آفاق العمليّة السياسيّة ومبدأ “خطوة مقابل خطوة”

 

وفقاً للتوجيهات الصادرة عن مجلس الأمن، فإنّ المهمة الموكلة إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا “غير بيدرسون”، تتمثّل في دعم تحقيق حلّ سياسيّ قويّ وشامل. وهذا يتضمّن تطوير خطط عمل، لتفعيل قرار مجلس الأمن رقم 2254 بصورة كاملة. لكن حتى اللحظة، لم تظهر نتائج فعليّة بسبب عوامل عديدة، منها تعنّت النظام السوريّ، والمواقف المتباينة للأطراف الفاعلة على الصعيدين المحليّ والدوليّ. واستجابةً لذلك، قام المبعوث الخاص مؤخّراً بتكثيف جهوده، متّبعاً مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، آملاً أن تساعد هذه المنهجيّة في التقدّم التدريجيّ، جنباً إلى جنب مع العمل المشترك مع اللجنة الدستوريّة، اللذين يشكلان العمادين الأساسيين لاستراتيجيّته الدبلوماسيّة. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية مناقشة فعاليّة هذه المنهجية ووضعها على الطاولة. 

 فالنظام السوريّ، يضع عوائق كبيرة في وجه أيّ تقدم للعملية السياسيّة المستندة إلى مرجعيات الأمم المتحدة، خاصة تلك المؤكّدة في بياناتها وقراراتها (بيان جنيف 2012، وقراري مجلس الأمن الدوليّ 2118، الصادر عام 2013، و2254 الصادر عام 2015). وشدّدت هيئة التفاوض السوريّة على عدّة نقاط مهمة، منها تشكيل حكمٍ ذي مصداقيّة، يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفيّة. وإنجاز دستور، يضمن الفصل بين السلطات، ويمنع أيّ سلطة من التغوّل على الأخرى، مع تحديد مدّة رئيس الجمهوريّة وصلاحيّاته. إضافة إلى إجراء انتخابات حرّة ونزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة، يشارك فيها جميع السوريّات والسوريين، في الداخل والشتات.  

 مع هذا لم يكن أمام هيئة التفاوض السوريّة، بعد تعثّر العمليّة السياسيّة التفاوضيّة عام 2016، ومحاولة متابعتها بالعام 2017 نتيجة لتعنّت النظام سوى التعامل بإيجابيّة، مع مخرجات مؤتمر الحوار السوريّ “مؤتمر سوتشي”، في أواخر الشهر الأول 2018 دون المشاركة فيه، بالموافقة على اللجنة الدستوريّة بهيئتيها الموسّعة والمصغّرة تحت رعاية الأمم المتحدة، التي شُكّلت بعد تأخّر حوالي العامين، من ثلاثة أثلاث متساوية العدد (فريق هيئة التفاوض السوريّة، وفريق الحكومة السوريّة، وفريق المجتمع المدنيّ). ومن ثَمّ بدأت عملها الذي لم ينتج أيّ مادة دستوريّة بعد ثماني جولات، استغرقت حوالي العامين والنصف. 

 وافقت هيئة التفاوض السوريّة على عقد اجتماعات اللجنة الدستوريّة، في أيّ مقرّ للأمم المتحدة خارج جنيف، لتسهيل المهمة الموكلة للسيد بيدرسون، ولم تضع له شروطاً لمتابعة عمله، لكنها ثبّتت معه أهمية الالتزام بالإجراءات المتفق عليها، عند بدء عمل اللجنة الدستوريّة، ومنها أن يقدّم النظام السوريّ إثباتاً كتابيّاً في لائحة النظام الداخليّ الميسرة لعمل اللجنة الدستوريّة، بأنّ الوفد يمثله وليس مرشحاً من الحكومة السوريّة، ليكون ذلك ضماناً لوجود طرفي النزاع في الساحة السوريّة، تخوّفاً من رفضه لاحقاً لأيّ مقترح، يتمّ التوافق عليه بحجة أنّ الوفد لا يمثله. إضافة إلى تحديد زمنيّ لجولات متلاحقة – باليوم والشهر، حتى تتمكّن اللجنة الدستوريّة من إنجاز مهامها خلال المدّة المحدّدة لها، وإلا سوف يبقى النظام قادراً على المماطلة، لعدم وجود أيّ جدول زمنيّ. ومناقشة مشروع الدستور، والدخول في صلب المهمة، وليس الدوران حولها. 

 جاء طرح السيد بيدرسون مؤخّراً لمبدأ “خطوة مقابل خطوة”، كإجراء لحلّ جمود العمليّة السياسيّة التفاوضيّة رباعيّة المحاور، وهو إجراء غير واضح المعالم، وهذا ما يدفعنا للتساؤل: هل هو مشروع للتفاهم بين النظام السوريّ والمعارضة السورية؟ أو مشروع للتفاهم ما بين النظام السوريّ، والمحيط العربيّ والإقليميّ والدوليّ؟ وهل يمكن أن يكون بالفعل آليّة مناسبة، لتنفيذ القرارات الدوليّة ذات الصلة بالملفّ السوريّ، وخاصة القرارين 2118 و2254؟ أم أنها مجموعة من الخطوات، التي يقدّمها المجتمع الدوليّ للنظام بداية بتخفيف العقوبات جزئيّاً عنه، والمباشرة بإعادة الإعمار، كي يوافق على التقدّم بالعمليّة السياسيّة، ويقوم النظام بمجموعة من الخطوات لصالح علاقاته مع دول الجوار والمجتمع الدوليّ، كما يشير إليها السيد بيدرسون؟ وتنبع هذه التساؤلات التي تبدو مكرّرة في بعض الأحيان، من استمرار معاناة الشعب السوريّ على اختلاف مواقعه وتوجهاته، خاصة وأنّ النظام لم يتجاوب حتى مع المبادرات، التي وُجّهت إليه للبدء بالحلّ السياسيّ خارج الأمم المتحدة ومنها: مشروع المجموعة الثلاثيّة (روسيا، تركيا، سوريا)، التي تحوّلت إلى رباعيّة بانضمام إيران إليها، والمبادرة الأردنيّة، التي تحوّلت إلى عربية، بعد قرارات مجلس الجامعة العربيّة المؤكّدة على مضمونها في بيان مجموعة التواصل العربيّة المتكرر بكلّ من اجتماعي عمان والقاهرة. 

إنّنا في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة، نرى أنّ نجاح العمليّة السياسيّة، وربطها بمبدأ “خطوة مقابل خطوة”، يتطلّب من كلّ العاملات والعاملين عليها، بمن فيهم مجلس الأمن الدولي، وفريق الأمم المتحدة ممثلاً بالسيد بيدرسون، وأيضاً مجموعة التواصل العربيّة، الالتزام بمعايير محدّدة. ومن الضروري التأكيد على أهميّة مطالب الشعب السوريّ، ووجودها على طاولة التفاوض، وعدم تغييبها في ظلّ المصالح الإقليميّة والدوليّة، لضمان فرص السلام المستدام ونجاح العمليّة السياسيّة. علاوة على ذلك، يجب أن تصبّ كلّ خطوة يتمّ اتخاذها في التنفيذ الكامل والصارم للقرار 2254، بمشاركة المعارضة السوريّة الممثلة بهيئة التفاوض السوريّة، مع الأخذ بعين النظر بأنّ المبادئ الإنسانيّة حقّ للشعب السوريّ، وواجبة التنفيذ وغير قابلة للتفاوض. إضافة إلى ذلك، أن يكون هناك تماثل في الخطوات، بمعنى عندما تكون الخطوة مسؤولة، ويلتزم بها النظام بوقف الاعتقال والإفراج الكامل عن المعتقلات والمعتقلين، وضمان العودة الطوعيّة للاجئات واللاجئين وضمان عدم اعتقالهن/م، يجب أن يكون هناك خطوة مقابلة لها تماثلها، فأيّ خطوة يتمّ تحقيقها، يكون لها استجابة متوازنة بالثقل والحجم ذاته، وأن تكون الخطوات التي يقدّمها النظام غير قابلة للتراجع. وأخيراً، من الضروري تفعيل عمل اللجنة الدستوريّة وتقدّم العمليّة السياسيّة، مع التأكيد على أنّ هذه العمليّة، لا يجب أن تقتصر على اللجنة الدستورية فحسب، بل يجب أن تشمل أيضاً محاور أخرى مثل هيئة الحكم الانتقاليّ، والانتخابات ومكافحة الإرهاب. 

 من الواضح بالنسبة لنا نحن في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة، أنّ اقتراح مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، الذي طرحه المبعوث الأمميّ، قد يؤدّي إلى إعادة تأهيل الأسد والتطبيع مع نظامه، دون تحقيق تغيير حقيقيّ وجوهريّ، خاصة وأنّ الأسد يبدي مقاومة للانخراط في عمليّة سياسيّة شاملة، تشمل الانتقال السياسيّ، إجراء محاكمات عادلة، والكشف عن مصير المعتقلات والمعتقلين، وتوفير ضمانات لسلامة اللاجئات واللاجئين. هذه التغييرات تتطلب إصلاحات جذريّة في الهيكل الأمنيّ للنظام، وتغييراً في استراتيجيّة النظام الشموليّة، وهو ما يرفضه الأسد حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، لا ضمانات تؤكّد عدم تراجع الأسد عن أيّ خطوات يتخذها. ونحن نعبر أيضاً عن تخوّفاتنا من أنّ البدء في تطبيق هذه الاستراتيجيّة، قد ينتهي بالإقصاء المتعمّد للمعارضة السوريّة والشعب السوريّ. حتى في حال تنفيذ هذه الخطوات، لا يزال من غير الواضح؛ كيف ستساهم فعليّاً في دفع العمليّة السياسيّة إلى الأمام. 

 لهذا، نطالب المبعوث الأمميّ، بإعادة تقييم استراتيجيّته التفاوضيّة، التي لم تؤتِ ثمارها، والبحث عن طرق بديلة وأكثر فعاليّة وواقعية وصدقاً، لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما يخدم مصلحة الشعب السوريّ. 

 

اللجنة السياسيّة في الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة