ورقة سياساتية – نحو دستور جندري وديمقراطي قائم على قيم الحرية والكرامة والمشاركة والمساواة

المخلص التنفيذي 

في قراءة عامة لمسار تفعيل مرحلة الانتقال السياسي في سوريا منذ أكثر من عام، وذلك عبر السعي والدفع بعملية الإصلاح الدستوري دولياً وأممياً، يمكن الوقوف على أمرين مترابطين؛ يتمثل الأول بأن اقتراح صياغة دستور جديد في سوريا ليس مطلباً شعبياً، حيث أن مسار العملية الدستورية قد بدأ خلف أبواب مغلقة وداخل أروقة دولية ذات مصالح سياسية ضيقة وعادت واشتركت فيه القوى المعارضة السياسية في مرحلة لاحقة. ويتمثل الأمر الثاني بمحدودية المشاركة السياسية النسائية والنسوية والشعبية في هذا المسار الانتقالي.
وبحسب المجموعات النسائية التي شاركت في سلسلة الجلسات التشاورية
[1]، فإن هذه المحدودية تأتي نتيجة تداخل عوامل التهميش والإقصاء (الحالي والتاريخي) للفئات النسوية والشعبية وذلك من قبل القوى السياسية التابعة للنظام ولقوى المعارضة على حد سواء.

 وهذا التهميش والاقصاء من قبل الأطياف السياسية المختلفة، والذي ترافق مع تهميش واقصاء تاريخي من قبل النظام في سوريا للفئات الشعبية والنسوية والنسائية، ولّد أو عزز انعداماً في الثقة النسوية والشعبية بجدية طرح أية حلول للانتقال السياسي بشكل ديمقراطي وسلمي. ولعل انعدام الثقة هذه قد انعكس، ليس على نظام الحكم وعلى آلية عمل مؤسساته فحسب، بل على العملية الدستورية المقترحة بشكل خاص، ومن ضمنها اللجنة الدستورية التي تعتبرها النساء محاصصة سياسية مسقطة بالمظلة.

 وعلى الرغم من ذلك، وإذا كانت هذه العملية الدستورية ستُدفع قدماً من قبل الجهات الدولية و/أو الأممية وبمشاركة من قبل القوى المعارضة، رغم العرقلة السياسية الواضحة التي يتبعها النظام لتفعيل هذا المسار، فإن المجموعات النسائية أصرت على أن يكون صوتها وقضاياها وحقوقها ملحوظة في مسار (سياق) وفي مضمون الدستور الجديد الذي يجري الحديث حوله. 

 وفي هذا السياق، عقدت الحركة السياسية النسوية السورية بالتنسيق والشراكة مع رابطة النساء الدولية للأمن والسلام والحرية سلسلة من الجلسات التشاورية مع ثماني مجموعات نسائية خلال شهري كانون الأول ٢٠١٨ وكانون الثاني ٢٠١٩. وهدفت هذه اللقاءات إلى رصد أولويات النساء، والتحديات التي تواجههن، بالإضافة إلى الوقوف على مواقفهن وآرائهن وتطلعاتهن حول مسار ومضمون الدستور الذي يطمحن إليه في سوريا. كما هدفت إلى خلق مساحات سياسية من الحوار والتشاور مع هذه المجموعات النسائية، بهدف تدعيم الثقة بينهن وبين القوى النسوية السياسية الناشطة في هذا المجال. عقد اثنان من اللقاءات الثمانية في مناطق تحت سيطرة النظام، وخمس جلسات في الشمال السوري، بالإضافة إلى جلسة عقدت في إحدى الدول المجاورة، وذلك بمشاركة أكثر من ١٢٥ سيدة و٩ رجال[2].

 وضعت النساء المشاركات في سلسلة الجلسات التشاورية في ما يمكن تسميته بـ “مانيفستو حقوقي نسوي” غطين فيه كافة مجالات الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يطمحن أن تكون واردة في الدستور الجديد أو أقله تضمينه مجموعة من القيم والمبادئ التي تتعلق بالمساواة وإلغاء التمييز على أساس النوع الاجتماعي. وكانت النساء قد خلصن إلى مجموعة من الخطوات العملية والتوصيات التي يردن للدستور الجديد أن يتضمنها ليكون حساساً لقضايا النوع الاجتماعي ولحقوقهن كمواطنات متساويات في المجتمع.

 وبالرغم من عدم استطاعتهن تحديد شكل الحكم المنشود والذي يجب أن يتضمنه الدستور الجديد، سواءً كان برلمانياً أم رئاسياً أم مختلطاً، أكدت النساء وبكل وعي نسوي وثقافة سياسية إلى أن أبرز المبادئ التي يجب أن تنعكس على مضمون الدستور الجديد هي الديمقراطية والتعددية وذلك عبر تفعيل نظام المراقبة والمحاسبة، وضمان عدم تمتع الرئيس بصلاحيات مطلقة وتفعيل مبدأ فصل السلطات.

 تجدر الإشارة إلى أنه وبالرغم من إشارتهن إلى حاجاتهن لمسار من التوعية والتمكين السياسي، إلا أن النساء قد أظهرن وعياً نسوياً سياسياً فطرياً خلال الجلسات التشاورية التي عقدت في بعض المناطق في سوريا وفي دولة مجاورة. وقد تجلى هذا الوعي النسوي السياسي من خلال الثقافة والرؤية السياسية التي تبدت في سياق الجلسات التشاورية بشكل فطري دون أن يدركن بالضرورة أنهن يتحدثن في السياسية ويمتلكن القدرة على تحليل الأمور من وجهة نظر سياسية.

ويمكن لمس هذا الوعي النسوي – السياسي من خلال ما يلي:

– إحاطة النساء بمسار الحل والانتقال السياسي الذي بدأ خلف أبواب مغلقة وداخل أروقة دولية ذات مصالح سياسية ضيقة؛ 

–  تأكيد النساء على أن الدستور يجب أن يكون سورياً وأن يحظى باستفتاء شعبي، معتبرين أن الحل السياسي قد أنزل بالمظلة بعيداً عن الأخذ بأولويات الفئات النسوية والشعبية أو إشراك هذه الفئات المجتمعية في سياق رسم الحل السياسي؛

–  وعي النساء بأبعاد الممارسات التي يتبعها النظام السوري في الإقصاء والتهميش الممنهج بحق الشعب بشكل عام وبحق النساء خصوصاً ما يعد تهميشاً مضاعفاً للفئات النسوية والنسائية، وذلك كونه نتيجة إقصاء كافة القضايا الحقوقية والنسوية واعتماد أدوات العسكرة وتقييد الحركة وتقييد المجتمعات وبث الممارسات الذكورية من ترهيب أو تحرش جنسي واغتصاب وغيرها؛

– وعي النساء بآليات التهميش الذي تتبعه بعض فصائل المعارضة وقوى الأمر الواقع في بعض المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، وذلك عبر تقويض الوصول إلى جملة المستحقات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى فرض جملة من الممارسات التي ترتكز على الأعراف التي تقيّد حرية النساء وحركتهن ووصولهن إلى الموارد الاجتماعية والمادية المختلفة؛

– التشكيك في جدوى مسار تشكيل اللجنة الدستورية لا سيما في ظل غياب معايير لاختيار الأعضاء بشكل يتناسب والمهمة الموكلة لها؛

–  تحديد النساء لأولويات الانتقال السياسي من حيث ضرورة طرح موضوع استتباب الأمن والسلام المستدام وملف المعتقلات والمعتقلين والمختطفات والمختطفين، ومعرفة مصيرهن/هم قبل أو بالتزامن مع طرح قضية الإصلاح الدستوري “علينا أولاً التخلص من القضايا العالقة ثم الحديث عن الدستور، نريد ضمان الأمن والأمان ومدى مصداقية هذا الأمن، من ثم يأتي ميثاق شرعي يضمن حقوقنا التعليمية والصحية والسياسية، لكننا لن نقبل بدستور غير شرعي (إحدى النساء المشاركات في سلسلة الجلسات التشاورية)”؛ 

– تحديدهن لأبرز القيم والمعايير والمضامين النسوية والحقوقية التي يجب أن يلحظها الدستور ليكون دستوراً نسوياً وديمقراطياً ويعبر عن الشعب الذي يصدر باسمه؛

تجدر الإشارة إلى أن هذه الوثيقة هي عبارة عن خارطة طريق قامت بتلخيص وتبويب وتحليل أبرز المعطيات التي تقدمت بها النساء المشاركات في الجلسات التشاورية ، وذلك من وجهة نظر نسوية، للتأثير في العملية الدستورية مساراً ومضموناً. كما تقدم هذه الورقة عرضاً لأبرز المطالب النسوية مع إشارة إلى التحديات والتوصيات التي يجب تسليط الضوء عليها وضرورة لحظها خلال البحث في قضية مفصلية مثل قضية الدستور. تجدر الإشارة إلى أن هذه الورقة تقدم مجموعة من العناوين عبر تحليل ورصد أبرز التقاطعات في المواقف والآراء التي عبّرت عنها النساء في المناطق التي شملتها الجلسات التشاورية. وعليه، تم لحظ أبرز النقاط التي شكلت توافقاً بين النساء بالرغم من الاختلافات الثقافية والفكرية والأيديولوجية، كما تم لحظ بعض النقاط المفصلية ذات القاعدة الحقوقية والتي تناولتها بعض النساء في بعض المناطق وإن لم يتم الإجماع عليها في كافة المناطق كونه لم يكن بالإمكان سوى لحظها، كونها تعد مفصلية في موضوع المقاربة الجندرية للدستور.

التوصيات[3]

في مسار العملية الدستورية

1) ضمان إشراك الفئات الشعبية والمجتمعية (ومن ضمنها النسائية والنسوية) في سياق العملية الدستورية والوقوف على مطالبهن/هم واحتياجاتهن/هم وأولوياتهن/هم لضمان شرعية شعبية للدستور، مع التأكيد على ضرورة إشراك النساء في صياغة الدستور وذلك عبر اطلاعهن عليه قبل إصداره والتصويت عليه.

2) ضمان مراعاة التمثيل الجندري والكوتا النسائية في تشكيل عضوات/أعضاء اللجنة الدستورية تحديد الكوتا النسائية بـ٣٠٪ كحد أدنى من ضمن عضوات/أعضاء اللجنة الدستورية التي سيوكل إليها مناقشة ووضع مسودة الدستور.

3) تأكيد وجود معايير واضحة في اختيار العضوات والأعضاء الذين سيتم ترشيحهن أو ترشيحهم لتشكيل اللجنة الدستورية بحيث تكون عملية صياغة الدستور عملية تقنية وليست عملية محاصصة سياسية.

في مضمون الدستور في الديباجة/ القيم والمبادئ

1)  أن ينص الدستور بصراحة على قيم المساواة والعدالة الجندرية، وضمان كرامة وحرية النساء، والاحترام والمشاركة والتعاون والحد من التمييز على كافة المستويات والصعد لا سيما على أساس العرق أو الجنس أو الجندر.

2) ضمان عدم وجود مواد في الدستور تناقض جملة هذه المبادئ لا سيما تلك التي تتطرق إلى أساس البنية المجتمعية وأدوار النساء.

3) ضرورة أن يتضمن الدستور مبادئ الديمقراطية والتعددية وذلك عبر تفعيل نظام المراقبة والمحاسبة، وضمان عدم تمتع الرئيس بصلاحيات مطلقة وتفعيل مبدأ فصل السلطات.

4) ضرورة أن ينسجم الدستور مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا، وأن ترفع تحفظاتها عن بعض البنود في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء (سيداو) لا سيما البند رقم ٢ و٩ و١٥ و١٦ ضماناً للمساواة.

 في جملة الحقوق

1)  يجب أن يكفل ويضمن الدستور كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للنساء وأن تطغى سلطة الدستور على سلطة الأعراف الاجتماعية.

2) ضمان تكريس حق النساء في سوريا بالمواطنة الفاعلة عبر تكريس حقهن بمنح جنسيتهن لأزواجهن وأولادهن في حال تزوجن من مواطنين غير سوريين.

3) ضرورة تخصيص مواد في الدستور لحماية النساء، وضمان تطبيق الدستور.

4)  ضرورة تضمين مواد بالدستور حول الكوتا النسائية لضمان مشاركة النساء في الحياة السياسية، “تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية”.

5)  عدم اعتماد الدستور على الدين كمصدر للتشريع لا سيما فيما يخص قانون الأحوال الشخصية وضرورة فصل الدين عن الدولة “المطالبة بزواج مدني وألا يعتمد الدستور على الدين كمصدر للتشريع، حيث أن قانون الأحوال الشخصية هو أكثر قانون فيه تمييز بين الرجل والمرأة”، “يجب فصل الدين عن الدولة وكف يد السلطة الدينية عن الدولة”.

6)  يجب أن ينص الدستور على الحد الأدنى للزواج بعمر ١٨، “وأن ينص على إلزامية التعليم ومنع الزواج خلال مرحلة الدراسة الأساسية”.

7)  يجب ضمان الحماية القانونية والدستورية للنساء الناجيات من العنف الأسري والمنزلي.

 في دين وجنس الرئيسة أو الرئيس

1)  ضرورة عدم تحديد دين الرئيس في الدستور ضماناً للتعددية والديمقراطية

2) جندرة اللغة الدستورية، بحيث تكون حساسة وشاملة لحقوق جميع المواطنات والمواطنين، والتركيز بشكل أساسي على جندرة المادة الرابعة والثمانون والتي تحدد شروط الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، فلا تقتصر إمكانية الترشح على الرجال فقط.

للاطلاع على الملخص كاملاً انقر/ي هنا

للاطلاع على الورقة كاملة انقر/ي هنا

[1] يمكن الرجوع إلى القسم الخاص بالمنهجية المتبعة في اعداد هذه الورقة

[2]تجدر الإشارة إلى أن مشاركة الرجال كانت قد اقتصرت على منطقة واحدة كأول جلسة تم بعدها اتخاذ القرار بحصر المشاركة بالسيدات فقط، لضمان عدم استقطاب الحديث من قبل الرجال، وللخروج بوجهة نظر نسوية حول الموضوع المطروح.

[3] تجدر الإشارة إلى أن التوصيات المدرجة في هذه الورقة هي توليف synthesis لأبرز المطالب التي ذكرتها وعبّرت عنها النساء في سياق الجلسات التشاورية بكل وعي سياسي نسوي فطري، والتي تقاطعت بدرجة كبيرة وتوافقت حولها معظم النساء بين مختلف المناطق.