أصوات نسوية، مقابلة مع فرانسوا رئيفة زنكيح
- تاريخ النشر: 4 أغسطس 2021
- |
أصوات نسوية، قراءة في الحراك النسوي السوري
مقابلة مع الناشط في مجال العمل الإنساني والمجتمع المدني وعضو الحركة فرانسوا رئيفة زنكيح
إعداد: رجا سليم
فرانسوا رئيفة زنكيح من مدينة إدلب، ولد في حلب، انتقل إلى إدلب وتنقل بين تركيا وسوريا حتى خروجه من سوريا. طالب طب، وناشط في مجال المجتمع المدني والقضايا النسوية والجندرية وحقوق الإنسان. يعمل مدرباً لبناء السلام وإدارة النزاعات، وباحث ميداني مع عدة جهات، مختص بحقوق الإنسان والوضع الأمني في المناطق المتوترة والبرامج الإنسانية التنموية . عضو في الحركة السياسية النسوية السورية، وعضو في منظمة العفو الدولية . مع انطلاق الثورة السورية منذ بداية الاحداث السورية ، بدأ اهتمامه ينصب على الشأن السياسي والمدني، وفي 2016 انخرط بالعمل المدني بشكل فعلي.
مرحباً بكَ
1- فرانسوا منخرط بشكل كبير في العمل المدني وقضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وهذه مجالات لم يكن العمل بها متاحاً بحريّة في سوريا قبل 2011، هلّا شرحت لنا بشكل مبسط ما هي طبيعة هذا العمل؟ وما هي التحديات التي تواجهك في عملك هذا اليوم؟
أعمل مدرباً في بناء السلام وإدارة النزاعات كممارس وليس كمختص أكاديمي، ويعود ذلك لكوني راكمت خبرة من خلال العمل في المشاريع والبرامج المتعلقة بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، حيث تنوعت تجاربي بين منسق لهذه المشاريع ومساعد ثم مدير ثم مقيّم للمشاريع. العمل في هذا المجال صعب جداً خاصة في مناطق النزاعات، حيث أن القاسم المشترك الوحيد بين أطراف النزاع المسلح في سوريا هو محاربة ناشطات ونشطاء حقوق الإنسان، ويعود هذا العداء لخشيتهم من توثيق الانتهاكات التي يرتكبونها ومناهضة أعمالهم العدائية بكافة أشكالها. وحتى اليوم، تعمل الكثير من الناشطات\ين في ظل ظروف صعبة وغالباً بسرية، تجنباً للمخاطر المحتملة.
2- كيف يخدم العمل المدني والإنساني القضية السورية في وضعها الراهن؟ وماهي أشكاله الأكثر ضرورة حالياً؟
لا يمكن الوصول إلى سلام في سوريا دون العمل على إقرار العدالة، وهذا ليس بالأمر السهل، لكن العمل المدني بكافة أبعاده، ومنها التوثيق، هو أحد وسائل الوصول إلى العدالة. كثيرون ما يزالون غير مؤمنين بالعدالة الانتقالية وأثر العمل المدني، وقد يكون السبب أن هذا النوع من العمل يحتاج إلى وقت طويل لتظهر نتائجه، لكن لا يجب أن يمنعنا هذا عن الإصرار على أن هناك قوانين دولية ينبغي علينا الالتزام بها لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا، وعلى رأسهم بشار الأسد ونظامه. على سبيل المثال، قبل تطوير آليات العدالة التي تعتبر طويلة الأمد، كانت المحاكمات في بعض الأحيان، تظلم أبرياء وتبرئ مجرمين، بسبب التسرع في إطلاق الأحكام، ولهذا تم اعتماد قوانين دولية تفرض بروتوكولات صارمة على كيفية إجراء المحاكمات. ولا يخفى على أحد أن بشار الأسد وأطراف النزاع الأخرى متورطون في ارتكاب انتهاكات جسيمة، مع هذا كي تتقدم بقضية ضد هؤلاء لابد من تقديم أدلة دامغة بتواريخ وتفاصيل وشهادات، مثال على ذلك بعض المحاكمات الجارية في أوروبا ضد أفراد من النظام السوري.
3- قدّمت ورشات تدريبية في بناء السلام وإدارة النزاعات، وهذا النوع من التدريبات بدأ تقديمه للسوريات والسوريين بعد انطلاق الثورة، من هي الفئات المستهدفة في هذه التدريبات، وكيف أثّرت في الواقع السياسي السوري لغاية اليوم؟
الفئات المستهدفة هي الأفراد الراغبون بالعمل والمساهمة في هذا المجال، حيث معظم هذه الورشات تستهدف الناشطات والناشطين، والمدافعات\ين عن حقوق الإنسان من السوريات\ين، فهؤلاء لهن\م الدور الأكبر على الأرض، وباعتبار أن معظمهن\م من الفئة الشابة فلديهن\م القدرة على التأثير بالمحيط وتبني مبادئ العدالة وحقوق الإنسان ونشرها وتعزيزها في المجتمعات المحلية. ولا أحد يستطيع إنكار مساهمة مثل تلك التدريبات بزيادة الوعي بآليات بناء السلام والعمل المدني ومدى أهميتها للوصول إلى العدالة والمواطنة. حتى ولو لم يشارك كل من تلقى تدريباً بعمليات بناء السلام بشكل مباشر، فإن معرفتهن\م بتلك المفاهيم ستساعدهن\م على فهم سياقات الحلول المستقبلية.
4- من خلال تجربتك العملية، ما مدى ارتباط النسوية بالسياسة وبالعمل المدني؟
ألف باء النسوية كما هو معلوم هي المساواة ونبذ كل أنواع التمييز وخاصة القائم على النوع الاجتماعي (الجندر)، والنسوية تُعنى بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، باعتبارها كلها عوامل مؤثرة في حياة الفرد. في وقتنا الراهن وبفضل جهود النسويات والنسويين السوريات\ين بدأت بعض منظمات المجتمع المدني تراعي خلال عملها الميداني أهمية تعزيز المفاهيم النسوية واتباعها بالعمل والتوعية لها، ولا يمكننا كسوريات وسوريين اليوم العمل على بناء دولة مواطنة بدون صياغة دستور جديد يضمن المساواة الكاملة بين النساء والرجال.
5- ترفض شريحة كبيرة من الرجال\الذكور وصفهم بنسويين، هل هذا عائد فقط للفهم المغلوط للنسوية؟ ما هي العوامل الأخرى المساهمة بتشكيل هذه النظرة برأيك؟
برأيي أن السبب يعود لعدم فهم هؤلاء لمعنى النسوية، أولاً، فالأغلب يتخذ الجزء اللغوي لكلمة نساء ويعتبر أن نسوية تعني نساء، وهذا غير صحيح فالنسوية بتعريفها البسيط هي توجه وطريقة تفكير وليست صفة مرتبطة بالأنوثة أو الذكورة، ثانياً، هناك فئة تعرف ماذا تعني النسوية ومع ذلك هي لا تروقهم بل ويهاجمونها لأنها برأيهم تتعارض مع العادات والتقاليد المجتمعية، والسلطة الأبوية التي اعتادت المجتمعات على ممارستها، وبالتالي فإن استعادة النساء لحقوقهن ومساواتهن مع الرجل تشكل حالة تهديد لهؤلاء الذين تشكل لهم هذه البيئة الاجتماعية مصدر قوة.
6- هل يعرف فرانسوا زنكيح عن نفسه بأنه رجل نسويّ؟ من هو الرجل النسوي؟ ولماذا اخترت أن تكون\أو لا؟
نعم. أعرف نفسي بنسوي، أولاً: نحن متساويان بإنسانيتنا، وكل الفروق والصور النمطية والأدوار الجندرية ما هي إلا صنيعة المجتمعات الأبوية. ثانياً: كغيري من السوريين ولدت في مجتمع يجبر أمي وأختي وخالتي وعمتي وكل النساء أن يحاربن يومياً ليقلن إنهن موجودات لتحصيل أبسط حقوقهن، إضافة إلى ذلك، فإن العنف ضد النساء واستضعافهن هو دائرة تكرر نفسها وتنتج أجيالاً من الإناث والذكور الذين يمارسون نفس الأدوار، وهذا برأيي مجحف بحق الرجال أيضاً فلو تسنى لهم أن يعيشوا في بيئات متوازنة تحفظ حقوق الجميع وتحترم الجميع بغض النظر عن الجنس والنوع الاجتماعي والخ، لتحرر كثير منهم من سلطته الذكورية وأيقن أن وجوده وقوته الفعلية لا تستمد من سيطرته على المرأة، بل من مشاركته وإياها في بناء دولة مواطنة. من المهم جداً أن نعي أن صفة نسوي لا تخولنا كرجال أن نتصدر ساحة النضال النسوي ونبدأ بالتنظير بالفكر النسوي، بل من واجبنا إفساح المجال للنسويات لتصدير أفكارهن وإدارة أي نوع من العمل أو النشاط الذي يقمن به، بمشاركة منا، وليس تحت إدارتنا كما جرت العادة، فعقود الهيمنة الذكورية على كافة مفاصل الحياة تلزمنا اليوم بالابتعاد قليلاً والاستماع للنساء والعمل وفق آرائهن. من خلال تجربتي الشخصية لمست فرقاً وأريحية بالعمل تحت إدارة نسائية، سواءً في العمل أو في التدريبات والفعاليات المختلفة، لأنني سئمت من التعامل مع العقلية الذكورية التي تستبد ليس فقط النساء، إنما الرجال الرافضين لها أيضاً.
لا أخفيكِ أنني تعرضت، وما أزال، للكثير من التنمر بسبب عملي النسوي، خسرت الكثير من الأصدقاء الذين يعتبرون أن هذا العمل لا يتناسب مع مفهوم “الرجولة” السائد في المجتمع، كما تعرضت للخطر بسبب تبني هذا الفكر والمجاهرة به، خاصة أن المطالبة بمساواة المرأة والرجل لا يناسب القوى المتطرفة. أعتبرها تجربة صعبة، ولكنها تستحق من أجلنا جميعاً كبشر.
7-خلال الإعداد للمقابلة قلت إن الحركة السياسية النسوية السورية تمثّل قناعاتك الفكرية والسياسية، ما الذي وجدته في الحركة نظرياً وعملياً وعزّز إيمانك بها؟
لدي زميلات وزملاء رائعات\ون في الحركة، تحدث بيننا الكثير من النقاشات والاختلافات في الرأي وأحياناً الخلافات، إلا أن ذلك لا يغير من التزامنا باحترام بعضنا البعض واحترام مساحة ورأي كل عضوة\عضو، وذلك يشعرني بالأمان. أتعلم من عضوات في الحركة الكثير عن السياسة بحكم خبراتهن، وأنا منفتح وسعيد بذلك، حيث تحاول الحركة بكافة الطرق دعم الشابات والشباب ومشاركتهن\م الخبرات والتجارب، وذلك من أكثر الأمور فائدة وأهمية بالنسبة لي.
8- كيف تقيّم التمثيل السياسي للنساء السوريات في الأجسام السياسية التي تشكلت بعد الثورة؟ ولماذا؟
التمثيل السياسي مازال ضعيفاً جداً مقارنة بالقدرات الموجودة، فعلى الرغم من وجود عدد لا بأس به من الناشطات والسياسيات اللواتي عملن ويعملن يومياً لتحقيق تمثيل عادل للنساء في الساحة السياسية السورية، إلا أن النسبة بالعموم قليلة جداً. لا يمكنني أن أنسى مؤتمر الرياض (2015)، على سبيل المثال، كانت نسبة المشاركين من الرجال تفوق الـ 90%، وهذا أحد الأسباب التي دفعت عضوات مؤسسات في الحركة السياسية النسوية السورية لتشكيل الحركة. أعتبر أننا نجحنا جزئياً رغم التحديات الضخمة، وما زال الطريق طويلاً وينبغي العمل والضغط يومياً لمشاركة عادلة للنساء وجندرة العمل السياسي السوري.
9- في ظل التعقيدات التي تسود المشهد السياسي السوري اليوم، والإحباط الذي تشعر به بعض السوريات والسوريين إثر تعثّر الحل، برأيك ما هي الخطوات السياسية المترتب اتخاذها اليوم من قبل المعارضة السورية بكافة تشعباتها؟
على المعارضة السورية أن تتوقف عن الانخراط بالأعمال العسكرية بكافة أشكالها، فالعمل السياسي برأيي، هو السبيل الوحيد للحل في سوريا، فإن وجود معارضة مسلحة في سوريا زاد الوضع سوءاً وجلب المزيد من الخسارات للسوريات والسوريين، فرغم سيطرة الفصائل المسلحة على رقعة واسعة من الأراضي السورية لفترة لا بأس بها، إلا أنها لم تقدم خيارات أفضل، أو حل حقيقي للوضع السوري، وذلك يثبت مجدداً عدم جدوى الحلول العسكرية، وأن السيطرة على مساحة جغرافية ليس انتصاراً، خاصة عندما يكون هذا الانتصار قائماً على الدمار. الانتصار الحقيقي هو أن نحد من الدمار، فعندما يسكت صوت السلاح عندها فقط يمكن استعادة الأمل بالسلام في سوريا.
*كل ما ذكر في المقابلة يعبر عن رأي من أجريت معهن/م المقابلة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة