مراسيم تدوير الأزمة السورية بعيداً عن الحل الأممي

تقع السلطات الحكومية السورية الحالية تحت هيمنة روسية واسعة، خاصةً في قطاعات كبيرة من الجيش السوري ووزارة الدفاع. بالتوازي مع هذا، وربما بدرجة مماثلة أو أكبر، تمارس إيران هيمنتها على الحكومة السورية في معظم مستوياتها. تعمل هذه الهيمنة على التحكم في الموارد المتبقية لضمان سداد الديون الإيرانية المترتبة على النظام السوري. لعب التدخل الإيراني والروسي دورًا حاسمًا في الحفاظ على بقاء النظام كسلطة رسمية في سوريا، وفي التحكم بمفاصل الاقتصاد السوري، بما في ذلك قطاع الطاقة والوقود.

يعكس الحراك السلطوي الحالي استجابات بطيئة لإعادة توزيع بعض السلطات المركزية، التي كانت تقع فعليًا بيد بشار الأسد، لتتجه تدريجيًا نحو رئاسة مجلس الوزراء المدعومة من إيران. هذه الرئاسة تصبح الجهة المشرفة الفعلية على تنفيذ الآليات العملية للتعاون الإيراني-السوري المشترك، وذلك في إطار برنامج الهيمنة والسيطرة. وقد تجلت هذه الاستجابات بشكل ملموس مع إصدار مجلس الشعب لمرسوم الاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة، بموجب أمر قضائي، والتي تعود ملكية الغالبية العظمى منها إلى معارضي النظام. هذه الخطوات تفتح الباب واسعًا أمام الاستيلاء على هذه الأموال، ما يمثل تغيرًا استراتيجيًا في منهجية إدارة الأصول والموارد.

يتيح المرسوم لرئيس مجلس الوزراء الصلاحية تخصيص جزء من الأموال المصادرة لأي من الهيئات العامة، وذلك بناءً على طلب الوزير المختص. يتم اتخاذ القرارات الخاصة بهذا التوجيه من قبل رئيس مجلس الوزراء، استنادًا إلى اقتراح من وزيري المالية والزراعة والإصلاح الزراعي.  بنظام خاص يتضمن قواعد إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة، كاستثمارها ونقل ملكيتها وتخصيصها. 

عدد من الخبراء الاقتصاديين المؤيدين للحكومة، بمن فيهم وزير المالية في حكومة حسين عرنوس، يروّجون لهذه القوانين بالزعم أنها “تهدف إلى ضمان تحقيق المنفعة العامة والمساهمة في تأمين سير المرافق العامة للدولة”. ولكن، كيف يمكن أن تقوم المنفعة العامة على الاستيلاء على الأملاك الخاصة للمواطنين والمواطنات، سواء كانوا خارج البلاد بشكل شرعي أو غير شرعي؟ هذه الأملاك لها أصحابها، والاستيلاء عليها تحت أي مبرر يعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان التي كفلتها الشرائع الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، يشمل المرسوم الأموال والممتلكات التابعة للسوريين والسوريات المتهمين، أو المعتقلين والمعتقلات، أو المخفيين والمخفيات قسرًا، أو الغائبين، أو الذين صدرت بحقهم أحكام غيابية، من خلال وضعها تحت الاستثمار باسم حكومة النظام.

إلغاء “وزارة شؤون رئاسة الجمهورية” واستبدالها بـ”الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية” يفتح بابًا لنوع من التغيير. هذه الأمانة، التي تتبع للرئاسة، مهمتها تقديم الأعمال التي تساعد الرئيس في أداء مهامه واختصاصاته. تتولى الأمانة العامة تسيير الأمور الإدارية والمالية والقانونية في رئاسة الجمهورية والإشراف عليها، يرأسها أمين عام يشرف على جميع أعمالها، حيث تم تعيين منصور عزام، الوزير السابق لرئاسة الجمهورية، أمينًا عامًا للأمانة.

تزامنت هذه التغييرات مع اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي برئاسة الأمين العام للحزب، بشار الأسد، الذي دعا خلاله إلى انتخاب لجنة جديدة وقيادات للفروع والشعب لتتناسب مع المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد. الأجواء العامة والتغييرات التي يجريها رأس النظام، سواء في شكل أو بعض أدوات المرحلة التي قادت سوريا بعد العام 2011، شملت حتى تغييرات ودمج في الأفرع الأمنية وفقًا لخطة التغيير الروسي في القيادات السورية، كما نشر موقع “صوت العاصمة

وتزامن ذلك مع اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، برئاسة الأمين العام للحزب بشار الأسد، دعا فيه إلى انتخاب لجنة جديدة وقيادات فروع وشعب، لكي تتماشى مع المرحلة الجديدة في حياة البلاد.

 إن الأجواء العامة والمتغيرات، التي يجريها رأس النظام في شكل وبعض أدوات المرحلة السابقة، التي قادت سوريا في مرحلة ما بعد العام 2011، شملت حتى تغييرات ودمج في الأفرع الأمنية، كما نشر موقع “صوت العاصمة”، وفق خطة التغير الروسي في القيادات السورية.

ما يقوم به النظام من خطوات تغييرية، تأخذ مسارها الفعلي في إيصال رسائله إلى الداعمين والمتدخلين في الوضع السوري، على أنه يتقدم خطوة من المطلوب منه، وإنما الإبقاء على منصور عزام في الأمانة الجديدة، هو تغيير من حيث الشكل، بالشخصيات القديمة ذاتها، وبتسميات وترسيمات وهيكلية جديدة، تؤكد أنه لا تغيير جوهريا في هذه الخطوات، وإنما فك وتركيب، وتغيير طرابيش ومسؤوليات في المنظومة ذاتها، وليس الانتقال إلى منظومة جديدة كما يدعي. فتوزيع الصلاحيات ذات المركزية العالية، التي كانت في قبضة اليد الواحدة، لتصبح في إطار القصر الواحد ذي المكاتب المتعددة، والمديريات الخاصة بها، وهذا ما يضع مؤسسة الرئاسة تحت المجهر والرقابة العامة، كشكل مكشوف من زوايا متعددة “مالية، إدارية، تنفيذية، مهام، وتوصيفيه بكل مكتب من المكاتب، ومديرية، ومؤسسة فيها”. ولأول مرة في تاريخ سوريا ينتقل بالمعنى الفعلي جزء من مهام الرئاسة إلى الأمانة العامة الجديدة، مع بقاء الشخصيات ذاتها. بينما الدعوة للتغيير، وانتخاب قيادة لجنة مركزية جديدة لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، هي دعوة للانتقال من حالة اللا   مسؤولية الحزبية إلى حالة تفعيل إطار اللجنة المركزية المشلولة، والمنتهية الصلاحية إلا من صلاحية الفساد والإفساد. فهل يستطيع حزب الانتهازية المعمم السلطوي الانتقال إلى حزب (ديمقراطي- انتخابي)؟!.

 فهو الحزب الذي ألغى المادة الثامنة من الدستور السابق، التي تقول إنه” الحزب القائد للدولة والمجتمع”، بينما في الحياة السياسية والعملية في المقتلة السورية ما بعد 2011، بقيت هذه المادة قائمة في كل المؤسسات الحكومية والسياسية السورية حتى هذه اللحظة، فهل يمكن الوثوق بهذا الحزب وبهذه القيادة (القديمة-الجديدة)؟! 

كل ذلك يتم في إطار ترقيع سلطوي لنظام، يعمل تحت الهيمنة والسيطرة” الإيرانية والروسية”، وما مرسوم التعديل الوزاري سوى استمرار برسائل هذا النظام إلى أنه بدأ بالتغيير، حيث يخاطب الحكومة الفرنسية، ومن ورائها الاتحاد الأوربي، بأنه عين لمياء يوسف شكور وزيرة للإدارة المحلية، خلفاً لحسين مخلوف، الذي أصبح وزيراً للموارد المائية خلفاً للوزير تمام رعد، الذي لم تسند إليه أية حقيبة وزارية. 

وكانت شكور قد شغلت منصب سفيرة النظام في فرنسا منذ العام 2008، وهي ابنة رئيس أركان الجيش يوسف شكور أثناء حرب تشرين الأول (أكتوبر) في العام 1973، وتحظى بثقة الحكومة الفرنسية التي لعبت دوراً في قانون الإدارة المحلية الصادر في 2011، الذي يعزز اللامركزية في سوريا، وتشرف وزارة الإدارة المحلية على تنفيذ هذا القانون، فهل بتولي شكور مهام وزارة الإدارة المحلية، يرسل رسالة إلى قيادة سوريا الديمقراطية، بعد عقد مؤتمرها الرابع وانتخاب قيادة سياسية جديدة؟!. فاللامركزية ما زالت إحدى الخلافات الرئاسية في الحوار مع قيادة سوريا الديمقراطية، وغيرها من السوريين في شمال غرب سوريا (إدلب وريفها)، وحالياً (السويداء) في الجنوب وما يجري فيها من تظاهرات واحتجاجات، وهي القريبة من الحدود الأردنية، وعمليات الجيش الأردني في التصدي لتهريب المخدرات والكبتاغون والسلاح، والتطور الحاصل في استمرار قصف الأراضي السورية، التي تحتوي مصانع ومستودعات الكيبتاغون. 

وتبقى الرسالة الرسمية الأهم في هذه المرحلة، هي المسؤوليات الجديدة التي يقوم بها رئيس حكومة النظام حسين عرنوس حيث استقبل رئيس أبخازيا، وحضر قمة المناخ في الإمارات، والزيارة إلى طهران، والاستقبال الرسمي واللقاءات المتعددة السياسية والاقتصادية، التي من نتائجها مزيد من الضغط الإيراني على الحكومة السورية، لتسديد الديون المستحقة لإيران على النظام، وزيادة عدد اللجان المشتركة خصيصاً اللجنة المالية، التي حققت تقدماً واضحاً بفتح بنك مالي إيراني في العاصمة السورية، وتوسيع النشاط النفطي المشترك في صيانة مصفاة حمص، بعد صيانة وتشغيل العنفات في العديد من محطات توليد الكهرباء، في حلب ومحردة وبانياس. ويضاف إلى هذه الإجراءات مشروع موازنة النظام للعام 2024، الصادرة حسب بيان مجلس الشعب السوري بتاريخ 13/12/2023، إذ بلغت قيمة الموازنة العامة (35500) مليار ليرة سورية، موزعة إلى (26500) مليار للإنفاق الجاري، و(9000) مليار للإنفاق الاستثماري. في حين زاد إجمالي العجز في الموازنة عن (9404) مليارات ليرة، وهي أقل من موازنة العام 2023، التي كانت (165500) مليار ليرة سورية، بسعر صرف الدولار المركزي للعام 2022، بلغ (3015) ليرة، أي بقيمة تقارب (5،48) مليارات دولار، في حين لا تزيد موازنة العام2024، البالغة (35550) مليار ليرة سورية، بسعر صرف الدولار المركزي (12600) ليرة، نحو (282) مليار دولار، وهو تراجع بمقدار (2،66) مليار دولار وبنسبة (48%).

من كل ما تقدم يظهر مقدار الخطوات البطيئة والشكلية للتغيير، الذي يقوم به النظام في البحث عن إعادة إنتاج ذاته، لكي تستطيع الدول الداعمة والشريكة له” روسيا وإيران”، وجزء من دول المبادرة العربية إعادة تدويره عبر صمته المطبق عما يجري في غزة، فهل يتحقق له ذلك في ظل استمرار فشل الحل (السياسي-التفاوضي) القائم على بيان جنيف للعام 2012، والقرار الأممي 2254 للعام 2015، وعدم قدرة المبادرة العربية والمبعوث الأممي غيربيدرسن، على عقد جولة جديدة للجنة الدستورية في عمان، مع استمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية، وعدم توفر تمويل للموازنة الجديدة سوى فرض المزيد من الضرائب، والجباية على الشعب  السوري.

إننا في الحركة السياسية النسوية السورية، نؤكد أنه لا إمكانية للحل السياسي للأزمة السورية إلا في الدخول إلى الحل السياسي بجدية، وتفعيل اللجنة الدستورية واجتماعاتها في مقرها الدائم في جنيف بعيداً عن ضغوط مصالح الجانب الروسي والنظام، في نقل مقر اجتماعاتها، وفتح باقي مسارات التسوية السياسية وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

 وما يقوم به النظام التفاف على هذه القرارات في سعي (إقليمي-دولي) لإعادة تعويمه، فهل تتساوق عملية التعويم مع مسار شرق أوسط جديد ما بعد الحرب الصهيونية على قطاع غزة، أو مقدمة لعملية تغيير في الإقليم والمنطقة، تشمل تسوية سياسية في (سوريا، فلسطين، ولبنان) قابلة للحياة.     

 

اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة