أصوات نسوية، مقابلة مع السيدة نور برهان
- تاريخ النشر: 14 أكتوبر 2022
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع السيدة نور برهان
حاورتها: رويدة كنعان
التحرير: أمل السلامات
أهلاً بكِ نور،
نور برهان، كيف تعرفين عن نفسك؟
أنا سيدة سورية، من ريف دمشق، أعيش حالياً في ألمانيا، نسوية وناشطة في المجتمع المدني، أم لشابين.
حدثيني قليلاً عن نور برهان قبل الثورة؟ وفي بدايتها، ما هي دوافعك للمشاركة فيها؟
قبل الثورة كنت مُزارعة، أزرع الفواكه وأعمل في الأرض. بدأت بدراسة الفنون الجميلة إلا أني لم أكمل دراستي، إلى أن كبر أطفالي التحقت بمعهد للفنون، كنت أنشط شتاءً لتعليم الرسم والفنون في المدارس ومع المجتمع المدني، حيث كان العمل المدني حينها مع اللاجئات/ين العراقيات/ين.
نشأت في بيت مع تسع أخوات فتيات، حتى جاء أخونا العاشر صبياً، كنا نشعر بالغضب من النظر إلى هذا الأمر نظرة الاستضعاف، كان هذا عاملاً هاماً في تكويننا.
أبي كان معارضاً بالأساس، وكان سياسياً في شبابه إلى أن قامت ما تسمى “بالحركة التصحيحية” اعتزل بعدها وبدأ بمزاولة الزراعة. لطالما حمل والدي مشاعر مناهضة للنظام السوري بشكل عام. أتذكر مرة عندما ظهر حافظ الأسد على شاشة التلفاز قام أبي بقذف التلفاز بصحن السجائر.
لقد نشأت في هذا الجو الغاضب بسبب مجتمع يحمل عادات وتقاليد ظلمتنا، ولا زالت تظلمنا كنساء، بالإضافة إلى الواقع السياسي والعام.
الثورة التونسية أعادت نبض الحياة إلى أبي من جديد بعد صمته لسنوات طويلة، كان يتابع الحدث بشغف ويقول لنا: “غداً عندما تقوم الثورة السورية عليكن أن تشاركن بها”، ثم قامت الثورة المصرية فازداد الأمل أكثر، كانت تلك المرحلة التي هيأتنا للانخراط لاحقاً في الثورة السورية منذ لحظاتها الأولى.
النقاشات السياسية الدائمة، وتشجيع والدي لنا جميعاً رغم أننا نساء أعطانا إحساساً بأننا حرات ونستطيع مواجهة المجتمع والمشاركة في الثورة، فكان الجو الأسري العام داعماً لنا.
بدأنا نتابع عبر الانترنت التحضيرات للثورة السورية ورحنا نطلع على بعض الصفحات الداعمة لقيام الشعب السوري بالثورة، إلى أن كانت لحظة اتفاقنا على الخروج والتجمع والانطلاق من سوق الحميدية في دمشق في 15 آذار 2011.
هذه كانت البداية، ثم تابعنا تنظيم المظاهرات في الزبداني.
إلى أي حد غيرت الثورة من أفكارك السياسية والنسوية؟
كان لدي حساسية نسوية، وفي داخلي غضب على السلوك الاجتماعي تجاه المرأة، ولكن لم أكن مدركة لمفهوم النسوية ولا لأبعادها الفكرية، الثورة جعلتني أقرأ وأتعلم وأعرف تلك الأبعاد، علمتني معنى النسوية وعرفتني من أنا، اكتشفت أنني نسوية منذ نشأتي ولكن لم أعلم ذلك إلا بعد الثورة، تعلمت ما معنى المجتمع المدني، ماذا تعني السياسة. الثورة ركزت معلوماتي وعرفتني من أكون.
شاركت في فيلم مصور قامت به إحدى الصحفيات مع نساء الزبداني أثناء المظاهرات بداية الثورة، تكلمت في الفيلم حول ما نقوم به من تحضيرات، وأضفت أن دورنا لا يقتصر على تخييط الأعلام وحياكة الصوف للثوار، دورنا أساسي مثلنا مثل كل الثوار الرجال، لم يخلو كلامي من بعض النمطية في حينها، إنما مع الاهتمام والوقت أصبحت أدرك المعنى الأعمق للثورة بمعناها الاجتماعي الداخلي.
كل سوري شارك في الثورة، ثار على النظام السياسي وعلى الواقع الاجتماعي وكان له ثورته الخاصة، حدثينا عن ثورتك الخاصة؟
لم تكن ثورتي الخاصة بالأمر السهل، صرت أقوم بمراجعات لسكوتي عن أشياء لا أدري كيف كنت أسكت عنها، أو لماذا. كنا نعيش وفق السياق الاجتماعي العام بشكل تلقائي.
ثورتي كانت من أجل ألا يستقي أولادي نفس الأفكار السائدة، كانت ثورة على الأولويات، ثورة على الاستلاب للموجة الاجتماعية التقليدية مقابل خصوصيتي، وعدم التحكم بي وبقرارتي حول مواقفي من التفاصيل، الأمر الذي خلق نوعاً من الجدال، خصوصاً بعد وفاة والدي أثناء الحصار، حيث خسرنا بفقده تلك الهالة التي غمرنا بها، ثورتي الشخصية صارت أقوى بعد وفاته.
بعد أن تعرفت واقتنعت بنمط حياتي الجديدة صار من الأصعب علي ألا أقوم بها أو أمارسها.
ازدادت مساحة شعورك بالاستقلال، والاعتماد على نفسك؟
لم أستقل، إنما بت أعتمد على نفسي أكثر، كانت شرعيتنا الاجتماعية تأتي من والدي، لم يكن أحد يجرؤ على التطاول علينا بوجوده، خصوصاً وقد كان الداعم الأكبر لنا. بعد رحيله اكتشفت أن شرعيتنا الاجتماعية كانت بسببه وبسبب خوف الآخرين منه، عملياً اكتشفت الكذبة. أنني لم أتحرر بعد، وبأنني كنت أعيش في ظل رجل رحل، وسوف أنتقل للعيش في ظل رجل آخر.
ماذا فعلت حينها؟
كانت فترة صعبة، كانت مرحلة صراعات دائمة, لم أكن راضية، لم يكن أمامي إلا خيار الاستسلام واليأس.
اضطررت للخروج من تلك الصراعات الكبيرة التي ستطال أي فتاة تحاول تغيير حياتها، تلك الحروب والصراعات تصبح أكبر من الثورة التي تقوم بها والتي تصبح بلا طائل أو جدوى أمام هذا الواقع. كما وقد ترافقت تلك الفترة مع الحصار والقصف والقلق على الأطفال. كان حجم المسؤوليات كبيراً جداً ومرهقاً.
لا أستطيع أن أنسى عندما خرجت من سوريا بطريقة التهريب، عبرت الجبل وحيدة توقفت ونظرت للمرة الأخيرة نحو الزبداني، كل تلك الصراعات التي خضتها تركتها هناك، تركتها خلفي، سوف أبدأ من جديد، شعرت أني نجوت ليس من الثورة أو الحصار أو القصف، إنما من الصراعات الشخصية الاجتماعية التي خضتها، ربما هي مشاعر تدل على أنانية، ولكن هذه هي الحقيقة.
بعد عشر سنوات من الثورة، كيف ترين وضع المرأة في سوريا؟
حال المرأة في سوريا ليس واحداً، هناك فئات مختلفة وأوضاع مختلفة، ثمة فئة قليلة أتيحت لها فرص جيدة، الفئة الأوسع تتعرض للمزيد من العنف، لأن العنف كان يمارس عليها قبل الثورة وهو مستمر، وذلك بسبب النمطية المجتمعية والقانونية التي تخضع لها، وعلى الرغم من ذلك فإن سياق الحرب في سوريا أحدث نقلة نوعية في حياتها، لقد اكسبتها الحرب فرص وخبرات جديدة، فرص جديدة وخبرات بذات النسبة التي ازدادت عليها الأعباء، لا أرى المرأة السورية ضحية فقط، لا، لقد اكتسبت العديد من الفرص، أعتقد أن حياة المرأة في المخيمات صعبة جداً، ولكن بالرغم من صعوبتها تعلمت المرأة كيف تدير حياتها بطريقة ما وأكسبتها آليات جديدة، ومنهن نسبة استطعن إحداث تغييرات كبيرة على حياتهن بالقياس لظروفهن، إذاً رغم استمرار العنف بأشكاله المتعددة يبقى للحالة جزءها الإيجابي.
هل تغير مفهوم الوطن والهوية لديكِ، بعد أن عشتي في ألمانيا باعتبارها بلد ديمقراطي، كيف تنظرين إلى هذه المفاهيم الآن؟
التعريف التقليدي للوطن أو الوطنية غير مقنع بالنسبة لي، رغم طوباوية التعبير إلا أنني مع الإنسان ولست مع الحدود، لا أعترف بالفرق بين سيدة سورية أو سيدة ألمانية على مستوى الحقوق الواجبة لحياتها. لست وطنية بالمعنى العام.
إن مفهومي للانتماء إلى حياة عشتها في مكان أخبره جيداً وأرض عشت فوقها وتربيت على طبيعتها، يجعلني أركز وأعمل أكثر لصالحها، مشاعر الحنين التي أشعر بها عندما أتكلم أو أعمل مع شخص سوري يؤكد إحساسي بالانتماء، هذا على المستوى الفكري. أما على المستوى النفسي فأنا ابنة بيئتي وتربيتي، يُبكيني الاستماع إلى أغنية وطنية مثلاً، خصوصاً وأننا خُذلنا على هذا الصعيد، لست عروبية أبداً إلا أن سماعي لأغنية تتحدث عن الظلم والقهر والوطن يبكيني، لا أدري ما جذر الحالة بدقة، ربما كانت التربية والخذلان الذي أصابنا تجاه تلك المفاهيم، أو فعلا أن لدي انتماء لتلك المنطقة على نحو ما.
ربما لأنها منطقة من مناطق العالم التي تعاني من الاستبداد، فهي إحدى تلك المناطق المقهورة التي ذكرتيها.
صحيح، ولأني أعرف ما هو شكل الاستبداد وأعرف أحلام الناس. مثلاً تذكرني تلك الأغاني المتعلقة بالأحلام “دا حلمنا طول عمرنا” تذكرني بوالدي كأحد الذين حلموا كثيراً. كان عروبياً يحلم بالنصر على إسرائيل، ويحلم تلك الأحلام التي تربينا عليها. ما زلت أتأثر وأبكي في تلك الحالات، ما يجعلني أضحك على نفسي أحياناً.
حسن سننتقل إلى نشاطك النسوي. بصفتك مديرة منظمة شبكة “أنا هي” حدثينا عن المنظمة ونشاطها؟
إنها شبكة أكثر منها منظمة، مقسمة إلى حلقات من النساء، نسميها حلقة السلام موجودة في المحافظات السورية ودول اللجوء، الحلقة هي مجموعة من النساء وتأخذ الحلقة اسم المنطقة المتواجدات فيها.
فكرة الشبكة تقوم على أن تعمل النساء في مناطقهن الخبيرات بها، والعارفات بمشكلاتها، تجتمع هذه الحلقات لتداول الرأي والقرار في القضايا السورية. شبكة “أنا هي” تعمل على القضايا السورية من منظور النساء.
كل حلقة منفردة لا تحمل صفة النسوية، إنها أقرب لتكون شبكة نسائية وليست نسوية، وذلك لأن النساء في الحلقات ليسوا بالضرورة نسويات، مع طموحنا المستمر للانتقال نحو النسوية.
إنهن يعملن على مجتمعاتهن المحلية بحسب احتياجات تلك المجتمعات، فهن يعملن الآن على مفاهيم مثل مناهضة العنف، والاحتياجات اللوجستية والقانونية النسائية في مناطقهن.
أرى أن مناهضة العنف والاحتياجات القانونية هي موضوعات نسوية؟
صحيح، ولكن ليس بمفهومها الشامل، حلقة أضنة على سبيل المثال، إن تحاورت مع نساء الحلقة ترين أنهن مع حقوق النساء وهن يناهضن العنف والكثير من المفاهيم الأخرى، لذلك أحاول دائماً التفريق بين الحالتين. النساء المحليات لم يمتلكن الفرصة حتى الآن أن يقررن أن يكن نسويات أم لا.
ما هي التحديات التي تواجه النساء في الشبكة بنضالهن النسوي سواءً تحديات على المستوى الوطني أو السياسي أو غيره؟
على المستوى السياسي والوطني هي ذات التحديات التي تواجه الحركة النسوية بشكل عام، الممانعة في إشراك النساء، وغياب الأولوية للمنظور النسوي، خصوصاً المتعلق بالمسار الوطني والدولي المختص بالقضية السورية.
على المستوى المحلي التحديات الأكبر هي التحديات الاجتماعية التقليدية والقانونية، عموماً نضطر إلى التنازل في كثير من التفاصيل والقضايا والمواقف، مع الاختلاف من منطقة إلى أخرى، مع شعورنا بتعزيز نمطية حياة النساء للأسف بسبب تلك التنازلات، كما أن المخاوف الأمنية كبيرة، عموماً نشاط النساء المدني أسهل من حركة الشباب في حالة اللا حرب، ولكنها تبقى مقيدة جداً.
كما أن التحديات المتعلقة بمنصات التواصل الاجتماعي والخطاب الرجعي من خلالها والذي يلعب دوراً كبيراً في تشويه عمل النساء، أُفضل وصف الحالة بمصطلح الرجعي أكثر منه الديني، لأنه خطاباً رجعياً عاماً وليس دينياً فقط.
كيف يمكننا التغلب على هذه التحديات؟
دائماً ما استطاعت النساء الالتفاف على تلك التحديات للتغلب عليها، تعتبر هذه الالتفافات على المستوى المحلي مقبولة، وذلك لصعوبة الأوضاع الأمنية وخطورتها. أما على المستوى الوطني فالتحديات يجب أن تعالج بالثورات، يجب أن نمتلك جرأة الطرح.
الحقيقة أن درجة الخطورة الأمنية على نساء الشبكة هي التي تتحكم بنشاطها، خصوصاً في قضايا يمكن أن يؤدي إلى القتل أو التعنيف.
يعني أولويات النضال يجب أن تتناسب مع مستوى الخطورة.
تماماً، الأولويات محددة بالنظر إلى مستوى الخطورة وليس بالنظر إلى قبولها من عدمه.
ماذا قدمت لك الشبكة وما الذي قمت بتقديمه لها؟
لقد أتيحت لي الفرصة كي أقدم جهدي وعملي في الشبكة كمديرة فيها، كما أن الشبكة أعطتني القوة والشرعية في العمل بالإضافة إلى الخبرات والتجارب الواقعية والمعارف.
دائماً ما تُطرح ثنائية الداخل والخارج، عملياً أنت تديرين شبكة موجودة في الداخل وأنت مقيمة في ألمانيا، ما رأيك بهذه الثنائية؟
المشكلة أن الغالبية ترى المنظمات كتلة واحدة، أو أنهم يأخذون شخصيات معينة ويقومون بإسقاطها على الواقع النسائي والنسوي كله.
الأكيد أن الداخل هو الأساس، ثمة عدة حلقات خارج سوريا والباقيات داخلها، والحقيقة أن لهن القرار وهن المتحكمات بشكل مباشر بالكثير من المتعلقات. ثنائية الداخل والخارج صعدت في الفترات الأولى، لكن الناشطات/ين في الخارج اشتغلن/وا على أنفسهن/م لتقوية الداخل باعتبارهن/م يمتلكن/ون فرصاً أكبر ممن في الداخل. الحقيقة أن المنظمات الفاعلة معظم نشاطاتها وعملها في الداخل. يبقى لهذه الثنائية إيجابية وهي التذكير الدائم أن الداخل هو الأساس.
سنخرج من موضوع الشبكة قليلاً نحو المنظمات النسوية والنسائية عموماً، ما هو دورها في المرحلة الحالية؟
لنكن منصفات بحق أنفسنا، أرى أن المنظمات النسوية والحركة النسوية السورية قامت بثورة غيرت الكثير. بالمقارنة بين منظور النساء والمجتمع للقضايا النسوية على المستوى الشعبي والشعبوي في عام 2011 ومنظورهم له اليوم في عام 2022 أرى أن نقلة كبيرة تحققت، لقد لعبت دوراً هاماً في وضع الموضوع النسوي تحت دائرة الضوء، وأخضعته للنقاش على المستوى الاجتماعي والشعبي.
أما عن دورها اليوم فالموضوع أصبح معقداً لأنه مرتبط بالجو السياسي السوري وتحسنه أو تطوره. اسمي هذه المرحلة بمرحلة “الزّن” الضغط لفرض الحضور النسوي في الفضاء السياسي العام سواءً في اللجنة الدستورية أو حوارات بروكسل أو غيرها. من الصعب إنجاز الكثير إذا لم يحدث الانتقال السياسي والتغيير.
بكونك تكلمتِ عن هذه الفعاليات السياسية، هل أنت كشخص على استعداد أن تكوني في الهيئة العامة للمفاوضات أو الائتلاف أو اللجنة الدستورية؟
هذه جدلية، إنما أرى من المعيب ألا أكون غير مستعدة للخوض في الأجسام السياسية السورية ، ولكن وضع هذه الأجسام والفشل السياسي العام، وشيطنة العملية السياسية، يجعلني مترددة نفسياً للتواجد داخلها، لا أجرؤ أن أقدم نفسي من خلالها أمام الجمهور السوري العريض الساخط عليها.
عملياً ما الذي يمنعك من هذا؟
بعيداً عن انشغالاتي الكثيرة في الحياتيات. سوف أخسر أناس كثر، وسوف أنتقد كثيراً، هل أنا محمية في هذه الحالة؟ هل عندي غطاء أو سند؟
من جهة أخرى الصراعات كبيرة جداً داخل هذه الأجسام، الصراعات مع الذكوريين المتواجدين داخلها، والصراعات السياسية. من جهة ثانية ستخوضين صراعات مع محيطك الاجتماعي وفي منصات التواصل الاجتماعي والإعلام. هل هذه مبررات كافية لعدم الانخراط؟ أعلم أنها ليست كذلك، إلا أنني غير مستعدة.
ألا تظنين أو تشعرين أن المنظمات النسوية والمجتمع المدني والمنظمات النسائية السورية، هي من تؤمن لكِ الغطاء وتكون لكِ سنداً؟
لا، لأننا لسنا كتلة واحدة في العملية السياسية أو العمل السياسي، كما أن معظم المنظمات هي ضد هذه الأجسام وضد الاستمرار بالعملية السياسية على هذا النحو.
شخصياً أنا لست مع اللجنة الدستورية، ولكن أرى أنه المسار الرسمي الوحيد، وهذا يتطلب منا العمل عليه وتحسينه وتطوير عمله خصوصاً مع سيطرة أناس توجهاتهم مختلفة عن توجهاتنا. كما أن فقدان هذا المسار أو إلغاء هذه المؤسسات لن يبقي لدينا كسوريات/ين أي إطار رسمي لقضيتنا، سنصبح مثل المعارضة الإيرانية.
الحقيقة أن النساء السوريات المتواجدات داخل هذه الأطر، أراهن على أنهنَّ قويات جداً، وأراهن هنَّ بحاجة وضرورة لدعمنا الدائم، كما أعتقد أن دخولهن وانخراطهن المبكر في تلك المؤسسات سهل عليهن هذه الخطوة، اليوم أصبح الموضوع أصعب.
ألا ترين أن النسويات يستسهلن العمل المدني، الأمر الذي يبعدهن عن العمل السياسي؟
هنا نلاحظ اتجاهين، الأول يقول نحن منخرطون بالعمل السياسي ولكننا منفصلون عن الواقع، الثاني يقول نحن نعمل مع النساء في المسار السياسي ولسنا في حالة تعالي عليهن، الموضوع معقد، إجمالاً ليست النساء فقط من يستسهلن العمل المدني، الرجال أيضاً يفعلون ذلك.
ما هي التحديات التي تواجهها المنظمات النسوية؟
التحديات العامة في الداخل السوري تجاه المجتمع المدني، تأطير المنظمات النسوية بقضايا النساء فقط، رفضها وتشويهها، بالإضافة للضعف المالي، غالبية المنظمات النسوية تعتمد على منظمات أخرى فيما يتعلق بالمالية. المختصات الأكاديميات في المالية غير موجودات في المنظمات النسوية، لدينا ضعف كبير في هذه النقطة. والتحديات المحلية المتعلقة بقوى الأمر الواقع.
الإيجابية أن التنافس السلبي الذي كان سائداً بين المنظمات النسوية، تغير باتجاه التضامن والدعم المتبادل.
ما هي نشاطاتك النسوية في الفترة الحالية؟
بالإضافة إلى عمل الشبكة، أقوم بإجراء تدريبات على كيفية أخذ البعد الجندري بعين الاعتبار في سياسات المنظمة المباشرة وغير المباشرة. رغم الكلام الكثير حول هذا الموضوع إلا أننا كمنظمات نسوية أو غيرها لم نقف على تفاصيل هذا الموضوع تقنياً، أي كيفية التنفيذ، لقد بذلت جهداً في البحث حول الموضوع وخلصت إلى نتائج، كأن نبدأ بالتحليل الجندري لواقع المنظمة ومكان عملها ثم استخلاص السياسات بناء عليه. هذا الموضوع جديد وقد بدأت في التدريب عليه، وبدأت تأتيني دعوات للتدريب على هذا التفصيل.
تقنياً كيف يتم هذا في المنظمات؟
قمت بتقسيم المنظمة إلى أجزاء، تبدأ ببنية المنظمة، الرؤية والأهداف والقيم، ثم ننتقل إلى جسم المنظمة الداخلي، مجلس الإدارة، الموظفات/ين والمتعاقدات/ين، الموارد البشرية، ثم التخطيط الاستراتيجي بعد أخذ جسم المنظمة والرؤية والأهداف للمنظور الجندري، وانعكاسه على الأنشطة والمشاريع المجندرة ثم المراقبة والتقييم وكيفية جندرتها، ثم الخطاب والإعلام ومراعاته للمنظور الجندري، ثم جمعتهم في سياسات الحماية سواءً داخل المنظمة أو خارجها. تقسيم المنظمة والنظر في جندرة كل قسم على حدا، ثم مقاطعته مع باقي الأقسام، أوصلني إلى آلية العمل هذه.
خلال التدريب وضعت جندرة اللغة والإعلام كفقرة أخيرة، وآخر تفصيل في هذه الفقرة كان التأنيث والتذكير في اللغة، كنت أقول للمتدربات/ين لا يكفي وضع “سلاش” أو تاء مربوطة في لغتنا حتى نكون قد طبقنا الجندرة، عليكن/م تطبيق كل ما تدربنا عليه سابقاً حتى تقولوا لقد جندرنا خطابنا.
خلال جلسة تدريب حول الذكورية والسلطة بشكل عام، كان أول سؤال من قبل المدربة هو طريقة سلوكنا مع أولادنا في المنزل، فاكتشفنا أننا ذكوريات في التعامل مع أولادنا أو أزواجنا، هنا كانت المرة الأكثر وضوحاً لالتقاطي المعنى الحقيقي للسلطة والذكورية، من الهام والضروري التدرّب على هذه الموضوعات.
قرأت كتاب “عزيزتي هاجر” للكاتبة “شيماماندا نغوزي أديشي”، أنصح به كل أمهات الأطفال الصغار. الكتاب يوضح كيفية تربية الأطفال على الحساسية النسوية، عملياً هن يربين أنفسهن على تلك الحساسية.