مقاربة “خطوة مقابل خطوة” هل سيجترح بيدرسون معجزة الحل السوري؟

 

على وقع “خطوة مقابل خطوة” يبدو المشهد السوري متسارعاً بشكل دراماتيكي لدرجة أننا لا نكاد نتابع حدثاً ليلحقه حدث آخر. وكأن اللوحة أصبحت جاهزة لطي صفحة أكثر من اثني عشر عاماً من العذابات السورية لصالح نظام فتك بشعبه وشرده بكل أصقاع الأرض.. فما الذي يحدث وما الذي تغير اليوم ليكون المشهد على هذه الدرجة من التغيير؟ فلا النظام السوري تغير ولا المفاوضات تمت ولا التوافقات بنيت!

كان الخطاب الأممي سابقاً خطاباً قوياً وواضحاً وصريحاً، لا تنازلات لصالح النظام السوري مالم يكن هناك تغييرات جذرية تتوافق مع القرار الأممي 2254، لكن مع الاستنقاع الذي حدث في الملف السوري وتوقف اجتماعات اللجنة الدستورية، بدا وكأن المبعوث الأممي بيدرسون يلعب بآخر أوراقه، فمنذ زيارة له للعاصمة السورية في شهر كانون الأول من العام الماضي، خرج عن مساره المعتاد ليعلن أن هناك فرصة لإعادة إطلاق المسار السياسي، وقال إنه لمس من خلال مباحثاته مع مسؤولين عرب وأمريكيين وأوروبيين وجود إمكانية انفتاح لبلدانهم مع النظام واقترح البحث عن إمكانية لتطبيق مقاربة “خطوة مقابل خطوة” بهدف بناء الثقة.

من الواضح أن الحرب الروسية الأوكرانية قد غيرت المعادلات في المنطقة بشكل كبير جداً، وهو ما أدى لتحويل الملف السوري من ملف دولي إلى ملف مناطقي تعنى بها دول المنطقة أساساً، وهو ما توضح أكثر بزيادة الهجمات الإسرائيلية في سوريا، وكذلك بالاتفاقيات السعودية الإيرانية برعاية صينية، والتغيرات الكبيرة التي تنتهجها السعودية سياسياً واقتصادياً الذي يحتاج لمزيد من الاستقرار في المنطقة وهو ما يتطلب حل للملفين العالقين منذ سنوات طويلة في اليمن وسوريا. ولا يمكن إغفال الأهمية القصوى التي احتلها كل من ملفي اللاجئات/ين السوريات/ين والكبتاغون، الذين ولدا آلية ضغط كبيرة على دول المنطقة ككل وعلى الاتحاد الأوروبي، فملف اللاجئات/ين تتزايد تعقيداته سواء في تركيا التي تشهد مزيداً من العنصرية تجاه اللاجئات/ين زاد منها الزلزال المدمر الذي ضرب شمال سوريا والجنوب التركي، وكذلك كونها على أعتاب انتخابات رئاسية اللاجئات/ون ورقة أساسية فيها. أو في لبنان التي تتزايد العنصرية فيها والضغط لإعادة اللاجئات/ين السوريات/ين إلى بلدهن/م، خاصة مع انهيار البنى الاقتصادية فيها، وتراجع الوضع المعيشي والأمني، وكذلك تراجع الاهتمام الدولي بآليات الاستقرار فيه وزيادة ضخ المساعدات المرتبطة بوجود اللاجئات/ين، أو تلك المرتبطة بالفرقاء فيها.

من هنا جاءت مقاربة “خطوة مقابل خطوة” والتي سبق أن ذكرت ولكن لم تولى اهتماماً، حتى أعاد بيدرسون إحياءها. فالوضع الدولي والإقليمي أصبح ناضجاً اليوم لتقبل مثل هكذا طروحات، وخاصة مع عدم قدرة بيدرسون على تحقيق أي تقدم في الملف السوري خاصة على صعيد اللجنة الدستورية التي صرف الكثير من الجهد والمال والآمال عليها.

لقد رأينا العديد من الخطوات لحد الآن، منها إعلاء الوضع الإنساني على الوضع السياسي كتخفيف العقوبات عن أنشطة النظام خاصة بعد الزلزال الذي جاء تتويجاً لسنتين من الضغط الذي ولدته جائحة فيروس كورونا، واستبدال آليات التعافي المبكر بإعادة الإعمار، وهو ما يعني إعادة إعمار البنى التحتية المدنية المدمرة كالمستشفيات والمدارس وشبكات المياه والصرف الصحي، وكان من المفروض أن نشهد خطوات مقابلة من النظام، الذي رحب بإعادة فتح الأبواب الموصدة بوجهه، بأن يطلق سراح المعتقلات/ين السياسيات/ين ويؤمن عودة طوعية وآمنة للاجئات/ين، وإيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها دون عوائق، والانخراط في مسار الحل السياسي. وهو ما لم نشهده ولم يقم به.

نحن في الحركة السياسية النسوية السورية نؤكد على أن الخطوات التي يتخذها النظام السوري غير ذات قيمة حقيقية وهي صورية فقط.

 فللأسف نحن اليوم أمام واقع يزداد سوءاً، فمن جهة النظام ما زال متمترساً بموقفه المعادي لشعبه، ولا يبدو أنه على استعداد لتقديم أي تنازلات داخلياً، ولكنه في المقابل مستعد لتقديم أي تنازلات للدول الأخرى مهما كانت لصالح بقاءه وإعادة الشرعية له، مستنداً في ذلك إلى القوة التي يستمدها من الدعم الإيراني الروسي له، ولتغير المزاج السياسي في المنطقة لصالح إعادة الاستقرار وإنهاء الحرب التي أثرت على المنطقة ككل، وانشغال الاتحاد الأوروبي بحرب أوكرانيا، وبأزماته الاقتصادية وما ولدته من تضخم وتراجع في المستوى المعيشي واحتجاجات عمالية وشعبية. وكذلك بانشغال أمريكا بملفات أخرى أهمها الحرب الأوكرانية وصراع إثبات القوة العسكرية والاقتصادية مع الصين، وانشغالها بإعادة الاعتبار لمكانتها كحارس أمني للعالم ولأوروبا بوجه خاص.

فهل يعني كل هذا حلاً يشبه اتفاقية الطائف الفاشلة في لبنان لكن بطريقة أخرى؟ وهل سيكون هناك جدوى من التواصل مع الدول ووفودها في ظل هذه الانشغالات بقضاياها الخاصة والأكثر أهمية لها؟

والسؤال الأهم هل تمتلك السوريات/ون اليوم أدوات قوة كافية لتقرير مصيرهن/م ومستقبلهن/م؟ فالمعارضة ليست اليوم من القوة لامتلاك أوراق ضغط كافية في ظل التخلي الملحوظ عنها، وإن كان بقاءها ضرورياً لأي عودة محتملة إلى طاولة المفاوضات.

تمر سوريا اليوم بأوقات حرجة جداً فكل شيء على المحك… التضحيات والآلام التي قدمتها السوريات/ون لمستقبل أفضل لهن/م ولأولادهن/م… وحدة الأراضي السورية… الوضع الإنساني المتردي الذي يتساوى فيه جميع السوريات/ين في داخل سوريا… اللاجئات/ون وتحويلهن/م لأوراق ضغط وتفاوض وابتزاز سياسي، وما يخشونه من إعادة قسرية قد يكون ثمنها حياتهن/م… 

إننا في الحركة السياسية النسوية السورية نؤكد على الموقف الداعم لتنفيذ كافة الخطوات التي تأخذها الأطراف المعنية في الأزمة السورية، طالما أنها تتماشى مع القرار الدولي ٢٢٥٤ وليست خارج إطاره. ونرفض أي مبادرة للحل تتم باتفاقيات ثنائية بين أي دولة والنظام السوري خارج إطار الأمم المتحدة، بالإضافة إلى رفض استخدام الملفات الإنسانية كأوراق ضغط. ونطالب بحل عادل ينهي الأزمة السورية ويضمن حقوق جميع السوريات والسوريين برعاية أممية تصب في تنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤.

كل ذلك يجعلنا نفكر بما هي الأدوات التي نمتلكها وكيف يمكن الاستفادة منها في مواجهة الأسوأ والمجهول.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية