حول القمة العربية الأخيرة في الجزائر

 

انعكس الصراع الدوليّ على الأرض السوريّة، مواقفَ متباينةً للجامعة العربيّة، كونها جزءاً من المنظومة الدوليّة، وبحكم مصالح دولها، وتحالفات كلّ منها.

فلم تفلح الجهود العربيّة إلى الآن، في إعادة النظام السوريّ إلى منظومة الجامعة العربيّة، على الرغم من تسابق بعض الدول، لإعادة علاقاتها مع النظام. فمازالت الأرض السوريّة مسرحاً للصراع الدوليّ، ومازال هناك بعض العوائق المتمثّلة باستمرار الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي بسياساتهما تجاه النظام السوري، بربط رفع العقوبات، وإعادة الإعمار ببدء عمليّة الانتقال السياسيّ.

وقد يكون لاختلاف أجندات الدول العربيّة نفسها، دور في ذلك، فقرارات الجامعة العربيّة تُتّخذ بالإجماع. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة، التي بذلتها الجزائر، بحكم ترؤسها لقمة 2022، وبدعم روسيّ، إلا أنّها تراجعت أمام الانقسام العربيّ حول الملفّ السوريّ، ورغبتها في إنجاح هذه القمّة، واكتفت برفع علم النظام رغم غيابه.

فقد تمخّضت هذه القمّة، التي انعقدت في الجزائر، تحت عنوان “لمّ الشمل”، في الأوّل من تشرين الثاني 2022، عن التأكيد عموماً على دور الجامعة العربيّة، في تعزيز العلاقات بين دولها لحلّ المشكلات، والوقاية من الأزمات بطرق سلميّة.

وفي الشأن السوريّ، دعا بيانها الختاميّ، الدول العربيّة للقيام بدور جماعيّ قياديّ، للمساهمة في الحلّ السياسيّ للأزمة السوريّة، ومعالجة تبعاتها السياسيّة والأمنيّة والإنسانيّة والاقتصاديّة، بما يضمن وحدة سوريا وسيادتها، ويحقّق طموحات شعبها، ويعيد لها مكانتها إقليميّاً ودوليّاً. وذلك تماهياً مع القرار 2254، والمواقف الدوليّة المعلنة. وفي الوقت نفسه اعتراف بعدم قدرتها منفردة، على احتواء المسألة السوريّة، بوجود أطراف دوليّة وإقليميّة، إضافة إلى ضرورة توحيد موقف عربيّ، يشكِّل ثقلاً على المستوى الدوليّ والإقليميّ، للمساهمة في حلّ الصراع.

ولابدّ هنا من قراءة الواقع، على خلفيّة مكافحة المدّ الإيرانيّ المستشري، الذي يشكّل خطراً على دول المنطقة عموماً، حيث أخذت بعض الدول العربيّة خطوات تطبيعيّة مع الكيان المحتلّ، ووقّعت اتفاقات ستفتح الباب واسعاً، إذا ما اكتملت عمليّة التطبيع مع بقيّة الدول، للانفتاح الاقتصاديّ، والتعاون والتنسيق، وسيكون له تبعات على سوريا، ويطرح أسئلة متعلقة بالجولان السوري.

ولعلّ خطوة “لمّ الشمل”، لا تنطبق فقط على الجناحين الفلسطينيين، بل أيضاً على محيط “إسرائيل” العربي، لمحاولة سوقهم نحو التطبيع، تماشياً مع إرادة اللاعبين الدوليين، وعبر الوسطاء الدوليين أنفسهم، وبأدوات عربية.

بالتأكيد المتغيّرات الدوليّة والإقليميّة، تلعب دوراً مهماً في قرارات الجامعة العربيّة، وقد تكون أساساً للبناء عليها، في جوّ من تباعد وجهات النظر بين هذه الدول، واختلاف أجنداتها.

فانخراط القوى الدوليّة والإقليميّة الفاعلة في القضيّة السوريّة، في مسار تفاوضي، يضمن مصالحها، ولا نستثني هنا الدول العربيّة الفاعلة في القضيّة السوريّة، وخاصةً بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا، التي ساهمت بتعميق الصراع الدوليّ، والسياسة الأمريكيّة في محاولاتها سحب الملفّ السوري من أيدي الروس. كلّ ذلك ساهم بتجميد القضيّة السوريّة، والمراوحة في المكان، حيث ساهمت هذه الحرب بخلط الأوراق، لتبقى سوريا رهينة الصراعات، وبؤرةً لتصفية الحسابات الدوليّة.

كما تلقي الأزمات العالميّة بظلالها، على سياسات الدول العربيّة، وفق لعبة التحالفات الدوليّة والمصالح، ما ينعكس سلباً على أداء هذه الجامعة وقراراتها.

وقد تباينت مواقف الجامعة العربيّة من القضيّة السوريّة، خلال عشر السنوات الماضية. إذ فتحت الباب واسعاً للتدويل، في قمّة 2011، بتعليق عضويّة سوريا، لحين استجابة النظام للمبادرة العربيّة آنذاك، ولاحقاً في تبنّيها النقاط الستّ لبيان جنيف.

وقد انعكست مواقفها المناصرة للثورة السوريّة، على القرارات الدوليّة، وخاصّةً الصادرة عن الأمم المتحدة، بدءاً من بيان جنيف 2012، إلى القرارين 2118 و2254.

وحضرت على طاولة المؤتمرين في قمّة بغداد 2012، عبر الدعوة إلى حوار بين السلطة والمعارضة، مطالبين بالتطبيق الفوري لخطّة الموفد الخاص للأمم المتحدة، والجامعة العربيّة في سوريا. كما طالبوا المعارضة السوريّة بتوحيد صفوفها، لخوض هذا الاستحقاق. ودعوا الحكومة السوريّة لوقف أعمال العنف والقتل.

وتوّجت قمّة قطر 2013، حضوراً فعليّاً للائتلاف السوريّ المعارض، الذي شغل مقعد سوريا، ورفع علم الاستقلال، على الرغم من تحفّظ بعض الدول العربية.

وعاد البرود الدوليّ، الذي بدأ يطفو على السطح، ليلقي بظلاله على قمّة الكويت 2014، إثر صفقة تسليم السلاح الكيماويّ، وعلى خلفيّة المواقف الدوليّة المائعة بخصوص سوريا. واكتفى المؤتمرون بالتركيز على أزمات المنطقة، والقضية الفلسطينيّة.

كما اكتفت قمّة شرم الشيخ عام 2015، بتحميل مجلس الأمن مسؤولياته كاملة، لإقرار خطّة تحرّك مشترك، تضمن إنجاز الحلّ السياسيّ للأزمة السوريّة، وفقاً لبيان جنيف. إذ أدركت الدول العربيّة حينها، أن لا طائل من جهودها، في ظلّ الفراغ الذي خلّفته استراتيجيّة أوباما، ومسارعة روسيا لملئه واستثماره. كما توجيه الدفّة لمحاربة الإرهاب كأولويّة، وغضّ الطرف عن النظام.

وغابت القضيّة السوريّة تماماً عن القمم التي تلتها.

وإذا كانت المعارضة السوريّة، ممثّلةً بالائتلاف، قد لعبت دوراً سلبيّاً، بتعويلها على الحلّ العسكريّ كخيار استراتيجيّ، وليس على الحلّ السياسيّ كخيار وحيد، ولم تستثمر المعطيات، فخسرت مقعدها في الجامعة العربيّة، وتخلّت عنها القوى الدوليّة، على خلفيّة الأسلمة والعسكرة، إلا أنّنا لا نستطيع تحميلها كامل المسؤوليّة، عمّا آلت إليه القضيّة السوريّة. فتجاذبات المصالح الدوليّة والعربيّة والإقليميّة، جعل القضيّة السوريّة في آخر سلّم الاهتمامات.

فالجامعة العربيّة وفق المعطيات الحاليّة سوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً، وعلاقات الدول العربية إقليميّاً ودوليّاً، يجعلها غير قادرة على لعب دور فعّال وإيجابيّ في الملف السوري. وإذا كانت بعض الدول العربيّة، وتحت ضغط روسيّ، تعوّل على دور إيجابيّ للنظام، في حلّ الأزمة المستعصية في سوريا، ومن خلفها أزمات المنطقة. فنحن بدورنا نرى أنّ ذلك ما هو إلا دوران في حلقةٍ مفرغة، طالما أنّ سوريا الجغرافيا والسياسة، تتنازعها قوى إقليميّة ودوليّة، يصعب معها الضغط على النظام، لجرّه إلى طاولة الحلّ السياسيّ. 

فما هو مطلوب من الجامعة العربية اليوم، هو الخروج في حلّ أزمات المنطقة، من فلك التجاذبات الإقليميّة والدوليّة، والعمل بجديّة على استخدام علاقاتها مع الأطراف السورية، وخاصةً النظام السوريّ، واستثمار علاقاتها إقليميّاً ودوليّاً، للدفع باتّجاه الحلّ السياسيّ الشامل، وفق القرار 2254.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية