مجزرة الكيماوي … ماذا بعد؟
- تاريخ النشر: 21 أغسطس 2021
- |
*سلمى الدمشقي
يصادف اليوم الذكرى الثامنة والحزينة لمجزرة نظام الأسد تجاه أهالي الغوطتين الشرقية والغربية وقصفهم بصواريخ محملة برؤوس كيميائية بداخلها غاز السارين، هو الأربعاء الأسود يوم 21/8/2013.
يقول أحد الشاهدين على هذه الجريمة وهو ممرض في أحد مشافي الغوطة:
كان يوم مناوبتي، وما إن خلدت إلى النوم حتى استيقظت من غفوتي على تلك الفاجعة العظيمة… وقفت صامتًا، أحدق بعناية، لا أصدق ما أرى ولا أعرف ما جرى، بلحظات معدودة وطرفة عين، امتلأت ساحة الإسعاف بأشخاص مصابين مفجوعين، ثوان قليلة وتتزايد أعداد المصابات/ين أكثر، إلى أن امتلأ ممر المشفى وساحته الخارجية التي تبلغ مساحتها ما يقارب المئة متر مربع… والناس يفترشون الأرض، بين شهيد وناج، بين طفل وامرأة، بين شيخ وشاب، كنت أسير بينهم وأكاد أصعق من هول المشهد، كنت أضع راحة يدي على شفتاي اللتين ترتجفان وأضغط عليهما، شعرت بأن عيناي كادتا تنفجران من عظمة الفاجعة .
وبحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان تسبَّب الهجوم الكيميائي الذي شنته قوات النظام السوري على غوطتي دمشق الشرقية والغربية، ليلة الأربعاء، 21 آب 2013، في مقتل 1144 شخصاً، بينهم 99 طفلاً، و194 سيدة (أنثى بالغة)، وأصيب قرابة 5935 شخصًا.
بعد ثماني سنوات من هذه المجزرة المروعة وعشر سنوات من الحرب الظالمة على الشعب الذي طالب بالحرية ما الذي تحقق؟
حذّر أوباما ومنذ البداية النظام السوري من استخدام السلاح الكيماوي، واعتبره “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه، وأنّ ما أسماه “قواعد اللعبة” سوف تتغير بشكل كامل في حال لجوء النظام إلى استخدام هذا السلاح.
بعد هذا اليوم المشؤوم دخل الملف السوري مرحلة جديدة (أو هكذا ظننا) إذ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في 1 أيلول عن قراره بتوجيه ضربة عسكريّة إلى النظام شرط تصديق الكونغرس على هذه الخطوة. وعلى الرغم من وجود معارضة واسعة ضمن شرائح الرأي العام الأميركي، ومن أعضاء في الكونغرس أيضًا، فإنّ احتمال تنفيذ الضربة العسكرية بقي قائمًا، ولم يتضاءل هذا الاحتمال إلا عندما أعلنت روسيا مبادرةً رحّب بها النظام السوري، وهي تقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السوريّة تحت الرقابة الدولية وبسحبها وتدميرها في مرحلة لاحقة.
في شهادته أمام الكونغرس في 19 آب 2013، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي: “إنّ التحرك تجاه الملف السوري يجب أن يحصل لحماية مصالح حلفائنا (تركيا، والأردن، وإسرائيل) فحسب”.
وعليه اتفقت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على قرار يطالب سوريا بالتخلي عن أسلحتها الكيماوية. وبناء على هذا القرار أقر المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية يوم 28/أيلول /2013 خارطة طريق تتناول تفكيك الترسانة الكيماوية السورية. ونص قرار المنظمة على إجراء عمليات التفتيش على كامل الأراضي السورية اعتبارًا من اليوم التالي على أبعد تقدير، وإمكانية تفتيش مواقع غير واردة في لائحة المواقع التي قدمتها دمشق. وأن ينتهي التدمير الكامل للترسانة الكيماوية بحلول أواسط نيسان عام 2014.
حسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فإن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي 217 مرة ضد مناطق سيطرة المعارضة منذ بدء الأزمة في سوريا منتصف آذار 2011.
ورغم أن معظم دول العالم تسابقت على نعت الرئيس السوري بالديكتاتور والمستبد الذي يقتل شعبه لأنه طالب بالحرية والديمقراطية، وأن شدة القمع الوحشي خلق مناخًا للإرهاب، وأن الأسد شكل مغناطيسًا للإرهاب، وأنه لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه لابد من تنحي الأسد والحلقة الضيقة المحيطة به، ومساعدة الشعب السوري لإقامة نظام ديمقراطي، وكانت أكثر الدول فاعلية في هذا الاتجاه أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ولكن بعد دخول داعش وباقي التنظيمات الإسلامية المتطرفة حدثت تحولات في الموقف الأميركي، وبدرجة أقل في الموقف الأوروبي. فأميركا، التي قادت التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، رفعت شعار “داعش أولًا”، لكن الأسد ليس شريكًا في الحرب على الإرهاب.
ولغاية الآن لاتزال معظم القوى الدولية وبعض القوى الإقليمية لا تريد انهيار “الدولة” حسب تصريحات معظم المسؤولين الغربيين والأمم المتحدة أيضًا. وفي هذا خلط واضح بين مفهومي النظام والدولة. حيث يفترض وحسب كل التجارب الدولية أن رحيل النظام أي نظام أو سقوطه لا يعني انهيار الدولة أو تفككها، وهذا الخلط من جانب الدول التي تدعي صداقة الشعب السوري يعود إلى عدم استعدادهم لدفع ضريبة التدخل الفاعل الذي يُمكِّن من حماية الدولة إذا انهار النظام. وبذلك هم يتفقون من الناحية الجوهرية مع كل من روسيا وإيران في الحفاظ على النظام.
حيث ينقسم الموقف السياسي الدولي من الأسد ونظامه؛ فعدد قليل من الدول لا تزال تقف إلى جانب النظام، وتعدّه نظامًا شرعيًا يواجه حركات إرهابية، ويجب دعمه كي ينتصر على الإرهاب، وبشكل خاص إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتختلف وسائل الدعم من دولة إلى أخرى. فبينما قدمت روسيا وإيران جميع وسائل الدعم، وصولًا إلى الدعم العسكري والقتال إلى جانبه، اكتفت الصين وبقية دول البريكس (البرازيل، ، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) بالدعم السياسي والدبلوماسي، بما في ذلك استخدام الصين حق الفيتو بالاتفاق بذلك مع روسيا.
وسابقًا كانت أميركا تصرّ على أن الحل السياسي يجب أن يؤدي إلى رحيل الأسد، وأنه ليس جزءًا من المرحلة الانتقالية. ولكن بعد التفاهمات الروسية الأميركية يبدو أن أميركا بدأت تتقبل فكرة مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، لكن لن يكون له دور في مستقبل سوريّا. وبعض الدول الأوروبية تتحفظ على التحول الأميركي الأخير، لكن هذا التحفظ غير مؤثر. بينما لا تزال روسيا تصرّ على أن من حق الأسد الترشح بعد المرحلة الانتقالية.
يهدف النظام إلى إعادة تأهيل نفسه واستمراريته بعد ذلك، ويعتمد في ذلك على حلفائه إيران التي تعتبر سوريا مدخلاً وممرًا اجباريًا لمشروعها الإقليمي الفارسي، وعلى روسيا التي تعتبر دخولها إلى سوريا ووضع كل ثقلها في هذه الحرب هو ثمن وصولها إلى المياه الدافئة لاستعادة مكانتها الدولية بوصفها “دولة عظمى” وإنهاء الأحادية القطبية العالمية، التي تفرّدت بها أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. تدرك روسيا أنها لا تستطيع، في المدى المنظور، أن تنتزع السيادة الدولية من يد أميركا، وتكتفي في أحسن الأحوال بمشاركة أميركا بهذه السيادة محاولة العودة إلى ما كان سائدًا خلال سنوات الحرب الباردة.
وطبعًا النظام هو الطرف الأضعف في هذا التحالف الثلاثي، وموازين بقاءه تعتمد على استمراره في تلبية أطماع حلفائه عبر تقديم المزيد من التنازلات من أراضي وثروات سوريا وزيادة الضغط والقمع والقبضة الأمنية على شعبه حتى لا يحدث أي اختلال في هذا التوازن الهش يفضي إلى انهياره.
بينما المعارضة السورية تعيش اليوم أسوأ حالاتها حيث تعاني من التشرذم وفقدان المصداقية ويتناقص الاعتراف الدولي والاهتمام بها يومًا بعد يوم، نتيجة خسارتها في الوضع الميداني وعلى الأرض حيث خسرت على مدى سنوات مناطق سيطرتها لتستقر بمناطق محدودة في الشمال السوري، تتصارع على السيادة به الفصائل المقاتلة المتعددة الولاءات والارتباطات بالأجندات الخارجية المكونة لتلك القوى، (تركيا – السعودية – قطر) وبالتالي خسرت في تفاوضها مع النظام الورقة العسكرية وهذا ما شهدناه في مفاوضات استانة ولم يبق لديها ما تعوّل عليه إلا الحل السياسي وحيث أن مفاوضات جنيف بعد فشل الجولة الأخيرة توقفت فلم يبق لديها إلا اللجنة الدستورية لتراهن عليها لإعادة تواجدها والتي تعتبرها الممر الاجباري لخارطة الحل السياسي والتي ستعيد لها مكانها في المعركة السياسية بوصفها طرفًا مواجهًا للنظام عند بدء المرحلة الانتقالية وإعادة ترتيب وهيكلة البيت الداخلي.
ويبقى الشعب السوري بكافة انتماءاته وتوجهاته هو الخاسر الوحيد في هذا الصراع حيث أصبح مشتتًا منهكًا بالبحث عن لقمة العيش وخائفًا من شبح الجوع والمجاعة وأصبح حلمه بالحرية والعدالة لأطفاله الذين قتلوا بالكيماوي ولشاباته وشبابه اللواتي/الذين قتلن/وا تحت التعذيب أو في الحرب وهجرن/وا في أصقاع الأرض كافةً واستباحت أراضيهن/م وممتلكاتهن/م بعيدًا جدًا…
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة