النسوية والفردانية

 

*سلمى الدمشقي

 

يقولون إن النسوية تتعارض مع الفردانية التي تُعنى بالصفات الفردية وتعتبر الإبداع والتميز هي صفات شخصية قد تجنح نحو الذكورية لأنها ترفض الآخر ولا تقتنع بالمساواة والعدالة التي هي صفات ومطالب أساسية تنادي بها النسوية، لنعيش في مجتمع أكثر عدالة ومساواة للجنسين فيه تكافؤ فرص وعدالة في التوزيع، هذا ما تطالب به النسوية في العلاقة بين الجنسين. أما فيما يتعلق بالعلاقة بين النساء فتطالب بأشد حالات التضامن وهي الأختية، حيث كل النساء يدعمن ويساندن بعضهن البعض ويتحسسن أوجاع وآلام الأخريات.

فكيف يمكن للنساء بأن يطالبن بالفردانية أو أن يتم المناداة من قبل النساء بأن لبعضهن ميزات متفاوتة عن الأخريات ولا يمكن لهن أن يتماهين مع الجميع لأن صفاتهن الفردية أقوى ويجنحن إلى التميز بحرية وفرادة؟

كيف يمكن لبعض النساء أن يقلن إنه لا يمكن لهن العمل مع الأخريات أو أن تخضع تجاربهن لتقييم الأخريات اللواتي قد لا يتساوين معهن (من وجهة نظرهن) في الإحساس والمقدرة والكفاءة العلمية أو الأدبية؟

هل نستطيع اتهام الفردانيات من النساء بأنهن لم يتحررن من العقلية الذكورية المتعصبة للجنس الأقوى والأسمى؟

وهل الاعتراف بالتمايز الطبيعي بين الأفراد من حيث الذكاء والتحصيل العلمي والموهبة الفنية الفردية والقول إنها محض صفات شخصية لا تقبل المساواة، وينبغي الاعتراف بها كصفات تدخل بالجينات البشرية لا يمكن ضبطها أو تعديلها، هو خيانة للفكر النسوي؟

هل يمكن للمرأة الفردانية أن تتناسى ميزاتها وجنوحها للحرية والعمل الفردي وتعيش بانسجام مع باقي النساء ضمن فرق العمل والكوادر الجماعية؟

أم يمكن للنسوية أن تتآخى مع الفردانية وتقر بأنها لا تتعارض معها، وأن لكل منا نحن النساء صفاتنا الخاصة والفريدة، وأن الإقرار بالفردانية هي صفة نسوية خالصة؟

أسئلة كثيرة علينا الإجابة عنها بصدق وشفافية لنستطيع التعامل مع أنفسنا والأخريات والآخرين بعقلانية وصدق ودون اتهامات جاهزة. يمكن لكل منا الإجابة من زاوية معينة حسب رؤيتنا، ويمكن لجميع الإجابات أن توضح اللوحة كاملة. حيث تحدث العديد من النسويين والنسويات عن العلاقة بين النسوية والفردانية، وطرح سؤال ما إذا كانت النسوية ضد الفردانية أم لا، هي نقطة مهمة تستحق التفكير.

بداية هل الفردية هي ذاتها الفردانية؟ أم أن الفرد يقابله المجموع فهو جزء من جماعة، والفردانية يقابلها الفريد، أي أن الفرداني هو خارج الجماعة؟

أعتقد أن هناك فرق واضح بين الفردية والفردانية، فالفردية صفة نشأت في المجتمعات التقليدية ذات السلطة الأبوية، وظهرت مع ظهور المجتمع الذكوري الذي أسس لمجموعة علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية ذات خصائص ثقافية واضحة تؤكد على أهمية الفرد ككيان مستقل، وتعتبر نتيجة تاريخية لتعزيز سلطة الفرد الذكر في مواجهة الذكور الآخرين سعيًا وراء الامتلاك والسلطة والقوة،  وتفضيل الذكر القوي على الذكر الضعيف، وتعزيز فكرة أن الذكور الأقوياء هم صاحبي السلطة والهيمنة، لذلك تشن الحروب من قبل  الدول القوية على الدول الضعيفة لفرض منطقهم وسيطرتهم. 

وفي سياق المجتمع الذكوري، يتم تأسيس التفضيل للذكور على الإناث، حيث تترسخ وتُبنى قواعد المجتمع بما يتيح أن يستفيد الفرد ذو الجنس الذكوري من النظام الاجتماعي القائم الذي يمنحه مزيدًا من الفرص والامتيازات على حساب الإناث. وهذا يخلق ديناميكيات سلطة وتفوق تضع الذكور في موقع أقوى.

أما الفردانية فهي ظاهرة نشأت مع تحول المجتمعات إلى الحداثة وإفرازاتها، كالعولمة وتحرر الأسواق والليبرالية. فالفردانية خلاصة تجربة المجتمعات الغربية في مسيرتهم في الدخول للحداثة، وهذه الخلاصة تجلّت في جميع مجالات الحياة لديهم: الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية والدينية والأدبية، والرابط بين جميع هذه المجالات وتناغمها هو إيمان الفرد العميق بحريته، لأنها ترسخت كقيمة متأصلة في حياة هؤلاء باعتبارهم أفرادًا.

من ناحية أخرى، الفردانية تركز على أهمية حقوق الفرد وحريته وقدرته على اتخاذ القرارات بشأن حياته ومصيره. وهذا يشمل القدرة على التفكير باستقلالية تامة عن المحيط وعن الجماعة والتأمل في النفس والاهتمام بالنمو الشخصي وركزت على أولوية الفرد على الجماعة ومن هذه الزاوية تتماهى الفروق بين الفرد والفردانية. وغالبًا يتم ربط صفة الأنانية بالشخص الفرد الذي يحاول أن يتمايز عن الجماعة، ومن هنا نشأ هذا الربط بين الفردية والفردانية.

 أما النسوية فهي نظرية تهدف إلى فهم وتحليل القضايا المتعلقة بالجندر والنوع الاجتماعي. وتسعى إلى تسليط الضوء على التفاوتات والظلم الموجود في العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، وتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية بين الرجال والنساء. تعتبر النظرية النسوية حركة عالمية تهدف إلى تحقيق تغيير إيجابي في المجتمعات لصالح النساء وتعزيز حقوقهن.

إذا نظرنا إلى جوهر النسوية، نجد أنها تسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للنساء في جميع المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والمجتمع. تركز النسوية على فكرة أن النساء يجب أن يكون لهن نفس الفرص والحقوق التي يتمتع بها الرجال. ومن هنا قد يبدو أن النسوية تعارض فكرة الفردانية التي قد تُفسح المجال للانغماس في الذات بشكل كامل دون النظر إلى العلاقات الاجتماعية والشبكات والتأثيرات الخارجية.

مع ذلك، يمكن أيضًا رؤية التناغم بين النسوية والفردانية عند التفكير في اهتمام النسوية بالحريات الشخصية للنساء وحقوقهن في جسدهن والاختيار الذاتي لمسارات حياتهن، فالنسوية تعزز فكرة أن النساء يجب أن يكون لهن الحرية في اتخاذ القرارات المتعلقة بأجسامهن وحياتهن ومسارهن المهني.

بالنسبة لمفهوم الأختية، فهو يعتبر الاهتمام بالعلاقات والتواصل الاجتماعي أحد أهم جوانب النسوية. حيث تركز النسوية على أهمية الدعم المتبادل والتضامن بين النساء لتحقيق التغيير والمساواة. ومن هذا الجانب نرى أن مفهوم الأختية يتعارض بشكل طبيعي مع الفكرة الفردانية التي تبرز أهمية الفرد كوحدة مستقلة. لكن من زاوية أخرى تحث الأختية على أهمية دعم النساء لبعضهن البعض مهما اختلفن في الاهتمامات الفردية طالما أن هذه الاهتمامات لا تؤذي باقي النساء. 

وباختصار، يمكن القول إن النسوية والفردانية ليستا بالضرورة متعارضتين، بل يمكن أن يكون هناك تناغم وتكامل بينهما في سعي الأفراد، سواءً النساء أو الرجال، نحو تحقيق الحقوق والحريات الشخصية بما يخدم المجتمع بشكل شامل وعادل، وهما يلتقيان في سعيهما لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وتعزيز حقوق الفرد وحريته في المجتمع.

 

 

*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة السياسية النسوية السورية