الاقتتال في شمال شرق سوريا 

 

في السابع والعشرين من آب الماضي، اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحمد الخبيل، قائد مجلس دير الزور العسكري، رغم أن المجلس يتبع لقسد نفسها. وعلى الرغم من أن الخبيل، الذي لم يكن يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة سواءً بين القيادات العشائرية أو بين السكان، أصبح محوراً للتوتر بين قسد والمجلس العسكري. وذلك بعد رفض قسد للتراجع عن قرار الاعتقال بالرغم من الدعوات من قيادة المجلس، الذي منحها مهلة لإطلاق سراحه، نتيجة لذلك اندلعت اشتباكات بين الطرفين.

سرعان ما انضمت العشائر المحلية للمعركة دعمًا لمجلس دير الزور العسكري، ما يبرز أهمية الديناميات العشائرية في السياق المحلي. يُضاف إلى ذلك وجود توترات داخلية في قسد نفسها، ناجمة عن عدم التوافق حول القضايا المحلية والاستراتيجية، مما يعقد الوضع أكثر ويعزز من الأزمات القائمة.

اتهمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) العشائر بتسهيل دخول قوات النظام السوري عبر نهر الفرات، الذي يفصل بين مناطق سيطرتها وسيطرة النظام في المحافظة. ولكن القبائل العربية نفت هذه التهم بشكل قاطع، ولم يظهر أي دليل يدعم هذا الاتهام. من جهة أخرى، حاولت القيادة السياسية لقسد اتهام إيران بالوقوف خلف هذه الاشتباكات. 

ومع ذلك؛ هذه الاشتباكات لم تكن فقط نتيجة للصراع حول الخبيل وحده، بل كانت تعبيرًا عن احتجاجات أعمق تجاه إدارة قسد للمنطقة. حيث كانت العشائر تتحدث عن قضايا مثل الإهمال والفساد وضعف الخدمات، والتفرقة في استغلال الموارد المحلية. بالإضافة إلى ذلك؛ أشار الأهالي إلى عدم تجاوب الإدارة الذاتية لقسد مع نداءاتهم المتكررة لوقف الانتهاكات والتمييز في إدارة المنطقة. وطالبوا بمزيد من المشاركة في الحكم كحل لهذه القضايا المتفجرة. فبينما كان اعتقال أحمد الخبيل هو السبب المباشر لاندلاع الاشتباكات، لم يكن هو العامل الجوهري الذي أثار هذه الأحداث. 

حاول النظام السوري استغلال هذه المعارك لتقديمها كثورة عشائرية ضد الوجود الأميركي في المنطقة. لكن كان الواقع مختلف تماماً، لأن العشائر لم تقترب مطلقاً من القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة سواءً في القاعدة الموجودة ضمن حقل العمر النفطي أو في غيرها من المناطق، بالعكس تماماً، فإن كل البيانات التي صدرت عن مشايخ العشائر تؤكد على أنهم يطلبون دعماً من التحالف ومن الولايات المتحدة، لذلك لم تفلح محاولات النظام وإيران للدخول على خط تلك المعارك والاشتباكات وخلط الأوراق في المنطقة.

كما يمكن للنظام السوري استغلال الوضع المعقد في شمال شرق البلاد لصالحه بعدة طرق. يمكنه تقديم نفسه كحل للاستقرار، أو استخدام التحديات لتعزيز موقفه على الساحتين الإقليمية والدولية. كما استفاد ومازال يستفيد في حالة الاستقرار، حيث يمتلك النظام علاقات وترتيبات مع قوى سيطرة أمر الواقع تسهم في تحقيق مصالحه ومصالح حلفائه الإيرانيين.

من ناحية أخرى؛ اتهمت قسد تركيا بدعم العشائر في هذه المعارك، وذلك استنادًا إلى اشتباكات وقعت بالقرب من منبج، حيث قامت مجموعات عشائرية من النازحين من دير الزور في شمال حلب بمهاجمة نقاط عسكرية تابعة لمجلس منبج العسكري، الذي يتبع لقسد. وبدا أن هذه الاشتباكات جاءت كمحاولة لمؤازرة العشائر في الجزيرة، في معركتهم ضد ما يرونه كإهمال ومظالم من قبل قسد. 

بعد أسبوع من بدء الاشتباكات حصل اجتماع برعاية أمريكية في السفارة الأمريكية في بيروت، جمع بين قسد والعشائر العربية، ثم أصدرت السفارة الأمريكية في بيروت بياناً أكد أن المجتمعين قد اتفقوا على معالجة مظالم أهالي دير الزور، والتدخل الخارجي في المنطقة، وضرورة تجنب القتلى والجرحى بين صفوف المدنيات/ين، ووقف تصعيد العنف.

أسفرت المعارك الأخيرة عن مقتل أكثر من 90 شخصًا من الطرفين، وهناك خطر على الارتفاع في عدد الضحايا إذا استمر النزاع. كما أثرت هذه المعارك على الأوضاع الإنسانية، حيث شهدت القرى على الضفة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور موجة نزوح، بالإضافة إلى تضرر المدنيات والمدنيين.

إضافةً إلى ذلك؛ نلاحظ غياب وجهات نظر النساء، وأن التقارير والتحليلات لم تأخذ في الاعتبار تجارب النساء كنازحات أو ضحايا للعنف. من جهة أخرى، المشاركة النسائية في المنطقة تخضع لإدارة وتوجيه وفكر “قسد”، وهي ليست فعّالة على النحو الذي يُظهره الإعلام، بل تقل عن المستوى المطلوب. أما في السياق العشائري، فإن النساء مُغيّبات عن مستوى صنع القرار. يعود هذا الغياب إلى النظم الاجتماعية التقليدية التي تُفضل الذكور، وإلى التمييز الجنسي في مجالات مثل التعليم والعمل، وإلى قلة الوصول إلى المنصات التي يمكن من خلالها للنساء التعبير عن آرائهن.

نحن في الحركة السياسية النسوية السورية؛ نجد أن الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية هو الخطوة الأساسية للتغلب على هذه القضايا العميقة بإطار وطني شامل. حتى يتم تحقيق ذلك؛ على المجتمع الدولي الضغط على قوى سيطرة أمر الواقع، والتعامل بجدية لحل المشكلات الجوهرية التي أثارت الوضع في المنطقة. ينبغي العمل على إدارة المنطقة بطريقة تُمكن المواطنات والمواطنين من المشاركة الأكبر في الحكم، وتحسين الخدمات، والاستفادة من الثروات المحلية. إن عدم معالجة هذه القضايا بشكل فعّال سيترك بالتأكيد أثرًا سلبيًا على المنطقة في المستقبل. أيضاً يتعين العمل على تعزيز مشاركة النساء في جميع مستويات الحياة العامة والخاصة، بما في ذلك عمليات اتخاذ القرار والوسائط والتعليم. كما يجب توجيه الأبحاث والتقارير لتشمل تجارب النساء ووجهات نظرهن بشكل متوازٍ.

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية