الزلزال وأثره على الحالة السورية

 

في الصباح الباكر من السادس من شهر شباط ضرب زلزال بدرجة ٧،٨ منطقة جنوب تركيا وشمال سوريا، وكانت قوته التدميرية كبيرة جداً، مما أدى لوقوع عدد كبير من الضحايا، وصل إلى أكثر من خمسين ألفاً في سوريا وتركيا. واستمر منذ تاريخه وحتى الآن توارد الهزات الارتدادية والزلازل متوسطة الشدة على المنطقة. لم تكن الكارثة في شمال سوريا ناتجة عن الزلزال فقط، وإنما أيضاً بسبب اعتماد الاقتصاد المحلي على ما يصل للمنطقة من خلال المعابر منذ سنين، وبسبب نقص الاستجابة. 

سياسيًا أظهرت الكارثة عجز المنظومة الدولية عن الاستجابة السريعة في هذه الكوارث، وعدم تفعيل طرق للاستجابة وفق القوانين الدولية والآليات المتاحة لإيجاد طرق فعالة في الحالات الطارئة الاستثنائية، فقد تأخرت الاستجابة في هذه المناطق كثيراً بعد الكارثة، مما أدى لزيادة عدد الضحايا، الذين كان يمكن إنقاذهم ونشلهم من تحت الأنقاض، بينما تركوا بسبب العجز وعدم كفاية الآلات اللازمة، ليواجهوا موتاً لم يكن محتماً لولا التقصير. 

كان المعبر الوحيد المفتوح وفق قرار مجلس الأمن ٢٦٧٢ هو معبر باب الهوى، الذي أعلنت تركيا عدم القدرة على استخدامه لسوء وضع الطريق بسبب الزلزال، مما ترك السوريات والسوريين في الشمال السوري وحيدين دون معدات كافية في مواجهة الكارثة، ولم تستطع الأمم المتحدة إيجاد بدائل في الوقت المناسب، فلم يتم إيجاد طرق أو معابر بديلة، وقد اعترفت الأمم المتحدة متأخرة بتقصيرها، حيث لم يعد الاعتراف يقدم شيئا للمتضررات/ين وللذين فقدوا حياتهم نتيجة التقصير.

لم يكن سلوك القوى المحلية والإقليمية أفضل من ذلك، فقد كان تسييس المساعدات الإنسانية واضحاً منذ البداية، فتركيا كانت معنية بإرضاء مواطنيها وهي التي تعرضت لكارثة كبيرة جداً، هذا جعلها لا تلتفت إلى الضرورات الإنسانية للضحايا الآخرين، فبينما وصلت جثث السوريات/ين عبر الطريق الذي أعلن مقطوعاً بسبب الزلزال، لم تستطع المساعدات الوصول عبره. وقد رفضت أطراف محلية، كالحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، وعبر تغريدة لرئيسها، دخول مساعدات مقدمة من جهات سورية أخرى “كالإدارة الذاتية”، بينما اشترط النظام أن تقدم المساعدات عبره. 

تأخر النظام السوري في إعلان المدن السورية التي ضربها الزلزال مدناً منكوبة، ولم يعلن حالة طوارئ مرتبطة بالكارثة، مما جعل تقديم المساعدات الدولية لكامل الأراضي السورية أبطأ. ربما كان هذا التأخر بالإعلان ناتجاً عن مفاوضات كان يجريها هذا النظام، مفاوضات من أجل السيطرة على المساعدات، وأن يكون توزيعها عبره فقط. في اليوم ذاته الذي أعلن فيه النظام المدن المنكوبة، ومن ضمنها إدلب التي تقع خارج سيطرته، أعلن عن فتح معبرين حدوديين مع تركيا عدا معبر باب الهوى، هما معبر باب السلامة ومعبر الراعي وبموافقة النظام السوري ولمدة ثلاثة أشهر فقط، كما أعلن عن فتح معابر مع النظام السوري وعن وصول مساعدات لمناطق الشمال الغربي عبر هذه المعابر، وهكذا فإن سيطرة النظام على المعابر أو على قرار فتحها قد كرس بموجب ذلك. 

لم يكن سلوك رأس النظام مع المناطق التي يسيطر عليها بأحسن حالاً، فقد ظهر في زيارة تفقدية للمناطق المتضررة بحلب وهو يضحك، ويتحدث عن حربه التي خاضها ضد شعبه، ولم يعلن عن أي خطوات سيقوم بها لمساعدة المنكوبات/ين.

يشترط النظام السوري أن يتم وصول المساعدات، في مناطقه وعبره، عبر منظمتين هما الهلال الأحمر، والأمانة السورية للتنمية، التي تديرها زوجة رأس النظام “أسماء الأسد”، مما يشكل قلق من إمكانية سرقة المساعدات وعدم وصولها إلى مستحقيها. ومع ملاحظة أن نسبة الضرر في شمال سوريا يشكل ٨٠٪ من الضرر الحاصل، بينما يشكل الضرر الحاصل في مناطق سيطرة النظام ٢٠٪ فقط، مما يطرح تساؤلات حول عدالة التوزيع. 

بقي وصول المساعدات قاصراً وغير كاف إضافة لتأخره، فالمساعدات الأولى التي وصلت كانت مجدولة قبل الزلزال، لكنها تأخرت بسبب إغلاق المعابر، ولم تكن تستجب للحاجات الملحة التي خلقتها الكارثة. إن المساعدات المقدمة حتى تاريخ كتابة هذه الافتتاحية غير كافية، ومازالت الحاجة شديدة جداً، خصوصاً وبالدرجة الأولى إلى مأوى، فإن الأسر السورية تفترش الطرقات، أو تجتمع في أحسن الأحوال في سكن جماعي مؤقت أقيم بسرعة، فاليوم أصبحت الخيمة حلماً لهذه الأسر.

لم يكن حال السوريات والسوريين في تركيا أفضل، فالكثير منهم كان يسكن المدن المنكوبة، وهم بذلك يعانون تشرداً الآن في ظل تخبط وعدم وضوح القرارات التركية بشأنهم، فتحمل وسائل التواصل الاجتماعي نقلاً لقرارات متضاربة وغير واضحة، حول الأمكنة التي يستطيعون التوجه إليها، وحول الإجراءات التي يجب الالتزام بها لمغادرة المناطق المنكوبة، وإن كانوا يستطيعون مغادرة تلك المناطق أم لا، هذا عدا عن القلق الذي خلقته الكارثة من فرض عودة اللاجئات/ين، وسوء الحالة المادية لمعظمهم، خاصة من يعملون في أعمال يومية ذات أجر رخيص، والذين خسروا أعمالهم بسبب الكارثة. 

ويجب أن لا ننسى الحاجات الخاصة للنساء، وأن لا يتم إهمالها من سلة المساعدات، بل اعتماد الاعتبارات الجنسانية في المساعدات، من حمامات خاصة في المخيمات وليست منعزلة كي لا يتعرضن للتحرش، ولحظ احتياجاتهن الخاصة في السلل، وتمكين خيم منفردة لكل أسرة. 

برزت أيضاً نتيجة الزلزال مشكلة الأطفال الذين نجوا، لكن أهلهم قضوا تحت الأنقاض، إذ يجب تأمين بيوت رعاية مناسبة لهم والحرص على عدم وصول تجار الحرب والبشر إليهم. 

في الوقت الذي رأينا فيه انقساماً سياسياً بين السوريات/ين، واستغلالاً سياسياً للكارثة من الأطراف المتحاربة، رأينا بالمقابل تلاحماً بين السوريات والسوريين في كل أماكن تواجدهن\م، فقد كانت التبرعات تذهب في كل اتجاه، وبدون سؤال عن الرأي السياسي لمتلقيها، وهذا ما يجب على كل القوى الوطنية والديمقراطية البناء عليه، لإعادة الهوية الوطنية السورية الجامعة، ورأب الصدع والتشظي الذي خلقته الحرب.

تعاطفت دول العالم مع منكوبي الزلزال، فقامت بتجميد بعض عقوباتها على النظام السوري كي تتيح إمكانية أكبر لوصول المساعدات، فنرى أمريكا قد خففت بعض العقوبات لمدة ستة أشهر، مع التأكيد دوماً أن العقوبات لا تستهدف الغذاء وقطاع الصحة، ونرى أوروبا قد خففت التقييد على التعامل المالي مع النظام السوري، وأعلنت عن جسر جوي للمساعدات للمتضررات/ين في كل المناطق السورية، لكنها تصل لمناطق النظام أولاً، وقد هبطت طائرات المساعدات في مطار دمشق. هذا قد يكون في مصلحة السوريات والسوريين؛ إذا لم يتم استغلاله من قبل النظام لفائدته الخاصة وإعادة تأهيل نفسه، هذا القلق الذي عبر عنه العديدون. 

نرى أن النظام السوري يحاول استغلال العلاقات التي أقامتها الدول معه بعد الكارثة، من أجل تقديم المساعدات، لإعادة تأهيل نفسه، فقد قام رأس النظام مؤخراً بزيارة لسلطنة عمان من أجل فك الحصار الديبلوماسي عنه، كما استقبل وفداً من البرلمانيين العرب، واستقبل أيضاً وزير الخارجية المصري، الذي أكد في تصريح صحفي من داخل سوريا هدف الزيارة الإنساني، بينما صرح وزير خارجية النظام بالمقابل عن أهمية العلاقات بين البلدين. 

 إن محاولات النظام هذه ليست جديدة، ولم تأت بعد الكارثة فقط، وأيضاً إن الحراك لمحاولة إعادة العلاقات معه ليس جديداً، فقبل الكارثة طالبت الجزائر بعودته للجامعة العربية ولم توفق، وقبل الكارثة أيضاً أعلن عن بدء محادثات بين النظامين السوري والتركي، وكان مجدولاً لقاء بين وزراء الخارجية، ألغته الكارثة. 

إن استعصاء الحل السياسي في سوريا زاد من معاناة السوريات\ين في كل أماكن وجودهن\م. فقد كان سبباً في تسييس المساعدات ودخولها ووصولها إلى مستحقيها، وعليه رغم أن الكارثة الآن كارثة إنسانية، ويجب معالجتها إنسانيا بالسرعة اللازمة، لكن ليس هناك حل جذري لكل معاناة السوريات\ين، إلا بحل سياسي شامل عبر التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، ينهي الحرب ويشكل أساس لسلام مستدام، يضمن حقوق الشعب السوري، وينهي معاناة المعتقلات\ين والمغيبات\ين قسرياً والمخطوفات\ين الذين زادت معاناتهم في ظل الكارثة وعدم القدرة على الاطمئنان على أهاليهم.

نحن في الحركة السياسية النسوية السورية نؤكد على ضرورة خضوع عمليات توزيع المساعدات إلى مراقبة أممية ودولية، تضمن وصولها إلى مستحقيها وعدم سرقتها، وعدم استغلالها سياسياً، وتضمن توزيعاً عادلاً بين المناطق المتضررة، ويراقب توزيعها على اللاجئات/ين في تركيا أيضاً، كي يضمن توزيعاً عادلاً يشمل الجميع، ويعمل على استدامة وصول هذه المساعدات، وعدم انقطاعها بعد ثلاثة أشهر، فالكارثة التي سببها الزلزال تحتاج إلى استجابة عاجلة وفورية، لكنها تحتاج أيضاً إلى استجابة طويلة الأمد، وإلى خطط تنمية تؤمن عمل ومصدر عيش للمتضررات/ين كي يستغنوا عن المساعدات.

ونؤكد على ضرورة ضمان بقاء المعابر مفتوحة وأن لا تغلق بعد ثلاثة أشهر، وأن لا يرتبط فتحها بموافقة النظام السوري، وإيجاد آلية دولية تضمن فتح المعابر ووصول المساعدات وعدم تسييس ذلك، ومراعاة الاعتبارات الجنسانية في هذه المساعدات، كما نرى ضرورة محاسبة من كان سبباً في تأخير وصول هذه المساعدات.

كما نؤكد في الحركة السياسية النسوية السورية على ضرورة العمل على حل سياسي شامل ينهي معاناة السوريات\ين، والحرص على عدم السماح باستغلال الكارثة سياسياً من أي طرف لمصالحه السياسية الضيقة، وعدم السماح للنظام السوري لاستغلال الكارثة لإعادة تأهيل نفسه، واستغلال المساعدات لتمويل آلته الحربية، أو إعادة إعمار المناطق التي لم تتضرر من الكارثة، أو سرقتها من قبل تجار الحرب والأزمات، ومن الفاسدين المسيطرين على مفاصل الحكم. 

 

اللجنة السياسية في الحركة السياسية النسوية السورية