً طرح هذه المعاناة المدفونة بين الخيام وغرف الملاجئ والتي يصعب طرحها عادةً”.

طَرَحَ الفيلم “تابو الجنس” ببساطة وشفافية بعيداً عن التكلف والابتذال، لكن رأت بعض عضوات الحركة أن تخصيص صناع الفيلم لفئة معينة من السوريات والسوريين ليس موفقاً، قالت إحدى المشاركات حول هذه النقطة: “أعتقد أن الفيلم يتحدث عن مخيم الزعتري، وهو ذو أغلبية نازحة من محافظة درعا، ولذلك كانت اللهجة الحورانية هي اللهجة الغالبة في الفيلم، والتي قد يجدها البعض تخصيصاً لا ضرورة له”. كان من الأفضل أن يتناول الفيلم شرائح ثانية من المجتمع السوري، إذ أن المخيمات في لبنان والأردن وتركيا واليونان وغيرها تحتضن سوريات وسوريين من مختلف المحافظات، وأضافت أخرى: “إن هذه المعاناة موجودة في جميع المخيمات وحتى في البيوت المزدحمة جراء التهجير والنزوح الداخلي في سوريا”. وأشارت عضوات أخريات أن هذا الطرح من الممكن أن يكون مسألة غير مقصودة بشكل مباشر كون الفيلم يتحدث عن السوريات والسوريين في المخيمات، ولا ضير من استخدام لهجة سورية معينة كاللهجة الحورانية، وعن ذلك قالت إحدى المشاركات: “من المؤسف أن يضطر بطل الفيلم (علاء الزعبي) أن يعتذر عن أدائه ويحذف الفيلم عن منصات التواصل بعد تهديد عشيرته له بالنفي والتبرئة منه. لا أدري متى سيدرك الناس أنه من حقهم الحديث عن أجسادهم بحرية والجميع يعرف في قرارة نفسه أننا لن نكون موجودين لولا العلاقة الجسدية، إنها فعل إنساني مقدس يضمن البقاء، وحاجة أساسية كحاجتنا للطعام والهواء، ولا داعي لطرحها كما لو أنها إباحة للجسد”.

أكدت عضوات الحركة على ضرورة تناول تجارب النازحات والنازحين وقصصهن/م، وضمنها موضوع الاحتياجات الجنسية في المخيمات، وما ينطوي على ذلك من صعوبات تتحمل وزرها النساء وحدهن. ومن الملفت للغاية أن النساء في الفيلم هنَّ اللواتي اتخذن القرار بخصوص بناء خيمة تحفظ كرامة علاقتهن مع أزواجهن، وتؤمن ولو قليلاً من الخصوصية في ظل حياة صعبة وغير آمنة من عيون المراقبات/ين، وخصوصاً من الأطفال والمراهقات/ين الفضوليات/ين الذين يستغلون ثقوب الخيام لمشاهدة ما لا يجب عليهن/م مشاهدته.

تحاورت المشاركات خلال الجلسة أيضاً في البعد الإنساني الذي يتناوله الفيلم، وأن الجنس هو حاجة إنسانية كالطعام والمأوى، وأن الخصوصية هي حق إنساني يضمن الكرامة، فكيف تضمن كرامة للإنسان الذي يعيش هذه الحياة بعيداً قسراً عن بيته وفي ظروف قاسية بانتظار سلال الإعانات والمساعدات الإنسانية والحرمان من حق المأوى اللائق والآمن والمياه النظيفة والصرف الصحي وغيرها، وبالتالي تتفرع عن هذه المشكلة مسائل تتعلق بالإنجاب الآمن والتوعية الجنسية وحق الحصول على سبل الحماية كموانع الحمل، وأشارت إحدى المشاركات أن النساء في الفيلم هنَّ اللواتي يسعين وراء الحصول على هذه الوسائل، إذ تسأل “صبا” في الفيلم صديقتها عما إذا تم تأمين حبوب مانع الحمل، وكيف أن الرجال في المقابل يرفضون هذه الوسائل، حيث تتحدث الشخصيات في مشهد آخر عن رجل ضرب زوجته لأنها لم تحمل.

وذكرت عضوات الحركة قصص عن معاناة مماثلة للنساء في معتقلات النظام وتجارب ناجيات عن معاناتهن أثناء الدورة الشهرية وطلبهن للفوط النسائية من الضباط والحراس، وكم الإهانة التي تتعرض لها النساء في الحروب حين يتعلق الأمر بحرمة وخصوصية أجسادهن وحاجاتهن الفيزيولوجية، وأن النساء هنَّ أكثر من يحمل عبء هذه المشاكل في أوقات النزاع وحتى أوقات السلم، وأن الرجال في النظم الأبوية اعتادوا رمي أعباء حاجاتهم الجنسية على زوجاتهم، كما فعلت شخصية “أبو سعيد” حين قال لزوجته في الفيلم: “لو أنك شاطرة بتدبريها هون بالخيمة”. 

وأشارت المشاركات كذلك إلى إشكالية الحرب والخسارة وتأثيرها في نفوس الرجال، وكيف تظهر لديهم نزعة التسلط وإثبات الوجود حين يخسرون أعمالهم وبيوتهم وحياتهم، وهذا يتحول عبئاً على النساء خصيصاً حين يرغب الرجل بممارسة العلاقة الجنسية على حساب رغبة زوجته، فيعتبر أن الإنجاب ربما وسيلة لإثبات وجوده وقدرته، هذا يخلق عنفاً جسدياً ونفسياً على النساء، فتصبح ممارسة الجنس وسيلة للسيطرة وفرض الوجود كما لو أنها متعلقة بالرجل فقط وبرغبته، بعيداً عن كونها ممارسة تشاركية للطرفين في الحالة الطبيعية الإنسانية. 

برأي إحدى المشاركات، هذا الطرح للعار الذي يشكله الجنس لدى المجتمع الأبوي هو ما دفع الناس لانتقاد الفيلم ورفضه، بالرغم من أنه يتحدث عن الجنس في إطار العلاقة الزوجية الشرعية والمقوننة، وأن هذه الصعوبات ما تزال موجودة على أرض الواقع، فشعورنا كشعوب بالعار تجاه الحديث عنها لا يلغيها، فالنساء في الفيلم تحدثن في جلساتهن المغلقة وتشاركن معاناتهن في دوائر صغيرة قد تكون المتنفس الآمن الوحيد لهن، وكيف حكت كلاً منهن عن رغباتها مقابل الواقع المرّ الذي لا مفر منه.

تكمن جمالية الفيلم في تناوله الجنس كحالة وجودية، وابتعاده عن أي طروحات سياسية، بالرغم من النقد السياسي الذي طاله كونه يتناول شريحة أهل محافظة درعا التي تعد مهد الثورة السورية واحتجاج النقاد على طاقم العمل الذي وصف بالـ “مؤيد” للنظام وأحياناً بالـ “عميل”، وكيف أن الناقدات/ين للفيلم اعتبروه محاولة لإهانة أهالي درعا لأنهم أول من ثار على النظام، وأنه محاولة لتشويه صورة الثورة وصورة أهالي المخيمات. 

أخيراً، تناقشت المشاركات حول دور الإعلام في الانتقادات التي طالت الفيلم وتناولن بضعة عناوين لمقالات وتقارير تحدثت عن الفيلم بعد صدوره، وكيف أن اللغة التي يستخدمها الإعلام تؤثر في تلقي الجمهور للعمل الفني، وكيف أن استخدام عناوين مسيئة أثر بشكل كبير وسبب كراهية غير مبررة للفيلم. ورأت بعض المشاركات أن هذا الأمر قد لا يكون سلبياً بشكل مطلق بل قد يدفع الجمهور لمشاهدة الفيلم بدافع الفضول بسبب هذه الجلبة التي أثارها، ما قد يغير رأيهن/م فور مشاهدة الفيلم.

اتفقت المشاركات في نهاية الجلسة على كون فيلم “خيمة 56” يطرح إشكالية نسوية، ويسلط الضوء بشكل مباشر على معاناة النساء اللاجئات والمسؤوليات التي يحملن وزرها ويتحملن أثقالها وحدهن في معظم الأحيان، وأن العمل غني بالرمزيات والصور المؤثرة كمشهد البيت الذي يبنيه الأطفال من ورق مقوى وكيف يسقط فوق رؤوسهن/م أثناء اللعب، هذا المشهد الذي لخص معاناة اللاجئات واللاجئين في مخيمات غير آمنة وظروف حياة غير مستقرة تجعلهن/م مهددات/ين بالتشرد والحرمان من أبسط حقوقهن/م كبشر.