التصعيد العسكري في شمال سوريا: تأثيراته الإنسانية وتداعياته السياسية

 

أحجم النظام السوري عن الرد على إسرائيل إثر قصفها مطاري حلب ودمشق، وهما من المطارات ذات الأهمية الدولية. وشن بدلاً من ذلك، مع حليفه الروسي، خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023، شن سلسلة من الهجمات العنيفة على الأحياء السكنية والمنشآت العامة في مدينة إدلب وأريافها، وريف حلب الغربي. جاء ذلك حسب زعمهم، ردا على استهداف الفصائل المسلحة في إدلب، لحفل تخرج الضباط بالكلية الحربية في مدينة حمص، ما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، على الرغم من عدم تبني العملية من أي جهة.

في الوقت الذي انتفض فيه العالم ضد الكيان الإسرائيلي، إثر قصفه مستشفى المعمداني في قطاع غزة، قام نظام الأسد بقصف أربعة مستشفيات، وست مدارس، وأربعة مخيمات وأسواق شعبية. هذا القصف لم يدمر الحجارة فحسب، بل أجبر الناس على النزوح إلى الخيام، وأدى إلى قتل وإصابة العديد من المدنيين|ات، بينهم أطفال.  

هنا بدأت معاناة أكثر من 4.5 مليون نسمة، منهم 1.9 مليون يقيمون في مخيمات للنازحين داخليًا، حيث بات شهر تشرين الأول شهرًا داميًا. وقد وثقت منظمة الدفاع المدني في شمال سوريا سقوط 66 ضحية مدنية، وإصابة أكثر من 270 شخصًا جراء هذه الهجمات، التي شملت استخدام أسلحة حارقة وعنقودية محظورة دوليًا. أدت هذه الهجمات إلى توقف العملية التعليمية والخدمات الطبية العامة، وحُرم أكثر من مليوني مدني|ة من الرعاية الصحية الأساسية.  وتعد هذه الهجمات استهدافًا مباشرًا وممنهجًا للمدنيين/ات والبنية التحتية، وتشكل جرائم حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.

أيضاً تسببت الهجمات بنزوح آلاف العائلات، ومن المتوقع ارتفاع العدد، حيث تستمر عمليات الإجلاء إلى ملاجئ مؤقتة. تواجه العائلات النازحة ظروفًا كارثية، مع احتياجات ملحة للغذاء، المياه النظيفة، المأوى، الرعاية الصحية، والتعليم. ويُخشى من تفاقم المعاناة مع قرب حلول فصل الشتاء وتجدد موجات النزوح، خاصةً مع استمرار الاحتياجات الإنسانية منذ اندلاع الحرب قبل 12 عامًا والزلزال الأخير. وتزامن ذلك مع قرب انتهاء صلاحية التصاريح لإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى.

تعكس هذه الأحداث سياسة النظام السوري الرامية إلى زعزعة استقرار السوريين والسوريات، وزيادة الأعباء الاقتصادية والنفسية في المناطق الخارجة عن سيطرته. هذه السياسة تجعل الحياة شديدة الصعوبة للمدنيين والمدنيات، وتزيد الضغط عليهم لإجراء مصالحات مع النظام التي تعني العودة إليه دون شروط، لتكريسه.

كما أنه يرسل من خلال هذا القصف المستمر رسالة إلى مؤيديه مفادها أن الحرب مستمرة، وأن عليهم الصمود وتحمل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. أيضًا، يسعى إلى تنفيس الغضب الشعبي الناجم عن تفجير الكلية الحربية. 

إضافة إلى ذلك؛ وبالنظر إلى التوقيت وشدة التوترات الحالية، وفي ظل ما يواجهه النظام السوري من أزمات سياسية واقتصادية، تدفعه إلى التصعيد العسكري. الذي يُستخدم كوسيلة لإضعاف المنطقة ولخلط الأوراق، وفرض وجوده كفاعل قادر، ويمتلك زمام المبادرة، وخاصة في ظل الانتكاسات الأخيرة التي يواجها، بما في ذلك الحراك الشعبي في السويداء، وعدم إحراز تقدم ملموس في المبادرة العربية، وتلاشي الدعوات من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتعويمه وإعادة تدويره.  من جانب آخر، استمرار إشعال المنطقة عسكرياً يخدم في تعطيل أي حل سياسي. فالنظام السوري يعي أن التوقف عن العنف قد يفتح الباب أمام حلول سياسية، وبالتالي انهاء حكمه، وهو ما يرفضه تماماً.  

غالبًا ما تتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر للعواقب اللاإنسانية للنزاعات المسلحة. وهو ما أكدته بيانات المنظمات العاملة في إدلب، حيث تشكل النساء والأطفال الجزء الأكبر من الضحايا والنازحين. وكذلك التعرض للعنف وفقدان البنية التحتية الأساسية كالمستشفيات والمدارس، يضع النساء في وضعية ضعف شديد، حيث يتحملن العبء الأكبر في الحفاظ على الصحة الأسرية والتعليم، في ظروف شديدة القسوة.  

 علاوة على ذلك؛ يزيد النزوح والاعتماد على المخيمات، من تعرض النساء للعنف الجنسي وغيره من أشكال الاستغلال. فالظروف القاهرة في المخيمات تحرم النساء من الخصوصية والأمان، وتجعل من الصعب عليهن الوصول إلى الرعاية الصحية المتخصصة، بما في ذلك الرعاية الصحية الإنجابية.  

إضافة إلى ذلك؛ يزيد القصف المستمر وتدمير البنية التحتية من الأعباء الاقتصادية والنفسية على النساء. وفي الكثير من الأحيان، يتحتم على النساء تولي مسؤولية إعالة الأسرة بمفردهن، في ظل غياب أو فقدان الشركاء أو المعيلين الذكور بسبب النزاعات. هذه الضغوط قد تؤدي إلى زيادة حالات الاكتئاب والأمراض النفسية والجسدية الأخرى بين النساء.  

إننا في الحركة السياسية النسوية السورية؛ ندعو إلى تكثيف الضغط الدولي والعربي، لاستخدام القنوات الدبلوماسية من أجل الضغط على النظام السوري وحلفائه، لوقف هجماتهم على المدنيين/ات والبنية التحتية في سوريا. كما نطالب ببدء مفاوضات سلام جدية تؤدي إلى عملية انتقال سياسي، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 والقرارات ذات الصلة.  

بالإضافة إلى ذلك؛ نؤكد على ضرورة ضمان استمرارية فتح المعابر الحدودية لتمرير المساعدات الإنسانية، وخاصةً معبر باب الهوى. ونطلب من الدول المانحة توفير المساعدات المالية واللوجستية اللازمة، لدعم العائلات النازحة والمجتمعات المتأثرة بالنزاع.  

كذلك؛ ندعو إلى تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بحماية النساء والأطفال في مناطق النزاع، وتوفير حماية خاصة لهم/ن داخل المخيمات وفي المناطق التي تضررت جراء الحرب.  

وأخيرًا؛ نطالب بمحاسبة النظام السوري وحلفائه على الجرائم التي ارتكبوها ضد المدنيين/ات، وذلك وفق مبادئ القانون الإنساني الدولي.  

وفي نهاية المطاف؛ تظل الأوضاع في سوريا معقدة ومتداخلة مع الديناميات الإقليمية والدولية، وتحتاج إلى جهود دبلوماسية مكثفة لإيجاد حلول سياسية تضمن حماية السكان المدنيين وتحقيق الاستقرار في المنطقة.  

 

اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة