جوانب من الحضور الإيراني في سوريا  

 

التواجد الإيراني في سوريا يعود لعقود خلت عبر أشكال متعدد على كافة مستويات الحياة السورية، ويتجلى في أكثر من ثماني لجان متخصصة تشكلت أثناء وبعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في أيار من العام 2023، التي أبرم فيها (15) اتفاقية بين طهران ودمشق، وعملت هذه اللجان في (المصارف والشؤون المالية والتأمين، والثانية تخصصت بالشؤون الاستثمارية، والثالثة في شؤون النفط واستثماره، الرابعة في النقل وموضوع الممر السككي والرحلات بين البلدين ومساعدة الأسطول السوري، الخامسة في التجارة والصناعة وبناء المدن، السادسة تهتم بالزراعة ونقل التجارب والخبرات فيها، السابعة في مجال السياحة ومنها السياحة الدينية، حيث وضع هدف دخول 50 ألف زائر/ة إيراني/ة إلى سوريا، بمعدل ألف زائر/ة أسبوعياً، الثامنة تعمل على متابعة الديون والمستحقات لإيران، وإعطائها أراضي بدل الديون).

 

زمن القطاف:

تعد الاتفاقيات التي فرضها نظام الملالي على النظام السوري ركيزة للحيازة الكبيرة التي تسعى إليها طهران عبر شركاتها، في محاولة منها لاسترداد ما قدمته في دعم النظام من ديون عليه، بعد أن وظفت جل إمكانياتها العسكرية والمادية لبقاء بشار الأسد على رأس السلطة منذ الثورة في العام 2011.

وتقدر الأمم المتحدة أن متوسط الإنفاق الإيراني في سوريا ما يعادل 6 مليارات دولار سنوياً، في حين أن الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني “حشمت فلاحت بيشه” أكد عقب زيارة رئيسي، أن المستحقات الإيرانية على دمشق 30 مليار دولار، بينما سربت الرئاسة الإيرانية وثيقة كشفت فيها أن طهران صرفت 50 مليار دولار على الحرب في سوريا على مدى عشر سنوات، ما يزيد من الشكوك حول قدرة النظام السوري على تحقيق الاستقرار الاقتصادي. 

ومن المشاريع الاستثمارية الإيرانية مشروع «زاهد» الزراعي لتربية المواشي، حيث من المقرر أنه من خلاله سيتم سداد 7 ملايين دولار من مطالب إيران من سوريا على مدى 25 عاماً. 

ويقوم بإدارته «الحرس الثوري الإيراني» و«حزب الله اللبناني»، وتأتي أهميته من موقعه الجغرافي حيث يبعد 25كم عن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.

وتبلغ مساحة المبقرة، 276 هكتاراً تعادل نصف المساحة الزراعية التي تطالب إيران باستثمارها في سوريا.(1) 

وهناك مشروع آخر لاستصلاح مساحات واسعة من الأراضي في الميادين في دير الزور، ومد شبكات ري فيها، واستثمار وتسويق منتجاتها محلياً.

وفي مجال النفط إن السعي الإيراني لتطوير حقول وآبار النفط الواقعة تحت سيطرة النظام، ولا يسيطر حالياً سوى على 20% من الثروة النفطية في سوريا، ولا تقدم له مساعدات نفطية بما يلبي حاجته.  

أما على صعيد المال والمصارف، فقد تأسس بنك وشركة تأمين، وبهذا لا يستطيع النظام مراقبة حجم التحويلات المالية الإيرانية الداخلة أو الخارجة من سوريا.

ومن جانب آخر أعلن وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني “مهرداد بزرباشي” أنه تم الاتفاق مع سوريا على إلغاء التعرفة الجمركية بين البلدين.

بينما في الكهرباء قامت مجموعة مينا الإيرانية بتأهيل المجموعة الخامسة من المحطة الحرارية في حلب، وأجرت صيانة لمحطة مدينة محردة لتوليد الطاقة وتأهيل مجموعاتها عبر نظام المقايضة بالفوسفات. 

وأنجزت بناء وحدات سكنية مزودة بالطاقة الشمسية، وذلك من خلال صندوق دعم استخدام قانون الطاقة المتجددة لدى وزارة الكهرباء السورية، ومن المشاريع المستقبلية التخطيط لبناء مصنع طاقة بديلة عبر الطاقة الشمسية أو الهوائية.

وأبرمت اتفاقاً لبناء محطة كهربائية بقيمة 400 مليون يورو، ما يعادل 460 مليون دولار في مدينة اللاذقية، وهي صفقة مربحة لطهران.

وكانت إيران قد فتحت خطا ائتمانياً بقيمة 3.5 مليار دولار في العام 2013، ووسعته بمليار دولار في عام 2015، هذا ما أسهم في استمرار دوران عجلة الاقتصاد السوري في تلك السنوات.

وعن التجارة بين البلدين قال المتحدث باسم هيئة تنمية التجارة في وزارة الصناعة الإيرانية «روح الله لطيفي» أن صادرات إيران إلى سوريا بلغت 218 مليون و260 ألف دولار في العام 2021، مسجلة نمواً بنسبة 99% مقارنة بالعام الذي سبقه، وتواصل هذا الاتجاه في العام 2022، وسجل نموًا بنسبة 10.6% من حيث الوزن، و11.4% من حيث القيمة، وبلغت الصادرات 147 ألف طن من السلع غير النفطية بقيمة 243 مليون و168 ألف و533 دولار.

 

حضور أكاديمي وثقافي:

 قامت المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق بالعمل مع الأكاديميين/ات في جامعة دمشق، ليحاضروا في “الثورة الإيرانية وقائدها”، احتفالاً بين كلية اللغة الفارسية، والمستشارية الثقافية الإيرانية، وأقامت معارض فنية تشكيلية إيرانية عن “الخميني”، مثل “الإمام الخميني في مرآة الفن السوري”.

 وأقامت كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق بتاريخ 8 حزيران 2023، معرضاً تضمن لوحات لـ “الخميني” وشخصيات إيرانية ذات ثقل عسكري وعقائدي في إيران.

 وتلعب المراكز الثقافية في دير الزور، والميادين دوراً في توظيف الأطفال والشباب عبر الأنشطة الترفيهية والدورات التعليمية المجانية في محاولة لجذبهم بمراحل لاحقة في ميليشيات تابعة لـ “الحرس الثوري الإيراني” الذي ينشط في منطقة الفرات.

وكذلك تستهدف المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق الأطفال والنساء بأنشطة فنية وثقافية بشكل أسبوعي. وتقيم مسابقات “ثقافية” تهتم بالحضور الإيراني ونقل مؤلفات قادته إلى العقول السورية والعربية، إذ أجرت المستشارية في شهر شباط الفائت مسابقة للقراءة بعنوان: قراءة كتاب (أن مع الصبر نصراً) مذكرات قائد الثورة الإسلامية في إيران، ومنحت المتسابقين مدة شهر كامل للقراءة مقابل “جوائز قيمة” للفائزين/ات.

 

الحسينيات تعزز الحضور:

 لا يقل خطر التعبئة العقائدية عن السيطرة الاقتصادية، لذا قامت ميليشيات “لواء فاطميون” الأفغانية التابعة للحرس الثوري الإيراني في بناء حسينية “آل البيت” في مدينة تدمر شرقي حمص، وحولت ميليشيات “حركة النجباء”، منزلاً استولت عليه في مدينة معدان بريف الرقة إلى حسينية، وفي قرية حطلة شمالي دير الزور وسعت حسينية “الملالي”، وأقامت حسينية “الأمام الباقر” و”أبو الفضل العباس” و”الإمام الحسين” و”قاسم سليماني”.

بالإضافة إلى زيارات الحجيج إلى مقامي “السيدة زينب” و”السيدة رقية”، ولم يوضع في الخدمة مجمع السيدة “فاطمة” في منطقة الشاغور في دمشق.

أخيراً، إن إيران تدعم بقوة النظام السوري ضد الشعب السوري، معتبرةً سوريا جزءًا من منطقة نفوذها، وتقدم إيران دعمًا ماديًا وعسكريًا ضخمًا للنظام، معتقدةً أن بقاء الأسد ضمانة لبقاء سوريا منطقة نفوذها.

وتتنافس إيران مع روسيا للسيطرة على نظام الأسد، حيث تمتلك روسيا مزايا أقوى من إيران، مثل كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن وقوة جوية حاسمة.

 وتعتبر تركيا هي المنافس القوي لإيران في سوريا، إذ تمتلك مزايا اقتصادية وعسكرية وتاريخية وثقافية تفوق إيران.

 وتنظر إيران إلى التطبيع مع السعودية والدول العربية نظرة مزدوجة، فهي تريد إعادة تأهيل النظام عربيًا، لكنها تخشى من تزايد النفوذ العربي على حسابها، وتفضل إيران استمرار التهديد على توسع النفوذ العربي في سوريا.

أما بالنسبة للمعارضة السورية، فإيران تحرص على عدم إضعاف النظام السوري وترفض إشراك المعارضة في السلطة، إذ تعتقد أن بقاء الأسد شخصيًا هو الضمانة الوحيدة، لذلك لن يتغير دور إيران إلا تحت ضغوط دولية وضمن مقايضات محددة، ولا تبدو مثل هذه الضغوط أو المقايضات واردة الآن.

 

إننا في الحركة السياسية النسوية السورية، نرفض بشكل قاطع أي تدخل أجنبي في سوريا، بما فيه التدخل الإيراني. وتعتبر الحركة أن التدخل الإيراني يهدد سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ويطل أمد الصراع.

وتُطالب الحركة السياسية النسوية السورية بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا، بما في ذلك القوات الإيرانية وميليشياتها التي تهدد حقوق النساء وتُقيد حرياتهن، إذ تشكل ممارساتها تهديداً لحقوق النساء في سوريا.

وترى الحركة السياسية النسوية السورية أن الوجود الإيراني وميليشياته في سوريا يُؤثر سلبًا على المجتمع السوري، ويُؤدي إلى انتشار الطائفية والتطرف، وتطالب بوقف جميع الممارسات التي تُؤثر سلبًا على المجتمع السوري.

وتدعو الحركة السياسية النسوية السورية للتعاون والضغط من جميع الأطراف الدولية لحل الأزمة السورية وفق مقررات الأمم المتحدة لأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية.

 

اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة

 

(1)  مبقرة «زاهد» أكبر المباقر في سوريا، لم تكن خاسرة اقتصادياً، إلا أنها منحت لإيران للاستثمار بموجب اتفاقية التعاون الاقتصادي، مقابل دفع إيران 200 ألف دولار سنوياً، وصل إنتاجها إلى 5 أطنان من الحليب يومياً، وتزود معمل أجبان وألبان حمص بالحليب، ويعمل بها أكثر (50) كادر من الأطباء/الطبيبات البيطريين/ات والمهندسين/ات الزراعيين/ات والعمال.