خريف عاصف يجتاح كلاً من سوريا وفلسطين، سبقه ربيع السويداء الذي مازال مستمراً، يزهر في الساحات مظاهراتٍ سلميّةً، منذ أكثر من خمسين يوماً، مظاهرات مدنيّة ترفع شعارات، تنادي برحيل النظام، وضرورة تطبيق القرار 2254، وتؤكّد على بناء دولة ديمقراطيّة علمانيّة في سوريا موحّدة، وترفض التقسيم، وتندّد بهجمات الطيران السوريّ والروسيّ على إدلب. هذه المظاهرات أعادت الأمل إلى كلّ السوريين/ات، وكانت لسان حالهم/ن في جميع المناطق، التي لا يستطيعون التعبير فيها خوفاً من قمع النظام وبطشه.

وحسب قوانين الحرب والمصالح الدوليّة المتشابكة في المنطقة، كان لابدّ من طمس بوادر الربيع، وإلحاقها بخريف عاصف يشبه /12/ خريفاً سبقه في سوريا، ابتدأ في الخامس من هذا الشهر بهجوم بالطائرات المسيّرة مجهولة الهويّة، على حفل تخريج ضباط في الكليّة الحربيّة في حمص، راح ضحيته أكثر من /110/ قتيل، بين عسكريّ، ومدنيّ، نساءً ورجالاً وأطفالاً. هجوم اتّهم النظام به مباشرة الفصائل في إدلب، التي لم تدلِ بأيّ تصريحٍ، تتبنّى فيه هذا الهجوم أو تدينه. ورغم أن أصابع الاتهام يمكن توجيهها إلى إيران، التي لها مصلحة حقيقية في دعم النظام، وتحويل الأنظار عن مظاهرات السويداء، التي لاقت دعماً سوريّاً ودوليّاً، إلا أنّ أحداً لم يقم بتوجيه اتّهام رسميّ لها. واستفاد النظام جيداً من هذا الهجوم وحالة الاستنكار الشديدة التي رافقته، حيث ابتدأ هجوماً جويّاً مكثّفاً مع حليفه الروسيّ، على كلّ المناطق العسكريّة والمدنيّة، والمنشآت الحيويّة في إدلب موقعاً أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين/ات. وترافق هذا الهجوم بهجوم موازٍ من الطائرات التركيّة، باتجاه مناطق الإدارة الذاتيّة في الشمال السوريّ، موقعة خسائر كبيرة في البنى التحتيّة في عامودا والقامشلي، في ظل صمت دوليّ مطبق.

هذان الهجومان المتوازيان لتغيير ورسم حدود جديدة للصراع، ترافقا مع هجوم طرف ثالث، هو هجوم حماس “ذراع إيران في المنطقة” بعمليّة ابتدأت بعد يومين فقط من مجزرة الكليّة الحربيّة بحمص. ففي السابع من هذا الشهر، قامت حماس بتنفيذ هجوم؛ بريّ وبحريّ وجويّ على غلاف غزّة، ضمن إطار عمليّة سميت “طوفان الأقصى”، أسرت خلالها حوالي /200/ إسرائيلي/ة بين عسكري ومدني، وكان أوّل تصريح لإسرائيل؛ إنّ هجوماً إيرانيّاً سيبرانيّاً على إسرائيل، عطّل كلّ البنى التحتيّة، ومكّن عناصر حماس من الدخول، وتنفيذ هذه العمليّة المفاجئة.

وعلى عكس الإمكانيات العسكريّة الضعيفة لكلّ من الفصائل في إدلب والإدارة الذاتيّة، في الشمال السوريّ في ردّهما على الضربات، التي يتعرضان لها على اختلاف منفّذيها.

وكان ردّ إسرائيل، وكما هو متوقّع صاعقاً ومدمّراً، بدعم وتأييد أميركيّ بريطانيّ وأوروبيّ منذ اللحظات الأولى للهجوم.

هجوم لم يستثنِ حتى المستشفيات والملاجئ والمدارس، والبنى التحتيّة، ترافق مع قطع الكهرباء والوقود والغذاء عن غزة. ورغم مناشدات دول عديدة لإسرائيل بتحييد المدنيين/ات، إلا أنّ إسرائيل تريد أن تستغل هجوم حماس على أكمل وجه، لتنفيذ مخطّطها القديم الجديد، وهو تغيير ديمغرافيّة فلسطين، وترحيل أهل غزة عن أرضهم، وقد باشرت هذه العمليّة بترحيل سكان القطاع الشماليّ من غزة إلى الجنوب، حيث تمّ تهجير حوالي مليون مواطن/ة عن بيوتهم/ن، في عمليّة وحشيّة غير مسبوقة في التاريخ، ضاربة عرض الحائط بكلّ القرارات الدوليّة، التي تنصّ على حماية المدنيين/ات، وعلى حقّ الفلسطينيين في أرضهم، وحقّهم في المقاومة.

خلال /12/ يوماً، وصلت حصيلة القتلى في فلسطين إلى أكثر من /3000/ قتيل وآلاف الجرحى.

وقد اتّسمت مواقف الدول العربية من هذا الهجوم العنيف بالفرديّة والخجل، حيث أوقفت المملكة العربيّة السعوديّة عمليّة التطبيع مع إسرائيل، وطالبت بوقف الحرب ومنع تهجير الفلسطينيين/ات، وإيصال المساعدات. في حين رفضت مصر ترحيل الفلسطينيين/ات إلى سيناء، واقترحت صحراء النقب في فلسطين. كما رفضت الأردن فتح حدودها واستقبال الفلسطينيين/ات.

وانتهى اجتماع وزراء خارجيّة الدول العربيّة، الذي عقد في الحادي عشر من الشهر الجاري، إلى الدعوة لوقف إطلاق النار وإدانة قتل المدنيين/ات، وأكّد ضرورة إحياء العمليّة السلميّة، وإطلاق مفاوضات جادّة بين منظمة التحرير الفلسطينيّة، بوصفها الممثل الشرعيّ والوحيد للشعب الفلسطينيّ وإسرائيل.

اللقاء الرباعي الذي كان مقرّرا بين الرؤساء؛ الأميركيّ والفلسطينيّ والأردنيّ والمصريّ، أفشله القصف على مستشفى الأهلي المعمدانيّ في غزة، وما رافقه من قتل وجرح المئات، وسط استنكار عالميّ شديد. ورغم محاولة إسرائيل اتّهام حركة الجهاد الإسلامي بهذا القصف بالخطأ، إلا أنّها لم تبرز أيّ دليل رغم مطالبات روسيا المستمرّة.

إسرائيل مازالت ترفض إيصال المساعدات إلى أهل غزة، مالم يتمّ تسليم الأسرى من قبل حماس، وما زالت تتابع تنفيذ مخططها الاستيطانيّ، على مرأى العالم ومسمعه، حيث يتمّ معاقبة شعب كامل، أرضه محتلة، وبدعم الدول الكبرى لدولة تَدّعي أنها الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط، وبدعم من كلّ الدول التي تدّعي احترام حقوق الإنسان، وتنصّ عليها في دساتيرها، حيث فشل مشروع قرار قدّمته روسيا إلى مجلس الأمن،  يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانيّة، ومشروع قرار آخر قدّمته البرازيل، يدعو إلى هدنة إنسانيّة للسماح بوصول المساعدات الإنسانيّة، بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق، وذلك بسبب اعتماد الولايات المتحدة الأميركيّة حقّ النقض الفيتو.

ويُخشى من امتداد الحرب إلى لبنان، وتحوّلها إلى حرب إقليميّة، حيث تدور مناوشات يوميّة بين حزب الله وإسرائيل، ظلت محصورة في الأيام الأولى ضمن أراضي مزرعة شبعا، وامتدّت في اليومين الأخيرين لتطال كلّ الحدود الجنوبيّة للبنان.  كما يُخشى من امتدادها إلى سوريا، وزجّ المنطقة بأكملها بحرب إقليميّة، يخرج منها الجميع خاسرين.

خاصة وأنّ قدوم حاملتي طائرات أميركية، وأخرى بريطانية إلى المنطقة، لا تقنع أنها لمواجهة فصيل مسلح صغير كحماس، وإنما لتغيير موازيين القوى في المنطقة كلها لمصلحة أمن إسرائيل، وإضعاف إيران وذراعيها في المنطقة؛ حزب الله وحماس. ودعماً لنتنياهو الذي تدهورت شعبيّته مؤخّراً. وسيكون الخاسر الوحيد من هذه العملية، هما الشعبين السوريّ واللبنانيّ، حيث ستدار المعركة من أراضيهما، بالإضافة إلى الشعب الفلسطينيّ، لأنّ إيران تدير المعركة من خارج أرضها.

إنّنا في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة، نطالب أولاً بإدخال المساعدات الإغاثيّة والدوائيّة، وإعادة الماء والكهرباء إلى الشعب الفلسطينيّ دون قيد أو شرط.

ثانياً: لا بدّ من وقف فوريّ لإطلاق النار في غزة، خاصة أنّه لا يمكن تحييد المدنيين/ات، في منطقة هي الأكثر كثافة سكانيّة في العالم. ووقف عمليات التهجير القسريّ لسكان غزة. 

ونؤكّد أنّ السلام في فلسطين، وفي كلّ دول الشرق الأوسط، لا يمكن أن يحدث قبل اعتراف إسرائيل بحقّ الشعب الفلسطينيّ، في بناء دولته الحرّة على أراضي عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقيّة، تنفيذاً لكلّ القرارات الأمميّة الصادرة بهذا الخصوص، ولاسيّما قرار مجلس الأمن رقم /242/ لعام 1967.

وعلى حقّ فلسطينيي عام 1948، في العودة إلى أراضيهم وبيوتهم، التي هُجّروا منها والتعويض عنهم تنفيذا للقرار الأمميّ رقم /194/. 

ونجدّد التأكيد على رفضنا وإدانتنا لجميع أنواع العنف أيّا كان مرتكبها، التي تطال المدنيين/ات من كلّ الأطراف.

 

اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة